العراق يتجه للتحول الرقمي الشامل بإطفاء الـ"واي فاي" واعتماد الكابل الضوئي

انفوبلس..

تتجه وزارة الاتصالات العراقية إلى إحداث تحوّل جذري في قطاع الإنترنت، عبر إنهاء عصر "الواي فاي" التقليدي واعتماد الكابل الضوئي (FTTH) كخدمة رئيسية تغطي معظم المحافظات.

هذا المشروع يأتي ضمن استراتيجية حكومية تهدف إلى تعزيز البنية التحتية الرقمية، وتوفير إنترنت أكثر سرعة وأماناً للمواطنين، بالتزامن مع خطوات موازية نحو التحول الرقمي وتوسيع حضور العراق في الاقتصاد التكنولوجي.

أكدت وزيرة الاتصالات، هيام الياسري، أن العام المقبل سيشهد "إيقافاً نهائياً لخدمة الواي فاي" بعد استكمال مدّ شبكة الكابل الضوئي إلى أغلب المحافظات، مشيرة إلى أن شركات الإنترنت "تفضل الواي فاي لارتفاع أرباحه رغم رداءة الخدمة ووجود عمليات غش واضحة"، بينما يضمن الكابل الضوئي سعات مضبوطة تحت إشراف مباشر من الوزارة.

وبيّنت الوزيرة أن الخطة الحكومية تسير بخطوات تدريجية، حيث جرى عقد اجتماعات مع أبرز مزودي الخدمة مثل إيرثلنك وسوبر سيل وفايبر إكس، لمناقشة آليات الانتقال، وتحويل الاشتراكات لتكون إلكترونية عبر مركز البيانات الوطني، بما يضمن إطفاءً سَلِسَاً للواي فاي وتحويل المشتركين إلى شبكات الألياف الضوئية.

نحو ستة ملايين خط ضوئي

تشير بيانات وزارة الاتصالات إلى أن العراق نجح حتى الآن في مدّ 4.5 ملايين خط كابل ضوئي، منها مليون ونصف المليون خط مفعّل داخل المنازل.

وتستهدف الخطة الوصول إلى 6 ملايين خط قبل نهاية العام المقبل، لتغطية المدن، الأرياف، والقرى النائية، بما يتيح وصول الإنترنت عالي السرعة إلى شريحة أوسع من المواطنين.

وترى الوزارة أن هذه الخطوة ستمنع التلاعب بالسِّعات من قبل بعض الشركات، وهو ما واجه اعتراضات من أطراف مستفيدة من نظام "الواي فاي"، لكن الحكومة تؤكد أن المشروع "لا تراجع عنه لأنه يصب في مصلحة المواطن ويعزز الشفافية".

نحو التحول الرقمي الشامل

في تصريحات سابقة خلال "قمة الأعمال العراقية" (IBS) في نيسان 2025، شددت الوزيرة الياسري على أن العراق يسعى للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الرقمي، عبر الاستثمار في البنى التحتية والتوجه نحو الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.

وأوضحت، أن الوزارة تعمل على محورين متوازيين: تطوير الشبكة الرقمية الحكومية المؤمنة لربط مؤسسات الدولة، ودعم المشاريع الرقمية الخاصة التي تسهم في أتمتة المؤسسات وتوفير فرص عمل للطاقات الشابة.

كما أشارت إلى أن نهاية خدمات الواي فاي ستكون بداية لعصر تقني أكثر تطوراً وأماناً، يفتح الباب أمام اقتصاد المعرفة وتوسيع الإيرادات غير النفطية.

رقمنة المؤسسات وخدمات الدولة

ضمن هذا المسار، تعمل وزارة الاتصالات على إنشاء شبكة حكومية مؤمنة لتبادل البيانات بين الوزارات والدوائر الرسمية، بما يسمح بتطوير خدمات رقمية في مجالات الصحة، التعليم، الصناعة والمصارف.

وتقول الوزارة إن هذه الخطوة ستدعم أتمتة المؤسسات وتقليل الفساد الإداري عبر أنظمة رقمية يصعب التلاعب بها.

ويواكب هذا الحراك خططاً لإطلاق مبادرات في مجال الأمن السيبراني، وتطوير الكفاءات العراقية للعمل في قطاع التكنولوجيا، حيث جرى الإعلان عن برامج تدريبية ودعم للشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي وصناعة البرمجيات.

