مرسوم أميري بحل مجلس الأمة الكويتي وتعليق العمل بعدد من مواد الدستور.. إليك كواليسه وتداعياته وسببه بالتفصيل
انفوبلس/ تقارير
حلُّ مجلس الأمة وتجميده لأربع سنوات، مع تعليق العمل بعدد من مواد الدستور، وسط تأييد سعودي وإماراتي للقرارات التي اعتبرها مراقبون كويتيون وعرب انتكاسة. هو أبرز ما صدر عن أمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح بعد إجرائه تغييرات كبيرة وُصِفت بـ"الانقلاب الأبيض" وسبّبت جدلا واسعا بين من يرى أنها جاءت بأوامر خارجية، وبين من اعتبرها إصلاحات حكومية، لكن ما خُفي كان أعظم عندما رُبطت فلسطين بالحادثة وكذلك التطبيع!. فما هي القصة بالضبط؟ وما هو السبب وراء تلك التغييرات؟ إليك كامل التفاصيل المتشعبة والمواد التي غُيّرت وكذلك علاقة وزير الداخلية الكويتي فهد اليوسف الصباح بكل ما حدث.
*ماذا حدث؟
في خطوة غيّرت المشهد السياسي برمته في الكويت ووُصفت تارة بـ"تصحيح المسار" وتارة أخرى بـ"الانقلاب الأبيض"، أصدر أمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمس الجمعة، أمراً أميرياً اشتمل على خمس بنود، كان في صدارتها حل مجلس الأمة للمرة الثالثة عشرة في تاريخ الكويت، وانتقال مهامه للأمير ومجلس الوزراء، ووقف العمل بعدد من مواد الدستور، لحين دراستها، وما يتعلق بالممارسة الديمقراطية في الدولة.
*قرار لـ"إنقاذ البلد"
وفي تعليقه على القرارات التي أصدرها، قال أمير الكويت، "أمرنا بحل مجلس الأمة، ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن 4 سنوات، تتم خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية".
ووصف الخطوة بأنها "قرار صعب لإنقاذ البلد وتأمين مصالحه العليا"، واعتبر أن البلاد واجهت "من المصاعب والعراقيل ما لا يمكن تحمله"، وأضاف "لن أسمح على الإطلاق بأن تُستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة".
من جانبه، ذكر تلفزيون الكويت أن اختصاصات مجلس الأمة سيتولاها الأمير ومجلس الوزراء.
*ما قبل قرارات الأمير.. هذا ما مهّد لـ"ثورة التغييرات"
كانت هناك ظروف سياسية تُحيط بالمشهد في الكويت سبقت إعلان قرارات الأمير، فبالتزامن مع المشاورات التي يجريها رئيس مجلس الوزراء الكويتي محمد صباح السالم الصباح، حدث تصعيد نيابي، حيث أعلن 9 نواب عقد اجتماع في مجلس الأمة، يستهدف إيصال رسالة إلى الحكومة بالتمسك بالقواعد الدستورية لتشكيل الحكومة، التي توجب على رئيس الوزراء الاستجابة لمخرجات الانتخابات وعناصر المجلس الجديد، مشدداً على التزام المجتمعين باستخدام كل الأدوات الدستورية في حال مخالفة رئيس الحكومة لذلك، حملت اللهجة ما يشبه التهديد لمجلس الوزراء وأيضا تجاوزاً لصلاحياته وصلاحيات الأمير.
وشدد النواب على أن الدستور يشير في المادة 57، إلى أنه يجب أن تتشكل حكومة جديدة بعد كل انتخابات، وتشرح المذكرة التفسيرية أن الهدف من ذلك هو لأن تجديد الانتخابات معناه التعرف على الجديد من رأي الأمة، وهذا الجديد لا يصل إلى الحكومة إلا بإعادة تشكيل الوزارة، وفقاً لاتجاهات وعناصر المجلس الجديد، موضحين أنه حال عدم التزام رئيس الوزراء، فالنواب المجتمعون ملتزمون باتخاذ كل صلاحياتهم الدستورية، والعمل على تحقيق هذه الفكرة، متهمين بعض الوزراء بالتعالى وسوء استخدام السلطة، وغيرها من الاتهامات غير المستندة إلى وقائع محددة .
*المواد الدستورية التي عُطلت
أما بشأن المواد الدستورية التي أعلن أمير الكويت تعطيل العمل بها فجاءت كالتالي:
ـ المادة الأولى: حل مجلس الأمة.
ـ المادة الثانية: يوقف العمل بالمواد 51 و65 (فقرة 2 و3) و71 (فقرة 2)، و79 و107 و174 و181 من الدستور. وذلك لمدة لا تزيد عن 4 سنوات، تتم خلالها دراسة الممارسة الديمقراطية في البلاد، وعرض ما تتوصل إليه الدراسة لاتخاذ ما نراه مناسباً.
ـ المادة الثالثة: يتولى الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخوّلة لمجلس الأمة.
