فضيحة المعلومات المغلوطة.. هيام الياسري تحت تدقيق "انفوبلس": ضعف معلوماتها وأخطاؤها تُثير الغضب والانتقادات
انفوبلس/..
أثار الحوار المطول الذي أجرته وزيرة الاتصالات هيام الياسري، موجة من الانتقادات بعد أن تضمّن جملة من التصريحات غير الدقيقة والمعلومات المضللة، سواء بشأن توجهات دول أوروبية نحو تقييد استخدام الأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي، أو فيما يتعلق بتبرير حجب موقع IMDb العالمي، الذي أثار جدلاً واسعاً في الشارع العراقي نهاية عام 2024.
يستعرض تقرير شبكة "انفوبلس" تفاصيل الأخطاء الثلاثة الأبرز في تصريحات الوزيرة، ويحلل خلفياتها، ويقارنها بالوقائع الموثقة والمصادر الدولية، لبيان مدى دقة المعلومات التي تصدر من مسؤول رسمي في موقع تنفيذي حساس.
أولاً: الخلط بين هولندا وفنلندا
قالت الياسري خلال اللقاء، إن "إحدى الدول هولندا أو فنلندا وزيرة الاتصالات عدهم اللي همه يسموها وزيرة الرقمنة تطالب بتشريع قانون لمنع الأطفال من التواصل الاجتماعي".
يكشف التدقيق أنّ الوزيرة هيام الياسري كانت تعني في حديثها "وزيرة الدولة للرقمنة" في هولندا ألكساندرا فان هوفيلين، إذ أنّ فنلندا تعتمد اسم "وزارة النقل والاتصالات"، وهي لم تطالب بتشريع قانون يحظر مواقع التواصل الاجتماعي، واقتصر دورها في هذا السياق على توصيات ونصائح غير ملزمة.
وشغلت هوفيلين المنصب من كانون الثاني/يناير 2022 حتى حزيران/يونيو 2024، دون أنّ تقدم مشروع قانون حظر صريح لمواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة للأطفال، لكنها دعمت التوصيات الحكومية بشأن حماية الأطفال من وسائل التواصل الاجتماعي.
في حزيران/يونيو الماضي، نصحت الحكومة الهولندية، الأهالي بعدم السماح لأطفالهم الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا باستخدام منصات التواصل الاجتماعي مثل الـ TikTok وInstagram، بسبب آثار سلبية على الصحة النفسية والبدنية، كما وقّع نحو 1400 طبيب وخبير في رعاية الأطفال بهولندا على رسالة عامة، طالبوا فيها الحكومة بمنع الأطفال دون سن 14 عامًا من امتلاك الهواتف المحمولة وتقييد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي حتى سن 16 عامًا.
وبذلك، فإن الوزيرة أساءت تفسير التوجه الحكومي الهولندي، وخلطت بين "توصية وقائية" و"تشريع قانوني"، مما يُظهر ضعفاً في دقة نقل المعلومات الدولية ضمن سياق رسمي.
ثانياً: الخطأ في توصيف التشريع البريطاني
كما قالت وزيرة الاتصالات: "البريطانيين جاي يدرسون تشريع أنه وسائل التواصل الاجتماعي ما يشوفها الطفل إلا لساعتين فقط في اليوم". لكن التصريح غير دقيق، إذ أنّ مقترح التشريع الذي يدرس في بريطانيا لا ينص على تحديد وقت وصول الأطفال إلى مواقع التواصل الاجتماعي بـ "ساعتين فقط".
وتشهد بريطانيا نقاشات بخصوص إمكانية تشريع أو إجراء يحدّ من وقت استخدام الأطفال لمنصّات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك فكرة حظر يومي لساعة أو ساعتين، أو فرض حظر ليلي بعد الساعة العاشرة مساءً.
فيما أوضح وزير التكنولوجيا البريطاني، بيتر كايل، أنه "يُدرس بجدية فرض حد أقصى لمدة ساعتين لكل منصة، بعد اجتماعات مع موظفين حاليين وسابقين في شركات التكنولوجيا، كما نوقش فرض حظر تجول ليلي أو مدرسي".
