البرلمان يمرر قائمة سفراء "بالغصب".. ولكن: التصويت تم بـ"10 أصوات" فقط وبنصاب مكسور!
انفوبلس/ تقرير
في جلسة وُصفت بأنها من أكثر الجلسات إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، مرّر البرلمان العراقي قائمة تضم عشرات الأسماء المرشحة لمناصب السفراء في الخارج، وسط انسحابات نيابية، وكسر للنصاب، واتهامات لرئيس البرلمان محمود المشهداني بفرض إرادته على النواب و"تمرير القائمة بالغصب".
وهذه هي ثالث دورة تنصيب للسفراء، بعد وجبتين تم تعيينهم بين عامي 2004 و2009، ومنذ ذلك الحين لم يتم تعيين وجبة سفراء جديدة سوى بعض الاستبدالات والتنقلات.
هذه الخطوة فجّرت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية، ليس فقط بسبب آلية التصويت غير الواضحة، وإنما أيضاً بسبب طبيعة الأسماء التي وردت في القائمة، حيث تضم شخصيات مقربة من زعماء سياسيين وأبناء لمسؤولين كبار، بينهم نجل رئيس البرلمان نفسه، إضافة إلى مرشحين مشمولين بإجراءات "المساءلة والعدالة"، وآخرين متهمين بقضايا فساد أو ممن لا يمتلكون المؤهلات المطلوبة للعمل الدبلوماسي.
برزت الحاجة لتعيين حوالي 90 سفيرا جديدا نتيجة افتتاح العراق سفارات جديدة تتم ادارتها من قبل "قناصل" فضلا عن خلو الكثير من السفارات من السفراء بسبب احالتهم الى التقاعد، ولطالما كانت مسألة تعيين سفراء جدد عبارة عن ازمة عصية تحيط بها الشبهات، بل ولكثر "شبهاتها" تعد هذه المسألة الأكثر فقدانا للشفافية بين جميع الملفات في العراق، حيث تعمد الحكومات والبرلمان الى "تمريرهم خلسة" لاحتوائها على أسماء "تخزي الملف الدبلوماسي".
كسر النصاب... وصوت "السلق"
بحسب شهادات عدد من النواب، من بينهم المستقل عامر عبد الجبار، فقد بدأت الجلسة - يوم الثلاثاء -بحضور 169 نائباً، وهو رقم بالكاد يحقق النصاب القانوني (165 نائباً على الأقل من أصل 329). لكن مع إدراج فقرة "قائمة السفراء" على جدول الأعمال بشكل مفاجئ، انسحب أكثر من 30 نائباً اعتراضاً على الطريقة غير القانونية، ما أدى إلى كسر النصاب.
ورغم ذلك، مضى رئيس البرلمان محمود المشهداني في طرح القائمة للتصويت "جملة واحدة"، أي دون عرض الأسماء أو سيرهم الذاتية، ودون تصويت منفرد على كل مرشح.
نواب حضروا الجلسة قالوا إن التصويت تم من قبل عدد محدود من النواب لا يتجاوز العشرة، في مخالفة صريحة للدستور والنظام الداخلي للبرلمان، الذي يشترط حضور الأغلبية المطلقة عند اتخاذ القرارات. أما المشهداني، ووفق مقاطع مصورة تداولها ناشطون، هدّد المشرعين المعترضين قائلاً: "سأمررها غصباً على الجميع".
وواحدة من اكثر المؤشرات السلبية على تمرير قائمة السفراء هي الطريقة التي تمت بها، فبالرغم من اعلان البرلمان جدول اعمال 3 جلسات، الا انه لم يضف تمرير السفراء على جداول الاعمال التي ضمت 19 فقرة، في محاولة اشبه ما تكون بـ"المصيدة" وخداع للنواب لإجبارهم على الحضور، قبل ان يتم ادراج فقرة تمرير السفراء، وبالفعل وفي اول جلسة بدأها البرلمان بعد انقطاع لـ20 يوما، حاولت رئاسة البرلمان ادراج فقرة تمرير السفراء، قبل ان يقوم بعض النواب المعترضين بكسر نصاب الجلسة، لعدم اطلاعهم على السير الذاتية للمرشحين كسفراء.