ـ المادة الرابعة: تصدر القوانين بمراسيم قوانين.
ـ المادة الخامسة: على رئيس مجلس الوزراء والوزراء كلٌّ في ما يخصه تنفيذ أمرنا هذا ويعمل به من تاريخ صدوره ويُنشر في الجريدة الرسمية.
ـ المادة 51 :
السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور.
ـ المادة 56 فقرة 2:
كما يعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بناءً على ترشيح رئيس مجلس الوزراء. ويكون تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم. ولا يزيد عدد الوزراء جميعا عن ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة.
ـ المادة 71 الفقرة 2:
إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حلّه، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.
ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال 15 يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك.
أما إذا عُرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر.
*انقلاب أبيض وعودة للوراء
ما جرى في الكويت هو محاولة (انقلاب أبيض) جرى التحذير منه منذ فترة نتيجة استمرار الضغط (السعودي) والمكر (الإماراتي) والكيد (الصهيوني) تجاه (ديمقراطية) الكويت، وفق نواب ومراقبين كويتيين.
وأضافوا، "بعد الانقلاب الأبيض على التجربة الديمقراطية العريقة في الكويت من المتوقع أن تشهد البلاد موجة اعتقالات واسعة وتضييق للحريات، والأكثر خطرا أن تشهد تطبيعاً مع الكيان".
وأضاف، "للأسف الدولة الخليجية الوحيدة التي كان بها هامش من الحياة السياسية تتعرض لنكسة، بعد إطاحة أمير الكويت الجديد نواف الصباح بالبرلمان... والظاهر أننا أمام قيس سعيد جديد".
بدوره، قال حزب الأمة الكويتي، إن “قيام مشعل الأحمد بحل مجلس الأمة وتوقيف العمل ببعض بنود الدستور ما هو إلا عودة للوراء وبداية عهد الاستبداد والظلم والطغيان إن ما يحصل في الكويت اليوم هو اعتداء صريح على الدستور وعلى حق الأمة و مكتسباتها".
وأضاف، إن “حزب الأمة في الكويت إذ يستنكر مثل هذه الأعمال ليدعو الشعب للتصدي لمثل هذه الانتهاكات الجسيمة للحقوق والحريات”.
إلى ذلك قال أحد المراقبين الكويتيين، "أنا أعتبر هذه الإجراءات كمعلق سياسي محايد هي في حكم الانقلاب على الديمقراطية التي كانت تفخر بها الحياة السياسية في الكويت وكانت مثلا يُحتذى به لكل الدول العربية".
*مشروع سعودي إماراتي
وبهذا الصدد، استغرب أحد المدونين من ردة الفعل السعودية والإماراتية على القرار الأميري بالقول، في حين قال مدون، "أعلن أمير الكويت حل البرلمان وتعليق عمله أربع سنوات وتعطيل المسار الديمقراطي، فأُقيمت الاحتفالات في أبو ظبي والقاهرة!، ما تفسير ذلك ؟!".
في حين قال أحد السياسيين الكويتيين، "منذ وصوله إلى السلطة بعد وفاة الأمير السابق الشيخ نواف الأحمد وهو يشكو بطريقة او أخرى (الأمير الحالي) من العملية الديمقراطية وكان يجهّز الرأي العام الكويتي لما فعله اليوم، وقد حاول الشيخ صباح الأحمد، الأمير الأسبق عمل إجراءات شبيهة بتلك التي حدثت اليوم من قبل وفشل".
وتابع، "دعونا لا ننسى استمرار الضغط السعودي وخصوصا أنها تقترب من التطبيع مع إسرائيل والمكائد المستمرة من جانب دويلة الإمارات العبرية المساند للنقد الاسرائيلي المستمر تجاه العملية الديمقراطية".
*ما علاقة فلسطين؟
وعن علاقة فلسطين بهذه التغييرات، قال الدكتور الكويتي حمزة زوبع، “يبدو لي أن أمير الكويت الحالي الشيخ مشعل الصباح لا (يحب) الديمقراطية وليس بينه وبين الحياة المدنية (ود) فهو رجل عسكري كان يشغل منصب رئيس الحرس الوطني".
وأضاف، أنه “ومنذ وصوله إلى السلطة بعد وفاة الأمير السابق الشيخ نواف الأحمد وهو (يتحرش) بالديمقراطية وقد حاول الشيخ صباح الأحمد، الأمير الأسبق، ذلك من قبل وفشل".
وأشار إلى، أن “الكويت هي آخر الحصون المحترمة ويبدو أن حلف (التصهين العربي) قد قرر أن يضرب ضربته في الوقت الذي يقوم فيه الكيان الصهيوني باقتحام رفح، آخر المعاقل الفلسطينية في غزة".
وأضاف، “تزامن ملفت للنظر، أتصوره منطقي فالقوم يريدون ألا تبقى في الخليج دولة خارج سياق التطبيع وألا تتحول الكويت إلى شوكة في حلق الجميع ممن يكرهون الديمقراطية والعمل الإنساني وممن يعشقون الكيان الصهيوني".
