ديكتاتورية إقليم كردستان تحاصر الصحفيين وتقمعهم في جميع المناسبات

انفوبلس/ تقرير
يتعرض الصحفيون في إقليم كردستان شمال العراق سنوياً للعشرات من حالات الاعتقال والانتهاكات والإهانة بواسطة سلطة الإقليم في مظاهر ديكتاتورية بارزة تهدد أي صوت إعلامي ينتقد ما يجري في كردستان من جرائم على شتى المستويات.
خلال عام 2022 فقط، تعرض 158 صحفياً لـ73 انتهاكاً بحسب ما أعلنت نقابة صحفيي كردستان، وذكرت أن أغلب الانتهاكات حصلت في أربيل، وفي هذه الانتهاكات، تم اعتقال 41 صحفياً حيث تم منعهم من تغطية الأخبار 20 مرة وإهانتهم 10 مرات.
وكشفت النقابة حصيلة الهجمات والضغوطات على الصحفيين على النحو التالي:
كسر ومصادرة الأدوات الصحفية: 7 مرات
إغلاق المكاتب وقنوات إعلامية: 3 مرات
الهجوم على وكالات إعلامية: مرّتين
الفصل من العمل: مرّتين
إصابة الصحفيين: مرّتين
كما أفادت النقابة بارتكاب 21 انتهاكاً بحق صحفيين في أربيل، 18 في السليمانية، 16 في دهوك، 10 في كركوك ، 3 في حلبجة، 3 في كرميان واثنين في سوران.
منظمة مراسلون للحقوق والتنمية، أعلنت يوم أمس الأربعاء، تقريرها السنوي بعنوان (كسر الأقلام) عن أوضاع حرية الصحافة في إقليم كردستان – العراق، لعام 2022.
وفي مستهل المراسيم التي جرت في أربيل، أعلن هوزان قادر رئيس المنظمة عن فحوى التقرير السنوي الثاني للمنظمة، حيث تم إدراج جميع الانتهاكات والاعتداءات بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في عموم مناطق إقليم كردستان، كالإهانة والتعذيب وإلقاء القبض والتهديد وإطلاق النار على الصحفيين والأنواع الأخرى من الاعتداءات، وطالبوا الجهات المختصة للقيام بأدوارهم للحد من هذه الاعتداءات.
ثم عرض الصحفي أرشد شواني المعلومات والإحصاءات عن هذه الانتهاكات بدقة وتفصيل.. من جانبه أكد د. ديندار زيباري منسّق التوصيات الدولية في حكومة إقليم كردستان على الاهتمام ودراسة هذا التقرير والعمل على ترسيخ مبادئ حرية الصحافة والإعلام والسعي من أجل تثبيت مبادئ حقوق الانسان في إقليم كردستان العراق.
وتم خلال المراسيم التأكيد على أهمية حرية التعبير وحرية الإعلام، التي تعتبر من أهم سمات التطور، ويجب على الجهات كافة ضمان بيئة مناسبة للصحافة والحد من الاعتداءات، وفي المقابل يجب على مؤسسات الإعلام والصحفيين التعامل بمسؤولية ومهنية مع الأحداث والتطورات.
يُذكر بأن منظمة مراسلون للحقوق والتنمية من المؤسسات الفعالة لخدمة الصحفيين وتُنشر بشكل دوري وسنوي تقارير عن الانتهاكات ضد الصحفيين باللغات الكوردية والعربية والانكليزية.
مراسلون بلا حدود تغطّي المشهد..
وفي شهر آب/أغسطس من العام الماضي، ومع اندلاع الاحتجاجات في في محافظات شمال العراق ضد سلطة الإقليم ومواجهتها بالقوة من قبل قوى أمنه، ادانت منظمة "مراسلون بلا حدود" الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأسايش مع وسائل الإعلام المعارضة في إقليم كردستان، حيث ضايقت قوات الأمن ما لا يقل عن 60 صحفيًا كانوا يحاولون تغطية الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العديد من مدن الإقليم.
وذكر تقرير لموقع المنظمة، أنه ووفقا لمكتب الشرق الأوسط في مراسلون بلا حدود فإن "الانتهاكات التي تمارسها السلطات ضد الصحفيين ووسائل الإعلام المعارضة غير مقبولة، فهي تظهر رفضًا تامًا للتسامح مع التعددية السياسية التي يجب أن تنعكس في وسائل الإعلام، والرغبة في قمع احتجاج شعبي غير مرغوب فيه" من قبل السلطات.
