ثورة تربوية "مرتقبة" في العراق.. كل ما تريد معرفته عن مشروع "الصف المبكر"
انفوبلس/ تقرير
في خطوة وُصفت بأنها "حجر الزاوية" لإصلاح النظام التربوي العراقي، تستعد وزارة التربية لإطلاق واحد من أضخم مشاريعها التعليمية تحت مسمى "الصف المبكر". هذا المشروع، الذي يحظى بدعم مباشر من رئاسة الوزراء، يهدف إلى إعادة صياغة العلاقة بين الطفل والمدرسة، وتهيئة جيل جديد من التلاميذ متسلحين بالمهارات النفسية والاجتماعية قبل الولوج إلى المرحلة الابتدائية الإلزامية.
عام 2026: نقطة الانطلاق الكبرى
أعلنت وزارة التربية رسمياً أن العام الدراسي (2026 - 2027) سيكون الموعد الفعلي لتطبيق مشروع "الصف المبكر" في المدارس الحكومية والأهلية على حد سواء. ويأتي هذا التوقيت لمنح المؤسسات التربوية فرصة كافية لاستكمال التحضيرات اللوجستية والفنية.
وأفاد المتحدث الرسمي باسم الوزارة كريم السيد، بأن (الصف المبكر)، يُعد من أهم المشاريع التي ستدعم الجانب التعليمي والاجتماعي والنفسي للأطفال قبيل دخولهم للمدرسة تمهيداً للتسجيل بمرحلة الأول الابتدائي.
وكشف عن التنسيق مع المنظمات الدولية للتعاون بتنفيذ المشروع الذي سيسهم كثيراً بتهيئة الأطفال دون سن الإلزامي، نفسياً وتعليمياً للالتحاق بالدراسة، عاداً مدة ما قبل المدرسة، أهم المراحل العمرية التي ستزيد شغف الطفل ورغبته بالتعلم والدخول إلى المدرسة، ما سيقلل من حالات التسرب.
وأفاد بأن وزارة التربية وجهت بأن يكون الصف المبكر معزولاً عن باقي الصفوف ويكون مميزاً، ومعززاً بساحة خاصة للأطفال تحتوي على الألعاب، إضافة إلى تهيئة ملاكات تربوية خاصة لهذه الصفوف، تتلاءم والفئة العمرية للأطفال الذين سيتم استقطابهم في هذه الصفوف.
يذكر أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وجه في آذار /مارس الماضي، وزارة التربية بافتتاح صفوف للتعليم المبكر (التمهيدي)، للأطفال من أعمار 4- 6 سنوات.
من جانبه، أوضح المشرف الإداري الأقدم الأول في تربية الرصافة الأولى حيدر طاهر جاسم، أن المشروع، يأتي لتعويد الأطفال على البيئة المدرسية وقوانينها ومساعدتهم بالاندماج مع التلاميذ، لاسيما بعد رصد نفور وتخوف للأطفال مؤخراً، من الاندماج بالمجتمع المدرسي.
وذكر أن الصف المبكر بالمدارس، سيعمل كساند لعمل رياض الأطفال من أجل التنمية الذاتية للطفل، مشيراً إلى أن المشروع سترافقه عملية توعية للمجتمع لتعريف الأهالي بالصفوف المبكرة وكيفية التسجيل بها من خلال الإدارات المدرسية أو وسائل الاتصالات ومنظمات المجتمع المدني.
شمول المدارس الأهلية
في قرار حاسم، أعلنت وزارة التربية، الثلاثاء الماضي، شمول المدارس الأهلية في جميع المحافظات العراقية، باستثناء إقليم كردستان، بفتح صفوف التعليم المبكر، وفق ضوابط وشروط محددة، وذلك استنادًا إلى قرار مجلس الوزراء وبما ينسجم مع المعايير الوطنية والدولية المعتمدة في هذا المجال.
وذكرت الوزارة في بيان صادر عن المديرية العامة للتعليم العام والخاص والأجنبي، أن هذه الخطوة تأتي انطلاقًا من أهمية المراحل الأولى في حياة الطفل، ودورها في تنمية قدراته الذهنية والمعرفية، وبهدف توحيد السياسة التربوية وتحقيق مخرجات تعليمية متقاربة بين المدارس الحكومية والأهلية.
