الهلال الاحمر العراقي.. أموال وغموض يثيران الهواجس

انفوبلس/..
تختلط الأوراق على الكثير من المواطنين عند سماعهم أو حديثهم حول "جمعية الهلال الأحمر العراقي"، فبعضهم يعتقد أنه مؤسسة تابعة لوزارة الصحة، والبعض الآخر يعتقد أنه تابع للأمم المتحدة، وغيرهم يظن انه مؤسسة ربحية تعمل في المجال الانساني، ذلك فضلا عن الفئة القليلة التي تعرف حقيقة ما هي عليه.
الهلال الأحمر العراقي، جمعية تأسست في 1932 على يد أرشد العمري أمين عام بغداد آنذاك، حيث دعا العمري 150 شخصاً من وجهاء المملكة وأشرافها ومفكريها وعرض عليهم فكرة تأسيس جمعية الهلال الأحمر العراقي أسوة بالبلدان المتحضرة وقد تقرر انتخاب 16 عضواً لوضع مسودة للنظام الأساسي للجمعية.
- تعريف عمل جمعية الهلال الأحمر العراقي
هي جمعية إنسانية وطنية مستقلة عملها تخفيف الآم ومعاناة أبناء المجتمع من دون تمييز في أوقات السلم والحرب أثناء الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية وتعد الجمعية واحدة من الجمعيات الفعالة في الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر. ويعتمد عمل الجمعية على مبدأ العمل التطوعي حيث يعتبر القاعدة الأساسية في عمل جمعية الهلال الأحمر العراقي وقد التزمت الجمعية منذ بداية تأسيسها بمبدأ العمل التطوعي الذي يعتبر من المبادئ الأساسية للحركة الدولية.
والخدمة التطوعية هي تجسيد للمبادئ الأساسية للحركة الدولية والهلال الأحمر حيث يعتبر المتطوعين الركيزة الأساسية لعمل الجمعية فالإغاثة التطوعية لا تعمل لأجل أي مصلحة وتهدف الى توفير الإغاثة التطوعية دون أن تسعى إلى تحقيق أي ربح.
- في وقت الحرب
تسعى الجمعية إلى مساعدة الجرحى وتخفيف ألآمهم والبحث عن المفقودين والأسرى وتقديم المعونة الصحية إلى مرضى وجرحى الحرب دون تمييز بين صديق وعدو حسب الاتفاقيات الدولية.
- في وقت السلم
تسعى الجمعية إلى إسعاف المتضررين من جراء الكوارث الطبيعية داخل وخارج البلاد مثل الفيضانات والزلازل والبراكين وأوبئة حيث تقوم بفتح مستوصفات ومراكز الإسعاف الأولي وإعداد كوادر المتطوعين على أعمال الإسعاف الأولي والتمريض لتهيئتهم لحالات الطوارئ.
تؤكد الجمعية وتعيد التأكيد مراراً وتكراراً على مبدأ "التطوعية" وعدم سعيها لتحقيق أية أرباح أو تعاملات مالية، لكن الواقع يثير بعض الشكوك والمؤشرات حول تلك المبادئ.
لعل أبرز مؤشرات الخلل في الجمعية هو رئيسها "ياسين المعموري"، والذي ترأس الجمعية منذ آب 2008 ولا يزال قائما عليها إلى يومنا هذا، على الرغم من وجود مادة في القانون العراقي (رقم 48 لسنة 2017) والذي يمنع الترشيح لرئاسة النقابات والجمعيات لأكثر من مرتين متتاليتين (8 سنوات)، فيما يهيمن المعموري -بواسطة انتخابات الجمعية- على الرئاسة منذ 14 عاماً، فضلا عن مخالفة أخرى متمثلة بكونه مديرا عاماً في وزارة الصحة إضافة إلى منصبه في رئاسة الجمعية وهذا الدمج بين المنصبين يمنعه القانون العراقي.
وبعد انتخابه للمرة الرابعة على التوالي منذ 3 أشهر، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بأحاديث النشطاء حول وجود فساد في الجمعية، كما تحركت بعض الاطراف السياسية موجهة طلبا لرئيس الوزراء بسحب يد المعموري بسبب مخالفات قانونية وشبهات فساد، ولكن لم يحدث أي شيء وبقي الوضع على ما هو عليه.
نشر -في حينها- الإعلامي علي فرحان وثائق تابعة للهلال الأحمر صادرة عام 2011، وعلق عليها: "جمعية الهلال الأحمر التي يرأسها ياسين المعموري قامت بصرف مليار و700 مليون خلال سنة واحدة، فقط لشراء "الگاز" وتصليح المولدات، هذه الجمعية التي لم ينتبه إليها أحد تقوم بتضييع فلوس الفقراء والمحتاجين التي من المفترض أن تقوم بمساعدهم".