وأضاف، أن "العنف قد استُخدِم ليس فقط لتفريق المتظاهرين ولكن أيضا لتفريق الصحفيين الذين يغطون الاحتجاجات، فيما قال مركز مترو، وهو منظمة غير حكومية تدافع عن حقوق الصحفيين في كردستان، لمراسلون بلا حدود إنه سجل ما مجموعه 78 انتهاكًا ضد 60 صحفيًا، وتم اعتقال ما لا يقل عن 26 صحفيا، وتم تفتيش أربعة ، ومنع 16 من تغطية الاحتجاجات، وكان ثمانية صحفيين عرضة للغاز المسيل للدموع وتمت مصادرة 23 من المعدات".
يعتبر بعض الصحافيين والنشطاء في إقليم كردستان العراق أنهم اعتادوا على هذه التهديدات والاعتداءات، بينما توثق منظمات حقوقية كردستانية ودولية، منذ أكثر من 10 أعوام، هذه الخروقات بحق حرية الصحافة والتعبير في الإقليم.
الصحفي سردشت عثمان..
على مدى السنوات الماضية، وُثّقت مئات الاعتداءات على الصحافيين والناشطين، ودفع هؤلاء غالياً ثمن حرية التعبير، إلا إن قصة اغتيال سردشت عثمان كانت الأبرز والأكثر رمزية.
الصحافي والطالب الجامعي سردشت عثمان، 23 عاماً، كان يُتم السنة الأخيرة من دراسة اللغة الإنكليزية عندما اختُطف في 4 أيار/مايو 2010 عند بوابة جامعة صلاح الدين في أربيل.
كان عثمان كاتباً مستقلاً، نشر مقالات عديدة في وسائل إعلام مستقلة، منها صحف ومواقع إلكترونية، وانتقد الحكومة الكردستانية مراراً في مقالاته التي نُشر بعضها باسم مستعار، وتحدّث عن الفساد الذي تورّط فيه مسؤولون حكوميون كبار وأعضاء الحزبين الرئيسيين في الإقليم. وعلى إثر تعبيره عن آرائه هذه، تلقى عثمان تهديدات عدّة.
أخذت مخاوف عثمان بالتزايد حتى أنه تنبأ في أحد مقالاته بمقتله، حيث قال: "لست خائفاً من الموت بالتعذيب. إنني هنا أنتظر موعدي مع قتلتي، وإنني أدعو من أجل ميتة تكون على أشد قدر ممكن من المأساوية، كي تتوافق وحياتي المأساوية".
وجرى اختطاف عثمان حيث أُجبر على الصعود إلى مركبة، بحسب شهود، ثم عُثر عليه مقتولاً على إحدى الطرقات بعد يومين بطلقين ناريين في الرأس.
وأصدر عشرات الصحافيين في حينها بياناً حمَّلوا فيه حكومة الإقليم المسؤولية عن مقتل عثمان. وفي 10 مايو/أيار 2010، انطلقت مسيرة من موقع اختطاف عثمان ضمّت المئات من طلاب الجامعة الذين حاولوا اقتحام برلمان الإقليم احتجاجاً على مقتله.
القوات الحكومية عرضت بعد أشهر، اعترافاً مسجّلاً لرجل يُدعى هشام محمود إسماعيل، قال فيه إنه سائق المركبة التي حملت عثمان إلى الموصل. وذكر إسماعيل، الذي عرّف بنفسه كعضو في جماعة "أنصار الإسلام"، وهي جماعة مرتبطة بالقاعدة، أن عثمان قُتل لأنه فشل في تنفيذ عمل ما غير محدد للجماعة. غير أن الجماعة نفت في بيان نشرته وسائل الإعلام المحلية ضلوعها في مقتله.
انتقدت لجنة حماية الصحفيين وغيرها من جماعات حقوق الإنسان الدولية ما تم عرضه، بسبب افتقاره للمصداقية والشفافية، فيما كان التحقيق سبباً لإثارة غضب آخرين. وذكر أفراد عائلة عثمان أن قوات الأمن الحكومية هددتهم بعد أن اعترضوا على ما قيل بأن عثمان كان يرتبط بجماعة إرهابية.
منظمات دولية تُدين انتهاكات سلطة الإقليم..
في عام 2021 أصدرت 10 منظمات محلية ودولية بيانا مشتركاً طالبت فيه بإيقاف الانتهاكات بحق الصحفيين في كردستان مؤكدة على ضرورة رفع القيود المفروضة على العمل الصحفي، وإنهاء حملات ملاحقة واحتجاز الصحفيين على خلفية عملهم المشروع، وفتح تحقيق جاد في حادثة وفاة صحفي أثناء تغطيته للتظاهرات الشعبية في أغسطس/آب 2020، وتقديم جميع المسؤولين عن هذه الانتهاكات إلى العدالة.
