859 جهة حكومية تعتمد التحول الرقمي في خطوة مفصلية لإصلاح الإدارة العامة
أربعة ملايين وثيقة الكترونية
انفوبلس..
في ظل التحديات الإدارية والاقتصادية المتراكمة، يتجه العراق بخطوات متسارعة نحو اعتماد التحول الرقمي الشامل كخيار استراتيجي لإعادة بناء منظومة الدولة، وتبسيط الإجراءات، وتعزيز الحوكمة.
هذا التحول لا يقتصر على رقمنة المراسلات والخدمات، بل يمثل انتقالًا بنيويًا في طريقة إدارة المؤسسات العامة، ويعكس توجهًا رسميًا لإرساء الشفافية، تقليل الفساد، وتحسين جودة الخدمة المقدمة للمواطن.
859 جهة رسمية على مسار الرقمنة
وأكد فريق الإعلام الحكومي أن التحول الرقمي الشامل بات واقعًا معتمدًا داخل مؤسسات الدولة، بعد انضمام 859 جهة رسمية إلى منظومة التخاطب الإلكتروني الحكومي، ويشمل هذا الرقم وزارات، وجهات غير مرتبطة بوزارة، ومحافظات، ومديريات عامة، إضافة إلى فروعها في عموم البلاد.
وقال المتحدث باسم الفريق، حيدر مجيد، إن رؤية الأمانة العامة لمجلس الوزراء وتوجهاتها الاستراتيجية تمضي بثبات نحو اعتماد البريد الإلكتروني كوسيلة رسمية للتخاطب بين جميع المؤسسات الحكومية، ضمن إطار شامل يهدف إلى تحديث الإدارة العامة وتبسيط الإجراءات الإدارية المتراكمة منذ عقود.
أربعة ملايين وثيقة… نهاية عصر الورق
وبحسب البيانات الرسمية، جرى تداول ما يقارب أربعة ملايين وثيقة إلكترونيًا منذ انطلاق برنامج إدارة الوثائق في العاشر من أيلول 2020، وهو رقم يعكس حجم التحول الذي تشهده البيروقراطية العراقية.
وأوضح مجيد أن هذا التوجه ينسجم مع البرنامج الحكومي الهادف إلى تقليل الروتين وتسريع إنجاز المعاملات، فضلًا عن ضمان توثيق المراسلات وحفظها إلكترونيًا، بما يتيح سهولة المتابعة، ويعزز مستويات الشفافية والمساءلة داخل مؤسسات الدولة.
منصات حكومية مؤمنة بأيادٍ عراقية
برنامج إدارة الوثائق الإلكترونية نُفذ من قبل قسم تقنية المعلومات في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وباعتماد كفاءات عراقية من مهندسين وفنيين.
ولم يقتصر العمل على البريد الحكومي، بل شمل إطلاق منصات تخصصية، من بينها منصة لوزارة الداخلية خاصة بالعائدات والسرقات، ومرتبطة بشبكة حكومية مؤمنة للتحقق من سرقة العجلات بالتنسيق مع مراكز الشرطة.
كما أُطلقت منصة خاصة ببيانات الشركات الخاصة، في خطوة تهدف إلى تنظيم البيانات، وتعزيز الرقابة، وتسهيل الإجراءات ذات الصلة بالقطاع الخاص.
تقليل الهدر والفساد الإداري
ويرى القائمون على المشروع أن اعتماد البريد الإلكتروني الرسمي سيسهم في تقليل الهدر المالي الناتج عن الاعتماد على الورق، والحد من التأخير في إنجاز المخاطبات، إضافة إلى اختزال الزمن وتسريع تنفيذ التوجيهات الحكومية.
وأكد مجيد أن النظام يعتمد على تشفير الوثائق وترميزها بكودات خاصة بكل مؤسسة وموظف، ما أسهم في تقليل تسريب الوثائق، والحد من التلاعب والتزوير، وهي من أبرز الإشكالات التي لطالما رافقت العمل الورقي التقليدي.
