من التصريحات المرتبكة إلى الجدل الطائفي.. رحلة عدنان الفضلي في صناعة الصِدام
انفوبلس/ تقارير
في سلسلة من التصريحات المثيرة، وبلُغة تجمع بين الاستفزاز والتلميح الطائفي، وجد الكاتب والشاعر عدنان الفضلي نفسه في قلب جدل واسع بعد مواقف وعبارات وُصفت بأنها إساءة مبطنة لدولة مجاورة وطعن غير مباشر بمؤسسات سياسية ودينية وقضائية عراقية، وصولاً إلى تبنّي سرديات تستفز جمهوراً واسعاً. هذا التقرير يرصد أبرز تلك التصريحات، ويتناولها بقراءة مهنية تكشف دلالاتها وخلفياتها.
إساءات مبطنة إلى إيران
لم تكن التصريحات الأخيرة للشاعر والكاتب عدنان الفضلي مجرد آراء عابرة في فضاء مواقع التواصل؛ فقد تحوّلت إلى مساحة صدام لغوي وسياسي واجتماعي، بعدما حملت عباراته رسائل لاذعة تتجاوز إطار النقد الأدبي أو السياسي، وتلامس مساحات حساسة ترتبط بطبيعة العلاقات العراقية – الإيرانية، وبالاصطفافات المحلية بين الإطار والتيار، وبالقضاء، وبالحشد الشعبي، وحتى بالخطاب الطائفي المكشوف والمبطّن على حدّ سواء.
هذه السلسلة من المواقف فتحت الباب أمام أسئلة كثيرة حول طبيعة الخطاب الذي يقدمه الفضلي، والبيئة التي تتحرك فيها تصريحاته، والحدود الفاصلة بين حرية التعبير وبين التحريض المحتمل.
البداية كانت مع حديثه عن زيارة رسمية لإيران عام 2015، وهي زيارة بدا أن الفضلي قدّمها بطريقة أقرب إلى السخرية منها إلى التوثيق.
ففي جملة واحدة، اختزل الجمهورية الإسلامية في صورة لا تتسق مع الواقع ولا مع السياق السياسي والدبلوماسي للزيارة، عندما قال إنه حضر جلسة برلمانية لمناقشة عدم تحريم لبس الحجاب، وشارك مع عدد من المحللين السياسيين، بينهم هشام الهاشمي، زاعماً أنه لم يشعر بأن إيران دولة إسلامية، بل احتفل بفوز برشلونة على ريال مدريد «وقد وفّروا لي لتر ويسكي ومترجمة».
هذه العبارة، رغم كونها وردت في سياق ادعاء سرد واقعة، حملت إيحاءً سلبياً واضحاً، وانتقاصاً مبطناً من هوية دولة ترتبط مع العراق بعلاقات رسمية وإقليمية معقدة.
شتائم سياسية على شكل نقد
لم يتوقف الفضلي عند هذا الحد، إذ انتقل مباشرةً إلى توجيه سهام النقد نحو الإطار التنسيقي والتيار الصدري معاً، عبر تعبيرات لا تشبه لغة النقد السياسي بقدر ما تشبه لغة الشتم، حين قال: «قردة الإطار.. قطيع التيار.. من فيكم يكون حسينياً ويرد على نور وساختكم؟».
هذه العبارة التي أراد لها الفضلي أن تكون رسالة، جاءت محمّلة بقدر كبير من التوصيفات القاسية التي تخرج عن إطار النقد وتدخل في دائرة إهانة شرائح سياسية واجتماعية كبيرة، ما أثار استغراب كثيرين حول جدوى هذا الأسلوب وما يهدف إليه.
ثم عاد الفضلي ليخاطب «جماهيره القليلة» قائلاً إنه لا يعير اهتماماً لـ«الذباب الإلكتروني ولصوص الوطن»، وإن وقوف تلك الجماهير معه يكفيه «ضد كل ذيول إيران وأمريكا وإخوة يوسف».
هنا بدا الخطاب أكثر انفعالية، وأقرب إلى لغة المظلومية التي يُلصقها بعض المؤثرين بأنفسهم في مواجهة النقد، من دون إيضاح مبررات موضوعية.
تهكّم على القضاء والمؤسسة الدينية
ومع أن الخطاب كان قد بلغ مستوى عالياً من التوتر، إلا أن الفضلي لم يكتف بذلك، بل وسّع دائرة الاستهداف لتشمل المؤسسة القضائية.
