سيمنز في العراق.. 90 عاماً من العمل في بيئة وعرة سياسيا

انفوبلس..
لـ9 عقود، وشركة سيمنز الألمانية تعمل في العراق بمجال الطاقة، حيث بدأت عملها عام 1930 بتزويد العراق بالطاقة الكهربائية عبر معداتها الكهربائية، واستمرت وصولا لعام 1981 حيث قامت بتطوير البنية التحتية للطاقة مع المؤسسة العامة للكهرباء، وفي عام 2009 قامت الشركة بتوريد توربينات الغاز والمفاتيح الكهربائية والمحولات لوزارة الكهرباء، وفي عام 2017 قامت بتوزيع 50% من الكهرباء في العراق بواسطة تقنياتها، أما عام 2018 فقد شهد توقيع مذكرة تفاهم تاريخية مع وزارة الكهرباء لتنفيذ خارطة طريق متكاملة، كما تم إبرام اتفاق تمويلي لتطوير قطاع الطاقة العراق بين المصرف العراقي للتجارة ومصرف ستاندرد تشارترد وسيمنز، وفي عام 2019 تم إبرام اتفاقية مع الحكومة العراقية لبدء تنفيذ خارطة الطريق لتوفير إمدادات كهربائية موثوقة بأسعار معقولة.
قبل أيام، رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني توجه على رأس وفد رفيع إلى ألمانيا لبحث عدة ملفات أبرزها في مجال الاقتصاد في زيارة عنونتها الحكومة بأنها تهدف لتنويع مصادر الدخل وتطوير قطاع الطاقة وبناء اقتصاد قوي يمنح الشباب العراقي فرصة للاستثمارمؤكدة أن شركة سيمنز تعمل على توفير الكهرباء لنحو 23 مليون عراقي من خلال 13 محطة كهرباء في جميع أنحاء البلاد وأن محطات الطاقة هذه هي حجر الزاوية لإعادة إعمار العراق لأنها ضرورية للتنمية الاقتصادية للبلاد.
خلال الزيارة وقّعت الحكومة العراقية مذكرة تفاهم مشتركة مع شركة سيمنز تنطوي على جملة من الفقرات الأساسية التي تشكل خارطة عمل لتطوير منظومة الكهرباء في العراق، حيث تعمل شركة سيمنز بالتنسيق مع وزارة الكهرباء، على وضع خطة متكاملة لمنظومة الكهرباء بشكل عام، تتضمن حلولا للمشاكل، كما تقوم الشركة بإنشاء محطات توليد جديدة.
مذكرة التفاهم تضمنت تقديم شركة "سيمنز" دراسة متكاملة للعراق، تتضمن الكيفية التي يتم فيها الاستفادة من الغاز المصاحب، في دعم وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية، كما تضمنت توقيع اتفاقية طويلة الأمد، لصيانة وتأهيل الوحدات العاملة في العراق التي أنشأتها شركة سيمنز، فضلا عن تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، وهي الطاقة الشمسية وحركة الرياح، وإنشاء محطات تحويل في عموم مناطق العراق، إلى جانب تطوير وتأهيل كوادر وزارة الكهرباء ونقل الخبرات، كما أن المذكرة ستضيف 6 آلاف ميغاواط للمنظومة الوطنية ستعالج جزءا كبيرا واستراتيجيا من مشاكل الاختناقات في الشبكة الوطنية وسينعكس إيجابا على زيادة ساعات التجهيز بعد إكمالها.
قادة العراق وقطاع الطاقة..
منذ عام 2003 يمثل قطاع الطاقة أحد أكبر المشاكل والتحديات التي تواجهها الحكومات المتعاقبة ويعاني منها الشعب العراقي، وتشكل الأبعاد السياسية والاتصال الكبير بين السياسة والطاقة ضغطاً لا يمكن تجاهله يجبر كل حكومة إلى ترحيل الأزمات إلى الحكومة التي تليها والخروج بأكبر مكاسب وأقل وعود ممكنة مما يؤدي في كل مرة إلى استياء شعبي تقابله تحركات سياسية بعضها جادة وبعضها إعلامية فقط للنهوض بواقع الطاقة في بلد لم يشهد استقرارها منذ دخولها إليه مطلع القرن السابق.
