تاريخ فساد قوة حماية المنشآت النفطية وشرطة الطاقة: "تورّط" واضح لمشعان الجبوري

انفوبلس / تقرير
في نهاية عام 2022 وبالتحديد في شهر تشرين الثاني، أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، عن نجاح القوات الأمنية في تفكيك أكبر شبكة لتهريب النفط في محافظة البصرة تضم 9 من كبار ضباط قوات شرطة الطاقة التي تتولى حماية المنشآت النفطية وحقول الإنتاج والتكرير وخطوط التصدير ونقل النفط الخام، وعلى رأسهم قائد شرطة الطاقة اللواء غانم محمد الحسيني، وتعهّد السوداني بتعقّب شبكات تهريب النفط، وتنفيذ أوامر القبض بحق العصابات التي تجرّأت وتغوّلت لسرقة حق العراقيين، وبذلك فتح ملفا من أهم ملفات الفساد الذي كان مخفيا عن الرأي العام في العراق.
مديرية حماية المنشات والشخصيات هي تشكيل أمني تابع لوكالة الشرطة بوزارة الداخلية العراقية، مكلّفة بحماية الموقع من المباني الثابتة للحكومة العراقية والمرافق والموظفين، يشمل FPS النفط، وشرطة الكهرباء وأمن الموانئ، يعمل لجميع وزارات الحكومة العراقية والجهات الحكومية، ولكن يتم تعيين معاييرها وتُنفّذ من قبل وزارة الداخلية العراقية، ويُعتبر جهاز حماية المنشآت في العراق FPS من أوائل الأجهزة الأمنية ظهورا على ساحة العمل الأمني بعد أحداث حرب تحرير العراق.
ونشر السوداني تدوينة على حسابه بتويتر وبصفحته بفيسبوك قال فيها "وجّهنا بتعقّب شبكات تهريب النفط وتنفيذ أوامر القبض بحق العصابات التي تجرّأت وتغوّلت لسرقة حق العراقيين، وبعون الله تمكنت مفارز جهاز الأمن الوطني، بالتعاون مع الأجهزة الأخرى، من تفكيك أكبر شبكة لتهريب النفط في البصرة"، مضيفا "لن ندّخر جهدا وسنعمل ليل نهار من أجل محاربة الفساد بأشكاله المختلفة".
وبحسب وثيقة أمنية فإن من بين الضباط قائد شرطة الطاقة اللواء غانم محمد الحسيني وثمانية آخرين هم 4 ضباط برتبة عميد، هم مدير شرطة نفط الشمال وشرطة نفط الوسط ومدير الإدارة بمديرية شرطة الطاقة ومدير سيطرات الشمال، بالإضافة إلى ضابطين برتبة عقيد هما مدير قسم العلاقات والإعلام ومكتب المدير العام لشرطة الطاقة وآمر فوج مصفى الدورة، وضابط برتبة مقدم يشغل منصب مدير قسم سيطرات شرطة نفط الوسط وآخر برتبة رائد من قسم العلاقات والإعلام مرافق المدير العام لشرطة الطاقة.
وأوضح جهاز الأمن الوطني في بيان صحافي أن "جهاز الأمن الوطني أحبط إحدى أكبر عمليات تهريب وسرقة النفط الخام تقوم بها شبكة يقودها أحد التجار وتضم ضباطا برتب عالية وموظفين كبار جرى إلقاء القبض عليهم وفق مذكرات قضائية"، مشيرا إلى أن "هذه الشبكة تمارس عمليات السرقة والتهريب من خلال إحداث ثقوب في خطوط تصدير النفط الخام الواقعة في حقل الزبير النفطي، وبعدها يتم ربطها بأنبوب آخر بهذه الثقوب إلى طريق التهريب"، لافتا إلى أن "كميات النفط المهرّبة يوميا بواقع 7-5 صهاريج بسعة 50 ألف لتر للخرق الواحد فيما تقدّر عدد الصهاريج المهرّبة ما بين 40 - 50 صهريجاً وبمعدل 75 مليون لتر شهرياً".
وتُعد محافظة البصرة من أغنى مدن العراق بالنفط الخام وتضم عشرات الحقول النفطية والغازية أبرزها حقل غربي القرنة العملاق بشقَّيه الأول والثاني ومجنون والزبير ونهران عمر والصبة واللحيس والرميلة وبمعدل إنتاج يومي يتجاوز 3 ملايين و500 ألف برميل يوميا.