قطاع الاتصالات بين التحديات والفرص

قطاع الاتصالات في العراق ظلّ لسنوات يعاني من ضعف البنية التحتية، والاعتماد على شبكات تقليدية لم تواكب الطلب المتزايد.

تقارير متخصصة تشير إلى أن سرعة الإنترنت في العراق بقيت من بين الأبطأ في المنطقة، وهو ما أثّر على فرص الاستثمار الرقمي.

لكن المشاريع الحكومية الأخيرة، وعلى رأسها الكابل الضوئي، تمثل تحولاً لافتاً، خاصة أن العراق بات يضخ استثمارات في البنية التحتية الرقمية تقدر بمئات ملايين الدولارات. كما تسعى الوزارة إلى تقليل الاعتماد على الشركات الوسيطة، عبر رقابة مباشرة على إدارة السعات الدولية وتوزيعها محلياً.

دخول الجيل الخامس عبر فودافون

بالتوازي مع مشاريع الكابل الضوئي، يستعد العراق للدخول رسمياً إلى عصر الجيل الخامس G5، مع إعلان شركة فودافون عن نيتها إطلاق خدماتها في السوق العراقي بالتعاون مع وزارة الاتصالات.

ومن المتوقع أن تبدأ التجارب التقنية خلال العام المقبل، تمهيداً لتغطية المدن الرئيسية بخدمات 5G، ما سيتيح سرعات فائقة للإنترنت، ويمنح العراق فرصة اللحاق بركب التطور العالمي في الاتصالات.

وبحسب خبراء، فإن دخول فودافون يمثل خطوة استراتيجية ستسهم في تعزيز المنافسة، تحسين جودة الخدمة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن دعم القطاعات الصناعية والخدمية التي تعتمد على شبكات الجيل الخامس مثل النقل الذكي، المدن الذكية، وإنترنت الأشياء.

نحو اقتصاد رقمي متكامل

تؤكد وزارة الاتصالات أن هذه المشاريع لا تقتصر على تحسين خدمة الإنترنت للمواطنين، بل تشكل قاعدة أساسية لبناء اقتصاد رقمي أكثر تنوعاً، يساهم في خلق فرص عمل جديدة، ويعزز موقع العراق ضمن خارطة الاتصالات الإقليمية.

ويرى مراقبون أن نجاح العراق في الانتقال من "الواي فاي" إلى "الكابل الضوئي" ثم إلى شبكات الجيل الخامس، سيجعله أمام فرصة تاريخية لتجاوز عقد من التعثر في قطاع الاتصالات، ويفتح المجال أمام التحول إلى مركز إقليمي للبيانات والتكنولوجيا إذا ما تم استكمال الخطط بحزم وشفافية.

بين إطفاء الواي فاي وتوسعة شبكة الألياف الضوئية، والدخول المرتقب للجيل الخامس، يعيش قطاع الاتصالات العراقي لحظة مفصلية قد تعيد رسم ملامح الحياة الرقمية في البلاد. 

ورغم التحديات المرتبطة بضعف البنية التحتية، والمعوقات البيروقراطية، فإن الاتجاه الرسمي نحو التحول الرقمي يعكس إرادة سياسية لتجاوز الماضي وبناء مستقبل يقوم على الابتكار والتكنولوجيا.

العراق محور استراتيجي للاتصالات والإنترنت

وأكدت وزيرة الاتصالات العراقية هيام الياسري، اليوم الخميس، أن العراق يسعى لتعزيز موقعه الاستراتيجي ليكون ممراً محورياً للشركات العربية والعالمية في قطاع الاتصالات.

وأوضحت أن الموقع الجغرافي للعراق يربط دول جنوب وغرب وشرق آسيا بالخليج العربي وأوروبا عبر تركيا وإقليم كوردستان، ما يجعله عقدة أساسية لحركة البيانات الدولية.

وأضافت أن الممر البري يوفر ميزة سرعة إصلاح الأعطال وتكاليف أقل مقارنة بالمسارات البحرية التقليدية، ويسهم في تحسين جودة الإنترنت وتوزيع السعات على مختلف المحافظات.

وأشارت الياسري إلى أن المشروع يعزز مكانة العراق كنقطة محورية للترانزيت الإقليمي والدولي، فيما تبدي الشركات العالمية اهتماماً متزايداً باستخدام الممر العراقي لما يوفره من سرعة وكفاءة.

ويأتي هذا في ظل ارتفاع نسبة مستخدمي الإنترنت إلى 82.9% بنهاية 2024، نتيجة توسعة شبكة الألياف الضوئية وتحسين البنى التحتية الرقمية.