الناصرية تنضم رسميًا إلى شبكة "مدن التعلّم" العالمية.. ماذا بعد الاعتراف الدولي؟
انفوبلس/ تقرير
في خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها على مستوى العراق، انضمّت مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، رسميًا إلى شبكة "مدن التعلّم" العالمية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، لتصبح أول مدينة عراقية تدخل ضمن هذا الإطار الدولي الذي يضم مئات المدن حول العالم.
ويأتي هذا الانضمام ضمن قائمة جديدة شملت 72 مدينة من 46 دولة، بحسب ما أعلنت عنه منظمة اليونسكو في بياناتها الرسمية، في وقت اعتبرته جهات أكاديمية ومحلية "إنجازًا نوعيًا" يعكس تحوّلًا في صورة المحافظة من واقع ما بعد النزاعات إلى فضاء أكاديمي يسعى للاندماج في الشبكات العالمية للتعليم.
دور جامعة ذي قار: المبادرة الأولى
بحسب البيانات الرسمية، فإن الدور الرئيس في تحقيق هذا الانضمام يعود إلى جامعة ذي قار، التي قادت إعداد ملف الطلب واستيفاء معايير العضوية وفق توجيه مباشر من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي / دائرة البعثات والعلاقات الثقافية التي أكدت ضرورة السعي لإدراج مدينة الناصرية ضمن الشبكة.
وأكد رئيس جامعة ذي قار، كمال حامد الياسري، أن هذا التطور يمثل "محطة مهمة في مسار تعزيز التعلم مدى الحياة"، وأنه يعزز توجهات التنمية المستدامة ويرفع من مكانة الجامعة والمحافظة على المستويين الوطني والدولي. وأشار إلى أن الانضمام لا يُعد مجرد إجراء رمزي، بل يأتي بوصفه "اعترافًا دوليًا بدور مؤسسات المحافظة الأكاديمية في نشر ثقافة التعليم المستمر وتمكين مختلف الفئات الاجتماعية من فرص التعلم".
كما شدّد رئيس الجامعة على الدور المباشر الذي لعبته الفرق الفنية المختصة، وخصَّ بالذكر الأستاذ الدكتور شاكر كاظم علي (المساعد العلمي لرئيس الجامعة)، قسم البعثات والعلاقات الثقافية برئاسة الدكتور زياد طارق، والكادر الفني المتخصص في إعداد ملف الانضمام. وأكد أن الجهد الجماعي، إلى جانب دعم الوزارة وتعاون المؤسسات المحلية، أسهم في استيفاء متطلبات ومعايير اليونسكو.
وختم الياسري بالقول إن الجامعة ماضية في تنفيذ مبادرات وبرامج تنسجم مع معايير الشبكة العالمية، بما يعزز مكانة الناصرية كمدينة تعلّم رائدة على المستويين الوطني والإقليمي.
ويُعد هذا الحدث خطوة إستراتيجية رائدة وأولى من نوعها، إذ أصبحت الناصرية أول مدينة عراقية تنضم رسميًا إلى شبكة المدن التعلّمية، بفضل الجهود المتواصلة التي بذلتها جامعة ذي قار وفرقها المتخصصة في استيفاء متطلبات ومعايير اليونسكو.
من جانبها، رحّبت منظمة اليونسكو رسميًا بانضمام مدينة الناصرية عبر منشور على صفحتها الرسمية الخاصة بالعراق في "فيسبوك"، أكدت فيه: "يسعد اليونسكو الإعلان عن انضمام مدينة الناصرية إلى الشبكة العالمية لمدن التعلّم التابعة لليونسكو، ضمن 72 مدينة جديدة من 46 دولة".
كما أوضحت المنظمة، في بيان على موقعها الرسمي، أن عدد المدن الأعضاء في هذه الشبكة أصبح الآن 425 مدينة من 91 دولة منذ إطلاق الشبكة عام 2013، موضحة أن هذه المدن مجتمعة تدعم فرص التعلم لما يقارب 500 مليون مواطن حول العالم. وأضافت، ان "هذا الاختيار، يمثل اعترافًا بدور الناصرية في تعزيز التعلّم مدى الحياة لجميع الفئات في المدينة".
وأوضحت، أن "مدن التعلم التابعة لليونسكو مجتمعات ديناميكية يُدمج فيها التعلم في الحياة اليومية – في المدارس وأماكن العمل والمكتبات والمنازل والأماكن العامة. إنها تُتيح فرصًا للجميع: إعادة تأهيل وتطوير مهارات العاملين لمواكبة أسواق العمل المتطورة، وتوفير محو الأمية لمن فاتتهم الفرصة في السنوات الأولى من حياتهم، وتمكين المواطنين من جميع الأعمار من مواكبة عصر الذكاء الاصطناعي وتشكيله، وتعزيز عقلية ريادة الأعمال".
