انفوبلس تخوض في ملف "جماعة القربان" بعد تسجيل حالات انتحار جديدة في ذي قار
صناعة مخابراتية ودوافع سياسية
انفوبلس تخوض في ملف "جماعة القربان" بعد تسجيل حالات انتحار جديدة في ذي قار
انفوبلس/..
من جديد، تعود "جماعة القربان" بتنفيذ حالات انتحار في ذي قار، لتنشر الرعب داخل أوساط المحافظة التي سجلت حتى الساعات الأخيرة 4 حالات في مناطق مختلفة، وسط تحذيرات من تفشي هذه العقيدة المتطرفة، ومطالبات بتحرك سريع وعاجل يضع حداً لها بشتى الطرق.
*آخر الحالات
وأفاد مصدر أمني في ذي قار، مساء أمس الثلاثاء، بتسجيل أربع حالات انتحار في مناطق مختلفة، بينها انتحار مراهق ينتمي لجماعة "القربان" المثيرة للجدل، "والقلق" في أوساط المحافظة.
وذكر المصدر، أن "مراهقاً يبلغ من العمر 15 عاماً أقدم على الانتحار شنقا بواسطة سلك كهربائي، داخل منزله بقضاء الرفاعي شمالي محافظة ذي قار، وبحسب التحقيقات الأولية تبين أن دوافع الانتحار هي الانتماء لجماعة (القربان) المنحرفة".
وتابع المصدر، "كما أن شاباً في العشرينيات من عمره أقدم اليوم الثلاثاء، على الانتحار برمي نفسه في نهر الخميسات خلف السجن الإصلاحي بذي قار، بسبب سوء حالته النفسية".
وأضاف، أن "حادث انتحار ثالث سُجل لشاب دون العشرينيات عمره، حيث أقدم على شنق نفسه بواسطة وشاح نسائي داخل منزله في قضاء الشطرة شمالي محافظة ذي قار، لكن ذويه تمكنوا من إنقاذه وأكدوا أنه يعاني من حالة نفسية".
وأشار المصدر، إلى أن "شاباً في العشرينيات من عمره أيضاً، قام بمحاصرة ذويه وهو تحت تأثير الخمور والتهديد بقتلهم بواسطة الغاز ثم الانتحار بواسطة سكين حادة، إلا أن الأجهزة الأمنية وصلها إبلاغ بالحالة وتمكنت من اعتقاله بعد إخبار من والده ضده"، مبيناً أن "الشاب المعتقل اتضح لاحقاً أنه مطلوب للأجهزة الأمنية وفق أحكام المادة 372 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل".
وفي 22 نيسان الماضي، أفاد مصدر مطلع في ذي قار، بأن حالات الانتحار التي شهدتها المحافظة مؤخراً هي لشباب من جماعة "القربان"، وقال مصدر أمني، إن "حالات الانتحار التي حصلت في قضاء سوق الشيوخ خلال الأيام الماضية تندرج ضمن جماعة العلاهية (العلي إلهية) أو القربان، وقد عثرت القوات الأمنية اليوم على أحد المنتحرين مقيد اليدين".
وأضاف، أن "تحقيق القوات الأمنية بالحادث توصلت إلى أن الضحية على ما يبدو رفض ظهور اسمه في قرعة الانتحار التقليدية لدى الجماعة، ولذلك تم تقييده وإجباره بالقوة على هذا الأمر".
وأشار المصدر إلى، أن "القوات الأمنية نفذت حملات دهم وتفتيش ضد أفراد الجماعة المتطرفة وقد اعتقلت اثنين منهم، وهما قيد التحقيق حالياً".
*"جماعة القربان"
تنشط هذه الجماعة في قضاء سوق الشيوخ جنوبي محافظة ذي قار، وأثارت خلال الأيام الماضية الرُّعب بصفوف المجتمع المحلي بعدما أقدم أحد أفرادها على الانتحار شنقاً مؤخراً بواسطة حبل داخل أحد المواكب الحسينية في القضاء المذكور.
يزعم أفراد هذه الجماعة، إنهم يعبدون الإمام علي (عليه السلام)، وأنهم بين الحين والآخر يُجرون قرعة فيما بينهم، ومن يظهر اسمه يذهب قرباناً للإمام". تسببت هذه الجماعة بحالة من الصدمة في قضاء سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار، حيث يمارس أفرادها الانتحار الجماعي عبر القُرعة.
