3 تريليونات دينار أُنفقت في الانتخابات و500% زيادة في الإعلانات الرقمية.. مَن يوقف هذا الجنون؟
انفوبلس/ تقرير
مع انتهاء الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2025 وإعلان نتائجها الأولية، تتجه الأنظار ليس فقط نحو القوى السياسية الفائزة، ولا نحو التحالفات المقبلة، بل نحو قطاع ظلّ يعمل في الظل طوال أشهر الحملات الانتخابية: شركات الدعاية والإعلان.
هذا القطاع، الذي تمدد في شوارع المدن العراقية وعبر المنصات الرقمية، خرج – بحسب خبراء – بوصفه الرابح الأكبر من الجولة الانتخابية، في ظل إنفاق ضخم يُقدّر بأنه تجاوز حاجز 2 إلى 3 تريليونات دينار عراقي في مجمل العملية.
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، مساء الأربعاء، أن تحالف "الإعمار والتنمية" بزعامة محمد شياع السوداني سجل تقدماً كبيراً في النتائج الأولية، محققاً 1,317,346 صوتاً في 12 محافظة من أصل 18، وجاء ثانيا حزب تقدم برئاسة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، وثالثا ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وفيما يخص قوى الإطار التنسيقي فقد حصد تحالف الإعمار والتنمية للسوداني، 45 مقعداً برلمانياً، تلاه ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي بـ30 مقعداً، وكتلة "صادقون" بزعامة قيس الخزعلي بـ26 مقعداً، فيما نالت "بدر" بزعامة هادي العامري 19 مقعداً، و"قوى الدولة" بزعامة عمار الحكيم 18 مقعداً.
إنفاق يلامس 3 تريليونات دينار
وبحسب الخبير الاقتصادي منار العبيدي، فإن شركات الدعاية والإعلان هي الرابح الأكبر من الانتخابات البرلمانية التي شهدها العراق، مشيراً إلى تجاوز حجم الإنفاق الإعلاني على العملية حاجز ثلاثة تريليونات دينار.
الاقتصادي منار العبيدي، أشار في مدونة عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم الأحد الموافق 16 تشرين الثاني 2025، إلى أنه "بعد انتهاء الانتخابات وظهور نتائجها، يمكن القول إن الرابح الأكبر لم يكن المرشحين فقط، بل شركات الدعاية والإعلان التي غزت الشوارع والمنصّات بأشكال لا حصر لها من الإعلانات"، منوّهاً أن "أكثر من 7000 مرشح خاضوا السباق الانتخابي، وكل منهم استخدم حملات واسعة".
وقال: "رغم غياب الأرقام الرسمية، إلا أن حجم الإنفاق الإعلاني يبدو وكأنه تجاوز حاجز 2 - 3 تريليونات دينار عراقي".
وتساءل الخبير الاقتصادي، "هل استفادت الحكومة فعلاً من الضرائب الناتجة عن هذا النشاط الضخم؟، وهل قامت بمحاسبة شركات الإعلان وفق حجم الأعمال المنفذة، وتحققت من صحة البيانات المالية المقدمة لها؟، وهل جرى تعظيم الضرائب والرسوم المستحقة على هذه الشركات بما يضمن دخلاً متكرراً للدولة كل دورتين انتخابيتين، سواء لانتخابات البرلمان أو المجالس المحلية؟، أم أن الدولة اكتفت بتوجيه بوصلة الضرائب نحو المواطن والموظف البسيط، بينما تُترك مليارات الدنانير المتداولة في الحملات الانتخابية خارج دائرة المتابعة؟".
وأكمل العبيدي كلامه موجهاً السؤال إلى أمانة بغداد والبلديات: "هل استفدتم فعلاً من عوائد الإعلانات التي غطّت الممتلكات العامة كما استفاد المرشحون منها؟"، و"هل جرى تعظيم موارد الدولة عبر هذا الباب، أم أن سياسة (تعظيم الموارد) تُطبَّق فقط على الموظف الفقير؟".
وشهد العراق انتخابات شملت كافة أنحاء العراق بما فيه إقليم كردستان، لاختيار أعضاء الدورة السادسة لمجلس النواب الاتحادي، وقد جرت العملية على مرحلتين: المرحلة الأولى (التصويت الخاص في 9 تشرين الثاني 2025) والمرحلة الثانية (التصويت العام في 11 تشرين الثاني 2025). وبحسب مفوضية الانتخابات، فقد تجاوزت نسبة المشاركة في التصويت بالمرحلتين 56 بالمئة.