كما قدم النائب الأول لرئيس مجلس النواب آنذاك، حاكم الزاملي طلبا لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جاء في نصه: "جمعية الهلال الأحمر العراقية لها دور إنساني كبير كون أنشطتها تمس الواقع الصحي والمعاشي للمواطن، ونتيجة ثبوت العديد من المخالفات المرتكبة من قبل رئيس الجمعية ومنها (خروقات إدارية بإقصاء شخصيات تولت إدارة الجمعية، وانتقائية تنفيذ القوانين على بعض الموظفين، وتسلم رواتب شهرية بمبالغ طائلة على الرغم من أن عضوية الهيئة الإدارية طوعية وبدون راتب، وصرف أموال طائلة على إيفادات رئيس الجمعية وفواتير مكالماته الهاتفية)، ندعو إلى سحب يد رئيس الجمعية بناء على مقتضيات مصلحة العمل وحفاظا على مبدأ المشروعية والمال العام".
وأضاف: "رئيس الجمعية قام بصرف مبالغ طائلة لشراء مولدات لم يتم استخدامها حتى اليوم، وشراء السلة الرمضانية لعام 2013 والتي شابها العديد من شبهات الفساد المالي، فضلا عن الاستحواذ على مقدرات وأملاك الجمعية، والانحراف عن مسارها لتحقيق المنافع الخاصة لرئيسها".
قبل ترأس المعموري، كذلك لم تكن الجمعية بحال جيدة، فقد حدثت فيها فضائح مدوية أبطالها عائلة الكربولي بمساعدة الرئيس السابق للجمعية اسماعيل حقي، والذي هرب قبل صدور حكمين غيابيين بحقه بالسجن لمدة 8 سنوات لإضراره بأموال الجهة التي يعمل فيها.
وكشفت مصادر إن الأحكام جاءت بسبب اختفاء 150 مليون دولار من أموال الجمعية في فترة ترأس حقي، في الوقت الذي كان فيه الأخوة الثلاث (جمال وأحمد ومحمد الكربولي) يشغلون مناصب مهمة في الجمعية، وقاموا بافتتاح ثلاثة مكاتب تجارية والعديد من الشركات عام 2006 – 2007، في العاصمة الأردنية عمان، وتولوا من خلال هذه المكاتب استيراد جميع متطلبات الهلال الاحمر العراقي وابرام الصفقات المشبوهة.
في حزيران الماضي من العام الحالي، أصدرت هيئة النزاهة بيانا كشفت فيه صدور عدة أحكام بالسجن بحق مسؤولين سابقين في جمعة الهلال الأحمر العراقي لإحداثهم ضررا متعمدا بأموال الدولة والاستيلاء عليها.
دائرة التحقيقات في الهيئة ذكرت في بيان أنَّ "محكمة جنايات الأنبار – الهيئة الأولى أصدرت حكماً غيابياً بالسجن لمُدَّة سبع سنواتٍ لكلٍّ من الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر سابقاً ونائبه ومسؤول مكاتب ومتابعة الوسط والجنوب في الجمعيَّة، عن قضيَّة تسلُّمهم مواد إغاثةٍ غذائيّة وإدخالها إلى المخازن دون تأليف لجان مُختصَّةٍ لفحصها وتقييمها وإثباتها في السجلات؛ لغرض السيطرة عليها".
الدائرة أضافت إنَّ "المحكمة أصدرت حكماً غيابياً آخر بسجن نائب الأمين العام لجمعيَّة الهلال الأحمر سابقاً لمُدَّة عشر سنواتٍ؛ لقيامه مع عددٍ من المُتَّهمين المُوظَّفين في الجمعيَّة والمُفرَّقة قضاياهم بشراء منظومات إنترنيت سعة (20) خطاً لمكاتب الجمعيَّة وفروعها في بغداد بأسعارٍ أكثر من المُتداول في السوق".
وأوضحت أنَّ "المُتَّهم قام أيضاً بشراء (15) منظومةً تمَّ تنصيب (2) منها فقط، فيما لم يتم تفعيل المنظومات الأخرى، لافتة إلى أنَّ سعر المنظومة الواحدة بلغ (32,000) ألف دولار للسنة الواحدة، مُشيرةً إلى استلام المُجهِّز (الذي يعمل بصفة موظفٍ في الجمعيَّة) صكاً من الجمعيَّة بمبلغ (232,750,000) مليون دينار عراقي؛ بالرغم من عدم قيامه بتفعيل المنظومات".
وبينت الدائرة أنَّ "المحكمة، بعد اطلاعها على الأدلة المُتحصَّلة في القضيَّتين والمُتمثلة بأقوال الممثل القانونيِّ للجمعيَّة وكتاب ديوان الرقابة الماليَّة وأقوال الشهود، وجدتها كافية ومقنعة للإدانة، مشيرةً إلى صدور أحكام الإدانة وفق أحكام المادَّتين (340 و316) من قانون العقوبات".
يتضح من خلال ما سبق أن جمعية الهلال الأحمر العراقي ابتعدت كثيراً عن المبادئ التي تأسست عليها، وأصبحت -شأنها شأن الكثير من المؤسسات في العراق- منفذ للفساد ونافذة لإهدار المال العام والاستيلاء عليه وصرفه في غير مواضعه، وهذا ما يتطلب جهودا كبيرة لردعه وإرجاع الجمعية إلى ما يجب أن تكون عليه للخروج منها بأكبر فائدة ممكنة تنعكس على المجتمع العراقي.