البيدوفيليا في العراق.. ظاهرة "خطيرة" تتسع وجرائم "مُفزِعة" خلال السنوات الأخيرة
انفوبلس/ تقرير
بات من الواضح تزايد الاعتداء الجنسي على الأطفال والقاصرين في العراق (البيدوفيليا)، حيث لم يكن أشد المتشائمين في العراق يتخيّل أن يرى أو يسمع أن أشخاصًا بالغين يستخدمون الأطفال أداةً لإشباع رغباتهم الجنسية، والتي أحيانًا تنتهي بقتل الطفل ومرّات أخرى يبقى على قيد الحياة، لكن الاغتصاب يؤثر تأثيرًا سلبيًا عليه مدى حياته، بالإضافة إلى تعرّضه لاضطرابات نفسية متعدّدة.
ما هو البيدوفيليا؟
التحرش الجنسي بالأطفال أو الاعتداء الجنسي على الطفل (بالإنجليزية: Pedophilia) هو استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق، أو يكون بين قاصرين فارق العمر بينهما فوق الخمس سنوات، والسنّ الفاصل المعتبر لدى غالبية دول العالم هو 18 سنة، فكل شخص تحت سنّ الثامنة عشر يُعد قاصرا، وما فوق هذا يُعد مراهقا. ويشمل التحرش تعريض الطفل لأي نشاط أو سلوك جنسي. ويتضمن غالباً التحرش الجنسي بالطفل من قبيل ملامسته أو حمله على ملامسة المُتحرش جنسيا.
*أبرز الجرائم الأخيرة
- محافظة البصرة، شهدت جريمة قتل لطفلة تبلغ في العمر 7 سنوات بعد اغتصابها يوم الخميس 13 أبريل/ نيسان 2023، فيما ألقت شرطة المحافظة، القبض على المغتصب وقاتل الطفلة التي تُدعى "في".
- مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان شهدت مؤخراً، حادثة "صادمة" لاغتصاب تلميذة تنحدر من أب ألماني وأم مغربية وتبلغ من العمر 7 سنوات من قبل معلم سوري الجنسية لأكثر من عام في مدرسة "دانيال ميتران" الفرنسية التي تقع بقضاء "عنكاوا".
-العاصمة بغداد شهدت اغتصاب الطفلة حوراء التي تبلغ من العمر 7 سنوات في حي شعبي والجاني عنصر أمن ولديه سوابق في الاعتداء في عام 2021، وتصدّر وسم "حق حوراء" مواقع التواصل في العراق.
-في العاصمة بغداد وتحديداً منطقة الإسكان تعرض طفل يبلغ من العمر 11 عاماً إلى اغتصاب من قبل شخصين من مواليد 2002 و1997، الشخصان المذكوران، قاما باستدراج الطفل إلى عجلة صالون تابعة لهما، وقاما باغتصابه داخلها في عام 2021.
- شخص يبلغ من العمر 24 عاما اغتصب طفلا يبلغ من العمر 12 عاماً داخل مولّدة أهلية في منطقة الدورة حي الميكانيك بالعاصمة بغداد عام 2021.
ولم تقف عند تلك الحالات فقط، إذ يشهد العراق جرائم اغتصاب واعتداء جنسي على الأطفال والقاصرين بين الحين والآخر وفي مناطق متفرقة كان آخرها ما حصل في البصرة منذ حوالي 10 أيام.
وبحسب التقارير الحقوقية فإن أكثر من 2114 طفلاً في العراق عام 2021 تعرّض إلى انتهاكات جسيمة، منها القتل والتشويه والاعتداء الجنسي، وقد تكون الأعداد الحقيقية أكبر بكثير، خاصة وأن ظروفاً مثل الوفاة، أو الوصمة الاجتماعية، قد تُعيق الإبلاغ عن الانتهاكات.
*قصص واقعية
صراخ وبكاء واستغاثة، هذا ما حدث داخل غرفة تبديل الملابس في إحدى ملاعب كرة القدم في العاصمة بغداد، حيث ثلاث فتيان يحاولون "افتراس" ضحية بعملية جنسية.
يروي محمد عدنان والد الضحية، قصة مأساوية حصلت لولده، قُتِل بسببها حلم طفولته، حيث يقول، "دخل ولدي إلى غرفة تبديل الملابس فإذا بثلاثة فتيان تتراوح أعمارهم بين 12 - 15 ربيعاً، يضعونه في زاوية ويتحسّسون جسده.. لم يكن يعرف ما الغاية من ذلك، وما يريدان فعله به".
