للحفاظ على حقوق المبدعين.. الحكومة ترسل قانون حماية الملكية الفكرية إلى البرلمان.. تعرف على تفاصيله
انفوبلس..
خلال جلسته الاعتيادية التي عُقدت، أمس الثلاثاء، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون حماية الملكية الفكرية وأرسله إلى البرلمان للتصويت عليه، الأمر الذي فتح باباً للتساؤلات حول ماهيته وأهميته والمشاكل التي من شأنه أن يعالجها.
مشروع القانون الذي دققه مجلس الدولة، تمت إحالته إلى مجلس النواب استناداً الى أحكام الدستور، مع الأخذ بعين الاهتمام الملحوظات الواردة من الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
خلفية تاريخية
أقرّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حماية الحقوق الناشئة عن إبداعات العقل البشري على أنواعها وما هو إلا دليل على ضرورة نشر الوعي حول الموضوع ليصبح طريقة تفكير وحياة في آن واحد.
ويعاني المبدعون والأدباء والمفكرون والمثقفون في العراق من انتهاكات خطيرة لحقوقهم الفكرية وعدم حمايتها، بل وأصبح الانتهاك حقاً لمن يزاول الاعتداء عليها وسرقتها، مما شجّع الآخرين في الاعتداء على حقوق الآخرين وتكرارها دون وجود عقاب رادع لهم. وقد وُجِدت في جميع دول العالم عدد كبير من التشريعات انضمت معظمها تحت تسمية حماية حقوق الفكرية، ومن أهم المنظمات الحكومية:
-المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO World Intellectual Property Organizationوهي منظمة تابعة للأمم المتحدة تأسست عام 1967
-منظمة التجارة العالمية World Trade Organization تأسست سنة 1994
أما على صعيد المنظمات غير الحكومية فهي:
-الاتحاد الدولي لجمعيات المؤلفين والناشرين ومقرّها باريس The International Confederation of Authors and Composers Societies ( CISAC)
-الرابطة الدولية للأدباء والفنانين International Writers and Artists Association (IWAA) تأسست 1878.
أما في العراق فإن التشريعات التي وجدت لحماية حقوق الملكية الفكرية هي: قانون براءة الاختراع، وقانون المطبوعات، وقانون حماية حقوق المؤلف رقم 3 لسنة 1971.
ومنذ عام 1971 ولحد الآن حدث تطور كبير في جميع المجالات العلمية والتكنولوجية والبرمجية وغيرها وأصبحت القرصنة غير الشرعية لبرمجيات الأعمال وأقراص الفيديو المدمجة وأقراص الموسيقى المدمجة، وألعاب الكومبيوتر وغيرها من الأساليب الشائعة لسرقة حقوق الملكية الفكرية، وقد قدّرت جامعة الدول العربية القيمة المالية لعمليات الاحتيال السنوية في العالم العربي بنحو 50 مليار دولار.
قوانين كفلت حماية حقوق الملكية الفكرية
الموقع الرسمي لمجلس القضاء الأعلى العراقي نشر في عام 2021، مقالاً للكاتب على البدراوي تناول فيه القوانين العراقية التي من شأنها حماية الملكية الفكرية، إضافة إلى تعريف القارئ بهذا المجال وتقديم النصيحة لمن يتعرض نتاجه للسرقة.
ويذكر بدراوي في مقاله: لم يدُر بخلد (أحمد) حين كان يقف منكبّاً على تقليب رفوف إحدى المكتبات الجامعية للعثور على ما تجود به الأطاريح والدراسات من معلومات يستعين بها لأطروحة الدكتوراه أن يشاهد رسالة (الماجستير) الخاصة به مطبوعةً ومبوبةً على أحد الرفوف ولكن.. باسم آخر. ليُشرِع برحلة بحث عن (السارق) اصطدم على إثرها بواقع أمرّ مما مرّ به، يكمن بتسرّب رسالته الخاصة بـ(علم الاجتماع) إلى اسم آخر نسبها لنفسه عبر ما أسماه بحث علمي قدّمه لجامعته ونال عليه الشهادة.
من تلك الحادثة بدأ (أحمد) بسلوك طريق القضاء لمقاضاة من وصفهم بسارقي رسالته العلمية مقتفياً آثار القوانين العراقية الرادعة لتلك الظاهرة.
قادني ما مرّ به (أحمد) إلى تتبع سلسلة حوادث مرّ بها كُتّاب وباحثون بل واعترت كاتب السطور (شخصياً) أيضاً، قاسمها المشترك هو (حقوق الملكية الفكرية).
