edition
إنفوبلاس
  • الرئيسي
  • كل الأخبار
    • سياسة
    • أمن
    • اقتصاد
    • رياضة
    • صحة
    • محليات
    • دوليات
    • منوعات
  • اقرأ
  • شاهد
  • انظر
  • انفوغراف
  • كاريكاتور
  • بودكاست
  • بلغتنا
  • من نحن
  1. الرئيسية
  2. مقالات
  3. العراق... حين يُنكَر المبتدأ ويُجهَل الأصل

العراق... حين يُنكَر المبتدأ ويُجهَل الأصل

  • 16 تشرين اول
العراق... حين يُنكَر المبتدأ ويُجهَل الأصل

أما قولك إن العراق لا يمتلك عرفًا اجتماعيًا لأنه مرّ بالاحتلالات، فذاك ضرب من التبسيط والسذاجة

 

كتب / رسول حمزاتوف 

أيّ قلبٍ أقسى من قلبِ من يتنكر لبلاده، وأيّ لسانٍ أجرأ من لسانٍ يطعن في أمّ الحضارات باسم "التحليل" وهو لا يحمل من العلم إلا قشرته! فإن تقول – استوقفني ما قاله ذلك الشاب في لقاء بودكاست بقناة العزلة واسمه عمار خضير – إن العراق لا مطبخ له، ولا إرث موسيقياً، ولا عرف اجتماعياً، إنما هو جهل متشح بثوب الجرأة، وجهالة تنعق في وجه التاريخ، وكأن سبعة آلاف عام من الحضارة تُختزل في سخرية عابرة! فالعراق، يا هذا، ليس مجرد أرض، بل ذاكرة الكوكب الأولى، ومهدُ الحرف واللحن والخبز والنكهة، ومنه انطلقت أول وصفة طعام وأول نغمة موسيقية عرفها الإنسان.

فأما ما زعمته من أن “ماكو طبخات عراقية”، فاعلم أن بلاد الرافدين هي أول من وُثّقت وصفاته على ألواح الطين. ففي متاحف العالم اليوم، ألواح سومرية وبابلية تعود إلى ما يقارب 1700 عام قبل الميلاد، تحتوي على وصفات دقيقة لطهو اللحم بالمرق والتوابل، وطريقة تحضير الخبز والحساء. هذه الألواح – المكتوبة بالمسمارية – تُعد أقدم كتاب طبخ في تاريخ البشرية، حيث يذكر الباحثون أن فيها ثلاثاً وثلاثين وصفة من مطبخ العراق القديم، بمقاديرها ومكوّناتها وطريقة إعدادها. أليس هذا أقدم مطبخ موثّق في العالم؟ ثمّ جاء العصر العباسي، فكان لبغداد مطبخها الذائع الصيت، وظهر كتاب الطبّاخ البغدادي لأبي محمد الموصلي، وكتاب “الوصفة في الطبخ” الذي دوّن فيه ابن سيّار الورّاق مئات الأطباق التي تُطهى في قصور الخلفاء وبيوت العامة، يذكر فيها الكُبّة والباقلاء بالدهن والسمك المقلي واليخنات والحلويات، يصف المكونات بدقة ويحدّد أوقات الطهو وطريقة التقديم، في أسلوبٍ علميّ لا نظير له في القرون الوسطى. وقد أجمع المؤرخون أن مطابخ الشام والأناضول أخذت كثيرًا من أطباقها عن المطبخ العباسي العراقي، ومنه وُلد الكباب وانتقلت تقاليده إلى الأتراك والفرس، حتى صار يُنسب إليهم، وأصله عراقي صرف. والكُبّة التي يتباهى بها المشرق العربي اليوم ويراها طعامه الوطني، هي ابنة الموائد البغدادية القديمة، وُلدت من يد الطهاة العراقيين وانتقلت عبر الزمن إلى الجوار، مثلما انتقلت اللغة والعلم والنكهة.

أما السمك المسكوف الذي استهنتَ به وسخرت منه، فهو ليس “سمكة مشوية” كما تزعم، بل طقس من طقوس النهر والإنسان، يختصر العلاقة بين دجلة والناس، ويُشوى على نار الحطب بطريقة فريدة لا مثيل لها في مطابخ الأرض. يكفي أن رائحته تعبق على ضفاف النهر كأنها ترنيمة للذاكرة، ليُدرك العاقل أن المسكوف ليس أكلة، بل هو تراث حيّ.

