الذهب يضحك والدولار ينزف أمريكا تعاقب نفسها قبل أن تُعاقب الآخرين

كتب / سلام عادل

في أسبوع واحد فقط، خسرت وول ستريت ما يقارب تريليوني دولار، في أكبر موجة هبوط منذ سنوات، وسط ارتباك غير مسبوق في مزاج الأسواق، هذا الانحدار ليس حادثاً عابراً بل انعكاس لانهيار الثقة بمنظومةٍ صُمّمت لمعاقبة الآخرين، فانقلبت على أصحابها، حيث أصبح الدولار سلاحاً سياسياً أكثر من كونه أداة تبادل، وحين يفقد السلاح حياده، يفقد العالم ثقته به.

واستيقظت أوروبا على واقعٍ أكثر قسوة؛ حكومات مهزوزة، واقتصاد مريض، ويورو يترنّح تحت ضغط الانقسامات، أما اليابان، فتكافح لإنقاذ عملتها من التراجع التاريخي، ومع كل هذا الاضطراب في الغرب، تبدو دول الشرق وجنوب العالم تسير بوتيرة ثابتة، وكأنها تتفرّج على انهيار نموذجٍ كان يُقدَّس، بعد أن تغيّرت المعادلة لصالح من يملك القرار الذاتي، ولا يخاف من الدولار، والسرّ ليس في قوّة الشرق بقدر ما هو في ارتباك الغرب.

وها هو الذهب يتربّع مجدداً في صدارة المشهد كملاذٍ آمن، بعدما كسر حاجز الأربعة آلاف دولار للأونصة، وكل صعودٍ جديد للذهب هو إعلان ضمني عن هبوطٍ جديد في هيبة الدولار، لكون المستثمرين الكبار والبنوك المركزية يدركون أن العالم يتّجه نحو نظام نقدي متعدد الأقطاب، وأن زمن الهيمنة المطلقة لعملةٍ واحدة بدأ يتآكل من الداخل.

وفي العراق، يطلّ السؤال الأكبر: هل نملك خطة؟ باعتبار أن لدينا احتياطي ذهبي يقارب 162 طناً، يحتل المرتبة الرابعة عربياً، لكنه ما زال غامض الإدارة والجدوى تحت سيطرة البنك المركزي، والذي لا نعلم هل يتعامل مع هذا الملف كقضية سيادية؟ أم مجرد رقم في الميزانية؟ أمام غياب تقارير الشفافية حول حجم المشتريات، وطبيعة التخزين، وأهداف التحوّط، الأمر الذي يحول الذهب من خزينة صامتة إلى سياسة اقتصادية فاعلة.

وأمام هذا المشهد العالمي المتحوّل، آن للعراقيين أن يفكروا بعقلٍ لا بعاطفة، فالعقوبات الأميركية لم تعد تضرب خصومها فقط، بل تجرح الاقتصاد الأميركي نفسه، فهل نبقى أسرى لمنظومةٍ تهتز من الداخل؟ أم نبادر إلى بناء شبكة أمان من الذهب والمقايضات والعملات المحلية والعلاقات المتوازنة مع الشرق والجنوب؟ وفوق ذلك، وهو الأهم، التحوّط من سعر النفط، عبر توجيه فوائضه إلى صناديق استثمارية تُموِّل التكرير والبتروكيمياويات، حيث يربح البرميل أكثر من بيعه خاماً.

ولهذا، أخطر ما يفعله الأميركيون اليوم هو أنهم يحاصرون ثقة العالم بهم، بعد أن صار الدولار عملةً مشكوكاً بها سياسياً قبل أن تكون مالية، وصار الذهب، واليوان، وحتى الروبل، خيارات واقعية في حسابات البنوك المركزية، ومن هنا، على العراق أن يُدرك أن التحوّل ليس ترفاً بل ضرورة، وأن الاعتماد على نظامٍ اقتصادي ينهار من الداخل ليس شجاعة، بل تبعية خطرة، وإذا كان الغرب يعيش اليوم حالة “ما قبل الحرب المالية الكبرى”، فعلى بغداد أن تكون في صفّ العاقل لا المتفرّج.

#شبكة_انفو_بلس