بعد التصويت على الدستور وانتهاء حقبة الطائفية واستقرار الحكومة بشكل نسبي، وخلال حقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بدأ العمل على تحسين واقع الطاقة في العراق وفتح العراق أبوابه للشركات الأجنبية والاستثمارات لتطويره وانطلقت الوعود الحكومية لطمأنة الشارع بأن الكهرباء في المتناول وأن ما يفصل العراقيين عن استقرارها هو الوقت فقط، ولعل أبرز التصريحات الحكومية في تلك الحقبة هو تصريح وزير الكهرباء آنذاك حسين الشهرستاني والذي أكد بأن العراق سيحقق الاكتفاء من الطاقة الكهربائية ويقوم بتصدير الفائض بحلول عام 2012، ومع حلول ذلك العام والعام الذي يليه أدركت الحكومة والعراقيون على حد سواء بأن القضية ليست بهذه السهولة، وأن التعقيدات في هذا القطاع لا تقل عن تعقيدات العملية السياسية وربما تفوقها في بعض الأحيان.
خلال تلك الفترة اتجهت حكومة المالكي في بادئ الأمر إلى الشركات الكورية لبناء المحطات الكهربائية والمشاريع الأخرى في البلاد، وعند عدم تحقيق المطلوب لجأت الحكومة إلى شركتي سيمنز الألمانية وجنيرال إلكترك الأمريكية لتحسين واقع الكهرباء في العراق، وهذا ما فتح باباً للصراع الاقتصادي والسياسي لم يُغلق حتى يومنا هذا.
فيما بعد، وصف المالكي العقود الموقّعة مع هذه الشركات بـ"العقود الغبية"، كونها تنص على نصب محطات كهربائية تعمل بالغاز وبكل بساطة العراق لا يمتلك الغاز، محمّلاً وزارة الكهرباء مسؤولية الخلل الكبير في تلك العقود، والتي بدورها تجاهلت تصريحات رئيس الوزراء وأكدت أن كوادرها تعمل بجد لتوفير الطاقة.
لاحقاً، وفي حقبة حيدر العبادي، استمرت الحكومة بالعمل مع شركتي سيمنز وجنيرال إلكترك، مع استمرار نفس المعرقلات والتحديات التي رافقت القطاع في السنوات السابقة، كما ظهرت فكرة "خصخصة الكهرباء" ودخلت حيّز التنفيذ بشكل خجول في بعض مناطق البلاد في وقت رافقته أزمة اقتصادية كبيرة اضطرت الحكومة إلى اتباع سياسة تقشفية تسببت بشكل أو بآخر باندلاع احتجاجات بعضها شعبية وأخرى سياسية انتهت باقتحام المنطقة الخضراء.
صراع السياسة يغذي قطاع الطاقة بالأزمات..
سيمنز وجنيرال إلكترك لا تمثلان شركتين في مجال الطاقة فحسب، ولكن تمثلان صراعا دوليا ومحليا بين العديد من الأقطاب، حيث لكل محور محلي اتجاه خارجي مفضل لتطوير قطاع الطاقة، ولكل محور خارجي أذرع في الداخل تعمل على تثبيته واكتسابه الحصة الأكبر في هذا القطاع.
حكومتا المالكي والعبادي حاولتا إمساك العصا من المنتصف واتجهتا نحو الشركتين المشهورتين في الوقت ذاته للتخفيف من حدة التوتر والصراع في هذا المضمار، ولكن اتضح بمرور الوقت أن هذه الطريقة لم تشفع لهذا القطاع ولم تساعده على النهوض وتلبية حاجة المواطنين من الكهرباء.
حكومة عادل عبد المهدي اتبعت سياسة مختلفة نوعا ما، حيث انحازت نحو سيمنز بشكل واضح وشرعت بإعطائها مفاتيح الكهرباء في العراق بشكل كامل ما دفع حلفاء جنيرال إلكتريك في الداخل وداعميها في الخارج إلى الضغط على الحكومة لإشراكها في العمل بهذا القطاع، ومع استمرار الضغط نجحت الشركة بالحصول على عدة عقود بلغت قيمتها مليارات الدولارات في العراق.