*انتحار بالعشرات وملاحقات أمنية
ويقول مدير منظمة "التواصل والإخاء" الاجتماعية، علي الناشي، بأن منظمته سجلت خلال الربع الأول من العام 2023، أكثر من 24 حالة انتحار انتهت بوفاة أصحابها في مدينة الناصرية وضواحيها، فيما تم تسجيل العشرات من الحالات غير المكتملة.
وأكد أن "هذا العدد من حالات الانتحار يشكل رقماً كبيراً مقارنة بالأعوام الماضية"، مشيراً إلى تسجيل العديد من الحوادث الجنائية على أنها حالات انتحار وخاصة من جانب النساء.
وفي شهر أيار/ مايو 2023، أعلنت وكالة الاستخبارات والتحقيقات في وزارة الداخلية العراقية عن إلقاء القبض على أربعة أشخاص في قضاء سوق الشيوخ في محافظة ذي قار، متهمين بالانضمام إلى جماعة "القربان"، مبينة أنها اتخذت الإجراءات القانونية بحقهم وإحالتهم إلى الجهات المختصة لاستكمال التحقيقات معهم.
*تعاليم وطقوس خاصة
وكشف مصدر مطلع عن مراسم الحركة قبل تنفيذ أي عملية الانتحار لأعضائها، مؤكداً أن لديهم كتاباً يستمدون منه تعاليمهم الدينية.
وذكر المصدر، أن "الكتاب بعنوان (أنا أنا أنا) وشعارهم (من يمت يرني)"، لافتاً إلى أن "الكتاب يتم تداوله فقط عبر قنوات خاصة على تطبيق التلغرام، حيث إن علاقات أنصار الجماعة محدودة بحلقات صغيرة للغاية تتواصل فيما بينها إلكترونياً".
وتابع، "قبل كل عملية انتحار تُجرى، يتم إحضار شموع وأزهار القداح، فضلاً عن قراءة بعض الأعمال الخاصة بهم، ثم يتم تكليف الشخص المنتحر بإتمام العملية قرباناً للإمام علي بن أبي طالب، وتحت إشراف بعض العناصر الخاصة بهم، وطرق الانتحار أما برمي الجسد من شاهق أو شنقاً".
*من يقف وراؤهم؟
وبهذا الصدد، يقول الباحث في التراث الإسلامي محمد البخاري، إن هذه الحركات والجماعات "المنحرفة" عن الخط الاجتماعي السائد تمثّل "حالة مَرضية" لها أسبابها الداخلية والخارجية، وتؤدي إلى "سلوك شاذ" في فهم الحقائق و"ربما يكون بعضها ضحية صناعة مخابراتية لتشويه فكرة عقائدية وكسر قدسيتها في المجتمع المستهدف".
وعن جذور هذه الحركات، يقول البخاري، إن هذه الجماعات تعود إلى عقود مضت، وقد أعلن جميع المراجع الدينية في الحوزات العلمية بالنجف براءتها منها.
ويشير البخاري إلى أن هذه الجماعة ظهرت أولا إبّان حياة المرجع الديني الراحل السيد محمد محمد صادق الصدر، وقد تبرأ منهم في حينها، ولكنهم عاودوا الظهور مؤخرا.
ووفق الباحث، فإن "القربان" وجماعات أخرى عادت للظهور، الفترة التي تلت سقوط نظام صدام حسين بسنين قليلة، لكنها عادت بصور متنوعة إلى أن وصلت إلى اعتناق أفكار كالانتحار، في حالة تشبه بعض الجماعات في المجتمع الغربي، "وبالتالي فإن الأفكار التي تحملها تلك الجماعات دخيلة على المجتمع العراقي".
*امتداد وجذور
ويتفق الأستاذ في الحوزة العلمية بالنجف الشيخ منتصر الطائي على أن ظهور هذه الحركات التي وصفها بـ "المنحرفة" ليس وليد المرحلة، بل له امتدادات تاريخية. ويذكر أنه في التاريخ الإسلامي مثلا "نقف على الكثير من الحركات المنحرفة التي ادّعت النبوّة، وهناك من كان انتماؤه شيعيًّا هذا على المستوى المذهبي" ويضرب مثلا بـ "الكيسانية" و"الإسماعيلية" و"الأفطحية" من الفرق الشيعية.
