شبكة شركات ممتدة من بغداد إلى فيينا وبريطانيا.. ما لا تعرفه عن عقيل مفتن وثروته الغامضة
انفوبلس/ تقرير
في السنوات الأخيرة، برز اسم عقيل مفتن خفيف البيضاني كأحد أبرز الشخصيات الجدلية في المشهد الرياضي والاقتصادي العراقي، بعدما تمكن من الانتقال بخطوات سريعة من إدارة اتحاد الفروسية إلى رئاسة اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية، ومن ثم إلى قلب شبكة مالية هائلة تمتد من بغداد إلى فيينا ولندن.
لكنّ صعوده اللافت يقابله جدل واسع حول مصادر ثروته "الغامضة" وشبكة الشركات والمصارف التي تدور حولها شبهات فساد وغسل أموال، ما دفع الحكومة العراقية إلى تشكيل لجنة عليا للتحقيق في القضية التي باتت حديث الشارع الرياضي والسياسي على حد سواء.
من هو عقيل مفتن؟
دخل عقيل مفتن خفيف البيضاني، أضواء عالم الرياضة من خلال اتحاد الفروسية، حيث تم انتخابه في أيلول/ سبتمبر 2022 لرئاسة الاتحاد، واستمر بمنصبه حتى شباط/ فبراير 2024، حين صوتت الجمعية العمومية في اللجنة الأولمبية على اختياره رئيسًا للأولمبية أصالةً لحين انتهاء الدورة الحالية في آذار 2025، إثر إقالة سلفه رعد حمودي على خلفية اتهامات بقضايا فساد ومخالفات إدارية.
ويتمتع مفتن بعلاقات وثيقة مع الحكومة الحالية، إذ رافق رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في زيارته إلى واشنطن للفترة 13- 19 نيسان/ أبريل الماضي، بصفته رجل أعمال وليس رئيسًا للجنة الأولمبية.
في 10 آب/ أغسطس 2023، حصل عقيل مفتن على شهادة الدكتوراه من كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد عن أطروحة الدكتوراه الموسومة "السياسة التنمويّة العامّة وأثرها في معالجة مستويات الفقر والبطالة العراق بعد العام (2003).
قائمة شركات مفتن الملياردير
بعيدًا عن الرياضة والدراسة، يمتلك مفتن 18 شركة تفوق رؤوس أموالها 33 مليار دينار، أغلبها لا توفر معلومات عن نشاطاتها ولا تمتلك مواقع إلكترونية، وأكبرها شركة لخدمات الأنظمة البيئية وأخرى للاستثمارات السياحية، كما يظهر أدناه من خلال مراجعة دائرة تسجيل الشركات:
1- شركة بغداد الدولية لتسويق وصناعة الرخام والكرانيت المحدودة.
رأس المال: 300 مليون دينار عراقي
2- شركة آسيا لإنتاج الطابوق الفخاري المحدودة
رأس المال: مليار دينار عراقي
3- شركة بغداد الآن للتجارة والمقاولات العامة والوكالات التجارية والاستثمار الصناعي محدودة المسؤولية.
رأس المال: 300 مليون دينار عراقي
4- شركة العاصمة للاستثمارات السياحية المحدودة.
رأس المال: 7 مليارات دينار عراقي.
5- شركة أبراج بغداد للاستثمار والتطوير العقاري محدودة المسؤولية
رأس المال: مليار دينار عراقي
6- شركة لؤلؤة العراق للتجارة العامة المحدودة.
رأس المال: 2 مليون دينار عراقي.
7- شركة الأوان للخدمات الأرضية للمطارات المدنية المحدودة.
رأس المال: 100 مليون دينار عراقي
8- شركة بابل للصناعات الزجاجية محدودة المسؤولية.
رأس المال: 3 مليارات دينار عراقي.
9- شركة آفاق العمارة للصناعات الإنشائية والهياكل الحديدية والبناء الجاهز المحدودة.
رأس المال: 2 مليار دينار عراقي
10- شركة ساحل الجندول للتجارة العامة المحدود.
رأس المال: مليار دينار عراقي.
11- شركة خيرات المنجد للتجارة العامة محدودة المسؤولية شركة خاصة.
رأس المال: مليار دينار عراقي.
12- شركة الآوان للسياحة والسفر المحدودة.
رأس المال: مليون دينار عراقي
13- شركة الدلماء للتوسط ببيع وشراء الأوراق المالية المحدودة.
رأس المال: 500 مليون دينار عراقي.
14- شركة شموخ العز للاستثمارات الصناعية محدودة المسؤولية.
رأس المال: مليار دينار عراقي.
15- شركة البيئة لخدمات الأنظمة البيئية والبنى التحتية والتجهيزات العلمية وتكنولوجيا الاتصالات والمقاولات العامة محدودة المسؤولية.
رأس المال: 10 مليارات دينار عراقي.