ومع ذلك، فإن فكرة تخصيص "ساعتين لكل منصة"، إن طُبّقت، قد تُفضي إلى وقت إجمالي طويل جدًّا لاستخدام الأطفال لوسائل التواصل. فلو احتسبنا المنصّات الثماني الأكثر انتشارًا بين المراهقين (مثل إنستغرام، تيك توك، سناب شات، يوتيوب، إلخ)، فإن الحدّ المقترح قد يسمح بوصول يومي يصل إلى 16 ساعة (ساعتان × 8 منصّات)، وهو ما يُثير تساؤلات حول فاعلية مثل هذا الإجراء في الحدّ الفعلي من الاستخدام المفرط.
بالتالي، فإن حديث الوزيرة عن "تشريع لساعتين فقط في اليوم" ينطوي على تبسيط مخلّ وتشويه للوقائع، ويُظهر ضعف متابعة للمصادر التشريعية الأصلية في بريطانيا.
ثالثاً: حجب IMDb.. بين سوء الفهم والمعلومات المضللة
قالت الياسري، "بالنسبة لموقع IMDB على أساس يتعلق بالمسلسلات والافلام إحنا مشتركين مع منظمات عالمية منظمات مجتمع مدني تنطي قوائم دورية بالمواقع الإباحية والمسيئة تصلنا المواقع تبين أن الموقع ظاهرًا لتقييم المسلسلات والافلام بس هو من تدخل عليه يوديك لمئات وآلاف الروابط مال المواقع الإباحية".
التصريح مضلل، إذ أن موقع "IMDb" يعتبر من أشهر المنصات العالمية المتخصصة في تقييم الأفلام والمسلسلات ومراجعاتها، ولا يتضمن محتوى إباحياً، بل أفلامًا ومسلسلات متنوعة من بينها محتوى متخصص للكبار، لا يعتبر إباحيًا، كما لم تحدد الوزيرة على وجه الدقة هوية "المنظمات العالمية" التي تتعامل معها الوزارة لكشف "المواقع الإباحية".
ويعتبر موقع IMDb، أكبر قاعدة بيانات عبر الإنترنت للمعلومات المتعلقة بالأفلام والمسلسلات التلفزيونية والبودكاست ومقاطع الفيديو المنزلية وألعاب الفيديو ومحتوى البث عبر الإنترنت، بما في ذلك أخبار الممثلين وشركات الإنتاج والسير الذاتية الشخصية وملخصات المؤتمرات والتقييمات والمراجعات النقدية، ومن خلال البحث داخل الموقع باستخدام كلمات مفتاحية إباحية، لم يتم العثور على أي محتوى إباحي، بل اقتصر على أخبار مكتوبة عن الفنانين.
وموقع "Internet Movie Database" الذي يُعرف اختصارًا بـ"IMDb" قد تأسس في بريطانيا عام 1990 على يد كول نيّدهام، ليوفر لزواره أكبر قاعدة بيانات للأفلام والمسلسلات العالمية، ويمكن لزوار الموقع الذين يصل عددهم إلى حوالي 800 مليون شهريًا، تفقد التصنيف العمري المتعارف عليه وتحديد المحتوى المناسب لهم. وفي صفحة كل عمل فني توجد 5 خانات تتعلق بمحتوى العمل، تتضمن أكثر من 600 مليون عنوان من مختلف الأشكال الفنية العالمية، فيما تكون الأعمال الإباحية في الوضع الافتراضي خارج نطاق البحث ولا تفعّل إلا عندما يغير زائر الموقع الإعدادات.
واعتبارًا من عام 2019، كان IMDb هو الموقع 52 الأكثر زيارة على الإنترنت، كما صنفته أليكسا، واعتبارًا من مارس 2022، احتوت قاعدة بيانات الموقع على حوالي 10.1 مليون عنوان (بما في ذلك الحلقات التلفزيونية)، و11.5 مليون سجل شخص، و83 مليون مستخدم مسجل.
رابعاً: خلفية قرار الحجب وتداعياته
وفي 26 تشرين الثاني نوفمبر 2024، قامت وزارة الاتصالات بحجب عدد من المواقع في بذريعة حماية المنظومة الأخلاقية من "المحتوى الفاحش والهابط الذي يضر بنسيج المجتمع"، ومنها موقع "IMDb"، ما أثار رفضًا واستياءً واسعًا من قبل الشارع العراقي.
