سماء العراق وصراع الأقطاب
انفوبلس/..
تتسابق دول "العالم الأول" فيما بينها بمضمار التسليح لصناعة أكثر الأسلحة والمعدات تطوراً وأقواها ذكاءً وفتكاً، كما يُعد هذا المجال من أكثر المجالات المغذّية لاقتصادات تلك الدول فضلاً عمّا يوفره من قوة ونفوذ وسيطرة على العديد من الدول الأخرى عبر الترغيب والترهيب وإثارة الأزمات في بعض الأحيان، وأخذت تلك المفاهيم بالتطور حتى وصل العالم إلى نقطة لامنطقية حيث تبدلت الوسائل بالغايات، وتشير لتلك النقطة الناشطة السياسية الهندية "سوزانا أرونداتي روي" بمقولتها الشهيرة: (في الماضي كانت الأسلحة تُصنع للقتال في الحروب، أما اليوم فتُصنع الحروب لبيع الأسلحة).
دول "العالم الثالث" تتسابق فيما بينها هي الأخرى على شراء وامتلاك تلك الأسلحة.. بعضها للحروب وبعضها الآخر بهدف توفير قوة ردع لتجنب أية حروب محتملة، ومن بين أهم المعدات العسكرية لأي بلد يسعى للمحافظة على أمنه والسيطرة على حدوده هي "منظومات الدفاع الجوي".
عراق ما بعد 2003 سعى جاهداً لامتلاك منظومات دفاع جوي متطورة تتصدى للخروقات الجوية أو الهجمات التي تنفذها الطائرات المسيّرة بين فينة وأخرى، ومنذ سقوط النظام السابق لم يحصل سوى على منظومات أميركية وروسية قصيرة المدى، إضافة إلى بعض الرادارات التي أُعيد تأهيلها من مخلفات الجيش السابق.
هذه المساعي لم تُكلل بالنجاح بالشكل المطلوب، ولم يحصل العراق على مبتغاه من منظومات الدفاع الجوي لكنه حصل على ما يمكن الحصول عليه وتعمل الحكومات المتعاقبة على هذا الملف بشكل مستمر بهدف امتلاك ما يمكن العراق من حماية سيادته ضد الانتهاكات الجوية المتكررة.
روسيا وأمريكا وسماء العراق..
يتلقى العراق المنظومات الروسية بصورة منتظمة منذ عام 2014. ووفقاً لـ "معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام" طلب العراق عام 2012 ما يلي: 48 منظومة دفاع جوي متنقلة صاروخية- مدفعية من نوع "بانتسير-أس 1" يبلغ نطاق اشتباكها 12 كلم، ومماثلة لمنظومة "أفنجر"، و1200 قذيفة صاروخية خاصة بها، و500 "منظومة دفاع جوي محمولة" من نوع "إيغلا-أس" منها ما يُطلق من الكتف ومنها ما يركَّب على الآليات.
أما بخصوص الجانب الأمريكي فقد طلب العراق عام 2013 شراء منظومة دفاع جوي متكاملة أمريكية الصنع بكلفة 2,4 مليار دولار، بهدف نشرها بحلول عام 2020. وتضمّنت هذه الصفقة ثلاث مدفعيات صواريخ أرض-جو من نوع "هوك 21" تحلّق على ارتفاعات متوسطة وذات مدى اشتباك يتراوح بين 35 و56 كلم، بالإضافة إلى أربعين منظومة دفاع جوي من نوع "أفنجر" تستخدم الرشاشات والصواريخ لضرب أهداف من على ارتفاع منخفض يصل إلى 8 كلم كحد أقصى، ورادارات مراقبة متصلة بها، وأنظمة قيادة وتحكم، ومراكز عمليات تحت الأرض، إلى جانب التدريب. ولكن.. حتى الآن لم يتم تسليم سوى ثمان منظومات "أفنجر" بينما لا يزال ما تبقى من الصفقة قيد الانتظار.
"منزل بلا سقف"..
بسبب الانتهاكات المتكررة للأجواء العراقية وعدم وجود منظومات دفاع جوي متطورة يرى العراقيون أنهم يعيشون في خطر مستمر، ما يدفعهم -برفقة الجهات المتضررة بشكل مباشر من الانتهاكات الجوية- إلى الضغط المستمر على الحكومة لإيجاد الحلول والتي تعمل بدورها في عدة اتجاهات لتحقيق أمن الأجواء. بعد استلام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني زمام قيادة القوات المسلحة العراقي منذ ما يزيد على 3 أشهر، شرع بمراجعة ملف التسليح، ووجه بإعادة النظر بآليات التعاقد في ضوء الأولويات المدروسة، وأنْ يجري تقديم الدفاع الجوي في جانب التسليح والتجهيز، كما وجّه بالتنسيق الدقيق مع وزارة المالية من أجل رصد المبالغ التي تتطلبها الخطّة التسليحية.
لجنة التسليح في وزارة الدفاع ناقشت مع السوداني هذا الملف للمرحلة المقبلة، وتعمل على تقديم تقرير مفصّل عن واقع التسليح الحالي للقوات المسلحة، وأهم الاحتياجات، كما أنها ستضع خطة شاملة للتسليح تستند إلى الواقع الميداني بتحديد نوعيات الأسلحة المطلوبة، وتحديد مناشئها أيضا.
