كم يُنفق العراقيون على السياحة العلاجية خارج البلاد؟.. تعرّف على تفاصيل هجرة شراء الصحة
انفوبلس/ تقارير
يتزاحم العراقيون بشكل غير مسبوق على الرحلات العلاجية المتجهة نحو تركيا والهند وإيران والأردن ولبنان على وجه التحديد، تزامناً مع التراجع المتزايد في الخدمات الصحية والطبية في البلاد، وتصاعد فضائح ملفات الفساد بين آونة وأخرى في وزارات الدولة ومنها وزارة الصحة، لدرجة وصل إنفاق العراقيين على العلاج في الهند فقط 700 مليون دولار خلال 3 أعوام، فما هي أسباب الهجرة العلاجية للخارج؟ وكيف يمكن الحد منها والنهوض بالواقع الصحي في البلاد؟.
*هجرة علاجية إلى الهند
حازم الناصري مواطن عراقي أُصيب بالسرطان في الكتف، وأخبروه في العراق أن عليه الخضوع لعملية بتر الذراع بالكامل، وأُجبر على بيع ممتلكاته وتوجه إلى الهند حيث تلقى العلاج، من دون أي بتر، وشُفي ليعود إلى عمله من جديد.
يقول الناصري، إنّ "الأطباء في العراق عجزوا عن معالجتي، وقرروا بتر ذراعي من الكتف، لكنّ أحد أقربائي نصحني بالذهاب إلى الهند، وفعلاً قمتُ ببيع بعض ممتلكاتي وسافرت إلى الهند وهناك خضعتُ للعلاج لمدة ثلاثة أشهر، وأخبرني الأطباء الهنود بأن حالتي لم تكن تستوجب البتر إطلاقا".
وأضاف، "المشكلة تكمن بأنّ المستشفيات العراقية سواء الحكومية أو الأهلية تكاد تخلو من الكفاءات الطبية، لأنّ أغلبها غادر البلاد، فضلاً عن عدم وجود أجهزة وعلاجات طبية متطورة".
*لماذا الهند بالدرجة الأساس؟
ويقول متعهدو شركات الطيران والسفر والسياحة إنّ الزخم أصبح متزايدا أخيرا للحجز والسفر نحو الهند وتركيا وإيران، لكن الزخم الأكبر حالياً نحو الهند.
بارق الربيعي، صاحب شركة للسفر والسياحة في بغداد، يؤكد أنّ "التزاحم على حجز التذاكر للسفر إلى الهند وتركيا وإيران يأتي بسبب رخص كُلفة العلاج مقارنة بالأردن وأوروبا مثلاً، فضلاً عن توفر خبرات كبيرة هناك تشخّص بدقة وتعطي العلاج المناسب للمرضى".
ويضيف الربيعي، "شاهدنا كثيراً من الحالات المستعصية التي يستحيل علاجها في العراق، وتمت معالجتها بنجاح في الهند، وهي الدولة التي يقصدها أغلب المرضى العراقيين من ذوي الأمراض المستعصية والخطرة".
*نصف مليون عراقي يُعالَج خارج العراق
ويُقدِّر المراقبون أعداد المرضى العراقيين المتوجهين إلى تلك الدول بنحو نصف مليون شخص، من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار ما جعل العراق أحد أبرز البلدان التي رفعت إيرادات السياحة العلاجية فيها خلال السنوات الأخيرة.
من جهته، رأى المعالج الفيزيائي نامق الجبوري، أنّ "إصابات الحرب والإعاقات الكثيرة نتيجة انفجار السيارات المفخخة أو العمليات العسكرية في ظل عدم توفر الإمكانيات اللازمة في مستشفيات العراق، جعلت الحل الأخير للمرضى بالتوجه للعلاج في الخارج وخاصة في الهند أو تركيا أو إيران".
ويضيف الجبوري، "هذه الإصابات وما تخلّفها من أضرار جسدية لا تمكن معالجتها في العراق، لعدم توفر الإمكانيات والأجهزة المتطورة، ولذلك فإن أكثر من 500 ألف عراقي يسافرون سنوياً للعلاج خارج البلاد".
وبسبب الإقبال الكبير من المرضى العراقيين على السياحة العلاجية أصبحت هناك شركات وصفحات متخصصة على مواقع التواصل الاجتماعي مهمتها التنسيق بين المستشفيات في تلك الدول وبين المريض، وإرسال التقارير الطبية وتحديد موعد السفر.