الاستثمار في التكنولوجيا وتحديث الاقتصاد
من جانبه، قال الخبير المالي والاقتصادي الدكتور صفوان قصي إن الحكومة العراقية اتجهت بوضوح نحو الاستثمار في التكنولوجيا لتتبع حركة الدينار والمعاملات المالية.
وأشار إلى أن منصة “أور” تمثل نموذجًا لمنظومة حكومية متكاملة تقدم الخدمات عبر الإنترنت والإنترانت، بما يقلل الاحتكاك المباشر بين المواطن والموظف.
وأضاف أن هذا التوجه يساهم في تطوير الأداء، وتحديد مراكز المسؤولية داخل المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، ويمهد لعولمة الاقتصاد العراقي، خاصة في ظل التحديات المرتبطة باندماجه في البيئة الاقتصادية الدولية.
تقدم نسبي… وطموح أكبر
في المقابل، يرى مدير مركز الاتحاد للتدريب الإعلامي، الدكتور محمد الخزاعي، أن الحكومة أحرزت تقدمًا نسبيًا في بعض مفاصل الحكومة الإلكترونية، مثل الجباية الرقمية والجواز الإلكتروني، وتسهيل عدد من معاملات المواطنين.
إلا أنه أشار إلى أن هذا التقدم ما يزال دون مستوى الطموح، بسبب غياب البنية التحتية المتكاملة، وتعدد الجهات المنفذة، فضلًا عن استمرار الروتين والبيروقراطية الورقية التي ترهق المواطن، وتعيق التحول الرقمي الشامل.
المواطن والدفع الإلكتروني… ثقة متنامية
على المستوى الشعبي، عبّر مواطنون عن دعمهم لأي تقدم تحققه الحكومة في مجال الرقمنة، مؤكدين أن التعاملات الإلكترونية ساهمت في الحد من الرشوة، وتقليل الاحتكاك المباشر مع الموظفين.
كما أعرب كثيرون عن أملهم في ترسيخ ثقافة الدفع الإلكتروني بشكل أوسع، بما يسهم في ترصين الاقتصاد الوطني، وتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية.
وأكدت وزارة التخطيط أن خطوات الرقمنة والحوكمة الإلكترونية تمثل بداية لعصر جديد ينافس فيه العراق دول المنطقة. وقال المتحدث الرسمي للوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، إن هناك توجهًا حكوميًا متكاملًا للتحول الرقمي، جرى تضمينه ضمن الخطة التنموية الخمسية 2024 – 2028، وكذلك ضمن رؤية العراق للتنمية المستدامة 2030.
وأشار إلى أن البرنامج الحكومي الحالي أولى هذا الملف أولوية واضحة، من خلال إجراءات عملية تنفذها مؤسسات الدولة في مختلف القطاعات.
السوداني: التحول الرقمي ضرورة لا خيار
بدوره، شدد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال اجتماعات اللجنة العليا للتحول الرقمي، على متابعة الإجراءات العملية في مؤسسات القطاع العام، وتطوير البنى التحتية التقنية، بما يسرّع هذه الانتقالة المهمة.
وأكد السوداني أن التحول الرقمي بات ضرورة في العراق، وقد تبنته الخطة التنموية الخمسية، مشيرًا إلى إمكانية الاستفادة من الواقع الشبابي للمجتمع العراقي لتنفيذ هذا التحول بسرعة وكفاءة، مع أهمية التخطيط المدروس لتحقيق التنمية المستدامة.
نقلة نوعية وآفاق مستقبلية
ويشهد العراق خلال العقد الأخير نقلة نوعية في مسار الرقمنة شملت الإدارة الحكومية، والخدمات المالية، والتعليم، والطاقة.
ومع ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت إلى نحو 38 مليون مستخدم، وتجاوز اشتراكات الهاتف النقال عدد السكان، تتعزز فرص التحول إلى اقتصاد رقمي.
ورغم التحديات البيئية والاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري، يبقى التحول الرقمي فرصة حقيقية لتعزيز الشفافية، وتحقيق النمو الاقتصادي، شريطة دمجه بسياسات الاستدامة وحماية الموارد، لضمان مستقبل متوازن للأجيال القادمة.