بعد ثلاثة أعوام من الحكم.. وعود السوداني بين رفوف الأرشيف: مشاريع مؤجلة وقرارات معلّقة واستراتيجيات لم تغادر الورق
انفوبلس/..
مع نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أغلقت حكومة محمد شياع السوداني سنتها الثالثة، وهي تحمل على كتفيها ثقل الوعود التي أطلقتها منذ يومها الأول. وعودٌ قُرعت بها الطبول في مجلس النواب، ورددها الإعلام الحكومي بحماس، لكنها اليوم تقف، في معظمها، شاهدة على فجوةٍ بين القول والفعل، بين البرنامج الوزاري والواقع اليومي الذي يعيشه العراقيون.
السنوات الثلاث مرّت، والنتائج الرقمية تقول كل شيء: من أصل 71 وعداً سجّلها “السوداني”، تم تنفيذ 17 وعداً فقط، فيما بقي 33 وعداً بلا تنفيذ، و21 وعداً آخر في المنطقة الرمادية، بين التحقق الجزئي والتعثر المستمر. وبذلك يكون السوداني قد أنهى ثلاثية حكمه بنسبة إخفاق تقارب 46.5% من مجموع الوعود الحكومية، وهي نسبة لا يمكن تبريرها في ظل الوفرة المالية التي شهدتها البلاد خلال تلك المدة.
لكن خلف هذه الأرقام، ثمة قصص ومشاهد وسياسات تعكس خللاً عميقاً في إدارة الدولة، وتناقضاً صارخاً بين الشعارات والممارسة. فالكثير من الوعود التي أطلقها رئيس الحكومة كانت تحمل طابعاً إصلاحياً جذرياً، لكنها انتهت إلى صمتٍ إداري أو إلى مصيرٍ معلّق في دهاليز اللجان والمستشارين.
الملف السياسي: وعود الإصلاح التي ابتلعتها التسويات
في مقدمة الوعود غير المنفذة يبرز الحديث عن اتفاقية سنجار، تلك التي كان يفترض أن تعيد الأمن والاستقرار إلى القضاء المنكوب، لكنّها بقيت حبراً على ورق. لم تُنفذ أي خطوة عملية باتجاهها، رغم وعود رئيس الوزراء بـ“تضمينها ضمن البرنامج الحكومي”.
إلى جانب ذلك، لم يتحقق وعد إخلاء مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك من قبل الجهات الأخرى، بل تحوّل الأمر إلى صفقة سياسية أعادت الحزب إلى المدينة مع مقاره القديمة، في تناقض صريح مع التعهدات السابقة بـ“فرض سيادة الدولة”.
أما الملف الأكثر حساسية، وهو ملف محاربة الفساد، فقد تحول من وعدٍ بـ“بناء أدوات فعالة خلال 90 يوماً” إلى ساحة جديدة لتبادل الاتهامات. فبعد تشكيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد، لم يظهر أي أثر ملموس على الأرض، بل تزايدت ملفات الفساد، وكُشفت بعضها على لسان مسؤولين حكوميين، دون أن تتخذ أي إجراءات حقيقية. وكأن الهيئة التي كان يُفترض أن تكون سيف الحكومة أصبحت مجرد لافتة إدارية جديدة.
وفي زاوية أخرى من المشهد السياسي، بقيت اللجان الخاصة بتقييم المحافظين والوزراء والمديرين العامين مجمدة دون نتائج، رغم وعود رئيس الحكومة بإجراء تعديلات وزارية ومحاسبة المقصرين. ومع كل تصريح عن قرب “التعديل المرتقب”، كانت الأيام تمضي بلا تغيير، ليبقى التقييم معلقاً والفساد الإداري مستمراً بالوتيرة نفسها.
وحتى وعد السوداني بـ“تشكيل لجنة لتقييم عمل المسؤولين بالوكالة وإنهاء إدارتهم خلال ستة أشهر” لم يكتمل، إذ جرى التصويت على بعض المناصب فقط، بينما بقي العشرات في مواقعهم بالوكالة تحت مظلة المحاصصة الحزبية التي وعد السوداني بكسرها ذات يوم، فإذا به يعيد إنتاجها بأدوات جديدة.
الأمن المعلّق
في الملف الأمني، تبدو الصورة أكثر تعقيداً. فالعراق الذي وعد رئيس حكومته بإعادة انتشار قواته داخل المدن وفق خطط مهنية، ما زال يعيش ازدواجية السيطرة. الشرطة المحلية تسلمت الملف الأمني في بعض المحافظات، لكن الجيش ما زال ممسكا بزمام الأمور في محافظات أخرى، وهو ما يجعل وعد “إعادة الانتشار” ناقصاً ومجزوءاً.
وفي الجانب الإنساني، ظل ملف المفقودين أحد أكثر الملفات وجعاً، إذ لم تفِ الحكومة بوعدها “الكشف عن مصير المفقودين وشمولهم بقانون ضحايا الإرهاب”. الآلاف من العائلات ما تزال تنتظر خبراً أو أثراً لأبنائها، بينما اكتفت الحكومة بلجانٍ شكلية لم تُسفر عن شيء.