وهذا يقودنا الى حكاية ظهرت في عام 2006، عندما قال مسؤولون عراقيون أن بعض افواج حماية أنابيب النفط متّهمة بكونها إحدى خطوط فِرق الموت وأنها متعاونة مع القوى الإرهابية وتقوم بقتل موظفي الدولة نيابة عن تلك القوى التي تحارب القوات العراقية وموظفي الدوائر الرسمية المدنية، وقال مدير قوة حماية المنشآت النفطية في وزارة النفط في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز أنذاك إن "هذه الأفواج تقوم بقتل المواطنين الأبرياء الذين يعملون في دوائر الدولة".
وقالت الصحيفة إن "42 منتسبا لأحد أفواج حماية النفط الموجود في منطقة الدورة جنوب بغداد قد تم القبض عليهم بتهم تتعلق بالقتل والخطف حسب تصريح مسؤولين في وزارة الداخلية".
وقال مسؤولون في الداخلية أن بعض المتهمين اعترفوا بقتل قائدهم العقيد محسن مجدي عندما كشف ارتباطهم بعمليات القتل والجرائم الأخرى. وأضاف المسؤولون إن بعض المتهمين كان مكلَّفا بحماية أنابيب النفط في الوقت الذي كان يقوم فيه بجرائم أخرى.
وفي الوقت الذي يوجه الكثير من السنة أصابع الاتهام إلى وزارة الداخلية بإدارتها لفرق الموت يظهر الفوج 16 من حماية النفط متهما بنفس العمليات ليقوم بقتل المواطنين، والفوج 16 هو أحد الأفواج التي لا علاقة لوزارة الدفاع أو الداخلية بإدارتها أو رواتبها. ويُعد الفوج 16 نموذجاً لتعدّد الجهات التي تحمل السلاح في بلد متعدد القوى وينتشر العنف في مُدنه في وقت تتعدى صلاحية استخدام السلاح وزارة الداخلية إلى جميع الوزارات والمؤسسات لدرجة يسهل معها ادعاء أي طرف بأنه جزء من السلطة لتضيع بعدها الحقيقة ويصعب على المواطن اختبار هوية الجهة التي تحمل السلاح وتتجول في الطرقات حيث يكون خيط التمييز بين الجماعات المتطرفة والحراس والمسلحين والشرطة في بعض الحالات واهياً جداً، بحسب الصحيفة.
وتقول الصحيفة إنه رغم كون الفوج المذكور يضم السّنة فإن قوة حماية المنشآت التي يزيد عدد أفرادها على 145 ألف عنصر تضم جميع العراقيين".
وفي خلال الأعوام الأخيرة وتحديداً عام 2017، كشف العديد من أعضاء مجلس النواب عن امتلاكهم وثائق تثبت سرقة يومية لـ300 ألف برميل من نفط البصرة تتم عبر عدّادات النفط الملعوب بها من قبل بعض المسؤولين.
وقالوا إن "جهاز الأمن الوطني وجّه كتابا إلى وزارة النفط أكد فيه أن 100-300 ألف برميل يوميا تُهرّب من نفط البصرة، كما أن الاجتماعات الدورية التي تعقدها وزارة النفط والفاحص العالمي أكدت وجود هذا الهدر الكبير وأن العراق يخسر يوميا مبلغ 20 مليون دولار بسبب الهدر في تصدير النفط، وتُقدّر خسائره السنوية بسبعة مليارات دولار".
أما بخصوص ملف فساد شرطة الطاقة، فقد قالت مصادر أمنية رفيعة المستوى لـ "انفوبلس" إن "المديرية العامة لشرطة الطاقة تخالف القانون، حيث إن قانون وزارة الداخلية العراقية حدّد أن (شرطة الطاقة) تعمل بنظام (المديرية) وليس بنظام (القيادة) كما هو الحال بالنسبة لقيادة الشرطة الاتحادية وقيادة حرس الحدود، وخلافاً لهذا القانون قامت مديرية شرطة الطاقة بإعداد هيكلية جديدة لنفسها وشرعت بإلغاء ثلاث مديريات فرعية قدمت المئات من الشهداء والجرحى في الحفاظ على المنشآت النفطية ومكافحة التهريب وهي كل من (مديرية شرطة نفط الشمال، مديرية شرطة نفط الوسط، مديرية شرطة نفط الجنوب) وكذلك ألغت العديد من الأفواج ودمجت أخرى واستبدلتها بألوية ترتبط بتشكيل جديد اسمه (قيادة قوات شرطة الطاقة).