ويستطرد عدنان، "أخذ ولدي يبكي ويصرخ إلى أن سمعه بعض اللاعبين وجاءوا بمدرب الفريق، الذي قام بدوره بطرد الشباب دون إخبار أولياء أمورهم أو ذكر سبب فصلهم، أما ولدي فالجميع كان ينظر إليه كشريك في الحادثة، لا ضحية". ويؤكد والد الضحية، إن "تلك الحادثة تركت أثرًا مؤلماً في حياة ابنه وقتلت حلم طفولته، وصار معزولاً".
الفئات العمرية التي تملأها الأحلام والطموح هنالك من يقتل هذه الطفولة وهنالك من يتربص لهذه الأحلام والموهبة ويقتلها بدماء باردة، فالفرق الرياضية الشعبية خاصة كرة القدم، في العراق كثرت فيها الأمور السلبية.
غالبية الأطفال وقعوا ضحية اعتداء جنسي، أما من لاعبين آخرين، أو حتى من قبل مدربين، فبعض المدربين لا تهمهم الموهبة بقدر جمال اللاعب، وكل ما كان جميلاً ضَمِنَ مقعدًا أساسيًا في الفريق، وفي طبيعة الحال، ليس جميع المدربين يسيرون على نفس المنوال.
وتلعب الأُسرة دورًا مهمًا في تجنب وقوع مثل هذه الأمور، فمن خلال التنشئة الاجتماعية يكون الإنسان إما سويا أو منحرفًا، لذلك من الضروري توجيه الطفل بصورة مباشرة "اِفعل، لا تفعل". والجناح الثاني هو "القدوة"، وتكون أشد تأثيرًا لأن الطفل منذ صغر سنّه يلاحظ ويتأثر بما يدور حوله فيقلّد مَن هم أكبر منه.
يقول (م.ع)، لاعب فرق شعبي، إنه "في كثير من الحالات حصلت مشاجرات دامية بين المدربين من أجل الفوز بأحد اللاعبين الوسيمين"، مضيفًا "الضحية يصبح أشبه بالملكية الجنسية الخاصة لمن يوقع به، ولا يمكن لشخص آخر أن يتقرّب منه".
يكمل اللاعب، حديثه قائلًا، "التحرش الجنسي في الوسط الرياضي تحول الى ظاهرة، لم يعد يقتصر على منطقة دون غيرها".
من جهته، ينتقد الباحث الاجتماعي حيدر صباح "عدم وجود دوائر رقابية داخل الأوساط الرياضية والأندية تختص بمعرفة السلوكيات المنحرفة ومعاقبة المخالفين". ويتهم الباحث، الجهات الرياضية بـ "الصمت" حيال تفشي ظاهرة التحرش الجنسي في الميادين والملاعب، وعدم مناقشة هكذا مواضيع مما أدى إلى تفاقم المشكلة.
ويردف بالقول: "إن المدربين لديهم أساليب غير أخلاقية مع اللاعبين ولو وُجِد القانون، لحُكِم على أغلب المدربين بالمؤبّد".
أما (م.ج) أحد مصوري الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية، يشير إلى أن أخيه يمتاز بقوة مهارته في لعب كرة القدم، "لذا قرر الذهاب إلى إحدى الفرق الشعبية في منطقته، وأجري الاختبار، المدرب في تلك اللحظة أُعجِب بمظهره، كان صغير العمر وجميل الشكل"، لافتًا إلى أن "المدرب قرر ضمه إلى الفريق وبدأ بالتدريبات وكان مميزًا بين البقية وبدأ اللعب أساسيًا".
ويضيف، "بعد فترة طويلة، امتنع المدرب عن الزجّ بأخي واستمر بالتحدث مع المدرب عن السبب وكانت جملته المتكررة للمدرب ( ليش متخليني ألعب... ليش متنزلني)"، مردفًا "في تلك الاثناء طلب منه المدرب أن يذهب له بعد التمرين إلى غرفته الخاصة.. ثم طلب من بتلبية رغابته وإلا فإنه سيبقى جليس الدكة.. أخي امتنع عن الانجراف لرغبات المدرب وترك الفريق واستغنى عن حلم طفولته".
* قانون العقوبات العراقي
وتعتبر جرائم التحرش الجنسي بالأطفال من أفظع الجرائم التي جرّمها قانون العقوبات العراقي، واعتبرها ضمن الظروف المشددة عند إيقاع العقوبة.
وقد أشارت المادة 393 في الفقرة الثانية منها باعتبارها ظرفا مشددا "يعاقب بالسجن المؤبّد أو المؤقت كل من واقع أنثى أو ذكرا بغير رضاها أو رضاه إذا كان من وقع عليه الجُرم لم يبلغ سنّ الثامنة عشر عاما كاملة".
