رصاص حي على متظاهري البصرة: نائب وحمايته يُشعلون "غضب" الشارع العراقي.. من هو؟
انفوبلس/ تقرير
شهدت محافظة البصرة، اليوم الأحد 28 أيلول/ سبتمبر 2025، حادثة "مقلقة" أثارت موجة من الغضب والاستنكار بين المواطنين والناشطين المدنيين، بعد إطلاق رصاص حي على مجموعة من المتظاهرين السلميين أمام بوابة شركة نفط البصرة.
جاءت الواقعة وسط احتجاجات مستمرة منذ أشهر من قبل خريجي الجامعات والاختصاصات الهندسية والنفطية، مطالبين بحقوقهم في التعيين وتحسين أوضاعهم الوظيفية. وقد سلط هذا الحادث الضوء مجدداً على التحديات الأمنية والحقوقية في المحافظة، وفتح نقاشاً حاداً حول حماية حرية التعبير وحق التجمع السلمي.
ماذا حدث في البصرة بالضبط؟
تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، مقاطع فيديو توثق الواقعة، - بحسب رصد شبكة انفوبلس -يظهر فيها مجموعة مسلحة ترتدي ملابس سوداء اللون وتترجل من سيارات دفع رباعي سوداء، قبل أن تطلق النار فوق رؤوس المتظاهرين، في محاولة لتخويفهم وإجبارهم على الانسحاب من المكان. في حين حاولت سيارة مماثلة دهس تلك المجموعة.
وتأتي هذه الحادثة في ظل تصاعد التوتر بمدينة البصرة، بعد تفريق قوات حكومية لتظاهرات نظمها العشرات من خريجي الهندسة والاختصاصات النفطية، مطالبين بتوفير فرص عمل وأجور يومية داخل الشركات الرابحة التابعة لوزارة النفط. وتشير المصادر إلى أن إطلاق النار جاء بعد مرور مركبات يستقلها مسلحون قرب موقع التظاهرة، حيث أقدم المسلحون على إطلاق الرصاص في الهواء لتفريق المحتجين.
وأفادت المصادر الأمنية لشبكة "انفوبلس"، أن السيارات غادرت المكان إلى جهة مجهولة، ولم يتم التأكد بعد من وجود إصابات بين المتظاهرين، الذين شملوا كلا الجنسين.
بينما، قال شهود عيان إن "المهندسين كانوا ينفذون وقفة احتجاجية للمطالبة بتثبيتهم على الملاك الدائم وتحسين أوضاعهم الوظيفية، حين مرت مركبات يستقلها مسلحون في المحافظة بالقرب من موقع التظاهرة"، مشيرا إلى أن "المسلحين بادروا إلى إطلاق النار في الهواء بشكل مفاجئ لتفريق المحتجين". فيما عبر المتظاهرون عن استنكارهم الشديد لما وصفوه بـ"الاستخدام المفرط للقوة ضد الكفاءات الهندسية التي تطالب بحقوقها المشروعة".
وأكد المتظاهرون أنهم ينفذون وقفات احتجاجية منذ أكثر من سبعة أشهر، مطالبين بالتثبيت على الملاك الدائم وتحسين أوضاعهم الوظيفية، خاصة بعد التخرج من الجامعات والحصول على شهادات تخصصية في مجالات النفط والهندسة.
وأضاف الناشط المدني وممثل المظاهرات حسن الشاوي، أن المسؤولين لم يزوروا الموقع للاستماع لمطالبهم، وعندما حاولوا التواصل مع بعض النواب والمسؤولين، استقبلوا إطلاق النار من حمايتهم بدلاً من الحوار. وقال إن "حكومة البصرة أثبتت قدرتها على تشتيت الشباب والبنات وإفراغ المظاهرات عبر الرصاص الحي الذي كاد أن يودي بحياة أحد المحتجين لكنها في المقابل عاجزة عن توفير أبسط حقوق الخريجين وفرص عمل تليق بالشهادات التي يحملونها".
وتابع الشاوي أن "هذا المشهد استهتار بأرواح البصريين وهيمنة تامة للأحزاب على القرار المحلي"، مبيناً أن "ما جرى يمثل مهزلة حقيقية وإهانة لشباب البصرة الذين لم يطلبوا سوى فرصة عمل داخل الشركات النفطية"، مؤكداً أن "المتظاهرين ماضون في حراكهم حتى لو كلفهم ذلك حياتهم من أجل أن يعيشوا بكرامة في بلد يتعرض للإهانة".
وبحسب مصدر أمني، فإن المهندسين المتظاهرين في البصرة أقاموا دعاوى قضائية رسمية بحق النائب أسعد البزوني – عضو ائتلاف دولة القانون - وأفراد حمايته، وذلك على خلفية حادث إطلاق النار عليهم أمام المركز الثقافي النفطي وسط المحافظة. وأوضح المصدر لـ"انفوبلس"، أن "الدعاوى وُجّهت ضد النائب البزوني وحمايته بعد أن قام أفراد الحماية بإطلاق النار والاعتداء على المتظاهرين وصدم عدد منهم بمركباتهم أثناء الاحتجاج".
