قانون الجنسية رقم 42 لسنة 1924 وأثره الكارثي على العراق.. هكذا تم التمييز بين أبناء الشعب على مدى قرن من الزمن
انفوبلس/..
صدور قانون الجنسية العراقية رقم (42) لسنة 1924 بتأريخ 6/8/1924 كان حدثا مهما في تاريخ العراق، لكنه ارتكز على معيار عنصري بغيض في تحديد الأصل الأجنبي والرعوية في اكتساب الجنسية العراقية، مما جعل المواطنين جميعاً أجانب ومشكوكاً بهويتهم وولائهم وانتمائهم إلى البلد والأرض التي تمتد إلى جذور التأريخ والحضارات العريقة.
فصدر قانون الجنسية العراقية رقم (42) لسنة 1924 النافذ بأثر رجعي من تأريخ دخول معاهدة لوزان حيّز التطبيق في 6/8/1924 ونُشِر في جريدة الوقائع العراقية العدد (232) والمؤرَّخ في 21/10/1924، إذ نصّت المادة (30) من المعاهدة "بأن الرعايا المقيمين في إقليم مُنسلخ عن تركيا وبموجب أحكام هذه المعاهدة يصبحون حكماً رعايا الدولة التي ينقل إليها ذلك الإقليم"، نتيجةً لمراعاته المصالح الدولية السائدة آنذاك وبشكل مُناقض لحقوق المواطنة المبيّنة في الدستور الملكي (القانون الأساسي العراقي لعام/1925)، ورسّخ إلى التفرقة الفئوية بين مكونات الشعب العراقي عنصرياً إلى درجتين (الأولى، والثانية).
وتم تسجيل المواطنين وفقاً لمعيار الأصل والتبعيّة، واعتبر العثماني عراقيّاً رغم انتمائه إلى تركيا العثمانية، وأصبح المواطنون الأُصلاء من الكرد الفيليين أجانب، خلافاً للمادة (6) من القانون الأساسي العراقي والتي بيّنت بأنه (لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون، وأن اختلفوا في القومية والدين واللغة).
جنسية التأسيس
جنسية التأسيس هي الجنسية التي تُفرض أو تُختار عند تأسيس الدولة أو تُبدّل السيادة على الإقليم، كما في حالة انفصال الدول العربية ومنها العراق عن الدولة العثمانية على وفق معاهدة لوزان في 24 تموز 1923، وتعتبر هذه المعاهدة السند القانوني لجنسية التأسيس في الدول العربية ومنها جنسية التأسيس العراقية.
وتعتبر جنسية التأسيس أول جنسية عراقية ارتبطت بقيام الدولة العراقية ونظّمت الأحكام التي تُحدِّد الأشخاص الذين تُفرض عليهم هذه الجنسية، وهي جنسية وقتية ومهمه جدا في بداية نشوء الدولة، وتقلّ هذه الأهمية بمضيّ المدة لأن أحكامها انتقاليّةً طُبِّقت خلال فترة انتقال معينة، وهي فترة تكوين الدولة العراقية.
وعلى الرغم من أنها وقتية وانتقالية إلا أنها تُعدّ الأساس القانوني الذي بُنيَت عليه أحكام الجنسية العراقية لاحقاً، ونجد أن المادة (2) من قانون الجنسية العراقي النافذ رقم 26 لسنة 2006 أشارت على اعتماد جنسية التأسيس كونها نصّت على: "يُعتبر عراقيَّ الجنسية كل من حصل على الجنسية العراقية بموجب أحكام قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924". و هذا القانون هو أول قانون نظّم أحكام الجنسية العراقية، ويفرض جنسية التأسيس على أساس سكن العثماني في العراق وتوظُّف العثماني في الحكومة العراقية، وبموجبه أيضا سمح المشرِّع العراقي باختيار جنسية التأسيس على أساس ولادة العثماني في العراق وإن لم يكن ساكناً فيه عادةً.