ثم تزعم – بجهلٍ فاضح – أنه “ما عدنا إرث بالأغاني العراقية”! أتعرف يا هذا أن أول آلة موسيقية في التاريخ خرجت من تراب العراق؟ إنها "القيثارة السومرية"، التي عُثر عليها في مقابر أور الملكية قبل خمسة آلاف عام، وهي اليوم تُعرض في متاحف لندن وفيلادلفيا شاهدة على أن أول لحنٍ وُلد في الأرض كان من أنامل سومرية. وعلى ألواحٍ طينية أخرى، دونت إشارات موسيقية تشير إلى نظامٍ من المقامات والسلالم، وهو ما اعتبره الباحثون أول تدوين موسيقي في التاريخ. فكيف تدّعي أن العراق لا إرث موسيقياً له؟ ومن بعد سومر، جاء العباسيون، فأنجبت الموصل زرياب، الموسيقي الفذ الذي أسّس الذوق الموسيقي العربي والأندلسي، والذي منه انبثقت مدارس الغناء في المشرق والمغرب. وفي العصر الحديث، بزغ عثمان الموصلي، أحد أعمدة المقام العراقي، الذي مزج الألحان الدينية بالموشحات فأعاد للموسيقى العربية روحها الأصيلة. فهل كل هؤلاء بلا إرث؟

ثم إن العراق لا يحمل الموسيقى في آلاته فقط، بل في صوته الشعبي أيضاً، في أطواره الغنائية الجنوبية، تلك الترانيم الشفوية التي تناقلها الناس جيلاً بعد جيل، واحتفظت بالمقامات القديمة في نغمتها وبنيتها. إن “الأبوذية” و“النايل” و“الطور اللامي” ليست مجرد أنغام حزينة، بل وثائق موسيقية حية تنتمي إلى جذور ما قبل التاريخ، وهي دليل قاطع على أن العراقي لا يغني ليُطرب فحسب، بل ليحفظ ذاكرته الجمعية من الاندثار.

وأما قولك إن العراق لا يمتلك عرفًا اجتماعيًا لأنه مرّ بالاحتلالات، فذاك ضرب من التبسيط والسذاجة، فالشعوب العظيمة لا تفقد هويتها مهما تبدلت الأزمان. لو كانت الحروب تُبيد الأعراف كما تقول، لما بقيت في العراق تقاليد الزواج، وطقوس العزاء، وأهازيج الفلاحين، وأزياء القبائل، وحكايات المقاهي البغدادية التي تجاوز عمرها المئة عام. العرف الاجتماعي العراقي هو خلاصة التراكم الإنساني الذي قاوم الغزو والتتريك والتغريب، وهو ما جعل العراق متنوعًا دون أن يفقد نفسه. البنايات قد تتبدل، لكن الروح باقية، والعرف متجذر في اللغة والعادات والكرم والنجدة، في “تفضّل” التي يفتتح بها العراقي بابه، وفي “عاشت إيدك” التي يقدّس بها طعام الآخر، وفي “غريب الدار” التي تُغنّى للضيوف. فهل هذا فراغ اجتماعي؟ أم امتلاءٌ بالإنسانية لا يراه من أعمى التاريخ عن بصيرته؟

المقال يعبر عن رأي كاتبه، وليس بالضرورة عما يتبناه الموقع من سياسة

أخبار مشابهة

جميع
اليهودي الذي لم يكن عدواً حتى قرر أن يصبح مستوطناً

اليهودي الذي لم يكن عدواً حتى قرر أن يصبح مستوطناً

  • 27 تشرين اول
من واشنطن.. مع التحية تمّ إيداع الرصيد في حساب المقاومة

من واشنطن.. مع التحية تمّ إيداع الرصيد في حساب المقاومة

  • 24 تشرين اول
عن الانتماء الحضاري  .. أليست "الوطنية" ابنة الاستعمار؟

عن الانتماء الحضاري .. أليست "الوطنية" ابنة الاستعمار؟

  • 22 تشرين اول

شبكة عراقية اعلامية

  • الرئيسية
  • مقالات
  • فيديو
  • كاريكاتور
  • إنفوغراف
  • سياسة الخصوصية

جميع الحقوق محفوطة