*سبب التغييرات وعلاقة وزير الداخلية الكويتي بها
وحول الأسباب وراء إصدار هذه القرارات وما الذى سيترتب عليها ، يزعم مراقبون كويتيون، أن دستور الكويت يُعمل به منذ 60 عاماً، ولكن تم استغلاله بطريقة سيئة، وقد سبق أن تم وقف العمل ببعض مواده 3 مرات في تاريخ الكويت، والآن كان أمام الأمير خياران إما منح هذا الدستور لمن يحاولون استغلاله بأسوأ الطرق وأعنى هنا أعضاء مجلس الأمة، لكي يقوم بتعديله أو أن يحمل هو على عاتقه هذه المهمة.
إلا أن المشكلة الأساسية التي يبدو أنها كانت ذريعة لحل مجلس الأمة فهي توزير فهد اليوسف الصباح وزيرا للداخلية وهو ما اعتبره نواب ترسيخا للفشل والفساد.
فالنائب السابق بمجلس الأمة صالح الملا لفت نظره سابقا إلى أنه “لا يوجد تزوير (جناسي) هناك (بيع) والأخ وزير الداخلية مسؤول عن البحث عمن (باعها) وهو (الأخطر) لا عن من أستلم".
أما شعيب المويزري عضو مجلس الامة والوزير السابق فقال إن “الإصرار على توزير (تعيين اليوسف وزيرا) شخص تحوم حوله الشبهات دليل عدم الرغبة في الإصلاح".
وأضاف، "أقول لرئيس الوزراء المكلّف: الكويت دولة.. وليست ديوانية لربعك وأقربائك”.
*تاريخ حل مجلس الأمة الكويتي
شهد مجلس الأمة الكويتي حالة الحل الثالثة عشرة في تاريخ الحياة النيابية، وكانت البداية في عهد الشيخ عبد الله السالم الصباح، صدر الدستور الكويتي الحالي بعد الاستقلال، في 11 نوفمبر عام 1962 وبدأ العمل به رسمياً في 29 يناير 1963، ويتبنى الدستور الكويتي النظام الديمقراطي، حيث تنص المادة السادسة على أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً.
ومنذ أول تشكيل لمجلس الأمة في العام 1963 بعد الاستقلال وإعلان الدستور، تعرض مجلس الأمة لنحو 11 حالة حلّ، إما بمرسوم أميري أو بقرارات قضائية، منها حالتا حلّ غير دستوري (1976 و1986) حيث تمّ حل المجلس بشكل غير دستوري، وتوقف العمل ببعض مواد الدستور.
وشهد برلمان عام 1975 أول حالات حل مجلس الأمة (حلاً غير دستوري) بعد أن أصدر أمير البلاد الراحل الشيخ صباح السالم في 29 أغسطس عام 1976 مرسوماً أميرياً بإيقاف العمل ببعض مواد الدستور، نتيجة خلاف بين الحكومة ومجلس الأمة وتبادل الاتهامات بين الطرفين. وتوقفت الحياة البرلمانية في الكويت نحو 4 سنوات، حيث جرت الانتخابات التالية في 23 فبراير 1981.
والحل الثاني للمجلس كان في عام 1985 ، بسبب المواجهات التي حدثت بين المجلس والحكومة بسبب أزمة المناخ، وشهدت فترة توقف الحياة البرلمانية احتلال العراق للكويت في 1990.
الحل الثالث شهده مجلس 1999 في عهد الشيخ جابر الأحمد بسبب استجواب وزير العدل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد الكليب من قبل النائب عباس الخضاري عن الأخطاء في طباعة المصحف الشريف.
وتمّ حلّ البرلمان للمرة الرابعة في مجلس 2003 في عهد الشيخ صباح الأحمد بسبب ما عرف بأزمة الدوائر، وجاء الحلّ الخامس في مجلس 2006 بتوقيع الشيخ صباح الأحمد بسبب قضايا التجنيس ومصروفات ديوان رئيس الوزراء.
وجاء الحلّ السادس لمجلس 2008 بعد 290 يوماً من عمله (افتتح أعماله في الأول من يونيو 2008 وتمّ حله في 18 مارس 2009)، في عهد الشيخ صباح الأحمد، والمرة السابعة لحالات الحلّ كانت لمجلس 2009. وشهد مجلس 2009 حلاً للمرة الثانية، (الحلّ الثامن) حيث قضت المحكمة الدستورية، في 20 يونيو 2012 ببطلان مجلس فبراير 2012، وذلك نتيجة لخطأ إجرائي في مرسوم حل مجلس 2009، وعليه قضت ببطلان المجلس الجديد، وهو 2012، وإبطال عملية الانتخابات التي جرت في 2 فبراير 2012 بجميع الدوائر.
الحلّ التاسع شهده مجلس 2013 حيث قام الشيخ صباح الأحمد بحلّ مجلس 2013 دستورياً في 16 أكتوبر عام 2016.