تضحية الدكتور سعدي حسين هامل تتحول إلى استذكار شعبي لقيم المروءة والشجاعة العراقية
حادثة هزت العراق
تضحية الدكتور سعدي حسين هامل تتحول إلى استذكار شعبي لقيم المروءة والشجاعة العراقية
انفوبلس/..
في لحظات فارقة بين الحياة والموت، يبرز معدن الرجال الحقيقي، وهذا ما جسده الدكتور سعدي حسين هامل، التدريسي في قسم الإعلام بكلية الآداب في جامعة واسط، حين ضحى بحياته لإنقاذ طفل من الغرق في قضاء العزيزية. هذه التضحية لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل تحولت إلى استذكار شعبي لقيم المروءة والشجاعة العراقية، ووضعت الدكتور سعدي في مصاف الأبطال الذين يخلدهم التاريخ.
*مشهد التضحية
كان اليوم عادياً بالنسبة للدكتور سعدي، ربما لم يكن يعلم أن خطواته الأخيرة ستقوده نحو الفداء، ففي لحظة إنسانية خالصة، اندفع لإنقاذ طفل كان يصارع الغرق في مياه نهر بالعزيزية، غير آبه بالخطر الذي يهدده، واضعا نصب عينيه هدفا واحدا: منح الطفل فرصة أخرى للحياة، لكنه كان هو الضحية.
*إجماع على عظمة الموقف
هزّ هذا الحدث، الأوساط الأكاديمية والشعبية، وترك أثراً بالغاً في نفوس محبيه وزملائه وطلبته.
وزير التعليم العالي والبحث العلمي، نعيم العبودي، قال "لقد جسّد التدريسي في جامعة واسط، الدكتور سعدي حسين هامل، أداء المسؤولية الحقيقية تجاه مجتمعه وأهله، حينما أنقذ طفلًا من الغرق وضحى بنفسه ولبّى نداء ربه صابرًا محتسبًا".
وأضاف: "نعزي الوسط الجامعي برحيل هذا النموذج القدوة، الذي يشهد له زملاؤه ومحبوه بالسمعة الحسنة الطيبة".
أما لجنة التعليم في مجلس النواب، فقد نعت الفقيد ببالغ الحزن والأسى، معتبرة رحيله خسارة كبيرة للوسط الأكاديمي.
وقالت اللجنة في بيان: "تنعى لجنة التعليم العالي النيابية، فقيد التعليم الأستاذ (الدكتور سعدي حسين هامل) التدريسي في جامعة واسط الذي فارق الحياة أثناء محاولته إنقاذ طفل غريق. تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه وألهمَ أهله وذويه الصبر والسلوان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون".
من جانبه، عبّر الإعلامي والتدريسي هاني عبد الصاحب عن حزنه العميق قائلاً: "في لحظة من أسمى صور الإيثار، ضحى الدكتور سعدي حسين هامل، التدريسي في جامعة واسط، بحياته لإنقاذ طفل من الغرق، مجسدًا معنى الإنسانية في أبهى صورها. رحيله خسارة لقيمة نبيلة ورمز للعطاء والتضحية، وستبقى ذكراه خالدة بسيرته الطيبة وإرثه الإنساني".
فيما طالب إسماعيل، أحد المتفاعلين مع الحدث، بتكريم الفقيد رسمياً، مؤكداً أنه يستحق التقدير من أعلى المستويات، بدءًا من رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي.
وكتب في منشور على منصة "أكس": " هذا البطل المقدام يجب أن يُكرم من شخص رئيس الوزراء و وزير التعليم العالي، وهو أسمى مثال للتضحية والنبل. الله يرحمه ويسكنه الجنة راضياً مرضيا".
أما نور الحسيني، فقد وصفت الدكتور سعدي بأنه "أيقونة الشباب الذي ضحى بنفسه من أجل إنقاذ طفل غريب".
*محطات في حياة الدكتور سعدي.. أكاديمي مميز وصاحب رؤية
لم يكن الدكتور سعدي مجرد أكاديمي عادي، فقد كان باحثا متخصصا في الإعلام، حصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة الإعلام من جامعة بغداد، حيث تناولت أطروحته "الدعاية الصينية الإلكترونية الموجهة إلى العرب"، وذلك في 27 أيار 2024، وهي دراسة حديثة على مستوى العراق والعالم العربي.