علي حسن، صاحب مكتب بغداد للعلاج يقول: "مهمتنا تتمثل بمرحلتين؛ الأولى تتضمن التنسيق بين المستشفيات الهندية والتركية والمريض الراغب بالعلاج بعد عرض التقارير الطبية الخاصة بالمريض على الأطباء المتخصصين هناك، والاستحصال على الموافقة من قبل المستشفى المعني". ويوضح، أنّ "المرحلة الثانية حصول المريض على تأشيرة السفر ثم استقباله هناك وتوفير مترجم يرافقه في رحلته العلاجية".
*700 مليون دولار خلال 3 أعوام!
في مطلع العام الحالي، كشف مدير المركز العراقي الاقتصادي السياسي وسام حدمل الحلو، عن صرف العراقيين أكثر من 700 مليون دولار على العلاج في الهند خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وقال الحلو في بيان ورد لشبكة "انفوبلس"، إن "العدد الكلي بلغ 57.275 ألفاً بحسب آخر إحصائية رسمية توزعت بواقع 15.596 ألفاً في عام 2020 و 15120 ألفاً في العام 2021، فيما بلغت 26.559 ألفاً في العام 2022 المنصرم الذي زادت فيه الأعداد نتيجة تخفيف إجراءات جائحة كورونا".
وأضاف، أن "العراقيين يفضلون الهند كوجهة علاجية بسبب سهولة الإجراءات المتبعة من السفارة الهندية في إصدار الفيزا ببغداد والمحافظات والتي لا تتجاوز 24 ساعة وكذلك ثقتهم بالمستشفيات هناك وقلّة أسعار العمليات فيها مقارنة ببقية الدول".
وتابع، أن "المواطن العراقي يدفع 83 دولاراً لإصدار الفيزا، إذ بلغ إجمالي المبالغ المدفوعة للحصول عليها خلال السنوات الثلاثة الماضية 4.753.825 ملايين دولار"، مبينا أن "معدل المسافرين مع كل مريض يبلغ مُرافِقاً واحدا أو اثنين".
*كُلف إجراء العمليات
وأشار إلى أن "كُلف إجراء العمليات تبلغ كحد أدنى من 5000-8000 آلاف دولار وترتفع لأرقام أعلى حسب نوع العملية وتُضاف إليها تكاليف حجز التذاكر والفنادق والتنقل بمعدل إنفاق كلي يتراوح ما بين 10-15 ألف دولار، ويزداد بطبيعة الحال كما أسلفنا حسب نوع العملية".
ولفت إلى أنه "بحساب بسيط لو أردنا ضرب العدد الكلي للمسافرين الذي يزيد عن 57 ألفاً وقلنا إن كل واحدٍ منهم أنفق ما لا يزيد عن 10 آلاف دولار كمبلغ كلي فإن الرقم النهائي سيزيد عن 570 مليون دولار من العملة الصعبة أنفقها العراقيون للعلاج في الهند خلال 3 سنوات، ولو أردنا القول إن ثلث العدد أنفق 15 ألف دولار وما يزيد عنها لكل مريض فإن الرقم النهائي سيتجاوز 670 مليون دولار ويصل ربما إلى 700 مليون دولار خرجت من العراق خلال 3 سنوات فقط للعلاج في الهند".
وأكد، أن "العراقيين ينفقون كذلك مبالغ طائلة للعلاج في تركيا وايران وبلدان أخرى بسبب عدم الثقة بالنظام الصحي المتهالك ما يتطلب من الحكومة العمل جديا لتطوير النظام الصحي، إذ إن تطور البلدان يُقاس بحجم تطور هذا النظام الذي يحتاج إلى مشاريع ومستشفيات حديثة ومتطورة في جميع المحافظات تتمتع بالخبرات المطلوبة من الأطباء والكوادر الصحية مع إكمال المشاريع الحالية التي تعرّضت موجوداتها للاندثار بهدف استيعاب أعداد المرضى المتزايدة بتزايد عدد سكان العراق الذي تجاوز 42 مليوناً بحسب آخر إحصائية".
*فساد واستحواذ
ورأى الحلو، أن "الفساد المستشري في الحكومات السابقة وتقاسم الأحزاب لموارد الدولة والتعامل معها كمغانم هو الذي عطّل تطوير النظام الصحي العراقي وجعله متأخرا وغير قادر على نيل ثقة المواطنين، ما يتطلب من الحكومة الحالية إن كانت جادة في عملها وتنفيذا لبرنامجها الحكومي أن تبدأ بضرب الفساد في النظام الصحي قبل أن تضع الخطط اللازمة لتطويره لأن الفساد لن يسمح لخطواتها بالتقدّم".
ويلجأ كثير من العراقيين إلى العلاج في الخارج، بسبب انهيار الواقع الصحي والعلاجي، وتراجع أداء المستشفيات الحكومية، إذ أفادت تقارير في عام 2018 أن إجمالي إنفاقهم الصحي شهرياً وصل ما بين 5 و6 ملايين دولار.