فبعد أن أبدى انزعاجه من رأي المحكمة في قضية رفعها أحد الأدباء، قال: «أوجعني رأي المحكمة أن أدباء يصلون للقضاء.. قلت لهم هي الطائفية وليس للأدب شأناً».
العبارة تحمل اتهاماً ضمنياً للمؤسسة القضائية بالتحيز، وهو اتهام خطير يعكس مرة أخرى أسلوب التعميم الذي يلجأ إليه الفضلي.
وكرّر المضمون نفسه لاحقاً بشكل أكثر وضوحاً، عندما تحدث عن مثوله لأول مرة أمام محكمة وصفها بأنها «محاكمة أدبية»، ساخراً من الموقف كله بطريقة تعطي انطباعاً بعدم احترامه لسياق التقاضي حين قال: «الكارثة راح أروح وأنا محتار أسب صديقي لو صديقي يسبني.. هسه من أكول للقاضي صديقي كال هيجي وهو هم يكول هم هيجي.. القاضي مو يعفط؟»!.
هنا أيضاً تتكرر مفردات الاستهزاء التي تمس سلطة يفترض احترامها، حتى عند الاعتراض على قراراتها.
وفي سياق آخر، استحضر الفضلي تاريخ 8/8/1988 بطريقة تحمل إيحاءات لا تخفى، حين قال إن الرقم «يذكره بفلاح حسن وأحمد راضي وحرب إيران خاتمة إياها بهاشتاك "مقصودة والرضا"»، وهي عبارة تعيد ربط الحرب العراقية – الإيرانية بسردية ذات طابع تعبوي.
ولم يقتصر الأمر على السياسة، بل مسّ الفضلي المؤسسة الدينية أيضاً من خلال اقتباس قوله: «إذا مات رجل الدين تنبت على قبره وردة.. ماذا لو مات جميع رجال الدين؟ حتماً ستصبح إيران جنة».
ورغم أنه نسب العبارة إلى «شاعر إيراني»، إلا أن إعادة نشرها في سياق الاستهداف السياسي يمنحها بعداً آخر.
بيان طائفي أخطر من القصيدة نفسها
وتواصل هذا النهج حين سخر الفضلي من السياسيين الإيرانيين بقوله: «آخر تحشيش سياسي إيراني.. إيران: سنحيي ليالي عاشوراء بالبيت الأبيض وميلاد المهدي بباكينغهام وليلة القدر بفرساي».
ثم أضاف تعليقاً آخر على تصريح للسيد الخامنئي حول الاحتجاجات: «ما أعتقد يتشاقه»، في استخفاف واضح.
وحتى في لحظات تبدو بعيدة عن السياسة المباشرة، حضرت الطائفية في خطابه، مثل قوله: "وين حركة طالبان التلحك النه وتفتح جبهة شرقية وي إيران.. جا الطائفية بس يمنه؟".
وأثناء احتجاجات تشرين، أشار الفضلي إلى أن أبناء العشائر «يتجنبون ذكر إيران ويركزون على السعودية»، معتبراً ذلك سلوكاً يستحق الانتباه، في محاولة لربط مشهد شعبي – عشائري بنزاع إقليمي.
غير أن أكثر مواقفه إثارة للجدل جاءت عندما نشر بياناً حمل نبرة طائفية واضحة، وضمّنه اتهامات مباشرة للحشد الشعبي، قائلاً: «لولا العسكر وفصائل إيران ما كان ليكون هذا»، واعتبر أن الضابط العراقي في فترات سابقة «يسيء للعرض العراقي»، وأن «خوات الدعوة وأزلام إيران» يفرضون سلوكيات تزرع الفتنة.
ورغم محاولته الظهور بمظهر المثقف الذي يدعو لدرء الطائفية، إلا أن لغته جاءت محمّلة بإيحاءات تعزز الانقسام أكثر مما تكافحه.
البيان الذي صاغه الفضلي بدا خليطاً من الشكوى والتحريض والتحليل المقتطع، حين روى قصة شاعر موصلي في مهرجان المربد، واعتبر أن ضجة لاحقة حول قصيدة ما هي إلا نتيجة لسيطرة «حرس المصالح الإيرانية»، زاعما أن الحشد «يقاد من خارج العراق»، وأن «إخراجه من المدن حل لا بد منه وإلا سنسقط جميعاً في وحل الطائفية».