ومع كثرة الاتهامات الموجَّهة للمشرّعين العراقيين، بعدم سَن العقوبات الرادعة للمعتدين والمتحرشين، يحاول القانوني "وسام موفق عبد العزيز" توضيح القوانين السائدة حالياً في البلاد، لفهم المنطلقات الممكنة لتطويرها: "يجب أن نفرّق بين جريمتي الاغتصاب والتحرش في القانون العراقي، فلكل منهما عقوبته الخاصة. الاغتصاب هو مواقعة، دون الرضا، ودون الرغبة من الطرف الآخر، أي بشكل إجباري، وتحت ضغط وإكراه شديدَين. أما التحرش الجنسي فهو فعل، يريد به الجاني الحصول على منفعة جنسية، دون موافقة الطرف الآخر، سواء بالكلمات أو بالملامسة أو بالإشارة، وسواء كان الفعل علانية أو سرّاً".
ويوضح، "المادة ٣٩٣ من قانون العقوبات العراقي، رقم١١١ لسنة ١٩٦٩، حددت عقوبات، منها المشددة، لجريمة الاغتصاب، فنصّت على أنه يعاقب بالحبس المؤبد أو المؤقت، كل من واقع أنثى بغير رضاها، أو لاط بذكر أو أنثى، بغير رضاه أو رضاها. علماً أن القانون اعتبر العقوبة ظرفاً مشدداً، في الحالات التي نصّت عليها الفقرة ٢ من المادة ٣٩٣ من قانون العقوبات. أما جريمة التحرش فيعاقب فاعلها بالسجن لمدة عام واحد، أو غرامة مالية، أُنيط للقضاء مهمة تحديدها، بحسب ما يقدّره في كل قضية على حِدة، علماً أنه لا يمكن الإفراج عن المتحرش أو إخراجه بكفالة مالية، إلا بعد عرضه، وأوراقه التحقيقية، على القاضي المختص، لإصدار الحكم القضائي بحقه".
من جهته، يبين القانوني مسلم الوائلي، أن "أغلب القضايا في السنوات الأخيرة هي حالات الاعتداء والتحرش الجنسي على الأطفال وأصبحت تزداد بسبب تخوف الضحية من التكلم أو إقامة دعوى". ويتابع حديثه، "في العراق تعتبر جرائم التحرش الجنسي بالأطفال من أفظع الجرائم في قانون العقوبات العراقي، واعتبرها ضمن الظروف المشددة عند إيقاع العقوبة".
ويعرّف الباحث النفسي ناهض موسى، التحرش الجنسي بأنه "نوع من الانتهاك البدني فيه خدش للحياء خاصة في مجتمعاتنا الإسلامية"، مشيرًا إلى أن "التحرش لا يكون فقط باللمس فقط فهنالك تحرش بالألفاط ويتطور إلى أن يصل تحرش باللمس وينتهي بالنشاط الجنسي". واعتبر ناهض، أن "التحرش موجود بالعراق كما هو بكل بلدان العالم وأنه يزداد بغياب الروادع الدينية والأخلاقية ويتناسب عكسيا معها".
لا توجد إحصائيات عن الاعتداء الجنسي تقدّم صورة كاملة لانتشار هذه الظاهرة، فالخوف من "العار" وعوامل عدة تمنع عددا غير معروف من الضحايا وذويهم من تلقي العلاج أو السعي إليه.
لكن يشير استطلاع بي بي سي والبارومتر العربي الذي أُجرِي في عشر دول عربية والأراضي الفلسطينية إلى أن عدد الرجال الذين يقولون إنهم تعرضوا للتحرش الجنسي في الأماكن العامة في العراق يفوق عدد النساء - إذ بلغت النسبة 20% لدى الرجال و17% لدى النساء.
ووفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية لعام 2020، فإن واحدة من كل 5 نساء وواحد من كل 13 رجلاً أبلغوا عن تعرّضهم للاعتداء الجنسي عندما كانوا أطفالاً، وذلك على صعيد عالمي، إذ لا توجد أرقام دقيقة ورسمية عن نسبة هذا النوع من التحرش في الدول العربية.
ويندرج فعل التحرش بالأطفال ضمن الجرائم الجنسية المنصوص عليها في قوانين العقوبات بغالبية الدول العربية، باستثناء الإمارات والبحرين، إذ هناك قوانين خاصة بحقوق الطفل تلحظ هذه الجريمة.