العراق يكتفي من الحنطة.. تعرف على المسيرة الناجحة لإدارة الملف رغم شح المياه
انفوبلس/..
بشكل رسمي، أعلنت وزارة التجارة، تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول الحنطة، على الرغم من شح المياه التي أدخلت العراق في أزمة؛ نتيجة السياسات التي تتبعها دول المنبع وبالخصوص تركيا من حيث قلة الإطلاقات المائية وإنشاء السدود، الأمر الذي انعكست نتائجه سلباً على واقع المياه في البلاد.
*اكتفاء من الحنطة
وأعلن وزير التجارة أثير داود الغريري، يوم أمس السبت، أن الموسم الحالي حقق الاكتفاء الذاتي من محصول الحنطة.
وقالت الوزارة في بيان، إن "وزير التجارة تفقد ميدانياً المواقع التسويقية في كركوك والتقى عددا من المزارعين المسوّقين لمحصول الحنطة؛ للوقوف على أسباب الزخم الحاصل في عملية استلام الكميات المسوقة".
وشدد الوزير، بحسب البيان، على "تذليل المعوقات كافة؛ لاستيعاب جميع الكميات الواردة من الحنطة وامتصاص الزخم وتنظيم عملية دخول عجلات المسوّقين".
وأكد الوزير، أن "الموسم الحالي وبحمد الله تحقق الاكتفاء الذاتي وأن مخزونات الحنطة تؤمّن حصص المواطنين من مادة الطحين حتى الموسم التسويقي المقبل".
وبيّن، أن "إجمالي الكميات المسوَّقة من الحنطة لغاية اليوم تجاوزت الكميات المتوقعة مع استمرار عملية التسويق التي تشهد ذروتها في محافظات شمال بغداد والإقليم".
*انتكاسة ثم انفراجة
وتشتري الحكومة العراقية محصول القمح من الفلاحين لتقوم بتوزيعه لاحقاً على المواطنين على شكل طحين، ضمن برنامج البطاقة التموينية المتبع منذ تسعينيات القرن الماضي، غير أن تراجع المساحات المزروعة في البلاد بسبب شح المياه وقلة مواسم الأمطار خلال العامين الماضيين (باستثناء هذا الموسم)، وانخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، أدت جميعها إلى خفض الإنتاج وتراجع مخزون القمح.
ووفق بيانات حكومية فإن إجمالي إنتاج القمح في العراق بلغ 4 ملايين و234 طنا خلال الموسم الشتوي لسنة 2021، وتراجع هذا الرقم بنسبة 32% عن إنتاج سنة 2020 الذي أُنتج فيه أكثر من 6 ملايين و238 طنا، و4.7 ملايين طن في 2019، وقد أعلنت الاكتفاء الذاتي في هذه السنوات.
وفي شهر أبريل/ نيسان الماضي قال حيدر نوري، مدير عام مجلس الحبوب العراقي، لوكالة "بلومبيرغ"، إنه من المتوقع أن ينتج العراق 3.5 ملايين طن من القمح هذا العام ليسجل ارتفاعا حوالي 2.2 مليون طن عن العام الماضي.
لكن في أوائل مايو/ أيار الماضي، كشفت وزارة الزراعة عن إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح خلال الموسم الحالي، بعد موسم جيد من الأمطار شهدته البلاد، فيما تحدثت وزارة الزراعة عن وجود مساعٍ حكومية حقيقية لعدم استيراد الحنطة من الخارج والاعتماد على الإنتاج المحلي.
وقال مسؤول بوزارة الزراعة العراقية هذا الشهر، إنه من المتوقع أن يتراوح محصول القمح بين أربعة ملايين وأربعة ملايين ونصف طن هذا الموسم.
وبحسب خبراء، فإن العراق يحتاج إلى نحو 5 ملايين طن سنوياً من الحنطة لسد الحاجة الفعلية للبلاد، في حين يعتمد على الاستيراد لإمداد برنامجه الخاص بمفردات "البطاقة التموينية"، وأن العراق يُعد من أكثر البلدان استيراداً للحبوب في الشرق الأوسط، فيما يستورد مادة الطحين من مناشئ عدة.
وكان العراق يخطط لزيادة إنتاجه من القمح بنحو 60 % هذا العام، مع الاستمرار في الاعتماد على الواردات من أجل تلبية الطلب المحلي.
*خطة الاكتفاء الذاتي
وزير الزراعة، عباس العلياوي، كشف في نهاية كانون الأول من العام 2022، عن أن العراق يستهدف زيادة مساحة الأراضي الزراعية المُستثمرة بواقع 6 ملايين دونم ستكون مخصصة لإنتاج القمح، وذلك من خلال الاعتماد على الآبار لتعويض نقص المياه الذي تمرّ به البلاد منذ عدة سنوات، نتيجة تراجع مستويات مياه نهري دجلة والفرات، مؤكداً أن ذلك يفتح باب التفاؤل في إمكانية تحقيق العراق اكتفاءً ذاتياً جديداً من القمح خلال الموسم الزراعي الحالي.
*خطة مغايرة لخطة الكاظمي
ويأتي الإعلان الجديد مغايراً لخطة حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، حيث أعلنت في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول العام 2021، أن الجفاف وشحّ المياه سيُجبران البلاد على تقليص المساحات المزروعة للموسم الزراعي 2022 بمقدار النصف.