المنظمات الموقِّعة هي كل من:
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان
منظمة منّا لحقوق الإنسان
جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق
هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية
منظمة سام للحقوق والحريات
المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب
منظمة إفدي الدولية
منظمة التضامن لحقوق الإنسان
الأكاديمية الدولية للحقوق والتنمية - باريس
المعهد الدولي للحقوق والتنمية- جنيف
وأعربت المنظمات الموقِّعة على البيان المشترك عن قلقها إزاء إصرار سلطات الإقليم محاكمة الصحفيين على خلفية تُهم تتعلق بعملهم الصحفي، واستمرار تجاهلها القوانين المحلية والدولية ذات العلاقة، والتي توجب عليها احترام حرية الصحافة، وتضمن الحق في حرية الرأي والتعبير والنشر.
في 15 فبراير/ شباط 2021، مَثُل الصحفي شروان شرواني والصحفي غهدار زيباري والصحفي أياز كرم، أمام محكمة أربيل الجزائية بتهمة "تقويض الأمن القومي"، وفي اليوم التالي، حكمت المحكمة عليهم بالسجن 6 سنوات بتُهم ملفّقة كالتورّط في التجسس لدول أجنبية ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار وتشويه سمعة الإقليم. وكان الصحفيون الثلاثة اعتُقِلوا في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بعد تفاعلهم الكبير مع الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي خرجت في الإقليم للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
خلال ديسمبر/ كانون الأول 2020، اعتقلت سلطات إقليم كردستان العراق خمسة صحفيين على الأقل على خلفية تغطيتهم للاحتجاجات الشعبية، وحظرت بث قناة "NRT" لمدة مؤقتة لذات السبب، بعد أن اقتحمت قوات الأمن "الأسايش" مقر القناة وحطّمت ونهبت محتوياتها.
في أغسطس/آب 2020، لقي الصحفي هونر رسول مصرعه أثناء تغطيته للاحتجاجات الشعبية في مدينة رانية بمحافظة السليمانية، وأرجعت الجهات الرسمية سبب وفاته إلى نوبة قلبية، وتجاهلت فتح تحقيق شفاف في الحادثة.
يُعد استهداف الصحفيين في إقليم كردستان العراق جزءًا من استهداف النشاط المدني في الإقليم، ضمن محاولات السلطات إضعاف الحراك الشعبي، وتقييد تغطية وسائل الإعلام للتظاهرات التي انطلقت للمطالبة بإصلاحات اقتصادية، وتحسين الوضع المعيشي للسكان في الإقليم النفطي.
وفق تتابع الأحداث في الإقليم وتحليل سلوك السلطات العدائي تجاه الصحفيين، يظهر أنّ السلطات لا تبدي أي احترام للقانون العراقي أو التوجيهات القانونية المحلية، أو حتى القانون الدولي فيما يتعلّق بحرية الصحافة.
ضَمِن قانون العمل الصحفي المحلي في الإقليم والصادر في عام 2007 حرية العمل الصحفي حيث نصَّت المادة الثانية منه على "الصحافة حرّة ولا رقابة عليها وحرية التعبير والنشر مكفولة لكل مواطن في إطار احترام". كما كفلت "للصحفي الحصول على المعلومات التي تهم المواطنين والمرتبطة بالمصلحة العامة من مصادرها المختلفة وفق القانون". وحظرت منع صدور الصحف أو مصادرتها".
ويجرّم نفس القانون الاعتداء على الصحفيين، إذ جاء فيه أنّ "كل من أهان صحفياً أو اعتدى عليه بسبب عمله يُعاقَب بالعقوبات المقررة لمن يعتدي على موظف أثناء تأدية واجباته أو بسببها". وشدد أيضًا على أنّه "لا يجوز التحقيق مع الصحفي أو تفتيش مقر عمله أو مسكنه (..) إلا بقرار قضائي وللنقيب أو من ينوب عنه قانوناً الحضور في التحقيق".
مع غياب المحاسبة واستمرار الإفلات من العقاب، لا يبدو أنّ سلطات إقليم كردستان العراق ستوقِف انتهاكاتها لحقوق الصحفيين، ما ينذر بتوسع وتصاعد الانتهاكات ضدهم في المستقبل. ولمنع هذا التطور الخطير، ينبغي على الجميع التحرك لحماية حرية العمل الصحفي في الإقليم.