ورغم أن هذه الآراء قد تُصنف ضمن حرية التعبير، إلا أن حدّتها وارتباطها المباشر بتوصيفات تحمل طابع الاحتقار الجماعي هي ما وضعها في دائرة الجدل.
ولم يفت الكاتب ميثم الحمدي الردّ على الفضلي، إذ سخر من خروجه بكفالة واعتبر أن من يخرج بكفالة «المفروض يتوب ويِلمّ لسانه»، قائلاً إن الفضلي عاد «يخرط أكثر من الأول»، وختم بأن «الماي يروب وتلك.. لا تتوب»، في إشارة واضحة إلى استمرار الفضلي في نهجه التصادمي.
إساءات "قبيحة" بحق العراق والحشد وإيران والسيد الخامنئي
وفي سلسلة من العبارات المنفلتة التي عمّقت الجدل حول خطابه، أطلق عدنان الفضلي موجة جديدة من الإساءات، توزعت بين العراق والحشد الشعبي وإيران وحتى السيد علي الخامنئي، مستخدماً لغة تنحدر إلى مستوى لا يليق بمن يقدّم نفسه كشاعر أو صاحب رأي، وبدلاً من تقديم موقف نقدي مسؤول، عمد إلى إطلاق أوصاف جارحة وتهجمات مباشرة، معتبراً أن بعض ما يجري في المنطقة "ضريبة مستحقة"، على حد تعبيره، في إشارة تكشف ضيق أفق سياسي ونبرة انتقامية لا تحمل سوى مزيد من الشحن.
كما ذهب الفضلي إلى تعميمات صادمة حين قال إنه لا يأسف على سقوط أي شخصية سياسية أو دينية مرتبطة بإيران، مستخدماً ألفاظاً توحي بثنائية عدائية حادة، ومعلناً أن أي محاولة للاعتراض على لغته يجب أن تتوقف، لأنه ـ على حد وصفه ـ "بطل لغة السب والشتم"، في تناقض واضح بين ما يقوله وما يمارسه.
ولم تتوقف إساءاته عند هذا الحد، إذ نشر صورة للمحامية قمر السامرائي ـ المعروفة بإثارة الجدل ـ مرفقاً بها تعليقاً يهاجم فيه منتقديها من الرجال، واصفاً إياهم بأنهم يفتقرون إلى "الرجولة"، في انحدار جديد نحو خطاب شخصي تحريضي لا يمتّ بصلة للنقاش العام أو النقد البنّاء.
وتصاعدت لهجة الفضلي أكثر حين قدّم نفسه بموقع "الناصح"، محذّراً جمهوره من الانحياز له، بدعوى أن ذلك "سيكلفهم كثيراً"، قبل أن يدعو علناً إلى إنهاء وجود ما سماها "كتائب حماس" وعدد من الفصائل التي وصفها بأنها "كاذبة ومأجورة" وتسببت ـ حسب رأيه ـ بدمار بلدان عدة، وهو خطاب يخلط المواقف السياسية بالاتهامات العامة دون تقديم أي إطار مهني أو استناد إلى وقائع واضحة.
وفي محاولة لتبرير حدّته، قدّم الفضلي سردية شخصية تتحدث عن "عناد" اكتسبه من طفولته، مبالغاً في تصوير نفسه كمن نشأ وسط صراع يتطلب قسوة استثنائية، قبل أن يعود ليُلبس مواقفه بصفة "السماحة"، موجهاً أتباعه إلى كيفية التعامل مع من يصفهم بالـ"ذيول"، عبر سلسلة تعليمات تبرر الإقصاء والحظر تحت دعوى "الحفاظ على الأصول العراقية"، في ازدواجية فاقعة بين ادعاء التسامح وممارسة الاستفزاز.
في النهاية، ووفق مراقبين، فإن ما يتضح من مجمل هذا الخطاب أن الفضلي يبني حضوره عبر خلق صدامات لغوية متتالية، يعوّل فيها على الإثارة أكثر من التعليل، وعلى التوصيفات القاسية أكثر من الحجج، وفي وقت يحتاج فيه المشهد العراقي إلى تهدئة، تبدو لغته أقرب إلى تأجيج المسارات المنقسمة، وتدوير الجروح القديمة بخطاب لم يقدّم بديلاً فكرياً، بل مزيداً من الشروخ، هذا الأسلوب مهما تم تزيينه بعبارات ثقافية يبقى مسؤولاً عن الأثر الذي يتركه في بيئة سياسية واجتماعية شديدة الحساسية.