وأضافت المصادر إن "هذا هو تشكيل جديد غير موجود ضمن هيكلية وزارة الداخلية المُشار إليها في قانون الوزارة ويعمل هذا التشكيل وفق النظام العسكري (قيادة وألوية) وهو مُشابه لنظام الجيش والعسكر وهذا النظام بعيد كل البعد عن عمل أجهزة الشرطة الاختصاصية المكلَّفة بحماية المنشآت النفطية التي تتكون من نقاط حراسة ثابتة ودوريات منتشرة في المواقع والآبار النفطية منذ عام ٢٠٠٤ فضلاً عن كون هذا التشكيل سيكون عرضة للفساد في ملفات الطعام وبيع المناصب لما فيه من استحداث لمناصب كثيرة، وكذلك سيتسبب باستفحال ظاهرة الفضائيين التي تعاني منها المؤسسات الأمنية وستترتب عليه صرف أموال طائلة لبناء مقرات الألوية والأقسام المستحدثة وملحقاتها من شمال العراق لجنوبه.. وكذلك سيكون هذا التشكيل سبب في استقطاع جزء من رواتب المنتسبين لغرض الإطعام بسبب فترات الدوام الطويلة وما يصاحبه من حالات فساد على عكس ما كان معمول به سابقاً في فترات الدوام القصيرة (٣/٣) حيث يقوم المنتسب بجلب طعامه معه إلى مقر عمله.
وتابعت، "لا نعلم ما هي علاقة العمل الشرطي الاختصاصي بهذه المناصب والتسميات العسكرية (رئيس أركان، لواء مغاوير، آمرية المعسكر، آمرية الطبابة آمرية هـ أ. ك. الخ ….)"، مبيّنة، "إذا كان أصحاب القرار حريصون على الرقي بعمل هذه المديرية فالمشكلة ليست في الهيكلية بل في نقص الإمكانات والآليات والوسائل الحديثة المستخدَمة في حماية المنشآت النفطية".
*علاقة مشعان الجبوري بالملف
النائب مشعان الجبوري كان متهماً في 2006 من قبل المفوضية العامة للنزاهة، بسرقة ملايين الدولارات المخصَّصة لتوفير الحماية لأنابيب النفط من الهجمات الإرهابية وتجيير تلك المبالغ التي قدّرها علي عبد الأمير علاوي وزير المالية بما بين (40و50) بالمائة من مجمل تجارة تهريب النفط لمصلحة الإرهابيين، فيما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الاميركية التي نشرت الخبر بأن الاتهام الذي لم يكن على ما يبدو علنياً، يعطي مصداقية لافتراض تمويل الإرهاب من الأموال العراقية المتحقّقة عن الواردات النفطية".
ونسبت الصحيفة إلى مسؤولين عراقيين لم تذكر أسماءهم قولهم إن "هناك نموذجا جديدا للفساد المالي في العراق يتم عبره تحويل الموارد النفطية وموارد أخرى إلى قوى الإرهاب وبما يؤدي إلى خلخلة وتهديد الاقتصاد العراقي"، مضيفة إن "الهدر في أموال العراق وتسريبها إلى الإرهابيين لغرض قتل المواطنين يؤدي من جهة إلى تدمير بنى البلد التحتية ويضيف من جهة أخرى تحديات تهدد العراق".
وبحسب الصحيفة فإن مشعان الجبوري سرق الأموال المُعدَّة لصرفها على آلاف الحرّاس وتجهيزاتهم عامي 2004 و2005 الذين كان من المفروض ممارستهم لواجب حماية طرق النقل وغيرها، حيث قال مسؤول عراقي بارز للصحيفة رفض ذكر اسمه أن "ضابطا كبيرا بمنصب آمر كتيبة أو فوج ألقي القبض عليه حينها وتم التحقيق معه بشأن استئجاره من قبل مشعان الجبوري لتدبير هجمات إرهابية ضد أنابيب نقل النفط".
وكان الجبوري قد عرض حماية المنشآت النفطية في محافظتي كركوك وصلاح الدين اللتين تتواجد فيهما عشيرته فتم تكليفه بجمع الحراس لهذا الغرض في عام 2004.