لكن رئاسة البرلمان لم "تجزع"، وحاولت في اليوم التالي وخلال جلسة يوم أمس الثلاثاء إضافة فقرة تمرير السفراء، وخلال دقيقتين فقط وفقا لما يظهره تسجيل جلسة البرلمان، احتاج المشهداني الى دقيقة و55 ثانية لقراءة أسماء السفراء الـ 93، واحتاج لـ5 ثوانٍ أخرى للتصويت عليهم، قبل ان يعلن الجملة الشهيرة "حصلت الموافقة".
النائب عدنان الجابري، عن ائتلاف "أساس"، عبّر عن استيائه مما وصفه بـ "العبث بالقوانين"، مؤكداً أن "التصويت على قضايا مهمة، مثل السفراء، يجب أن يكون بنصاب مكتمل، لا بطريقة فرض الإرادة". وأشار إلى أن القائمة لم تُعرض مسبقاً، ولم تُوزع السير الذاتية للمرشحين على النواب.
أما النائب أرشد الصالحي فقد وصف ما جرى بأنه "طريقة سلق القوانين"، مؤكداً أن التصويت غير قانوني ويخالف النظام الداخلي للمجلس. وأوضح في مقطع فيديو من داخل الجلسة أن تمرير القائمة "يمثل إساءة لمكانة العراق الدبلوماسية".
النائب المستقل رائد المالكي اعتبر أن ما حصل "معرض للطعن أمام المحكمة الاتحادية"، مبيناً أن التصويت لم يُدرج أصلاً ضمن جدول الأعمال، ولم يُطرح للتصويت على إضافته للجلسة. كذلك شدد النائب أمير المعموري على أن القائمة تضم مرشحين مشمولين بإجراءات المساءلة والعدالة، وآخرين لا تتناسب أعمارهم مع العمل الدبلوماسي، ما يثبت غياب التدقيق المهني.
أسماء مثيرة للجدل
القائمة التي تم تمريرها – وفق الوثائق – تضم أكثر من 100 شخصية، من بينهم: يزن مشعان الجبوري، نجل السياسي مشعان الجبوري، وعبد الباسط المشهداني، نجل رئيس البرلمان محمود المشهداني، بالإضافة إلى 9 نواب سابقين تم تعيينهم، مثل شقيق زعيم تحالف الفتح هادي العامري، وابن النائب السابق حنين قدو.
كما ضمت شخصيات أخرى مرتبطة بعوائل قيادات حزبية وزعامات سياسية، الأمر الذي أثار غضباً شعبياً واسعاً، خصوصاً أن منصب السفير يُعد من أكثر المناصب حساسية في تمثيل العراق على الساحة الدولية.
النائب هادي السلامي نشر وثائق أشار فيها إلى أن بعض المرشحين مدانون بقضايا "الإرهاب" والسرقة من المال العام، ما يجعل تمرير أسمائهم فضيحة سياسية ودبلوماسية.
المحاصصة تعود إلى الواجهة
منذ عام 2003، لم تمرّ أي قائمة للسفراء دون ضجيج، إذ اعتادت الكتل السياسية على اقتسام المناصب وفق قاعدة "تقاسم النفوذ". وبموجب الأعراف غير المكتوبة، تحصل كل كتلة أو حزب على "حصتها" من المناصب الدبلوماسية، وتعيّن فيها شخصيات مقربة منها أو من عائلات الزعماء.
المشكلة الكبرى تكمن في أن هذا النظام يتعارض مع قانون الخدمة الخارجية الذي ينص على أن 75% من السلك الدبلوماسي يجب أن يكون من داخل وزارة الخارجية (أي من الموظفين المهنيين المؤهلين)، و25% فقط يمكن أن يكونوا من خارجها. لكن القوائم الأخيرة كسرت هذه المعادلة، إذ غلب عليها طابع المحاصصة الحزبية والعائلية.
وبعد تداول قوائم خلال الأسابيع الماضية تكشف عن أسماء 91 سفيرا 52% منهم من خارج السلك الدبلوماسي ومعظمهم من أقارب السياسيين وعوائلهم، مقابل 48% من السلك الدبلوماسي، خرجت وزارة الخارجية بنفي قاطع معتبرة ان القوائم المتداولة غير صحيحة، لكن بعد التصويت في البرلمان يوم أمس على القوائم، قامت شبكة انفوبلس بمقارنتها وتبين انها متطابقة بحوالي 70 %، مع تغيير 30% من اسمائها، بالإضافة الى إضافة اسمين إضافيين ليرتفع العدد من 91 سفيرا الى 93 سفيرا.