فيسبوك يتحول إلى ساحة حاسمة للصراع السياسي
الى ذلك، ذكرت شبكة العراق الرقمي (DIN)، اليوم الأحد، أن مجموع ما أُنفِق على الإعلانات والدعاية الانتخابية عبر منصة "فيسبوك" وحدها تجاوز 5 مليارات دينار عراقي في الانتخابات التشريعية بدورتها السادسة التي جرت في العام 2025، أي ما يمثل زيادة بنسبة 500% عن الإنفاق المسجل في انتخابات العام 2021.
واعتبرت الشبكة في تقرير نشرته اليوم، أن هذه الأرقام تعكس تحوّل فيسبوك إلى ساحة مركزية للتنافس السياسي، بعدما باتت الحملات الانتخابية تعتمد عليه كأداة رئيسية لتوجيه الخطاب واستهداف الناخبين.
وبحسب التقرير، تصدّرت العاصمة بغداد قائمة الإنفاق بمبلغٍ تجاوز 1.5 مليار دينار، توزعت بين صفحات الأحزاب والمرشحين والمنصات الإعلامية التي تبنّت خطاباً سياسياً متنوع الاتجاهات.
وحلّت في المرتبة الثانية محافظة نينوى بإنفاقٍ قُدّر بنحو نصف مليار دينار، تلتها السليمانية بحوالي 340 مليون دينار، ثم أربيل بالمبلغ ذاته تقريباً، فيما حلّت ذي قار خامسةً بـ 320 مليون دينار. أما حلبجة فكانت الأقل إنفاقاً، إذ لم يتجاوز حجم الإعلانات السياسية فيها 16 مليون دينار فقط، وفقا للشبكة.
وأشار التقرير إلى أن الإنفاق الإعلاني لم يتوقف حتى خلال فترة الصمت الانتخابي، إذ رصدت الشبكة استمرار نشر الإعلانات السياسية في اليوم السابق للاقتراع العام، بمجموع إنفاق تجاوز 160 مليون دينار على مستوى العراق، معظمها كانت تروّج لمنشورات قديمة أعيد تفعيلها لاستمرار التأثير على جمهور الناخبين.
وطبقا لبيانات الشبكة، بلغ عدد مستخدمي منصات فيسبوك في العراق نحو 21.5 مليون مستخدم، بزيادة تُقدّر بـ 1.1 مليون مستخدم عن العام الماضي، ما جعل المنصة الرقمية أكثر تأثيراً في المزاج الانتخابي.
يُذكر أن تقريراً سابقاً لـ "شبكة العراق الرقمي" أشار إلى إنفاقٍ يقارب مليار دينار عراقي على 44 ألف إعلان سياسي خلال الانتخابات البرلمانية السابقة 2021، ما يؤكد استمرار تصاعد الدور الرقمي في تشكيل المشهد السياسي والانتخابي في البلاد.
ويرى فريق التحليل في الشبكة أن الكمّ الكبير من الإنفاق على الإعلانات عبر منصات التواصل الاجتماعي يشير إلى تغيير عملي في أدوات التأثير الانتخابي إذْ تسمح هذه الاعلانات بإعادة رسم صورة الرأي العام وصياغة أولويات الناخبين.
بحسب بيانات شركة ميتا، التي تمتلك فيسبوك وإنستغرام وواتساب، تم إنفاق مليون و424 ألفاً و963 دولاراً في جميع أنحاء العراق في الفترة من 24 أيلول إلى 23 تشرين الأول 2025.
ووفقاً لبيانات ميتا، تم إنفاق 473 ألفاً و713 دولاراً من هذا المبلغ في غضون سبعة أيام (من 17 إلى 23 تشرين الأول 2025) خلال أيام الحملة الانتخابية.
تعكس الأرقام المتداولة اليوم واقعاً جديداً في العملية الانتخابية العراقية، حيث تحولت الدعاية الانتخابية من ملصقات ولجان شعبية إلى صناعة متكاملة. ووفقاً للخبراء، فإن شركات الإعلان، سواء الطرقية أو الرقمية، حققت أرباحاً ضخمة، مستفيدة من الاندفاع الكبير من قبل المرشحين لصناعة حضور بصري وإعلامي عاجل.
ويرى اقتصاديون أن هذا الإنفاق الضخم لا يُعَد مشكلة بحد ذاته، لكن المشكلة تكمن في غياب الرقابة الضريبية، وعدم وجود نظام يضمن تسجيل هذه الأموال ضمن الدورة المالية الرسمية.
وبينما تستعد الكتل السياسية لمرحلة مفاوضات تشكيل الحكومة، يرى مراقبون أن الدروس المستفادة من انتخابات 2025 لا تتعلق فقط بنتائج صناديق الاقتراع، بل أيضاً بضرورة فهم وتحليل "الاقتصاد الموازي" الذي خلقته الحملات الانتخابية، والذي تحوّل إلى كيان اقتصادي كامل يساهم في تشكيل المزاج العام، لكنه لا يساهم في موارد الدولة.