ولا يقل ملف تعويض المتضررين من العمليات الإرهابية مأساوية، فبعد ثلاث سنوات من الوعود لم تُخصص أي موازنة حقيقية لهم. وبهذا، بقيت مدن الموصل وصلاح الدين والأنبار شاهدة على وعود معلقة، وأطلالٍ لم تُرمم بعد.
الاقتصاد: إصلاحات مؤجلة وشعارات تائهة بين الموازنات الثلاثية
حين دخل السوداني إلى رئاسة الحكومة، رفع شعار “التحول الاقتصادي والتنمية المستدامة”، ووعد بإصلاح النظام المالي وإعادة هيكلة الموازنة لصالح المشاريع التنموية. لكن مع مرور الوقت، تبيّن أن السياسات الاقتصادية ظلت حبيسة النفقات التشغيلية والتعيينات الموسعة، من دون أثر ملموس على الاقتصاد الوطني.
فالوعد بـ“إصلاح النظام المصرفي” لم يتجاوز حدود التعاقد مع شركة أجنبية، والخطوات التنفيذية ما زالت في بداياتها. أما وعد “تقليل الاعتماد على النفط إلى 80% خلال ثلاث سنوات”، فبقي حُلماً مؤجلاً. إذ لم تُطلق أي مبادرة جادة لتنويع الإيرادات، بل على العكس، تزايد اعتماد الموازنة على العائدات النفطية حتى بلغت مستويات غير مسبوقة.
وفي ملف توحيد السياسة الكمركية، الذي عُدَّ من أهم أدوات دعم المنتج المحلي، لم تُغلق المنافذ غير الرسمية بعد، ولم تطبق التعرفة الجمركية الموحدة بشكل شامل، لتبقى الحدود مفتوحة أمام البضائع دون رقابة فعالة. أما الوعود بـ“تفعيل فحص السلع المستوردة” فلم تخرج من دائرة الحديث، فيما ظلت الأسواق العراقية غارقة بالبضائع الرديئة وغير المفحوصة.
وحتى مشروع ميناء الفاو الكبير، الذي شكّل أحد أبرز العناوين الاقتصادية للحكومة، بقي يتحرك ببطء، دون أن يرى العراقيون ثماره بعد، رغم الزيارات الميدانية والتصريحات المتكررة. كذلك لم يُنفذ وعد توسيع منظومة تصدير النفط من المنافذ الجنوبية والشمالية، في وقت تحتاج فيه البلاد بشدة إلى منافذ تصدير بديلة تحميها من الأزمات السياسية مع دول الجوار.
وما يزيد المفارقة وضوحاً أن الحكومة وعدت بتأسيس “صندوق العراق للتنمية”، وهو الوعد القليل الذي تم تنفيذه، لكنه بقي معزولاً عن بقية السياسات الاقتصادية، دون أن يحقق بعد الأثر الذي أُعلن عنه. في المقابل، بقيت الوعود بإطلاق الورقة الإصلاحية الاقتصادية الشاملة أو الصندوق السيادي للأجيال القادمة حبيسة الأدراج، دون أن ترى النور.
الخدمات العامة: بين صيفٍ بلا كهرباء وماءٍ ينتظر التحلية
في الملف الخدمي، تكاد الصورة تتكرر بذات الإيقاع: وعود كبيرة، وخطوات بطيئة، ونتائج جزئية.
فحملة “صيانة وتأهيل محطات الكهرباء” لم تحقق إلا نصف أهدافها، إذ ما تزال البلاد تواجه أزمات انقطاع التيار الكهربائي مع كل صيف، رغم العقود المبرمة مع شركات عالمية. أما مشروع تحلية ماء البحر في البصرة، الذي وُصف بأنه مشروع استراتيجي لإنقاذ الجنوب من العطش، فلم يبدأ فعلياً حتى الآن، وبقيت البصرة تئن تحت ملوحة المياه.
وعد السوداني بـ“توزيع نصف مليون قطعة أرض سكنية” للمواطنين بدا في البداية خطوة طموحة، لكنّه اليوم مثال صارخ على البيروقراطية والتأجيل، إذ لم تُنفذ المرحلة الأولى بعد ثلاث سنوات من الإعلان عنها، بحجة الإجراءات الإدارية المعقدة.
حتى مشروع الأبنية المدرسية الذي أُعلن عنه كـ“مشروع وطني” لم يتحقق بالكامل، رغم افتتاح بعض المدارس، بينما ما زالت آلاف الأبنية الطينية والصفيحية في المحافظات الجنوبية قائمة كما هي.
كما لم تُفعّل الحكومة وعدها بـ“تغيير استعمالات الأراضي العشوائية خلال 90 يوماً”، فبقيت المناطق السكنية غير النظامية من دون تقنين أو خدمات، وازدادت العشوائيات في أطراف بغداد والبصرة والنجف والناصرية، لتصبح ظاهرة متفاقمة يصعب السيطرة عليها.