تظهر القائمة ان 45 اسما فقط هم من داخل وزارة الخارجية معظمهم مستشارون في الخارجية، ما يعني البقاء على نسبة 48% من الخارجية والسلك الدبلوماسي، و52% من "السلك السياسي والعائلي"، بل الحقيقة ان حتى هذه النسبة البالغة 48% من الموظفين أساسا بوزارة الخارجية، هم جاؤوا الى الوظيفة منذ البداية من خلال حصص سياسية وعائلية، ما يجعل النسبة الأكبر من السفراء جاؤوا من خلفيات سياسية وليست دبلوماسية.
غضب شعبي وتهكم على مواقع التواصل
ما إن انتشرت مقاطع الفيديو من داخل البرلمان، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي العراقية بوسوم غاضبة مثل: #سفراء_المحاصصة و**#برلمان_الفضيحة
ناشطون سخروا من أن أبناء المسؤولين يتوارثون المناصب كما يتوارثون العقارات، فيما كتب آخرون أن "العراق لم يعد بحاجة إلى دبلوماسيين أكفاء، بل إلى وكلاء أحزاب في الخارج". والبعض ذهب أبعد من ذلك، معتبرين أن هذه التعيينات تمثل "تهريباً منظماً" لأبناء المسؤولين إلى الخارج بغطاء رسمي، حيث يحصلون على امتيازات مالية ودبلوماسية في العواصم العالمية دون أي خبرة أو مؤهل.
ويعدّ السفير بحسب الأعراف الدبلوماسية، الموظف الدبلوماسي الأعلى الذي يترأس سفارة تمثيل بلاده في الخارج لدى الدولة المضيفة، ومن واجباته الأساسية بالإضافة إلى أعماله الدبلوماسية خدمة الجالية في الدولة التي يوجد فيها.
الطعن أمام المحكمة الاتحادية
عدد من النواب المستقلين، بينهم عامر عبد الجبار، أعلنوا نيتهم تقديم طعن رسمي أمام المحكمة الاتحادية لإلغاء جلسة التصويت، مستندين إلى محاضر الحضور والانسحابات التي تثبت كسر النصاب. وإذا قُبل الطعن، فإن القائمة كلها قد تُلغى، ما يعيد الملف إلى نقطة الصفر.
وأكد الخبير القانوني علي التميمي، اليوم الأربعاء، أن المحكمة الاتحادية العليا تمتلك الصلاحية لإبطال أي تصويت داخل مجلس النواب، سواء تعلق بإقرار القوانين أو القوائم الخاصة، مثل قائمة السفراء، إذا ثبت أن الإجراءات خالفت النظام الداخلي للمجلس.
وقال التميمي إن "جدول أعمال البرلمان يُعد من قبل رئيس المجلس ونائبيه ويُسلَّم للنواب قبل يومين من عقد الجلسة، ولا يجوز طرح أي موضوع جديد ما لم تتم الموافقة على إضافته بالأغلبية المطلقة"، موضحاً أن "أي خرق لهذه الآلية يجعل التصويت عرضة للطعن أمام المحكمة الاتحادية من أي ذي مصلحة".
وبيّن أن المحكمة تعتمد في نظر الطعون على الأدلة المتاحة مثل تسجيلات الكاميرات، إفادات الشهود، وجدول الأعمال الرسمي، لتقرر بعدها مدى شرعية الجلسة وما صدر عنها من قرارات. وبذلك، شدد على أن الالتزام بالإجراءاتالدستورية داخل البرلمان شرط أساسي لضمان سلامةالقرارات والقوانين، وأن أي تجاوز قد يؤدي إلى إبطالهاقضائياً.
والخلاصة، فإنه في حال مضت القائمة كما هي، فإن العراق سيكون أمام سفراء يفتقر بعضهم إلى المؤهلات، وربما يحمل بعضهم سجلاً جنائياً، ما قد يضعف صورة الدولة في الخارج.
أما إذا تدخلت المحكمة الاتحادية وأبطلت التصويت، فإن الأزمة قد تتطور إلى صراع سياسي أوسع بين رئاسة البرلمان ورئاسة الوزراء، وربما بين الكتل نفسها.
وفي كل الأحوال، فإن المشهد برمته يعكس حجم الفجوة بين الطبقة السياسية والشارع العراقي، الذي يرى في هذه التعيينات استمراراً لنهج "تقاسم الدولة" بدلاً من بنائها على أسس مهنية ودستورية.