وقبل الغوص بأعماق هذا الجانب الهام لابد من الإشارة إلى أن (الملكية الفكرية) لا تنحصر بالكُتّاب والمؤلفين فقط، بل مدياتها تصل الى المبتكرين الصناعيين والعلميين أيضا. وجراء قلّة المعرفة أو حتى انعدامها بقوانين تحمي الإنجازات الفكرية لأصحابها، فالسرقة والنسخ واقتباس النص دون الإشارة إلى المصدر وغيرها من التجاوزات جعلت العديد من النتاجات الفكرية والعلمية والصناعية تهدر وتختفي وتندثر تحت مسمى الخشية من السرقة. نبدأها بالحديث عن بداية الالتفات الى تلك الظاهرة حين امتنع كبار العلماء من أصحاب الاختراعات العلمية في العالم عن المشاركة في معرض الاختراعات الدولية الذي استضافته العاصمة النمساوية فيينا في عام 1873 تلافياً منهم لسرقة أفكارهم، لتظهر على إثر تلك الحادثة الحاجة الى منظمة تحافظ على الملكية الفكرية وتصون حقوق أصحابها، فاستمرت المساعي والجهود بهذا الشأن حتى تأسست منظمة حماية الملكية المعروفة بـ"الويبو"، التي انضمت في عام 1974 الى أسرة منظمات الأمم المتحدة لتصبح مهمتها حماية المؤلفات والمصنفات الأدبية والفنية ساعيةً الى فرض الحماية القانونية للملكية الفكرية للصور والأغاني والأعمال الفنية والأدبية والرسائل والأطاريح العلمية.
حقوق المبدعين والتشريعات العراقية لحمايتها
فيما يخص الانتهاكات التي تطال حقوق الملكية الفكرية في العراق كانت لنا وقفة مع القاضي إياد محسن ضمد/ قاضي أول محكمة تحقيق الرصافة المختصة بقضايا النزاهة الذي استعرض بإيجاز الرؤية القانونية والأخلاقية أيضاً تجاه تلك المسألة قائلاً:
تحتل الملكية الفكرية المساحة الأبرز في اهتمام النظم القانونية حيث تسعى تلك النظم لتوفير الحماية القانونية للملكية الفكرية بصورها وأشكالها ومصاديقها كافة.
فحق الكُتّاب والفنانين والشعراء في حماية حقوقهم المتعلقة بقصائدهم وأغانيهم ورواياتهم وأفلامهم السينمائية ومسلسلاتهم التلفزيونية، وحق أصحاب العلامات التجارية في حمايتها من التقليد والاعتداء، وحق أصحاب براءات الاختراع في حفظ حقوقهم المالية والمعنوية لابتكاراتهم. جميع تلك الصور وتلك الميادين تمثل مساحة واقعية تظهر فيها ضرورة وجود حماية قانونية مناسبة لأصحاب تلك الحقوق من أي اعتداء يطال نتاجاتهم بالتقليد أو النسخ أو نسبة النتاج لغير كاتبه وما يتبع ذلك من ظهور المنازعات القضائية سواء في سوح القضاء المدني أم الجزائي، كون تلك الحقوق ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجانب الاقتصادي وتدرّ أرباحاً كبيرة لأصحابها وتتضرر مصالحهم بشكل كبير ولافت عند محاولة الغير تقليدها أو نسبها إليهم، سيما في مجال الاسم التجاري والعلامة التجارية وصفحات الإعلان على مواقع التواصل الاجتماعي والمجلّات والدوريات المعروفة.
وعن موقف القانون العراقي الرادع لعملية السطو على النتاج الإبداعي أفاد القاضي ضمد قائلا:
أما بالعراق فإن قانون حماية حق المؤلف رقم (٣) لسنة ١٩٧١ ينظّم حقوق المؤلف ويحميها. وقد عُدِّلَ ذلك القانون بموجب الأمر رقم (٨٣) لسنة ٢٠٠٤ الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة، حيث بيّنت المادة (2) من القانون المذكور المصنفات الفكرية المشمولة بالحماية التي يوفرها القانون كالمصنفات المكتوبة وبرامج الكومبيوتر والمصنفات الموسيقية والسينمائية وغيرها.
وقد بينت المادة (44) من القانون المذكور أحقية صاحب المؤلف الذي اعتُدي عليه في المطالبة بالتعويض المناسب، أما المادة (45) فقد بيّنت المبالغ المالية التي تُفرض على أعمال القرصنة الفكرية والتي أقرّها القانون كعقوبات جزائية.
إضافة إلى القانون المذكور فإن قانون العلامات التجارية العراقي يوفر حماية قانونية مدنية وجزائية لأصحاب العلامات التجارية من أي اعتداء يطال علاماتهم التي تُعد عاملاً أساسياً بالتسويق لمنتجاتهم الصناعية والفكرية.