توجيهات السوداني نصّت على أن تجهز خطة التسليح قبل إتمام الموازنة المالية للعام الحالي، حتى تتم مراجعتها وتعديلها، ومن ثم تحديد التخصيصات المالية المطلوبة لها.
لجنة الأمن والدفاع النيابية أعلنت أنها بانتظار خطة السوداني ووزارة الدفاع بما يخص ملف التسليح وأكدت دعمها لها بعد دراستها في مجلس النواب، لأن وزارة الدفاع يجب أن تحظى باهتمام الحكومة الكافي، من أجل الوصول إلى الجاهزية المطلوبة.
مصادر في الجيش العراقي كشفت أن القيادات العسكرية في البلاد توصلت إلى استراتيجية كاملة لتطوير سلاح الجو وقيادة الدفاع الجوي، بشكل يضمن إمكانية استغناء العراق عن أي دعم جوي أو معلوماتي، غير عراقي، و أن الخطة العسكرية التطويرية تشمل تطوير ترسانة سلاح الجو العراقي بطائرات قتالية وأخرى مسيّرة قاصفة أو لأغراض مراقبة الأجواء، كما تشتمل على إعادة تأهيل القواعد العسكرية الجوية، وإخضاع العاملين فيها إلى دورات تأهيل متطورة.
وأضافت أن قيادة الدفاع الجوي العراقية ستحصل بموجب الخطة على رادارات جديدة ومتطورة من دول أوروبية مختلفة، كما ستحصل على منظومات ردع صاروخية لمنع أي انتهاك للأجواء العراقية.
أنباء من تحت الطاولة..
خلال السنوات الأخيرة، وبعد تأخر العراق عقدين كاملين عن تأمين أجوائه بشكل كامل، انتفضت العديد من الجهات ضد التلكؤ وعدم الجدية والفساد والصراعات السياسية المؤدية إلى وضع سماء البلاد الراهن، فاقترحت على الجهات المختصة تنويع مصادر الحصول عن أسلحة الدفاع الجوي، والتخلص من الهيمنة والوصاية الأمريكية بهذا المجال.
تشير تقارير أمريكية "متخوفة" وأنباء عراقية "متفائلة" إلى وجود اتفاقات أو تفاهمات غير رسمية لغاية الآن، بعضها حكومية وأخرى غير حكومية مع الصين وإيران وعدة دول أخرى لحصول العراق على منظومات دفاع جوي من هذه الجهات وترك الاعتماد على الصفقات الأمريكية كونها باهضة التكاليف من جهة، ومتلكئة وغير جدية من جهة أخرى.
في عام 2019 أعلن قائد قوة الدفاع الجوي التابع للجيش الايراني العميد علي رضا صباحي فرد، خلال استقباله رئيس الجانب العراقي في اللجنة المشتركة للتعاون العسكري بين البلدين اللواء طارق عباس ابراهيم عبدالحسين، استعداد ايران الكامل لتوفير حاجات الدفاع الجوي العراقي في جميع التخصصات.
وأضاف العميد صباحي فرد، أن قوة الدفاع الجوي لجيش الجمهورية الاسلامية الايرانية، بفضل الاعتماد على النخب العلمية والخبراء التقنيين الاأفاء قد بادروا الى انتاج مختلف منظومات الدفاع الجوي ومنها الرادارات التكتيكية والثابتة والمنظومات المدفعية والصاروخية ومعدات جمع الاشارات ومعدات الحرب الالكترونية والطائرات المسيرة مع المهمات المختلفة في الذبذبات والمديات.
ومع وجود هذا الاستعداد الإيراني للتعاون مع العراق، لكن قرار مجلس الأمن رقم 2231، يحظر بيع الأسلحة الإيرانية بشكل رسمي إلى العراق على خلفية ما يجري بخصوص الاتفاق النووي وعدم اكتماله، لكن ترى بعض الجهات الأمريكية والمحلية أن طهران أوصلت بالفعل -وبشكل غير رسمي- منظومات دفاع جوي إلى القوات العراقية الرافضة للهيمنة الأمريكية، وأبرزها منظومة خرداد 3. و"خرداد 3" هي منظومة دفاع جوي إيرانية الصنع، ذات مدى متوسط وقدرة عالية على التحرك صُنِعَت محلياً في مركز الأبحاث الدفاعية الرادارية التابع للحرس الثوري، تم الكشف عنها سنة 2014م، وهي إحدى أفرع منظومة سوم خرداد الصاروخية.
وفي ظل عدم وجود تأكيد أو نفي رسمي لهذه الأنباء، لكن إذا وجد العراق صعوبة كبيرة في شراء أسلحة روسية أو إيرانية ، يمكنه شراء أنظمة دفاع جوي مثل "أستر" أو "إف إم 2000" أو "إتش كيو 22" من أوروبا أو الصين، حيث اشترى العراق أربع طائرات بدون طيار مسلحة من طراز CH-4 من الصين في عام 2014 ، مما يشير إلى استعداده لتنويع مصادر شراء المعدات العسكرية.