أما في قطاع النقل، فإن وعود إعادة الهيكلة واستثمار موقع العراق الجغرافي لم تتجسد إلا جزئياً عبر إطلاق مشروع “طريق التنمية”، الذي لم يغادر بعد مرحلة الترويج الإعلامي. أما مشاريع الربط السككي والمطارات، فما تزال في طور الخطط والدراسات.
وفي المقابل، تحقق وعد الضمان الصحي كخطوة تنظيمية محدودة، لكنه لا يزال بعيداً عن الهدف الأساسي بتحسين الخدمات الطبية. فالقطاع الصحي ما زال يعاني من ضعف التجهيزات ونقص الكوادر وتردي البنى التحتية، فيما بقيت الوعود بـ“رفع كفاءة التعليم” و“تشكيل فريق وطني للتطوير التربوي” حبيسة التصريحات.
مشاريع القوانين: نصوص مكتوبة تنتظر التشريع
وعلى الصعيد التشريعي، تعهدت الحكومة بتقديم سلسلة من مشاريع القوانين الحيوية، لكنّ معظمها لم يصل إلى البرلمان أو لم يقر حتى الآن.
فـقانون النفط والغاز، الذي يُعدّ العمود الفقري لتنظيم العلاقة بين بغداد وأربيل، بقي في طي النسيان، على الرغم من أهميته في حسم واحدة من أعقد الأزمات الاقتصادية والسياسية.
كما لم يُقدم قانون الخدمة المدنية ولا قانون مجلس الاتحاد ولا قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهي تشريعات طال انتظارها. أما قانون حرية التعبير عن الرأي، فرُحِّل إلى أجلٍ غير مسمى بسبب الخلافات السياسية حول بنوده، فيما بقي تعديل المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية دون أي تحرك حكومي.
صحيح أن بعض القوانين أُنجزت، مثل قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للقطاع الخاص، لكن الأغلبية ظلت تراوح مكانها، ما يجعل الوعود التشريعية واحدة من أكثر النقاط التي كشفت عجز الحكومة عن تحويل رؤاها إلى واقع قانوني مؤسسي.
المبادرات والاستراتيجيات: إطلاق إعلامي دون حياة تنفيذية
على مدار السنوات الثلاث، أطلق السوداني أكثر من عشر مبادرات واستراتيجية وطنية في مجالات الشباب والمرأة والتعليم والمناخ ومكافحة المخدرات والانتحار، لكنّ أغلبها لم يغادر مرحلة “الإعلان الرسمي”.
فمبادرة التشجير الكبرى التي وعدت بزراعة خمسة ملايين شجرة ونخلة، لم تُنفذ، رغم أهميتها البيئية القصوى في مواجهة التصحر والعواصف الترابية.
أما الاستراتيجية الوطنية للمرأة، فبقيت دون أي تعليمات تنفيذية، مثلها مثل الاستراتيجية الوطنية للتعليم والسياسة السكانية المحدثة التي أُطلقت وسط ضجيج إعلامي ثم اختفت دون أثر.
وحتى الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار، التي كانت من المفترض أن تشكل استجابة إنسانية لموجات الانتحار المتصاعدة بين الشباب، بقيت معلقة بلا تنفيذ.
في المقابل، نُفذت جزئياً مبادرات مثل “ريادة للتنمية والتشغيل” و“سفراء الشباب”، لكنها لم تتحول إلى مشاريع وطنية مستدامة، بل إلى برامج محدودة التأثير.
ما بين الخطاب والواقع: دولة تُدار بالشعارات
عند قراءة سجل الوعود غير المنفذة في عهد السوداني، يبدو واضحاً أن المشكلة لم تكن في قلة الموارد، ولا في غياب الأفكار، بل في ضعف الإرادة التنفيذية وتشتت القرار الحكومي بين القوى السياسية المتحكمة بمفاصل الدولة.
واليوم، ومع اقتراب الانتخابات النيابية المقررة في 11 تشرين الثاني الجاري، تدخل الحكومة مرحلة تصريف الأعمال وهي تحمل إرثاً ثقيلاً من الوعود غير المنجزة، فيما الشارع العراقي ينظر بعيونٍ متشككة إلى أي وعود جديدة.
فالناس الذين انتظروا ماءً وكهرباءً وخدماتٍ وعملاً، لم يعودوا يعيرون اهتماماً للبيانات الوزارية أو للمؤتمرات الصحفية. لقد سمعوا الوعود كثيراً، لكنهم لم يلمسوا التغيير الذي وُعدوا به.
ثلاث سنوات من الحكم، وسبعون وعداً رسمياً، ونتيجة نهائية تقول إن حكومة محمد شياع السوداني لم تستطع أن تترجم أكثر من ربع برنامجها إلى إنجازات حقيقية.