16- شركة العطاء المبارك للتجارة العامة محدودة المسؤولية.
رأس المال: 2 مليار دينار عراقي.
17- شركة المفتن لصناعة الألمنيوم والبلاستيك المحدودة.
رأس المال: 2 مليار دينار عراقي.
18- شركة إعمار المدينة للتجارة العامة محدودة المسؤولية.
رأس المال: 100 مليون دينار عراقي.
حصة في فندق السدير أيضًا
ولا تقتصر شركات مفتن على ما ورد في سجلات وزارة التجارة العراقية، إذ يمتلك رئيس اللجنة الأولمبية العراقية حصة بنسبة 13.5% من فندق السدير في بغداد، والذي يبلغ رأس ماله أكثر من مليار و734 مليون دينار عراقي، بحسب ما تظهر بيانات لجنة الأوراق المالية العراقية.
وعند تتبُّع المصالح المالية لعقيل مفتن خارج العراق، تم التوصل إلى سلسلة شركات تبدأ من الأردن وتصل إلى النمسا، أكبرها مسجلة في فيينا باسم "رقية"، بالشراكة مع رئيس اللجنة الأولمبية السابق رعد حمودي.
تنشط شركة "رقية" باستيراد وتصدير جميع أنواع السلع، بحسب الوصف التجاري لها، ويعود تاريخ تأسيسها إلى عام 2015 برأس مال بلغ 35 ألف يورو، ويتشارك فيها مفتن مع رعد حمودي فضلاً عن شخص ثالث يدعى "روبرت موزر".
ويظهر السجل المالي للشركة أنّ أصولها بلغت ذروتها في عام 2018 بمبلغ أكثر من 82 ألف يورو، ثم هوت فجأة إلى 10 آلاف يورو خلال عامي 2020 و2021، ثم تراجعت أكثر في عام 2022، وفق آخر التقارير السنوية التي قدمتها إدارة الشركة في تموز/ يوليو من العام الماضي.
وأُزيح رعد حمودي في كانون الأول ديسمبر من العام الماضي، عن رئاسة اللجنة الأولمبية إثر اتهامات كبيرة بالفساد والمخالفات المالية والإدارية، بعد نحو 8 أشهر فقط من صعود عقيل مفتن إلى منصب النائب الأول لرئيس اللجنة الأولمبية.
ويمتد النشاط المالي لرئيس اللجنة الأولمبية أبعد من شركة "رقية" في فيينا، إذ يقيم الشقيقان عقيل ومحمد مفتن في المملكة المتحدة البريطانية، ويمتلكان مصالح تجارية هناك، وتظهر البيانات أن محمد حاصل على جنسية الدومنيكان، ويدير شركتي مفتن المحدودة و"بوابة الامتياز" في بريطانيا.
زوجة عقيل مفتن
وبتتبع أعمق تم التوصل إلى هوية زوجة رئيس اللجنة الأولمبية العراقية، عبر بيانات الملاك المقيمين في ستوكهولم، وهي "زهراء قاسم وادي". وتقودنا مراجعة نشاطات زهراء قاسم وادي، إلى أكبر المشاريع المالية لعقيل مفتن، متمثلاً بـ "مصرف الاتحاد"، الذي تمتلك فيه زوجته أسهمًا باسمها.
ويشغل عقيل مفتن منصب المدير التنفيذي لمصرف الاتحاد العراقي، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى الأشهر الأخيرة من عمر النظام السابق، في أيلول سبتمبر من 2002 تحديدًا، بموافقة دائرة مسجل الشركات، ثم حصل على إجازة ممارسة الصيرفة بموجب موافقة البنك المركزي في 2004.
يبلغ الرأسمال الحالي للمصرف 252 مليار دينار عراقي، ويقع مقره الرئيسي في بغداد وله 13 فرعًا في المحافظات، 5 من تلك الفروع هي مقرات مُلك مع 8 بنايات مؤجرة.
ويساهم في رأس مال المصرف 6 أشخاص و3 شركات. ومن أبرز المساهمين عائلة مفتن وهم؛ عقيل ومحمد وعباس وعلي مفتن وزهراء وادي نصيف (زوجة عقيل مفتن)، فضلاً عن سيدة تدعى "مالية عبد سلمان"، فيما تتمثل الشركات المساهمة بشركة التأمين الوطنية ومصرفي الرافدين والرشيد.
ويمتلك عقيل مفتن (12.00%) من مصرف الاتحاد العراقي، ويشاركه شقيقة محمد مفتن بذات النسبة ويشغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة، على رأس مئات الموظفين.
فيما تظهر بيانات هيئة الأوراق المالية، قفزة لرأس مال المصرف من 50 مليار دينار عراقي عام 2010، إلى 252 مليار دينار في عام 2014، حتى تجاوز رأس المال النصف تريليون دينار في عام 2024.
