البنك المركزي أمام كارثة.. أكثر من 150 ألف مسافر اشتروا الدولار ولم يسافروا.. كيف تمت هذه الخدعة؟
ومن هي الدوائر المتورطة بتسهيلها؟
البنك المركزي أمام كارثة.. أكثر من 150 ألف مسافر اشتروا الدولار ولم يسافروا.. كيف تمت هذه الخدعة؟
انفوبلس/..
كارثة كبرى أمام البنك المركزي العراقي، بعد الكشف عن ملف فساد كبير في عمليات بيع الدولار للمواطنين المسافرين إلى خارج العراق، وتضمنت مخالفات جسيمة من بينها قيام ما يزيد على 151 ألف مواطن بالحصول على الدولار الأمريكي بسعر الدولة الرسمي لأغراض السفر دون أن يغادروا البلاد، وهو ما يعني بيع تلك المبالغ في السوق السوداء بهدف الأرباح.
*التفاصيل
وبحسب وثائق صادر عن ديوان الرقابة المالية، فإن إجمالي المبلغ المتحقق من عملية “الاحتيال” هذه تجاوز 600 مليون دولار تم شراؤها لأغراض السفر، لكنها ذهبت في الحقيقة إلى السوق الموازي لتحقيق أرباح بسبب فارق السعر، بين الرسمي الذي يتسلمه المواطن من المصارف والبالغ 1300 دينار للدولار الواحد، وبين سعره في السوق الموازي “السوداء” والبالغ نحو 1500 دينار للدولار الواحد.
التحقيق الذي أجراه ديوان الرقابة المالية يكشف عن أن “التدقيق على المبيعات النقدية للبنك المركزي العراقي من عملة الدولار للمسافرين من 1/2 ولغاية 8/7/2023″، توصل إلى أن “عدد المسافرين بموجب المنصة الإلكترونية بلغ مليونا و481 ألفا و186 مسافرا، وأن عدد المسافرين الفعلي عبر المنافذ الحدودية بلغ مليونا و329 ألفا و246 مسافرا”، بمعنى أن “الزيادة في عدد المسافرين النهائي المثبت في المنصة الإلكترونية بلغ “151 ألفا و940 مسافرا”.
*بيع الدولار للمسافرين دون التحقق من سفرهم
ويبين أن “إجمالي المبلغ المصروف بلغ زيادة بحدود 607 ملايين و760 ألف دولار، الأمر الذي يؤشر بيع الدولار بالسعر الرسمي إلى الزبائن دون تحقق سفرهم، وبالتالي يتم الاستفادة من فرق السعر في السوق الموازي”.
وكانت وثيقة صادرة عن هيئة النزاهة في السابع من شهر نسيان أبريل الجاري، كشفت عن عملية فساد تتعلق بمنح البنك المركزي العراقي قروضا كبيرة لأصحاب المصارف الخاصة، تم استغلالها من قبلهم لشراء الدولار من مزاد العملة، وليس لإنشاء مشاريع استثمارية، كانت مقررة كسبب لحصولهم على القروض، في ظل تجاهل البنك المركزي لقرار محكمة تحقيق الرصافة المختصة بقضايا النزاهة وغسل الأموال والجريمة الاقتصادية، القاضي بإجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام.
وبالعودة إلى وثيقة ديوان الرقابة المالية، فقد “تم الاعتماد على أعداد المسافرين عبر المنافذ الحدودية (المطارات العراقية) استنادا إلى الضوابط الصادرة من المصارف الحكومية التي تضمنت استحصال نسخ من تذاكر السفر بالطائرات كشرط أساسي في بيع الدولار النقدي إلى المسافرين، ولم يتأكد لنا قيام المؤسسات المالية الاخرى باعتماد طريقة سفر أخرى عند بيع الدولار النقدي للمسافرين ولدى توجيه استفسارنا إلى مديرية الرقابة على المؤسسات غير المصرفية في البنك المركزي العراقي بخصوص فصل أعداد المسافرين بريا وجويا أجابت (بعدم توفر الإمكانية والصلاحية لفصل أعداد المسافرين)، الأمر الذي يؤشر عدن السيطرة من قبل المركزي العراقي على آلية البيع النقدي للدولار والذي نتج عنه بعض الفروقات المذكورة آنفا”.