وأوضح البيان أن تطبيق صفوف التعليم المبكر في المدارس الأهلية يخضع لإشراف مباشر من المديرية العامة للتربية في كل محافظة، مع الالتزام الكامل بالشروط المعتمدة، من بينها توفير بيئة صفية مناسبة في الطابق الأرضي، وعدم تجاوز عدد الأطفال في الصف الواحد (25) طفلًا، إضافة إلى تجهيز الصفوف بالألعاب والوسائل التعليمية الملائمة لأعمار الأطفال.
وأشار إلى ضرورة التزام المدارس الأهلية بتوفير ملاكات تعليمية مؤهلة، وفتح سجلات رسمية للطلبة، واعتماد المناهج المعتمدة من وزارة التربية، فضلاً عن الالتزام بضوابط القبول والأعمار المحددة.
وأكدت الوزارة أن أي مدرسة أهلية تخالف التعليمات أو الشروط الواردة في البيان، ستتحمل المسؤولية القانونية، داعية إدارات المدارس الراغبة بفتح صفوف التعليم المبكر إلى مراجعة المديريات العامة للتربية لاستكمال الإجراءات الرسمية.
التعليم المبكر: منظور تربوي ونفسي
وتابعت "انفوبلس" الموضوع مع مجموعة من المختصين في التربية وعلم النفس، للوقوف على أثر هذه الخطوة على العملية التعليمية ومستقبل الأطفال.
الدكتورة إيمان حسن جعدان، الأستاذة في جامعة بغداد، كلية التربية ابن رشد، تحدثت عن هذه الموضوعة قائلةً: "التعليم المبكر يساعد الأطفال على تنمية مهاراتهم اللغوية والمعرفية، ويسهم في تحسين مستوى التحصيل الدراسي"، مشيرةً إلى "وجود الكثير من الأطفال في العراق ممن يدخلون المدارس الابتدائية دون خبرة تعليمية سابقة، ما يجعل بينهم، كطلبة، تفاوتاً في المستوى التحصيلي".
وتقول إن التعليم المبكر للجميع يقلل من هذا التفاوت، موضحةً أن "التعليم المبكر يساعد التلاميذ على تطوير مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي، ويعزز الثقة بالنفس، فضلاً عن أن الأطفال الذين لديهم خبرة تعليمية سابقة، يكون لديهم ارتباط قوي بالمدرسة، ما يسهم بتقليل نسب التسرب في المراحل الدراسية اللاحقة".
وأضافت أن “هذه الخطوة تهيئ الأطفال نفسياً وتعليمياً قبل دخول الصف الأول الابتدائي، وتعزز حب التعليم لديهم من خلال الأنشطة التفاعلية عبر مناهج مبسطة يقدمها المعلم، الذي يكون مدرباً على التعامل مع الطفولة المبكرة"، موضحةً أن "هذا الموضوع يحتاج إلى توعية الأسرة بأهمية التعليم المبكر، وأثره في مستقبل الأطفال من أجل بناء أساس قوي لهم، وتقوية مهاراتهم في القراءة والرياضيات".
تحفيز عقلي
المتخصصة في علم نفس النمو، الدكتورة غادة علي هادي آل هاشم، مديرة الوحدة التربوية لدراسات السلام وحقوق الإنسان في جامعة بغداد، ساندت التوجيه، واصفةً إياه بالضروري، لما له من فوائد كبيرة، مبيّنةً أن "هذه المرحلة من العمر، يكون فيها الدماغ في أقصى حالات نموه، ومستعداً لاكتساب مهارات أساسية في التعليم المبكر، إضافة إلى تحفيزه النمو العقلي والمعرفي للطفل، بما ينمي مهارات التفكير وحل المشكلات والاستكشاف بطريقة مرنة، فضلاً عن مساعدته الأطفال على تعلم كيفية التفاعل مع الآخرين، مثل المشاركة معهم في الألعاب".
وأضافت آل هاشم، "هذه الخطوة تسهل تحضير الطفل أكاديمياً للمدرسة الابتدائية، وتجعل الانتقال إلى الصف الأول أكثر سهولة، بعد اعتياده على بيئة الصف والتعليم المنظم، كما أنها تقلل من الخوف أو القلق المرتبط بالدخول إلى المدرسة لأول مرة"، مشددةً على "ضرورة أن يكون التعليم المبكر مرناً وممتعاً، دون أي ضغط، لأن الضغط الزائد قد يجعل الطفل يشعر بالإجهاد والنفور من التعليم، وأن تكون بيئة التعلم مناسبة لعمر الطفل، تعتمد على اللعب والتفاعل".