وبحكم المؤكد فإن القوانين المذكورة تحتاج لشيء من المراجعة والتعديل بما يجعلها قادرة على مواكبة التطور الكبير الذي يشهده العالم وما يصاحبه من ظهور أشكال وصور جديدة لحقوق ترتبط بمصنفات فكرية غير منصوص عليها وربما غير مشمولة بالحماية القانونية.
دعوة لتوثيق النتاجات
من اللافت أنه في بلد التاريخ والحضارة والتأليف والنشر (العراق) قد التفتَ إلى تلك الظاهرة التي سادت في الحقب الزمنية الأخيرة ليشرع قضاؤه الحر المستقل بتأسيس محكمة للنشر والتي من ضمن مهامها النظر بهذا الجانب، كما شرعت وزارة الثقافة أيضاً بتأسيس مركز وطني يتعلق بهذا الشأن تحديداً (حماية حق المؤلف).
السيدة هند الحديثي عضو محكمة النشر ومدير المركز الوطني لحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة التابع لوزارة الثقافة أفادت بخصوص الدور الذي يلعبه المركز لحماية حقوق المؤلف قائلة:
يتعلق دور المركز الوطني لحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة بتسجيل وتوثيق الأعمال الأدبية والفنية والعلمية وكل ما هو مكتوب، أما النتاجات الصناعية فهي من اختصاص وزارة التخطيط (الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية) تحديداً.
ومن موقع مسؤوليتنا ندعو جميع المبدعين من فنانين وأدباء وكل من له نتاج فكري ثقافي كان او علمي او فني لتوثيق وتسجيل أعمالهم ونتاجاتهم في مركزنا حفاظاً عليها من السرقة والاستغلال غير المشروع. حيث إن الكثير من القضايا تتوجه إلينا ونحن بدورنا نقوم بإحالتها الى محكمة النشر لتكون هي الحد الفاصل، ومن هذه القضايا على سبيل المثال المسلسل الدرامي التلفزيوني (علي الوردي) وكذلك التحقيق الصحفي الخاص بـ(مقبرة المسيحيين في النجف الأشرف). إضافة الى عدد كبير من المؤلفات الأخرى التي عُرِضت على مركزنا وأحلناها الى محكمة النشر ليتم اتخاذ الإجراءات القضائية بصددها.
وفي إجابتها على سؤالنا المتعلق فيما إذا كان المركز يتكفل بالمقاضاة القانونية لمن يسطو على النتاجات الموثقة عنده أجابت قائلة:
لا يتكفل المركز بإقامة الدعاوى والملاحقة القانونية كون أن قانون حق المؤلف رقم (3) لسنة 1971 المعدل في 2004 لم يمنح الصلاحيات بالمتابعة القانونية سوى توثيق وإثبات الحقوق.
محكمة النشر
وحول محكمة النشر ودورها بحماية حقوق الملكية الفكرية في العراق أفادت السيدة هند الحديثي قائلة:
إن دور محكمة النشر هو المتابعة القانونية وإقامة الدعاوى على المتجاوزين وسرّاق الأفكار والنتاجات وإصدار القرارات القضائية الخاصة بهذه الدعاوى بعد إثبات إن كان العمل موثّقاً ومسجلاً وحاصلاً على حقوق الملكية الفكرية من عدمه.
طريقة للحماية
وللوقوف على طرق الحماية والسبل الكفيلة لدرء مخاطر الاستيلاء الفكري تحدث أحد أصحاب النتاجات العلمية الإبداعية، مسؤول التدريب الهندسي في وزارة الصحة العراقية مؤسس مشروع فحص ومعايرة الأجهزة الطبية في وزارة الصحة السيد مهند المهداوي الذي أفاد قائلا:
شخصياً ومن خلال الأبحاث العلمية المختصة بالجانب الهندسي التي تقع في صُلب اختصاصي كان أحد ابتكاراتي على وشك السرقة لولا حُسن التعامل الذي من خلاله تلافيتُ حلول الكارثة. ومن خلال الخبرة توصلتُ إلى اسلوب سهل مفاده أن أبسط فكرة لحفظ حقوق الملكية الفكرية لأي نتاج أدبي كان أم ابتكار علمي هي أن يقوم الباحث بعد إتمام منجزه بإرسال بريد إلكتروني (إيميل) لأحد الأشخاص الثقاة او يقوم بإرساله لبريده الشخصي، يكون مضمونه تفاصيل الفكرة من أول لحظة الشروع بها حتى اختتامها ما يُعد دليلا علميا وقانونيا يوثق من خلاله تاريخ الفكرة.
وهذا الأمر لا يُعد ابتكاراً شخصياً من قبلي فمنذ عشرة أعوام تم اعتمادها في المراسلات بين الشركات وحتى بين الموظفين الجالسين بالغرفة نفسها في عملهم.