ويشير الديوان في تحقيقه إلى أن مديرية الأحوال المدنية والجوازات والإقامة، وجهاز المخابرات الوطني العراقي، لم يقوما “بتزويدنا بتفاصيل أسماء المسافرين، وتم تزويدنا فقط بالعدد الإجمالي فقط، مما قيد عمل هذا الديوان وعدم إجراء تدقيق متقاطع لأسماء المسافرين مع الأسماء الواردة ضمن المنصة الإلكترونية لدى البنك المركزي العراقي”.
ووفقا للتدقيق “بلغ إجمالي بيع الدولار النقدي لغرض السفر لكل من المصارف وشركات الصرافة للفترة من 1/1 – 19/9/2023 مبلغ مقداره سبعة مليارات و292 مليونا و660 ألف دولار”.
ويشير الديوان إلى أنه “تم إدراج العديد من الرموز غير دقيقة وغير مفهومة في حقل رقم جواز السفر لبعض أسماء المسافرين على الرغم من كون رقم الجواز يمثل محدد أساسي لإتمام عملية بيع الدولار النقدي، إذ قدر مجموع المبالغ المصرفية عن تلك الأسماء 76 مليونا و580 ألف دولار بمعدل 4000 دولار للمسافر، وبعداد إجمالي 19 ألفا و145 مسافرا”.
ويؤكد الديوان “عدم قيام البنك المركزي بتزويدنا بأسباب وتفاصيل فرض الغرامات والعقوبات على المصارف وشركات الصرافة الخاصة بمخالفات بيع الدولار النقدي للمسافرين بالرغم من طلبنا الموجهة إلى دائرة مراقبة الصيرفة حيث تم تزويدنا بإجمالي مبلغ الغرامات فقط”.
ويلفت الديوان إلى “قيام بعض موظفي البنك المركزي بتكرار شراء الدولار لغرض السفر لمرتين خلال نفس الشهر، مرة عن طريق البنك المركزي بشكل مباشر خارج المنصة، ومرة عن طريق منصة البيع النقدي، خلافا لتعاميم دائرة الاستثمارات والتحويلات الخارجية، وعدم قيام البنك المركزي بتضمين مبيعات الدولار لموظفين ضمن قاعدة بيانات نافذة بيع العملة الأجنبية، مما يؤشر عدم صحة الرقم الإجمالي المعلن لكمية الدولار المباع نقدا”.
ومنذ مطلع العام الماضي، دخلت واشنطن على خط أزمة تهريب الدولار لخارج العراق، وفرضت شروطا على البنك المركزي، أبرزها خضوعه لنظام سويفت العالمي، وتقليل مزاد العملة، حيث تراجعت مبيعاته من 300 مليون دولار يوميا إلى نحو 30 مليون دولار فقط في بداية الأزمة، قبل أن تعاود الارتفاع بعد أشهر قليلة.
وجرى فرض عقوبات على نحو 14 مصرفا عراقيا، ومنعها من التعامل بالدولار وحجب دخولها لمزاد العملة، بسبب تورطها بتهريب الدولار، وهذا الأمر أدى لارتفاع نسبة استحواذ المصارف العربية العاملة في العراق على الدولار في مزاد العملة.
*أرباح غير مشروعة
وتستند هذه المخالفات على استغلال فرق الأسعار بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية، مما يؤدي إلى تحقيق أرباح غير مشروعة على حساب المواطنين والاقتصاد الوطني.
