التشيّع في أوروبا.. انتشار يتزامن مع انحسار التكفير
إنفو بلس/..
تؤكد الإحصائيات الرسمية العالمية، اتساع نسبة التشيّع في العالم بصورة عامة خلال العقد الأخير، إذ قام منتدى "ليوفورم" للدين والحياة العامة وهو مركز دراسات وأبحاث إحصائية إستراتيجية إنكليزي متخصص بالأديان والمذاهب والمعتقدات في العالم، مقرّه في ويستمنستر، قلب لندن، وله فروع ومكاتب في 222 دولة في العالم، بأحدث إحصائية سكانية حول نسبة البشر في العالم حسب الأديان والمذاهب والمعتقدات، إن المسلمين الشيعة هم الأكثر زيادة في الإحصاء الجديد وارتفع عددهم إلى أكثر من 400 مليون نسمة، وهو ما يشكّل ربع عدد المسلمين في العالم البالغ عددهم مليار و 600 مليون نسمة.
البروفيسور جيمس كريهام كبير الباحثين في منتدى "ليوفورم"لو لم يحدث انقلاب السقيفة على خليفة المسلمين الشرعي علي بن أبي طالب، وهو واصل الحكم بعد النبي محمد "ص" كما جاء في نص الغدير السماوي، لأصبح المليار و 600 مليون مسلم جميعهم شيعة
وأكد التقرير الدولي، المسلمين الشيعة اليوم في 198 دولة حول العالم، حيث أشار البروفيسور جيمس كريهام كبير الباحثين في منتدى "ليوفورم"لو لم يحدث انقلاب السقيفة على خليفة المسلمين الشرعي علي بن أبي طالب، وهو واصل الحكم بعد النبي محمد "ص" كما جاء في نص الغدير السماوي، لأصبح المليار و 600 مليون مسلم جميعهم شيعة، وأشار التقرير إلى أن المرجع الديني الأعلى والأب الروحي للمسلمين الشيعة السيد علي الحُسيني السيستاني هو أعلم علماء المسلمين قاطبة "شيعة وسنة" وأكثرهم زهداً في الحياة، ويسكن في دار صغيرة جداً "إيجار" وليست ملك في مدينة النجف الأشرف "فاتيكان الشيعة" ويعيش عيشة البسطاء من الشعب.
وعلى صعيد متصل ذكر تقرير "ليوفورم" أن اسم "محمد" أصبح الاسم الأول في بريطانيا ويفوق حتى الأسماء الإنكليزية التاريخية وهو الاسم الأول لدى المسلمين في العالم ويأتي بعده اسم علي في المركز الثاني وحسن ثالثاً وحسين رابعاً وتلاه أسماء عبد الله في المركز الخامس وأحمد سادساً وعمر سابعاً، ومن ناحية أسماء النساء في العالم الإسلامي "فاطمة" تصدّرت الأسماء المسلمات كافة وتلاها اسم زينب ثانياً وعائشة حلّت في المركز الثالث.
-
التشيّع في أوروبا.. انتشار يتزامن مع انحسار التكفير
وتقوَّى الوجود الشيعي في أوروبا بسبب هجرات الطلبة إليها من أماكن مختلفة، مثل العراق وإيران، وكذلك أوغندا التي توجد بها طائفة الخوجة الشيعية وبعض دول جنوب آسيا، وزادت نسبة الهجرة نحو أوروبا بسبب أحداث متعددة، مثل حرب العراق عام 2003، وظهور جماعات داعش في العراق وسوريا بعد عام 2014.
كان الوضع غير المستقر للشيعة في عدد من البلدان العربية مثل العراق وبعض دول الخليج عاملا ساهم في انتقال عدد مُعتبر من الشخصيات الدينية والسياسية الشيعية إلى أوروبا، حيث أسّسوا مكاتب ومراكز عملت على إنشاء بنية تحتية للنشاط الشيعي تستجيب للاختلافات اللغوية والدينية والسياسية للمسلمين في أوروبا، وبداية من التسعينيات اختار بعض الشخصيات الدينية الشيعية المهمة العاصمة البريطانية لندن معقلاً للتشيُّع في القارة، فظهر عدد من المراكز الدينية والبحثية والتدريسية التي أشرفت عليها مرجعيات شيعية كبرى، مثل السيد أبو القاسم الخوئي.