مشكلة الكرد الفيلية
بموجب هذا القانون فإن من كان من التبعيّة العثمانية فهو يُمنح الجنسية من فئة (أ) أي عراقي بالتأسيس، وتم اعتبار بقية العراقيين غير عراقيين ولكن لهم حق التجنس ومُنِحوا الفئة (ب)،
بدأت المشكلة مع الكرد الفيلية مع بداية الدولة العراقية عندما نُصِّب الأمير فيصل عام 1921، ملكا على العراق، حيث سنَّ قانون الجنسية الأول وفي هذا القانون وضع لغما كبيرا فهو يطلب شهادة الجنسية، ويقسّم الجنسية إلى درجتين (أ ، ب).
وبموجب هذا القانون فإن من كان من التبعيّة العثمانية فهو يُمنح الجنسية من فئة (أ) أي عراقي بالتأسيس، وتم اعتبار بقية العراقيين غير عراقيين ولكن لهم حق التجنس ومُنِحوا الفئة (ب)، ومن هنا بدأت بذرة التمييز العُنصري واتخذت شكلا متصاعدا في تاريخ الدولة العراقية.
أما القانون الثاني فقد شُرِّع عام 1963 بمجيء حزب البعث إلى السلطة، حيث وضع فيه قيودا وضوابط ثقيلة لمنح الجنسية العراقية، بموافقة وزير الداخلية، بمعنى أن الجنسية أصبحت تتعلق بالأمن العام القومي والسياسة، خارج دائرة القانون، وبالتدريج جرت حملة تهجير للأكراد الفيلية.
المأساة مستمرة
لا يبدو بأن المشهد تغيّر على الرغم من تلك السنوات العجاف التي لحقت بالكرد الفيلية في العراق منذ عهد تأسيسه الأول وقانون الجنسية العراقية رقم (42) لسنة 1924 الذي اعتبر بموجبه الكرد الفيلية مواطنين من الدرجة الثانية، حتى و إن ثبت أنهم يسكنون العراق منذ مئات السنين بحسب تأريخ العراق القديم ووجودهم فيه، ولم يختلف التعديل الثاني للدستور الملكي الذي أتى مناقضاً لنفسه بصدور قانون رقم (69) لسنة 1943 إذ عُدِّلت بموجبه الفقرة (1) من المادة (30) من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 الذي حرم بموجبه الكرد الفيلية في حق التمثيل الرسمي في مجلس النواب والأعيان.
لتتصاعد تباعا وتتأزم مشكلة الكرد الفيليين التي بدأت بتسفيرهم على شكل دفعات منذ مطلع السبعينيات والثمانينيات نتيجة لاشتراكهم الفعلي في الحركات التحررية الكردية في إقليم كردستان والحركات الوطنية العراقية عموماً لنيل الحقوق كمواطنين بشعور سلبته أعراف السلطات المتتابعة في العراق وحكمت عليه سلطة البعث منذ توليها أولى فترات الحكم لتقتل وتهجّر أكثر من مليون ونصف المليون مواطن فيلي من دون ذنب يتعدّى حلم العيش بكرامة لا أكثر .
مأساة الكرد الفيلية في العراق وعلى الرغم من تبدل المسميات والسلطات وصولا إلى العراق الديمقراطي الجديد الذي تأسس بعد عام 2003 لم ينصفهم ولم ينصف حقوق شهدائهم وما لحق بهم في نقرة السلمان أو في تلك المقابر الجماعية التي لم يشهد لها مثيل .... كما أن المُهجَّرين منهم حتى هذه اللحظة مازالوا يبحثون عن حقوقهم المسلوبة وعلى أقل تقدير مئات العقارات التي جردتها منهم أحكام الدولة قبل عام 2003 والتي مازالت حتى الآن تبحث عن قانون يُعيد للكرد الفيلية جزءا من تلك الحقوق الضائعة كحال الهوية المسلوبة.
أما عن التمثيل المكوّناتي في البرلمان العراقي في عصر الديمقراطية والدستور فمازال هو الآخر خجولا ولا يعكس حجم المأساة التي تعرّض لها أكثر من مليون ونصف المليون مواطن كوردي فيلي كُتِب عليه القتل أو التهجير والنزوح.