كانت مسيرته العلمية حافلة بالاجتهاد والمثابرة، وكما وصفه كريم السيد، المتحدث باسم وزارة التربية، بأنه "شاب بذل أجمل سنيّ عمره في طلب العلم".
وكتب السيد في منشور على فيسبوك، "شعرت بالأسى والضيق عندما عرفت هذا الخبر المتداول، عن شاب في مُقتبل حصاده الأكاديميّ، يُغادر الحياة التي بذل فيها أجمل سنين العمر اجتهاداً بالعلم، فتكون نهاية أفول سريعة للدكتور "سعدي حسين هامل" التدريسي في كليّة الآداب بجامعة واسط".
وتابع: "ففي لحظة منيّة: رحل عنّا بالأمس هذا الشاب الواسطي، الحاصل على الدكتوراه في الإعلام قبل سنوات قليلة من جامعة بغداد، بعدما بذل روحه في محاولة إنقاذ أطفال من الغرق في نهر بالعزيزيّة، فلم يتردد لحظة في التضحية بنفسه ليمنح غيره فرصة للحياة، فأي مشهد هذا وأي تضحية!".
وأتم السيد بالقول: "يا لها من نهاية يا دكتور: رحيلك بهذا المشهد غاية الجود الأخلاقي والإنساني، ومُنتهى الإيثار والكرم، لم تترك خلفك معنى للفخر إلا وحققته، طالباً وتدريسيّاً وشهيداً بفخامة غيرتك وشجاعتك. وهذا الفعل يجب أن يُخلّد ليكون نبراساً عراقيّاً لنا جميعاً، ويجب أن يُثبّت الدكتور شهيداً في سبيل الطفولة والإنسان".
*رسائل محبة ووفاء من أساتذته
لم يقتصر الحزن على طلابه وزملائه، بل امتد إلى أساتذته الذين رافقوه في مسيرته العلمية، حيث عبرت الدكتورة نزهت الدليمي، التدريسية المتقاعدة من كلية الإعلام بجامعة بغداد، عن ألمها الشديد لفقدانه، قائلة: "آهٍ يا دكتور سعدي ، أدميت قلبي بخبر رحيلك البطولي الصادم فقد ضحيت بنفسك لإنقاذ أطفال من الغرق، يا ابننا الغالي يا حبيبي كم كنت هادئا محترما جميل الأخلاق ونقي قلب، وكم اجتهدت وتعبت في مراحل الدراسة لتحقق حلمك حتى قطفت الثمر وفرحت معك كثيرا وهنأتك وان كان عبر الهاتف بسبب تزامن استكمالك لأطروحتك وسفري، بعد أن أمضيت كل أعوام الجد والمثابرة وانت قريب مني، وحتى وأنا بعيدة كنت الوفي النجيب دائما ومسرتي كانت بك كبيرة عند كل اتصال، ومنذ ساعات قليلة تحول كل شيء لدموع وحزن لفقدك الموجع، ربنا يرحمك والفردوس الأعلى مسكنك ويصبر عائلتك ويصبرنا ولا اعتراض على أمر الله وأعلم أني سأبقى أعاني بلَوعة وحرقة هذا المصاب الجلل فمثلك لا يمكن نسيانه أبدا".
أما رئيس لجنة المناقشة الخاصة بالطالب الراحل، الدكتور في كلية الإعلام جامعة بغداد ليث بدر، فقد كتب على فيسبوك: "بمزيد من الأسى والحزن تلقينا نبأ وفاة طالبنا الخلوق المجد الدكتور سعدي حسين هامل الأستاذ في جامعة واسط إثر حادث إنقاذ طفل من الغرق في نهر العزيزية... عشت مهذبا وخلوقا ومحبا للكل ومتَّ بطلا شجاعا رحمك الله. ولا اعتراض على أمر الله إنا لله وإنا إليه راجعون".
*دعوات لتكريمه وإطلاق اسمه على مؤسسات تعليمية
في ظل هذا الحدث الجلل، برزت مطالبات واسعة بتكريم الفقيد، سواء من خلال إطلاق اسمه على قاعة دراسية أو شارع في واسط، أو حتى اعتباره شهيدا رسميا في سبيل الإنسانية.