وحافظت الجاليات الشيعية في أوروبا على تنظيم صفوفها، رغم التحولات والتحديات الكبيرة لإثبات نفسها بوصفها أقلية وسط أقلية أكبر، وجماعة على علاقة وطيدة بمجتمعاتها الأصلية، ولذا غدت العواصم الأوروبية نقاط استقرار وتنظيم للوجود الشيعي.
مخاوف الهجرة خارج حدود الوطن العربي والإسلامي تتعلق بعدّة مؤشرات، أولها وأهمها كيفية التأقلم مع مجتمع غالبيته من مذاهب دينية تختلف عن الدين الإسلامي، لاسيما مع وجود هجمات تشويه تستهدف الدين المحمدي، وتزداد تلك المخاوف لدى جمهور المذهب الشيعي على وجه الخصوص فيما يخص المعتقدات والشعائر الحسينية.
اذ إن اتساع دائرة الهجرة في العالم العربي نحو أوروبا منتصف العام الماضي أفضت لعملية اندماج مجتمعي غير متوقَّع ضمن السياسات العالمية بين المهاجرين أنفسهم وبين أصحاب الأرض، لكن السؤال الذي طرحته "شبكة النبأ المعلوماتية" في استطلاع للرأي شمل عدد من المهاجرين والمقيمين في دول أوروبية مختلفة حول إمكانية تثبيت دعائم وأهداف الثورة الحسينية داخل المجتمع الغربي.
المجتمع الهولندي
يقول خالد حميد مهاجر مقيم في هولندا، إن "أجواء الثورة الحسينية خلال شهري محرم الحرام وشهر صفر رغم قلّتها لكنها تثبت وجوديتها بكل قوة داخل المجتمع الهولندي المتحفّظ جدا تجاه الإسلام خاصة بعد اتساع دائرة التشويه الإرهابي للإسلام".
ويضيف حميد، إن الحُسينيات في هولندا توجد في مدن محددة، يواظب الكثير من المسلمين للمشاركة في المحاضرات الدينــية، موالو المذهب الشيعي من لاجئين ساهوا بترسيخ أهداف الثورة الحسينية ونشرها بشكل حضاري داخل المجتمع الهولندي الذي يحوي العديد من المذاهب الدينيــة والجنسيات.
ويتابع، "زوجتي هولندية من أصل مسلم من البوسنة لم تكَد تعرف سوى القليل عن المذهب الشيعي، والقليل لديها كان يوهمها بالتطرّف في مذهبنا المسالم، التقيتها في إحدى المحاضرات الدينية ذات يوم وبعد فــترة من التعارف كانت تتوق لزيارة العراق والأئمة، حيث كانت ترغب بزيارة العراق كشرط للاقتران، وشاركتني في زيارة خاصة تزامنت مع ذكرى وفاة الإمام الكاظم "ومارست طقوسنا في السير صوب ضريج الجوادين (عليهما السلام)".
وأشار حميد، تجربتي كانت إحدى أهم الأدلة على وجودية الثورة الحسينية في أوروبا، لكن الأمر يتطلب رساليين مجتهدين لحمل أهداف تلك الثورة الإنسانية للعالم بالشكل الحضاري.
المجتمع التركي
الطقوس الحسينية وأجواؤها موجودة بشكل واضح داخل المجتمع التركي لاعتبارات كثيرة أهمها وجود قاعدة إسلامية كبيرة فيها، هذا ما أوضحته العراقية المقيمة في تركيا ضحى جمال، وتقول، إن الأُسر التركية تنتظر شهر محرم الحرام للتبرّك بثواب الإمام الحسين "ع"، جارتي التركية تسألني عن قرب شهر محرم الحرام هل ستعدّين الرّز الحسيني ــ وتقصد "التمن والقيمة النجفية الشهيرة ــ ".