أثارت الحادثة جدلاً واسعاً في الأوساط المدنية والإعلامية في العراق، حيث انتقد ناشطون سياسات التمييز والهيمنة الحزبية على القرارات المحلية، معتبرين أن استخدام القوة المفرطة ضد الشباب يمثل تهديداً مباشرًا لأمن المجتمع وسلامة المواطنين. كما أكد المتابعون على ضرورة تعزيز ثقافة الحوار وحماية الحق في التظاهر السلمي، وعدم استخدام العنف لفض الاحتجاجات.
شرطة البصرة
أصدرت قيادة شرطة محافظة البصرة، توضيحاً حول إطلاق رصاص حي ضد متظاهرين أمام بوابة شركة نفط البصرة. وذكرت في بيان ورد لشبكة "انفوبلس"، إنه "أثناء إقامة حفل تأبيني في دائرة النفط بحضور عدد من الشخصيات السياسية والثقافية والدينية، تواجد عدد من المتظاهرين خارج المكان، وأثناء خروج إحدى الشخصيات، قام عدد من أفراد حمايته بإطلاق عيارات نارية في الهواء".
وأضاف البيان: "وقد اتخذت قيادة شرطة محافظة البصرة الإجراءات القانونية اللازمة بتسجيل شكاوى المتظاهرين الذين تقدموا بدعوى قضائية ضد مطلق النار، مؤكدةً "حرصها على حماية أرواح المواطنين والحفاظ على الأمن والنظام العام".
كما قال عقيل الفريجي رئيس اللجنة الأمنية في البصرة أن "ما حدث اليوم يعد خرقاً أمنياً خطيراً يستوجب التحقيق الفوري"، مؤكداً أن "اللجنة ستعمل على محاسبة جميع المقصرين سواء كانوا من الجهات الحكومية أو من أي جهة أخرى"، مبيناً أن "حماية أرواح المتظاهرين السلميين تندرج ضمن مسؤوليات الدولة التي لا يمكن التهاون بها"، مؤكداً أن "التظاهرة مستمرة منذ وقت طويل وتحت حماية ورعاية القوات الأمنية، ولم يحدث أن يحصل حادث اعتداء عليهم".
يظل التحدي الأكبر أمام الحكومة المحلية والأجهزة الأمنية في البصرة – بحسب خبراء تحدثوا لشبكة "انفوبلي" -هو تحقيق توازن بين حماية الأمن العام وضمان حرية التعبير وحق التجمع السلمي، وهو ما يتطلب إصلاحات حقيقية وإجراءات عملية لتجنب تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً.
مطالب بالتحقيق العاجل
طالب مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة، اليوم الاحد، بإجراء تحقيق عاجل بتعرض متظاهرين في المحافظة، إلى إطلاق نار عشوائي. وقال مدير مكتب حقوق الإنسان بالبصرة، مهدي التميمي، إنه "نطالب بالتحقيق العاجل في الانتهاكات التي تعرض لها المتظاهرين أمام شركة النفط من المهندسين والعلوميين والاختصاصات النفطية، نتيجة إطلاق نار عشوائي".
وأضاف أن "الحادث يدعو إلى التوقف أمامه بقوة والعمل على محاسبة المسؤولين عنه"، مبينا أن "المكتب يكرر مطالبه بحماية المتظاهرين والحريات التي كفلها الدستور، ويدعو مجلس المحافظة والسلطة التنفيذية إلى فتح حوار بناء واستماع فاعل لمطالب جميع سكان البصرة، بما يضمن تحقيق مطالبهم المشروعة دون اللجوء إلى التظاهر، ووقف أي شكاوى تُرفع ضد المدافعين عن حقوقهم، وبذل المزيد من حماية الحق في التجمع والتعبير".
وشدّد التميمي على أن "حماية المتظاهرين وضمان حرية التعبير من الأولويات التي يجب صيانتها، وضرورة مساءلة أي جهة تنتهك هذه الحقوق ووضع آليات فعّالة لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً".
في النهاية يمكن القول، إن حادثة إطلاق النار على المتظاهرين في البصرة تجسد واقع التحديات الكبيرة التي تواجه حرية التعبير وحق التجمع السلمي في المحافظة، وتبرز الحاجة الملحة لتعزيز المساءلة وحماية المواطنين من أي تجاوزات. ومع استمرار الاحتجاجات المشروعة والمطالبة بحقوق عادلة، يظل الدور الأساسي للسلطات الأمنية والحكومية ضمان سلامة المتظاهرين، وتهيئة بيئة آمنة للحوار البناء.
فمستقبل البصرة وكرامة سكانها مرتبطان بقدرة الجهات الرسمية على احترام الحقوق المدنية، ومعالجة الانتهاكات، وتوفير فرص العمل والخدمات التي تساهم في استقرار المدينة وتعزيز الثقة بين المواطنين والدولة.