إلزامية التعليم
أما الدكتورة صبا حامد، المتخصصة في طرائق تدريس اللغة العربية، جامعة بغداد، فأشارت إلى وجود مراحل تمهيدية تعليمية في العراق، ضمن مرحلة رياض الأطفال، للأعمار من (4 – 6) سنوات، تشرف عليها وزارة التربية، هدفها إعداد الطفل قبل دخوله المرحلة الابتدائية، مستدركةً: "لكن لا تتوافر رياض أطفال حكومية في جميع مناطق العراق"، موضحةً أن الاقبال عليها، إن وجدت، يكون ضعيفاً، عازيةً السبب إلى كونها مرحلة غير إلزامية، أو لضعف الحالة الاقتصادية للعائلة، منوهةً بأن اقرار إلزامية مرحلة التمهيدي، كجزء أساس في النظام التعليمي، سيضمن إفادة جميع الأطفال منها.
في حين أوضح الدكتور عدي عبد شمخي، أستاذ فلسفة التربية وعلم النفس التربوي، إمكانية الكلية التربوية المفتوحة بتقديم المساعدة في هذا التوجيه، وذلك عن طريق إقامة الدورات والورش لتطوير وتنمية المعلمين في جميع ما سبق ذكره، منوهاً بأن طلبة الكلية التربوية المفتوحة هم في الأصل معلمين في المراحل الأساسية من التعليم، ويدرسون من أجل الحصول على شهادة البكالوريوس، مشيراً إلى إمكانية تضمين مناهج خاصة لذلك في الأقسام كافة، في جميع الاختصاصات.
وأضاف، "التعليم التمهيدي يحتاج إلى استعداد، فهو ليس مجرد لعب أو قضاء وقت، بل إنه استثمار في مستقبل الطفل، ويبني أساساً متيناً للنمو الشامل، كما يُقلل من الفجوات التعليمية، ما ينعكس إيجاباً على الفرد والمجتمع ككل"، مبيّناً أن الدول التي تُركز على هذه المرحلة، تُسجل عادةً معدلات أعلى في جودة التعليم والتنمية البشرية.
فيما عدّ أبو قاسم، ولي أمر أحد الطلبة، الخطوة بأنها إيجابية، تسهم باعتياد الأطفال على الجو الدراسي، وسرعة التعلم، وتحسين لغتهم الأصلية، ما ينمي لديهم التفكير الإبداعي، ويعزز التفاعل مع الآخرين من خلال المشاركة والاستجابة.
وفي النهاية، يمثل مشروع "الصف المبكر" خطوة نوعية في تطوير التعليم العراقي، وتهيئة الأطفال للمرحلة الابتدائية بأسلوب علمي ومنهجي، يعزز من قدراتهم التعليمية والاجتماعية والنفسية. ويأتي هذا المشروع استجابة لتوجيهات الحكومة، ودعماً لرؤية وزارة التربية في تحسين جودة التعليم، والارتقاء بمستوى الطفل العراقي، وتحقيق توازن في فرص التعلم بين جميع الأطفال، بما يضمن إعداد جيل قادر على مواجهة التحديات المستقبلية بكفاءة عالية.
وتؤكد آراء الخبراء وأولياء الأمور أن هذه المرحلة التمهيدية أساسية لضمان نجاح التعليم في المراحل اللاحقة، وأن الاستثمار فيها يعكس رؤية استراتيجية لتعزيز جودة التعليم، وتقليل الفجوات المعرفية، وتهيئة الأطفال لمستقبل أفضل، سواء على الصعيد الأكاديمي أو الاجتماعي والنفسي.
وبهذا، يمثل الصف المبكر حجر الزاوية في بناء قاعدة تعليمية متينة، تؤسس لتعليم شامل ومتكامل، يعكس اهتمام العراق بتطوير منظومته التعليمية وفق المعايير الدولية، ويراعي احتياجات الأطفال النفسية والاجتماعية في المراحل العمرية المبكرة.
كما أن مشروع "الصف المبكر" الذي انطلق بتوجيه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ليس مجرد إجراء إداري، بل هو استثمار في "رأس المال البشري". العراق اليوم أمام فرصة تاريخية لردم الفجوات التعليمية وتقليل نسب التسرب التي أرهقت الميزانيات والخطط التنموية. نجاح المشروع مرهون بجدية التنفيذ، واستدامة التمويل، وقدرة وزارة التربية على فرض المعايير بصرامة، ليكون عام 2026 بداية لعهد تربوي جديد يعيد للعراق ريادته التعليمية في المنطقة.