وتتهم أوساط عراقية عشيرة الجبوري بالتورّط في أعمال إرهابية. وتقول الصحيفة: أسفر تحقيق في 2005 استمر ثلاثة أشهر عن اكتشاف مجموعة عمل الضباط يعملون بأمر مشعان الجبوري حيث يدفع لهم أموالاً مقابل قيامهم بتعيينات وهمية لحراس لا وجود لهم إلا على الورق فيما تم تحويل رواتبهم المفترضة إلى جيب الجبوري
وتضيف الصحيفة أن يزن (ابن مشعان) مُتّهم بمسؤوليته عن تزويد قوائم الحراس (الأشباح) بالتموين والمصاريف الأخرى التي يبدو أنه هو الآخر قد حوّلها إلى حسابه، وتقول الصحيفة: إن وثائق تكليف الجبوري بجمع الحراس لحماية المنشآت النفطية كانت موقّعة من قبل وزير الدفاع السابق حازم الشعلان المتهم الآخر بقضية فساد كبرى تصل إلى سرقة 1.3 مليار دولار عن عقود عسكرية وهمية مزيفة.
وتضيف الصحيفة آنذاك أن قضيتي الشعلان والجبوري هما جزء يسير من 450 قضية تم فيها توجيه الاتهام وألف قضية أخرى لا يزال التحقيق فيها مستمرا في أروقة مفوضية النزاهة".
*قوانين تهريب النفط
يقول القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي إن "المشرع العراقي اعتبر جريمة تخريب المنشآت النفطية لغرض التهريب جريمة إرهابية، والدليل على ذلك بأنه حدّد عقوبة من يرتكبها بموجب قانون مكافحة الإرهاب المرقّم (13) لسنة 2005 حيث نصّت المادة (6/ أولا) من قانون مكافحة تهريب النفط ومشتقاته على: (يُعاقب بموجب قانون مكافحة الإرهاب كل من يقوم بتخريب المنشآت النفطية التي تشمل الأنابيب أو الخزانات وغيرها من خلال عمليات التثقيب أو أي فعل آخر لأغراض التهريب)، وأن فعل الجاني في هذه الحالة تتكون من عدّة جرائم تربط بينها وحدة الغرض وهي جريمة تخريب المال العام وجريمة سرقة المال العام والجريمة الأخيرة هي جريمة تهريب النفط ومشتقاته، أي إن المتهم أو الجاني لغرض ارتكاب جريمة تهريب النفط ومشتقاته أن يرتكب قبلها جريمة تخريب المال العام وهي المنشآت النفطية سواء كانت الأنابيب الناقلة للنفط أو الخزانات والمستودعات التي تُستخدم لحفظ النفط أو المنشآت أو المضخّات التي تم تركيبها على البئر النفطي، وهذا التخريب يمكّن الجاني من الاستيلاء على النفط ومشتقاته واختلاسه تمهيدا لتهريبها، وأن جريمة تخريب المنشآت النفطية من الجرائم المنظَّمة ويكون التخريب في هذه الجريمة بأي وسيلة كانت كاستخدام المتفجرات لغرض كسر الأنبوب الناقل للنفط وتثقيب الأنبوب والقيام بتحميل الصهاريج بالنفط بقصد التهريب.
وأضاف: "نرى أن سبب اعتبار المشرِّع لهذه الصورة من صور التهريب جريمة إرهابية هو أنه في أغلب الأحيان أفعال التخريب بقصد التهريب لبواعث إرهابية وأن الأموال التي يُراد الحصول عليها من تلك الأفعال لدعم المجموعات الإرهابية إما فيما يتعلق بجسامة الضرر فيؤخذ بعين الاعتبار من قبل محكمة الموضوع عند فرض العقوبة إذ إن التخريب قد يكون تخريبا جزئيا كإحداث ثقب في الأنبوب وهنا يمكن إصلاحه والاستفادة منه وقد يكون التخريب كليا كإتلاف الأنبوب أو الخزّان وهنا لا يمكن الاستفادة منه وقد يحصل التخريب في مستودع أو أنبوب أو غيرها وكذلك أن من أسباب خضوع هذه الجريمة لقانون مكافحة الإرهاب أن من يرتكب هكذا فعل فهو عنصر خطر لا يبالي بمصلحة المجتمع ولا يستحق الرأفة فالإرهاب غالبا ما يرتكب هكذا فعل فحماية الثروة النفطية يؤدي إلى حماية ميزانية البلد ومن ثم حماية اقتصاد البلد فهذا التشديد يُعد صورة من صور الحماية للنفط".