قرارات التربية في دهاليز السياسة.. كيف تحولت الامتيازات الدراسية إلى أوراق انتخابية قبيل اقتراع تشرين؟
انفوبلس..
في خضم الأجواء الانتخابية المتوترة التي تسبق اقتراع الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2025، برزت وزارة التربية العراقية في صدارة المشهد بقرارات متلاحقة أثارت موجة واسعة من الجدل. فقد صوتت هيئة الرأي في الوزارة على سلسلة إجراءات تتعلق بالطلبة والتلاميذ، من بينها فتح باب الاستضافة بين المدارس الصباحية والمسائية، إعادة نظام الانتساب لطلبة المتوسطة والإعدادية، إيقاف شرط المعدل في مدارس الموهوبين، إضافة درجتين للطلبة في المراحل غير المنتهية، واعتماد أدوار إضافية “تكميلي وثالث” لطلبة المراحل المنتهية.
هذه القرارات، على الرغم من أنها تبدو للوهلة الأولى “تعليمية بحتة” وتهدف إلى تخفيف الضغوط الدراسية، إلا أنها جاءت دفعة واحدة، وبشكل غير مسبوق، وفي توقيت حساس يتزامن مع العد التنازلي للانتخابات البرلمانية. وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول نوايا الوزير إبراهيم نامس الجبوري، المعروف بانتمائه إلى تحالف العزم بزعامة مثنى السامرائي، وحول استخدام هذه الامتيازات كأوراق ضغط واستمالة انتخابية.
سياسات "المكافآت المجانية" في موسم انتخابي
من الناحية الشكلية، قد يعتبر البعض أن وزارة التربية تنحاز للطلبة، وتضع مصلحتهم في الصدارة. لكن من الناحية السياسية، لا يمكن إغفال السياق العام. إذ أن العراق مقبل على انتخابات مصيرية، ومعظم القوى السياسية تسعى إلى كسب الشارع بشتى الطرق. وبالتالي، فإن قرارات “تخفيف الضغط” على الطلبة تتحول إلى ما يشبه المكافآت المجانية التي تمنحها الوزارة كرسالة انتخابية مبطنة: “صوتوا لنا، فنحن من نخفف معاناتكم”.
فقرار السماح بالانتساب وإضافة الدرجات الاستثنائية وفتح أدوار إضافية للراسبين، كلها تعكس نمطًا من “المحاباة الشعبية” التي تستهدف ملايين العوائل العراقية، باعتبار أن التعليم يمس كل بيت تقريبًا. وبما أن الانتخابات قريبة جدًا، فإن قراءة هذه القرارات بمعزل عن البعد السياسي تبدو ضربًا من السذاجة.
تحالف العزم على خط التربية
الوزير إبراهيم نامس الجبوري لا يمثل نفسه فقط، بل يعكس توجهات تحالف العزم الذي يقوده مثنى السامرائي. هذا التحالف، الذي يبحث عن تعزيز رصيده الانتخابي في المناطق السنية تحديدًا، يدرك أن السيطرة على ملف حساس كالتربية يمنحه نفوذًا كبيرًا في الشارع.
هنا يظهر دور الوزير كأداة سياسية أكثر من كونه شخصية تكنوقراطية. فبدلًا من أن تُدار العملية التربوية بمعايير مهنية وتعليمية صِرفة، باتت القرارات تتخذ على أساس “ماذا يكسب التحالف من الناحية الانتخابية؟”.
إلى جانب ذلك، فإن وزارة التربية لم تقدم مبررات علمية كافية حول الأثر التربوي لهذه الإجراءات. فإضافة درجتين أو فتح أكثر من دور للراسبين قد يساهم في رفع نسب النجاح، لكنه يضعف المستوى التعليمي على المدى الطويل. وهو ما يثير سؤالًا: هل كان الهدف فعلاً دعم العملية التعليمية، أم مجرد رفع شعبية الوزير وتحالفه السياسي؟
المخاطر على التعليم
لكن على الجانب الآخر، فإن هذا النمط من القرارات يفرغ التعليم من محتواه الأكاديمي، ويجعل النجاح مجرد ورقة سياسية بيد الأحزاب. فالتربية تتحول من مؤسسة وطنية إلى منصة لتوزيع الهدايا الانتخابية. والطالب بدلاً من أن يسعى للجد والاجتهاد، يترقب “ماذا ستقرر الوزارة في موسم الانتخابات القادمة”.
هذا يخلق ثقافة خطيرة تقوم على الاتكالية وانتظار الاستثناءات، بدلًا من ثقافة المنافسة والعمل الجاد. وبمرور الوقت، سيكون لذلك أثر كارثي على مستوى التعليم في العراق، الذي يعاني أساسًا من تراجع عالمي في مؤشرات الجودة.
لا يمكن إنكار أن قرارات وزارة التربية الأخيرة أدخلت البهجة على آلاف الطلبة وعوائلهم، لكن السؤال الأعمق يظل قائمًا: هل كانت هذه الخطوات لصالح التعليم حقًا، أم لصالح صندوق الاقتراع؟
ومع اقتراب 11/11/2025، تبدو هذه القرارات أقرب إلى حملة انتخابية غير معلنة يقودها وزير التربية إبراهيم نامس الجبوري تحت راية تحالف العزم، أكثر من كونها رؤية إصلاحية حقيقية للنظام التعليمي العراقي.