موقف حكومة ذي قار المحلية
كما قال محافظ ذي قار مرتضى الإبراهيمي، في بيان مقتضب، "نزفُّ لأبناء محافظة ذي قار عامة، ولأهالي الناصرية خاصة، خبر انضمام مدينتنا إلى شبكة المدن التعليمية التابعة لليونسكو، لتسجل الناصرية اسمها كأول مدينة عراقية تنال هذا الاستحقاق الدولي المهم".
وأضاف أن "هذا الإنجاز يعكس مكانة مدينتنا وريادتها، ويضع على عاتقنا مسؤولية مواصلة العمل بروح الفريق الواحد لترسيخ هذه العضوية وتعظيم أثرها في تنمية الواقع التعليمي والثقافي والخدمي في ذي قار".
وتُعد شبكة اليونسكو العالمية لمدن التعلم (UNESCO GNLC) من الشبكات الدولية التي تهدف إلى تعزيز التعلم مدى الحياة للجميع، وتجمع المدن التي تلتزم بتوفير فرص تعلم شاملة في جميع مستويات التعليم (من الأساسي إلى العالي)، وإشراك كافة القطاعات والمجتمع لتكون المدن مستدامة ومرنة، كما تعمل المدن الأعضاء على تبادل المعرفة وأفضل الممارسات، وتعبئة الموارد لدعم التعلم في الأسر والمجتمعات وأماكن العمل.
الى ذلك، قال معاون مدير عام تربية ذي قار، محمد عبد السادة، "نبارك لأبناء محافظة ذي قار انضمام مدينة الناصرية إلى منظمة اليونسكو لمدن التعلم العالمي، وهو استحقاق جاء ثمرة جهود طويلة الأمد ودعم مباشر من وزارة التربية ومتابعة مستمرة من المديرية العامة لرفع كفاءة الكوادر التدريسية عبر الدورات التطويرية".
وأضاف عبد السادة، أن "المديرية تطمح لتعميم هذا المستوى العلمي على مدن المحافظة كافة، من خلال خطط استراتيجية تهدف لتحديث طرائق التدريس وإدخال جميع الملاكات التربوية في برامج تدريبية متقدمة".
من جانبه، أكد النائب الأول لمحافظ ذي قار، رزاق كشيش، أن "المحافظة عملت منذ أكثر من 7 أشهر لتلبية متطلبات اليونسكو"، مشيراً إلى، أن "ذي قار تحولت من ذات طابع عسكري إلى مدينة علمية تضم حالياً 9 جامعات (حكومية وأهلية)، مع التخطيط لافتتاح جامعتين إضافيتين لتصل إلى 11 جامعة".
وأوضح كشيش، أن "المحافظة شكلت، ولأول مرة، (اللجنة العليا للتربية والتعليم العالي) برئاسة النائب الأول وإشراف المحافظ، والتي تولت التنسيق المباشر لتلبية معايير المنظمة الدولية، مما جعل ذي قار اليوم محط استقطاب أكاديمي للطلبة من أنحاء البلاد كافة".
وفي سياق متصل، بيّن رئيس جامعة ذي قار، كمال حامد، أهمية هذا المنجز قائلاً: "دخول الناصرية ضمن شبكة الـ 400 مدينة عالمية يمنح المحافظة دوراً ريادياً في صياغة السياسات التعليمية بالتعاون مع الجامعة، حيث ستكون هناك برامج ومناهج مشتركة برعاية اليونسكو".
وأشار حامد إلى، أن "الفوائد المتوخاة تشمل ضمان حصول جميع الأطفال على التعليم ودعم الابتكار في المجالات التعليمية كافة وتبادل الأفكار التعليمية مع المدن العالمية المنضوية في الشبكة، بما يسهم في رفع جودة التعليم في المحافظة بشكل ملموس".
تساؤلات مفتوحة حول المرحلة المقبلة
رغم الإشادة الواسعة بالإنجاز، يطرح مراقبون مجموعة أسئلة مشروعة حول مستقبل هذه العضوية، منها: كيف ستُترجم هذه العضوية إلى برامج ملموسة على أرض الواقع؟، هل ستنعكس النتائج بسرعة على المدارس والجامعات؟، ما حجم التمويل والدعم الدولي المتوقع؟، هل ستستفيد باقي المحافظات من تجربة ذي قار؟
وفي النهاية، يمثّل انضمام مدينة الناصرية إلى شبكة مدن التعلّم" العالمية التابعة لليونسكو خطوة غير مسبوقة للعراق، ويضع محافظة ذي قار في موقع متقدم ضمن مشهد التعليم المستدام عالميًا.
وبين الدعم الحكومي، والجهود الأكاديمية، وترحيب المنظمة الدولية، يبقى التحدي الأكبر متمثلًا في تحويل هذا الاعتراف الدولي إلى نتائج ملموسة تمس حياة الطلبة والمواطنين، وتفتح نافذة أوسع لتجربة عراقية جديدة في ميدان "التعلم مدى الحياة".