وتضيف ضحى: الحُسينيات تواصل طيلة الشهرين وبأوقات معينة المحاضرات الدينية، أصدقائي من الأتراك والجاليات المختلفة المقيمة في تركيا يشاركون في مراسم الطقوس الحسينية، بعضهم يسأل، من هو "الحسين بن علي"؟ والغريب أن الإجابة تكون بنَفَس عراقي بحت لكنها بلَكنة عربية لمهاجر اسبق مقيم فهمَ حقيقة معركة الطف وتضحية الإمام الحسين "ع" من خلال تلك الطقوس في أعوام مضت.
وتتابع: في تركيا توجد ساحات خاصة للتشابيه الحسينية، الجمهور لا يمثل معتقد مذهبي واحد، وإنما جمهور متنوع من جنسيات مختلفة بضمنها الجمهور التركي، وهذا ما يؤكد أن الثورة الحسينية بأهدافها خرجت من دائرة الوجود الإسلامي العربي لتطرق أبواب أوروبا والدول غير المسلمة، فالحسين لا يمثل طائفة بعينها على قدر ما يمثل الإنسانية جمعاء.
المجتمع الألماني
فيما يتحدث علي العبادي ــ لاجئ في ألمانيا وأحد المشاركين ضمن موكب الإمام علي "ع" وهو أكبر المواكب الحسينيــة في مدينة ايسن الألمانية ــ يتحدث عن مسيرة الأربعين الحسينية ويقول: هذا العام لم تقتصر على الجمهور الشيعي بل شهدت مشاركة واضحة من الشعب الألماني، الغاية في ذلك التعمّق في القضية الحسينية التي باتت مثاراً للجدل في أوروبا على خلفية النزاعات الطائفية التي يشهدها الواقع العربي الإسلامي والعراقي على وجه الخصوص.
ويضيف العبادي، التشابيه في ألمانيا تتميز بحداثة إنتاجها وتقديمها يتم من خلاله ربط الأحداث بين الماضي والحاضر، يشارك العديد من الألمان في تنفيذها بخدمات إخراجية وفنية حداثوية عرفاناً بشخصية الإمام الحسين "ع" ونصرةً لقضيته الإنسانية، وتحقيقاً لأهداف آنية تتمثل بدحض الصورة للغايات التي تسعى لتشويه صورة الإسلام والمذهب بما يروّج من خلال قنوات الإرهاب.
أما الصحفي المهاجر في ألمانيا الذي يشاطر صديقه علي العبادي في نقل صورة الثورة الحسينية بأوروبا "هلال كوتا" إذ يقول: تدويل أهداف الثورة الحسينية ضمن المجتمع الأوروبي اتسعت بفضل اللاجئين الجُدد وطبيعة الاندماج فيما بينهم وبين اللاجئين القدماء، فأصبحت الحسينيات والجوامع حلقة تعارف، وتبادل للثقافات، وتعلّم اللغات بما فيها الألمانية، وكذلك إقامة الروابط التي تُسهم بتغير الأفكار المتشددة ونمطية الحياة في بلدانهم الأم، إذ إن هذه التضحيات الكبرى في شهادة الإمام الحسين رفعت مستوى الفكر البشري، لتبقى هذه الذكرى إلى الأبد، وتُذكر على الدوام، وهــذا ما يعزز حقيقــة عالمية الثورة وأهدافها الحسينيــة.
المجتمع السـويدي
الإعلامي علي السعدي، لاجئ في مالمــو نقل صورة أعمق و أوضح مغزى حيث يوضح تأثير الثورة الحسينية داخل المجتمع السويدي، ويذكر لشبكة النبأ المعلوماتية إنسانية وتضحية الإمام الحسين "ع" في معركة الحق على الباطل واضحة للمجتمع السويدي بل ولها أصداء واسعة، وتقبّل منقطع النظير عمّا هو الحال في باقي دول أوروبا.