ويعزو الطائي في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، أسباب ظهور تلك الحركات والجماعات إلى أبعاد:
ـ إما "عقائدية ضالة مضلة" ناتجة عن فهم خاطئ للدين.
ـ أو أن لها أبعادا سياسية.
ـ أو تريد تحقيق مكاسب دنيوية كالاستحواذ على المال بغير وجه حق.
ـ أو تجمع تلك الحركات بين الوجه العقائدي "الضال" وبين الوجه السياسي في حركة واحدة.
ويضيف الطائي، أن الجهل الذي يعيشه الكثير من الشباب وحالة التردي الكبير في الوعي يفقدهما بصيرتهم، خاصة مع الاندفاع والحماس الذي يجعلهم أكثر تفاعلا وتأثرا بمثل هذه الحركات، لاسيما وأن كثيرا منهم متأثرون بشكل أو بآخر بمفهوم "خالف تُعرف" أو "كل ممنوع مرغوب".
ويشير الطائي أيضا إلى ضعف الخطاب الديني الواعي الذي يناسب المرحلة ومتطلباتها ويقدم أجوبة مقنعة لما يدور في خلد الشباب من شبهات و"كل هذه الأمور مجتمعة هي أرض خصبة تشجع على ظهور مثل هذه الحركات وتدفع بالشباب إلى الانخراط فيها من حيث لا يعلمون".
*التاريخ الشيعي بريء
بدوره يوضح الباحث في الشؤون الإسلامية والمذهبية رشيد السراي، أنه "لا توجد في التاريخ الشيعي ولا المعتقدات الشيعية للطوائف والفرق كافة التي خرجت من تحت عباءة التشيع وانحرفت عنه جزئياً أو كلياً، أي معتقد من هذا النوع وهو القول بتقديم قرابين للإمام علي (ع) بطريقة الانتحار، فحتى أكثر الفرق تطرفاً وهم العلاهية (العلي إلهية) والنصيرية لا يوجد في معتقدهم هذا الأسلوب".
ويشدد على أنها "فكرة شاذة جديدة ناتجة عن خلطة بين الأديان والمعتقدات في محاولة لإقناع الشباب بها للأسف عبر أساليب خاصة ولذا ينبغي التصدي لها بقوة خصوصاً مع استمرار تكررها ومع شهود حالات مماثلة لها كما في انتحار شاب في لبنان قبل عام تقريباً".
*دوافع سياسية بغطاء ديني
أما الباحث في الشأن السياسي واثق الجابري، فيقول إن غالبية الجماعات المتطرفة ظهرت بعد عام 2003، مستغلة فسحة الحرية، وإن كانت تستند إلى بعض العقائد المنحرفة وسلوك طرق التشدد.
ويشير الجابري إلى أن هذه الجماعات "عادة ما تثير الفرقة والضغينة بين المجتمع العراقي والعزف على وتر الطائفية، من خلال استغلال شريحة من الشباب ممن يعانون من ظروف اقتصادية صعبة".
ولا يستبعد الجابري أن "تكون لها دوافع سياسية بغطاء ديني من خلال تحريف بعض الفتاوى الدينية، واستخدام عناوين مختلفة مثل (جماعة القربان) أو (أصحاب الحق) أو (جند السماء) وما شابه من العقائد المنحرفة والمرفوضة مجتمعيا ودينيا وسياسيا وقانونيا".
*سرّ النشاط في سوق الشيوخ
وبشأن تكرار حالات انتحار هذه الجماعة في سوق الشيوخ بمدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، ويؤكد مراقبون للشأن المحلي، أن تلك الجماعات تنشأ عادةً في بيئات فقيرة عانى سكانها من التهميش والإهمال وهذا ما ينطبق على سوق الشيوخ الذي ورغم احتضانه العديد من القامات الفنية والعلمية والأدبية إلا أنه يفتقر إلى دعم حقيقي ومراكز توعية لتذكّر بعض شبابه بما هم عليه.