ومن المفترض أن تتخذ السلطات العراقية إجراءات صارمة لمعالجة هذا الفساد الواسع النطاق ومحاسبة المتورطين. يجب أن تتعاون الجهات المعنية في تعزيز نظام المراقبة والرقابة على عمليات بيع العملات الأجنبية وتنفيذ إجراءات أكثر صرامة لمنع حدوث مثل هذه المخالفات في المستقبل.
يُعد هذا الكشف عن فساد في عمليات بيع الدولار للمسافرين إشارة قوية إلى ضرورة تعزيز الشفافية والنزاهة في القطاع المالي وتطوير آليات فعالة لمكافحة الفساد. يتطلب ذلك تعاون جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والمؤسسات المالية والمجتمع المدني، لضمان تحقيق العدالة والشفافية في عمليات البيع والشراء وتحقيق التنمية المستدامة للعراق.
*تحذير
بدوره، حذر الباحث في الشأن الاقتصادي منار العبيدي، من ظهور حيتان مالية كبيرة من نوع جديد، مع استمرار فرق سعر صرف الدولار بين الرسمي والموازي، فيما علق على تقرير يتحدث عن فساد بملف بيع الدولار للمسافرين إلى خارج العراق، بقيمة 600 مليون دولار، ملمحاً إلى إمكانية اتخاذ قرار تعويم الدينار لإيقاف الهدر.
وقال العبيدي، "أعتقد أن هذا التقرير أثبت التلاعب، والهدف منه الاستفادة من المسافرين، والتقرير أوضح أن هناك عدم كفاءة في النظام المتبع لبيع الدولار".
وأضاف، "عندما تقرأ التقرير يوضح لك أن بعض الدوائر في البنك المركزي، لم تستطع أن تقاطع البيانات الموجودة في المنصة مع البيانات الحقيقية، نعم هناك بعض العقوبات المفروضة على شركات الصيرفة، لكن عندما تصل الأرقام إلى هذا المستوى فهذه أرقام كبيرة".
وتابع: "طالما أن الطلب متزايد على الدولار، مقابل عدم قدرة الدولة العراقية على توفير الدولار للسوق المحلي، ستكون هناك أكثر من طريقة للاستفادة من هذا الموضوع، ولا ننكر أن الفرق بين السعر الرسمي والسوق الموازي يغري أي جهة، فالـ 10 آلاف دولار يمكن أن تربح 500 دولار بسبب فرق العملة".
وأشار إلى أنه "إذا كانت الدولة لا تستطيع السيطرة على سعر الصرف، فلماذا لا تجعله عائماً؟ لماذا التخوف من فكرة تعويم الدولار، لماذا تقول الدولة إن سعر الصرف 1320 ديناراً، والسعر في السوق 1450، ولا يمكن لأحد السيطرة على هذا الفرق، وأعتقد أن الحكومة تخشى من ردة فعل الجمهور إذا أعادت سعر الصرف إلى ما فوق 1400، لكن الواقع يقول أن سعر الصرف هو 1480".
وطرح تساؤلات، بالقول: "لماذا نحتاج الدولار كعراقيين؟ لأننا بلد استهلاك، وهنا أسأل أين هي سياستنا في تقليل الاستهلاك، فمنذ عام 2022 وأنا أتحدث عن ضرورة تقليل الاستهلاك، واليوم صدر تقرير من الكمارك الصينية يتحدث عن زيادة استيراد العراق للبضائع الصينية بنسبة 19%، وتركيا قالت أيضاً أن استيراد العراق منها وصل إلى 22%، وفي عام 2023 استورد العراق بضائع بنحو 71 مليار دولار من 9 دول".
وأتم العبيدي، قائلاً: "الحكومة لديها خوف من ردة فعل الشعب تجاه القرارات التي تتخذها، وهو تخوف مشروع لكن بالنتيجة هناك من يستفيد من فرق العملة هذا بشكل واضح، واستمرار هذه الاستفادة سيخلق نوعاً من الحيتان الجديدة، وبأرقام أكبر".