ويضيف السعدي: لاجئون عراقيون تزوجوا من سويديات اعتنقن الدين الإسلامي، والمذهب الشيعي تحديداً، بعضهم سافر إلى العراق وشارك بمسيرة الأربعينية لهذا العام، وهناك حسينيات مارست دورها الملحوظ في إيصال رسالة الطف من خلال المحاضرات الدينية التي أُقيمت في أوائل شهر محرم الحرام، وفي المسيرات التي تخرج في عاشوراء والأربعينية لا تجد أن الشارع السويدي يجهل خروج عدد من اللاجئين بمسيرات حاشدة باسم الإمام الحسين "ع"، فتلك الشخصية المضحّية، والإنسانية أصبحت معروفة ومقدّسة بشكل واضح. ويتابع: يتّهمنا الكثيرون من مختلف الطوائف الأخرى بأننا نحن الشيعة، فقط من نمجّد الحسين عليه السلام، وهذا الاتهام لا أساس له من الصحة، فهناك آخرون من غير المسلمين ومن مختلف الديانات الأخرى قد أشعلوا شمعة الحسين في قلوبهم وكتبوا عنها في مختلف كتبهم وقدّسوه ورفعوا له شأناً.
المجتمع البلجيكي
بسبب الهجرة في المقام الأول على غرار بقية البلدان الأوروبية، فإن التشيّع انتشر سريعا في بلجيكا وتحوّل عدد من البلجيكيين إلى الدين الإسلامي. ويُقدَّر عدد المسلمين هناك من 600 ألف إلى 800 ألف شخص، وفي بروكسل، العاصمة البلجيكية التي تُعَدُّ رمزا لتوحيد أوروبا، تُشكِّل الجالية الإسلامية نحو 25% من سكان المدينة.
التشيّع انتشر سريعا في بلجيكا وتحوّل عدد من البلجيكيين إلى الدين الإسلامي. ويُقدَّر عدد المسلمين هناك من 600 ألف إلى 800 ألف شخص
ويختلف تعامل الدولة البلجيكية مع الإسلام عن طريقة تعامل دول أوروبية أخرى، فقد شاركت المملكة منذ البداية في تنظيم وهيكلة الديانة الثانية في البلاد، وجاء تأكيد هذا التوجه رسميا عبر قانون عام 1971 الذي كفل للمسلمين الكثير من حقوقهم، بدءا من تمتع الجالية الإسلامية بالحرية في تفسير تعاليمها الدينية، وحتى تقنين الاستفادة من الدعم المادي الذي تتلقاه الهيئات الإسلامية من الدولة. ولم يكن هذا الدعم الرسمي بدون مقابل طبعا، حيث وفَّر للدولة مساحة للتدخل والتحرك في الهيئات الإسلامية.
وتسبَّبت هذه السياسة البلجيكية المنفتحة تجاه المنظمات الإسلامية في إشتعال المنافسة بين عدد من الهيئات الإسلامية الطامعة في حيازة مكانة مميزة عند الحكومة، مع الاستفادة من الموارد المادية التي تضعها الدولة تحت تصرُّف العاملين رسميا في تلك المؤسسات، وقد تلقَّت بعض المنظمات الإسلامية مساعدات من دول أخرى بطريقة قانونية.
وتتركز الجالية الشيعية البلجيكية بالعاصمة بروكسل وضواحيها، حيث أظهر الشيعة قُدرة ملحوظة على الاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه على جميع الأصعدة، بداية من الجانب الاجتماعي وصولا إلى الجوانب المهنية، وقد عملت الهيئات والجمعيات الشيعية في بلجيكا على الإعلان عن أهم أفكار مذهبها في الفضاء الافتراضي والواقع الاجتماعي على السواء، ورغم حساسية الأمر بسبب الغالبية السُّنية في صفوف الجالية الإسلامية، فإن تلك الجالية تمكَّنت من إنشاء جمعيات ومدارس وطَّنت بها نفسها وسط بروكسل والمدن الأخرى.
وينشط في مركز "الإمام المهدي" في روما إيرانيون وأفغان وباكستانيون في المقام الأول، مع حضور للجالية العربية، ويُديره رجل الدين الشيعي الإيطالي "عباس دي بالما"، وهو المركز الأكثر حضورا في المجال السياسي عبر تنظيم فعاليات من قبيل "الاحتفال بتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي" كما سبق أن استقبل المركز "نوَّار الساحلي"، السياسي اللبناني وعضو حزب الله، علاوةً على إشادة "دي بالما" أكثر من مرّة بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وموقفه في المنطقة.