وبحسب الهيئة، فإنّ آخر تقرير قدمه المصرف كان التقرير الخاص بالربع الأول من سنة 2024، ويظهر أنّ قيمة الموجودات في المصرف حاليًا تبلغ 520 مليار و100 مليون دينار. ويلاحظ تراجع المبلغ عن تقرير نهاية سنة 2023، والذي يظهر أن قيمة الموجودات في المصرف كانت 546 مليار و695 مليون دينار عراقي.
وظهرت أولى مؤشرات الفساد في مصرف الاتحاد عام 2015، حين منع المصرف من دخول مزاد العملة إثر مشكلة تتعلق بقضايا غسل أموال، قبل أنّ يواجه عقوبة من حجز 200 مليون دولار من قبل البنك الفيدرالي الأميركي في العام التالي، وهو مبلغ يمثل جزءًا من تحويل بقيمة 6 مليارات دولار لصاحب بنك الهدى حمد الموسوي المقرب من نوري المالكي.
وفي قضية بنك الهدى التي تورط فيها مصرف الاتحاد وتضاعف بعدها قيمة رأس ماله، يشير تقرير للجنة المالية في مجس النواب، إلى أنّ مصرف حمد الموسوي، أجرى تحويلاً بقيمة أكثر من 6.45 مليار دولار إلى حسابه في بنك الإسكان الأردني خلال السنوات 2012-2013-2014، وحوّل من هذا المبلغ أكثر من 5.78 مليار دولار إلى شركة الطيب في حسابها لدى بنك الإسكان الأردني، وقامت شركة الطيب بدورها بتحويل أكثر من 5.7 مليار دولار إلى حساب شركة الكمال للصرافة في الأردن، وهي شركة صرافة عادية قامت بدورها بتحويل هذه الأموال إلى مستفيدين "لا نعلم من هم ولا نعلم كيف استخدموا هذه الأموال التي هي ثمن بيع النفط ملك الشعب العراقي"، على حد تعبير اللجنة، التي طالبت حينها من هيئة النزاهة التحقيق في القضية.
ومطلع عام 2024، صنفت وزارة الخزانة الأميركية، مصرف الهدى، كمؤسسة مالية أجنبية "تشكل مصدر قلق أساسي لناحية تبييض الأموال"، واقترحت منع المصرف من الوصول إلى النظام المالي الأميركي، فيما أدراج مالك المصرف ورئيسه حمد الموسوي على قوائم العقوبات.
وليس مصرف عائلة مفتن، ببعيد عن هذه النشاطات، إذ قرر البنك المركزي في شباط فبراير الماضي، حظر 8 مصارف عراقية من الاشتراك في نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية، من بين تلك المصارف مصرف الاتحاد العراقي، على خلفية تهم تهريب الدولار خارج العراق.
وعبر هذه الشبكة المعقدة من النشاطات المشبوهة المرتبطة بجهات سياسية، صعد عقيل مفتن إلى رئاسة اللجنة الأولمبية العراقية، وبات من رجال الأعمال المقربين من رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، دون أن يخضع إلى أي شكل من أشكال المساءلة أو كشف الذمم المالية أو التحقيق في اتهامات الفساد الكبيرة المرتبطة بمصالحه المالية.
وعلى وقع قائمة العقوبات الأميركية الأخيرة، أعلنت الحكومة، السبت 11 تشرين الأول/أكتوبر، "تشكيل لجنة وطنية عليا، تضم ممثلين عن وزارة المالية وديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة، والبنك المركزي، تتولى مراجعة القضية ذات الصلة، وأن ترفع تقريرها وتوصياتها خلال (30) يومًا، بما يلزم من إجراءات قانونية وإدارية"، بناءً على توجيه من السوداني.
كما أكّد الحكومة، أنّ "العراق يرفض أي نشاط اقتصادي أو مالي يخرج عن الإطار القانوني الوطني، أو يُستغل لتمويل جماعات مسلحة، أو لأغراض تتعارض مع المصالح العليا لشعبنا، وأنها ماضية في إجراءات شفافة، تضمن حماية المال العام، ومنع أي جهة من التصرّف خارج منظومة الدولة، دون أن تقبل أي وصاية أو تدخل في الشؤون الداخلية".
وقالت الحكومة، إنّها "ستجري تحقيقها في هذه المزاعم بهدف تعزيز مسار الإصلاح المؤسسي والاقتصادي، ودعم بناء الثقة بين المواطن والدولة، وترسيخ مفهوم بناء مؤسسات الدولة الوطنية، كما تؤكد مضيها في مشروعها الوطني، وتحقيق التنمية العادلة، وتوفير بيئة اقتصادية شفافة وجاذبة للاستثمار، بما يخدم مصالح العراق وشعبه، ويحافظ على علاقات متوازنة مع جميع الشركاء الإقليميين والدوليين".

