الطفل "جوجو" الذي شغل ديالى لأيام يرحل.. هل دائرة الصحة مقصرة؟ ولماذا تأخر دفنه؟
القانون ومجهولي النسب
الطفل "جوجو" الذي شغل ديالى لأيام يرحل.. هل دائرة الصحة مقصرة؟ ولماذا تأخر دفنه؟
انفوبلس/..
شهدت محافظة ديالى في الأيام الماضية جدلًا واسعًا حول قضية الطفل المعروف باسم “طفل كريم النسب” أو “جوجو”، والذي ظل جثمانه محفوظًا في ثلاجة الموتى لأسابيع دون دفن، بسبب الإجراءات القانونية المتعلقة بالبحث عن ذويه أو أقاربه.
هذه القضية أثارت تساؤلات كبيرة حول آليات التعامل مع الجثث مجهولة الهوية، ودور الجهات المختصة في تسريع إجراءات الدفن، إضافة إلى الجوانب الإنسانية والاجتماعية المرتبطة بمثل هذه الحالات.
*التفاصيل
جليل، أحد الأطفال كريمي النسب، وُلد في مستشفى البتول قبل سنة ونصف، وتُرك هناك مجهول الهوية في قسم الخدّج حديثي الولادة.
ممرضات القسم أخذن على عاتقهن رعايته بأفضل شكل، وأطلقن عليه اسم “جوجو”، وكن يدلعنه بدلال بـ “جوجو”. كان يعاني من الصرع والتهاب السحايا، ويرجح البعض ان هذا سبب ترك اهله له في المستشفى، كانت حرارته ترتفع بين الحين والآخر، كما تعرض لما يُعرف شعبيًا بـ”الشمرة”. ورغم الرعاية الطبية التي حظي بها، فارق الحياة بداية مؤخرا متأثرًا بمرضه.
وبحسب مصدر طبي رفض ذكر اسمه، يوجد في مستشفى البتول خمسة أطفال كريمي النسب، من بينهم جليل، وتتراوح أعمارهم بين حديثي الولادة وحتى السنتين. وأوضح المصدر أن رعاية الأطفال تتم بالتناوب بين الممرضات، إلى جانب تبرعات بقية الكوادر الصحية، حيث يقمن بشراء الملابس والمستلزمات الأساسية، ويتناوبن على غسل ملابسهم والعناية بهم. وأضاف: “كل من يدخل قسم الخدّج يلمس مدى تعلق الممرضات وحبهن لهؤلاء الأطفال”.
بعد وفاة "جوجو" تم تحويل جثمانه إلى دائرة الطب العدلي، حيث خضع للإجراءات القانونية المعتادة. استنادًا إلى قانون الصحة العامة، فإن ذويه لهم فترة زمنية محددة للمطالبة به، وفي حال لم يطالب به أحد، سيتم دفنه في مقبرة مخصصة لمجهولي الهوية.
*حسم الجدل
أعلنت دائرة صحة ديالى، الثلاثاء (25 شباط 2025)، عن حسم ملف الطفل "كريم النسب" الذي أثار الرأي العام في الأيام الماضية.
وقال مدير إعلام دائرة صحة ديالى فارس العزاوي، إن "الطفل الرضيع، الذي كان من كريمي النسب، توفي قبل أسابيع نتيجة مضاعفات صحية أثناء وجوده في مستشفى البتول للولادة والأطفال".
وأكد العزاوي أن "عملية دفن الطفل تخضع لسياقات قانونية لا يمكن تجاوزها، حيث يتعين أن يبقى الطفل في الطب العدلي لفترة زمنية محددة لحين إصدار الموافقة القانونية بدفنه".
وأضاف أن "دائرة صحة ديالى استحصلت الموافقات القضائية اللازمة من أجل دفن الطفل، وقد يتم دفنه اليوم أو غداً، وفقاً للمعلومات المتوفرة لدينا". مشيراً إلى أن "العملية تتعامل معها الدائرة بدواعي إنسانية، لكن القوانين والإجراءات المعمول بها لا تسمح بتجاوز آليات دفن مجهولي النسب أو الهوية".