وجاء في بيان حكومي، أن السلطات قرّرت "تحديد المساحات المزروعة بطريقة الإرواء السطحي، (نهرا دجلة والفرات) بواقع 50% عن المساحة المزروعة في العام 2021". إلا أن الخطط الجديدة لحكومة محمد السوداني توجهت فعلياً لاستغلال مياه الآبار لتعويض النقص، كما يظهر.
ونقل بيان لوزارة الزراعة العراقية، عن وزير الزراعة عباس العلياوي قوله، إن "خطة وزارة الزراعة لهذا الموسم كانت زيادة المساحة المزروعة من القمح، باعتبارها جزءاً من تأمين الأمن الغذائي". مبيناً، أن "الظروف التي يعيشها العالم اليوم تستدعي من الوزارة أن تضع خطة بديلة لمواجهة نقص المياه التي أثرت في الخطة الزراعية وتناقصت بنسبة 50%".
*خطة بديلة
ووفقاً للوزير نفسه، فإن "الخطة البديلة هي الذهاب إلى الأراضي الصحراوية التي تُسقى من خلال الآبار، وتمت زيادة هذه المساحة إلى 4 ملايين دونم بالتعاون مع وزارة الموارد المائية، أما الأراضي المرويّة، فوصلت بعد التخفيض إلى مليون ونصف المليون دونم".
*زيادة الأمطار
وتابع وزير الزارعة العراقي، قائلاً إن "الموسم الحالي إلى الآن يبشّر بخير، حيث إن زيادة الأمطار مكّنت الوزارة من الحصول على زيادة مقدارها مليون دونم من وزارة الموارد المائية، وبالتالي زادت الأراضي المرويّة من خلال الأنهار إلى مليونين ونصف، والأراضي التي تُسقى من خلال الآبار إلى 4 ملايين، بالإضافة إلى مليون و100 دونم بالنسبة إلى بساتين الأراضي القديمة".
ووفقاً لحديث الوزير العراقي، فإن مجمل الأراضي المخصصة لزراعة القمح ستصل هذا الموسم إلى 6 ملايين دونم، وهو ما يُقدر إنتاجه بنحو 5 ملايين طن من الحنطة التي تُحصد سنوياً في العراق منتصف شهر إبريل/ نيسان من كل عام، بحسب تقديرات إنتاج الدونم الواحد من القمح في العراق.
وتعتبر محافظات نينوى والأنبار والمثنى في شمالي البلاد وجنوبها، أبرز المحافظات العراقية التي تعتمد على مياه الأمطار والآبار في زراعة القمح بمناطق مفتوحة تصل مساحاتها إلى ملايين الدونمات.
*تسهيلات زراعية
ويُقدر استهلاك العراق السنوي من القمح ما بين 5 إلى 5.5 ملايين طن، وفقاً لتقديرات غير نهائية تحدث بها رياض العباسي، عضو غرفة تجارة بغداد.
وكشف العباسي، عن تزويد الوزارة الفلاحين "بأصناف جيدة من القمح لنثرها، وكذلك توفير مصرفي الرافدين والرشيد منحاً مالية لهم للمساعدة في إنجاز موسمهم الزراعي، إلى جانب تسهيلات قدّمتها قوات الجيش المنتشرة في المناطق السهلية المُستهدفة بالزراعة".
*موسم فاق التوقعات
أكدت وزارة الزراعة، في نيسان المنصرم، أهمية استثمار الأراضي الصحراوية في زراعة محصولي الحنطة والشعير، فيما أشارت إلى أن الموسم الحالي من محصولي الحنطة والشعير فاق التوقعات.
وقال المتحدث باسم الوزارة محمد الخزاعي، إن "الأراضي الصحراوية التي استُخدمت بشكل واسع خلال خطة الاستزراع الشتوية لمحصولي الحنطة والشعير وفّرت بديلاً للنقص الحاصل في الأراضي التي تُروى بشكل مباشر من مياه الأنهار".
وأضاف، إن "الوزارة توجهت لزراعة الأراضي الصحراوية بسبب صعوبة تأمين محصول الحنطة نتيجة الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، فضلاً عن النقص الكبير الذي يعاني منه العراق في المياه". مشيراً إلى، أن "استثمار الأراضي الصحراوية يأتي أيضا لضمان الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي لمحصولي الحنطة والشعير باعتباره حلاً استراتيجياً مؤقتاً".
وتابع، إن "وزارة الزراعة ألزمت جميع المزارعين باستخدام تقنيات الرَّش الحديثة الثابتة والمحورية لتقنين وترشيد استهلاك المياه الجوفية للحفاظ على الثروة الوطنية". مبيناً، إن "الموسم الحالي فاق التوقعات وأمَّن جميع الريّات لمحصولي الحنطة والشعير، ولم نضطر إلى استخدام الخزين المائي في السقي".
وبيّن، إن "التفاهمات التي حصلت مؤخراً بين العراق وتركيا بشأن المياه مع موسم ذوبان الثلوج ستؤدي جميعها إلى زيادة الخزين المائي العراقي". لافتا إلى، أن "امتلاء السدود في العراق يدعو إلى التفاؤل بخطة زراعية صيفية".
ولفت إلى، أن "المساحات الزراعية باتت لا تفي بمتطلبات الزراعة بالعراق على اعتبار أن أكثرها حيازات صغيرة". مؤكداً "حاجة البلاد إلى مساحات كبيرة".
وأشار، إلى أن "استخدام الأراضي الصحراوية بالشكل الأمثل وفَّر بديلاً وعمقاً للأمن الغذائي في العراق".