أما حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي فقد كانت عكس سابقتها، حيث اتجهت بقوة نحو جنيرال إلكتريك، الأمر الذي عرّضها لضغوط هي الأخرى وأجبرها على إعادة التعامل مع سيمنز واتباع سياسة متوازنة بهذا الصدد.
يتضح أن الميول السياسية لشخوص قادة الدولة يسيّرها نحو شركات معينة دون الأخرى، فالقريب من المحور الغربي يفضّل جنيرال إلكتريك والقريب من المحور الشرقي يفضّل سيمنز، وهذا الصراع والتركيز على تلك الشركتين لا يعني عدم وجود شركات أخرى تعمل في قطاع الطاقة في العراق، بل على العكس هنالك عشرات الشركات من عشرات الدول، لكن جميعها لا تصل إلى حجم ونفوذ وسطوة تلك الشركتين، إضافة إلى أنهما تمثلان بصورة واضحة وجليّة صراع المحاور وتداخل السياسة بالطاقة.
من الجدير بالإشارة إلى أن معرقلات قطاع الطاقة في العراق لا تقتصر على الجانب السياسي فقط، فهنالك عشرات الجوانب التي تسبب العراقيل أبرزها الفساد وسوء الإدارة وعدم وجود خطط بعيدة الأمد وغيرها.
السوداني بين تركة الصراعات ومستقبل الطاقة..
بعد 3 أشهر من تكليفه بتشكيل الحكومة، رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني اختار التوجه إلى ألمانيا لتطوير قطاع الطاقة العراقي، وبدأ خطواته بزيارة برلين مع وفد رفيع المستوى جرى خلالها توقيع مذكرات تفاهم وبحث سبل العمل على هذا القطاع.
المستشار الألماني أولاف شولتس دعا خلال تلك الزيارة العراق إلى المساهمة في إمداد العالم بالغاز في ظل النقص الحاصل لدى الغرب بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، مؤكداً أن العراق دولة مهمة في مجال الطاقة سواء على صعيد النفط أو الغاز، وهو يسعى ضمن منظمة أوبك لتلبية احتياجات السوق العالمية بما يؤمن مصالح المنتجين والمستهلكين.
السوداني ذكر أن العراق تواجهه إشكالات بسبب عمليات حرق الغاز التي تصاحب إنتاج النفط، وأوضح حجم الغاز كبير ويمكن أن يسهم في توريد سبعة آلاف ميغاواط. هذا الغاز يُحرق يوميا وهو حرق للأموال.
وحول صفقة التعاون التي وقعها العراق مع شركة سيمنز الألمانية، خلال زيارته إلى برلين، أكد السوداني أن "هذه المشاريع مشاريع مهمة سوف تساهم في تأمين الطاقة الكهربائية ستعقب هذه المذكرة، توقيع عقود في بغداد. الشيء الإيجابي أننا هيأنا التخصيصات المالية لتنفيذ هذه المذكرة وهذه من أهم الخطوات التي تختلف عن سابقاتها من مذكراتها كانت مسألة تأمين المخصصات المالية أهم عائق".
وزارة الكهرباء أكدت أن المذكرة ستضيف 6 آلاف ميغاواط للمنظومة الوطنية، وأن أهمية المذكرة الموقعة تكمن في كونها وقّعت مع أهم الشركات العالمية الرصينة في مجال الطاقة، وأن العمل بالمذكرة سيحل مشاكل النقل والتوزيع في المنظومة، وسيسهم في إنشاء محطات تحويلية وخطوط ناقلة.
وأوضحت أن العجز بالتجهيز يصل إلى أكثر من 12 ألف ميغاواط، وأن جزءاً من هذا العجز سيعالج من خلال من مشاريع (سيمنز) والجزء الآخر سيعالج عبر مشاريع لشركات استثمارية كبرى عالمية، فضلاً عن الاعتماد على الطاقة المستوردة من دول الجوار وهناك مشاريع قيد التنفيذ باتجاه البصرة مع هيئة الربط الخليجي وبغداد مع الجانب السعودي والموصل مع الجانب الأردني والتي تكون ميزتها هي خطوط تعمل بنظام يعتمد على الحاجة.