*دفن الطفل
في هذا الصدد، أعلنت دائرة صحة ديالى، امس الأحد (2 آذار 2025)، دفن طفل من كريمي النسب والذي أثارت قضيته الرأي العام في الأسابيع الماضية.
وقال مدير إعلام دائرة صحة ديالى، فارس العزاوي، إن "الطفل الذي يبلغ من العمر عدة أشهر والمُلقب بجوجو تم دفنه في إحدى مقابر بعقوبة بعد استكمال الإجراءات القانونية وأخذ الضوء الأخضر من قبل المحكمة المختصة بتنفيذ إجراءات الدفن".
وأضاف العزاوي أن "جوجو، وهو طفل من كريمي النسب، كان يجري العناية به لأشهر عدة في مستشفى البتول للولادة والأطفال قبل أن تتدهور صحته ويتوفى، ثم تم نقله إلى الطب العدلي لاستكمال إجراءات الدفن. ومع ذلك، وبموجب السياقات القانونية، يعتبر الطفل من مجهولي الهوية، مما استدعى بقائه فترة زمنية محددة في ثلاجة الموتى لحين أخذ الموافقة القضائية لاستكمال إجراءات الدفن".
وأشار إلى أنه "تم وصول الضوء الأخضر من المحكمة، وبالتالي تم المضي بمراسيم الدفن، اليوم، حيث سيتم دفن جوجو في إحدى المقابر في بعقوبة"، مؤكداً أن "القضية قد انتهت بذلك، بعد أن أثارت الرأي العام لعدة أسابيع. خاصة وأن تأخر عملية الدفن لا يقع على عاتق دائرة الصحة باعتبارها جهة ملزمة بتنفيذ القرارات وسياقات القانونية، ولا يمكن دفن الطفل إلا بعد أخذ الموافقات القضائية واعتماد السياقات المعتمدة من قبل وزارة الصحة".
وأضاف العزاوي أن "دائرة صحة ديالى تتضامن مع هذه القضية وتؤكد أنها فعلت كل ما يمكن من أجل العناية بهذا الطفل وتقديم الدعم الطبي اللازم، إلا أن حالته الصحية تدهورت وتوفي. وبالتالي، فإن هذه القصة تسلط الضوء على ملف كريمي النسب، رغم أن أعدادهم محدودة جداً في ديالى، إلا أن هذا الملف يظل ملفاً إنسانياً، وتمت معالجته بشكل مباشر وبعناية طوال الأشهر الماضية".
ماذا يقول القانون؟
بعد استشارة المختصين بالشأن القانوني، أوضح المحامي أحمد صبحي وسمي أن هناك نصوصًا قانونية تنظم مثل هذه الحالات.
المادة 101 من قانون الصحة العامة رقم (89) لسنة 1981، الفقرة (خامسًا)، تنص على:
“إذا لم يراجع أي من ذوي المتوفى الطبابة العدلية لاستلام الجثة خلال شهر، تقوم أمانة العاصمة والبلديات في المحافظات، بناءً على طلب الطبابة العدلية، بدفن الجثة في المقابر العامة مع توثيق القبر لإمكانية استخراجها عند الحاجة".
المادة 23 من قانون الطبابة العدلية رقم (37) لسنة 2013، تنص على:
“لا يجوز دفن الجثة قبل انقضاء مدة الشهرين المنصوص عليها في قانون الصحة العامة.”
وبذلك، يتيح القانون للطبابة العدلية تقديم طلب إلى محكمة التحقيق المختصة للموافقة على دفن الجثامين الموجودة في ثلاجة الطب العدلي، سواء كانت معلومة أو مجهولة الهوية.
من المؤكد أن المحكمة والطب العدلي قد اتبعا القانون والإجراءات الرسمية، لكن إنسانيًا، هناك مطالبات بضرورة التعجيل في استكمال الإجراءات اللازمة لدفن الطفل “جوجو” احترامًا لكرامته.
