ذكرى الثامن من أكتوبر الدور الشيعي في هندسة التوازن الإقليمي

كتب / سلام عادل

في الثامن من أكتوبر 2023، أعلن حزب الله رسمياً دخوله في معركة “طوفان الأقصى” عبر تنفيذ عمليات صاروخية من الجنوب اللبناني ضد مواقع إسرائيلية، هذا القرار جاء بعد 24 ساعة من اندلاع الهجوم الفلسطيني في السابع من اكتوبر، ما جعله أول استجابة عسكرية خارجية ضمن محور المقاومة.

ومنذ عام 2021، برز مصطلح “وحدة الساحات” في الخطاب، كإطار أمني يهدف إلى توحيد جبهات المقاومة، ومع انخراط حزب الله في معركة الطوفان، أصبح هذا المفهوم واقعاً عملياً، لأنه عزّز فكرة أن المواجهة مع إسرائيل لم تعد محصورة جغرافياً، بل أصبحت شبكة مترابطة من الردع، وعليها نُفّذت من لبنان أكثر من 2500 عملية قصف ضد أهداف إسرائيلية خلال الأشهر الأولى بعد القرار، وفي العراق نشطت فصائل المقاومة (كتائب حزب الله، النجباء، سيد الشهداء) في دعم لوجستي ومعلوماتي ضد التحركات الأميركية والإسرائيلية، وفي اليمن، دخلت جماعة أنصار الله على خط الحرب عبر ضرب الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.

ومن الناحية الفكرية، لا يمكن تفسير القرار الشيعي خارج الإطار القيمي المستند إلى مبدأ رفض الاستكبار العالمي، فالمؤسسة الدينية والسياسية الشيعية لا تعتبر الصراع مع الكيان الصهيوني خياراً ظرفياً، بل امتداداً لصراع حضاري طويل مع منظومة الهيمنة الغربية، حتى لو كان هذا الموقف يُترجم في أحيان كثيرة بلُغة دينية، إلا أن جذره الأعمق برتبط بمنظور أخلاقي وسياسي يقوم على حماية المظلوم، واستثمار القوة في منع الإبادة، ولهذا تحوّل التدخل الشيعي إلى مؤشر على استقلال القرار في بيئة إقليمية خاضعة للابتزاز الغربي.

ومع كون بعض الدوائر العربية والدولية قد أبدت اعتراضاً على دخول الشيعة في هذه المواجهة، بالاستناد إلى  حسابات الكلفة والخسارة، غير أن المقارنة الكمية تشير إلى نتائج معاكسة، حيث رغم سقوط نحو 300 مقاتل من حزب الله خلال العام الأول من المواجهة، فإن إسرائيل اضطرت إلى سحب أكثر من 60 ألف مستوطن من شمال فلسطين المحتلة وتعطيل عشرات المواقع العسكرية، وأدت الضغوط المتزامنة من جبهات العراق واليمن إلى خفض مستوى التنسيق الأميركي الإسرائيلي بنسبة تقارب 40% وفق تقديرات معهد واشنطن (نهاية 2024).

وهذه المؤشرات تفيد بأن المشاركة الشيعية لم تُضعف المحور، بل رفعت كلفة الحرب بالنسبة لإسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة، فمن زاوية تحليل القوة، أدى انخراط الطائفة الشيعية في طوفان الأقصى إلى تحقيق ثلاث نتائج استراتيجية:

1- إعادة ضبط ميزان الردع الإقليمي عبر ربط أي عدوان على غزة أو لبنان بإمكانية فتح جبهات متعددة من اليمن والعراق.

2- تعزيز النفوذ السياسي للمحور الشيعي داخل المنظومة الإقليمية، إذ صار يُنظر إليه بوصفه الفاعل الوحيد القادر على فرض توازن حقيقي دون مظلة أميركية.

3- توسيع المشروعية الدولية للمقاومة، بعد أن تراجعت سردية “الإرهاب” أمام مشاهد الإبادة في غزة، ما منح الحركات الشيعية موقعاً متقدماً في الرأي العام العالمي المناهض للحروب الاستعمارية.

ولهذا لم يكن قرار 8/ أكتوبر حادثاً طارئاً، بل امتداداً لمسار بنيوي بدأ منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران (1979)، وتطوّر عبر المقاومة اللبنانية والعراقية واليمنية، و هذه البنية الشيعية العابرة للحدود نجحت في تحويل الاضطهاد التاريخي إلى طاقة استراتيجية، وجعلت من “المظلومية” أداة لإنتاج القوة، ومن هنا، فإن دخول الشيعة في معركة طوفان الأقصى لا يمكن قراءته كخطأ سياسي أو مغامرة، بل كخيار تأسيسي أنتج معادلة ردع واقعية، وأعاد تعريف القوة في الشرق الأوسط على أسس جديدة، قوة تعتمد على التماسك العقائدي، والمرونة التكتيكية، والاستقلال عن المنظومة الغربية.

#شبكة_انفو_بلس