وبعد الضجة التي أثارها القرار، بررت الوزارة الإجراء بـ "رصد محتوى هابط وغير أخلاقي" في الموقع المذكور، إذ قال نبيل عبد الباقي المدير العام لشركة السلام العامة، إحدى تشكيلات وزارة الاتصالات، إنّ "حجب موقع (IMDb) جاء بناءً على رصد محتوى هابط وغير أخلاقي في الموقع المذكور بأكثر من اتجاه""، مؤكدًا أنّ "قرار الحجب لم يكن عشوائيًا عكس ما يروج له، وإنما تم بعد مراقبة ومتابعة مستمرة وعلى أساس ذلك حجب الموقع، كونه يروج للمحتوى الهابط الذي يضم عددًا من الأفلام الإباحية والصفحات غير أخلاقية".
لكن ادعاء المسؤول في وزارة الاتصالات جاء في وقته مضللًا، حيث أجرينا بحثًا باستخدام المفردات المتعلقة بالأفلام الإباحية ضمن الموقع، ولم يجد أثر لما تحدث نبيل عبد الباقي المدير العام لشركة السلام العامة في سياق تبرير قرار الحجب.
على هذا الأساس، اضطر رئيس مجلس الوزراء محمد شياع إلى إصدار توجيه بمراجعة قرارات الحظر إلى وزارة الاتصالات. ونص التوجيه "إجراء اللازم بشأن اعادة النظر بقرار حجب الموقعين الإلكترونيين (IMDB وSoundcloud)"، كما نص على "عرض مثل هكذا قرارات على مجلس الوزراء قبل اتخاذها".
ومع ذلك، قد يحتوي IMDb على معلومات حول أفلام تصنف على أنها "للبالغين" أو تحتوي على محتوى مخصص للجمهور الناضج، ولكن هذا لا يعني أنها أفلام إباحية، حيث تندرج الأفلام تحت تصنيف "Adult"، وتكون غالبًا لها قصة أو سياق فني، وليست موجهة للإباحية بحد ذاتها.
ونادراً ما يتم حظر موقع IMDb في البلدان، ولعل أشهر حظر للموقع كان من قبل الصين عام 2010، حيث استمر الحظر نحو 3 سنوات قبل أن تعيد افتتاحه عام 2013 دون تقديم أي تفسير عن سبب الحظر. ويرجح بحسب موقع IMDB أن يكون السبب حينها هو عرض فيلم وثائقي باسم "التنين الشمس" والذي يتحدث عن حركة التبت الحرة بقيادة الدالاما.
خامساً: السند القانوني.. غطاء قضائي أم تأويل مفرط؟
واستندت وزارة الاتصالات في قراراتها على حجب المواقع الإلكترونية في العراق، إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي صدر في آذار مارس 2024، حيث ألزمت أعلى سلطة قضائية في البلد، وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات، بحجب المواقع وشبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل الإلكتروني التي "تتضمن صناعة ونشر المقاطع الجنسية والإيماء بالإغراءات الجنسية المخلة بالأخلاق والآداب"، وتضمن الحكم الصادر من المحكمة حجب مواقع أخرى "فيها إساءة واعتداء على آداب وقيم المجتمع العراقي".
وتزامنت خطوة الوزارة بحجب مواقع لا تتضمن محتوى إباحي، في وقتها، مع حراك مستمر لاستجواب الوزيرة هيام الياسري في مجلس النواب، إذ أكّدت رئيسة لجنة النقل والاتصالات النائب زهرة البجاري، إنها "أكملت أغلب الإجراءات الخاصة بالاستجواب وقدمت طلبًا إلى رئيس البرلمان معزز بموافقة النواب لاستجواب الوزيرة، وبالتالي نقل الطلب إلى لجنة تدقيق الاستجوابات، لتعود بعدها إلى رئيس المجلس لتحديد موعد الاستجواب".
وتقول البجاري، إن "الوزير لا تقدم معلومات حقيقية للإعلام، وهناك تفاوت بين كلامها والحقيقة، كما أن الوزارة تعمل بلا قانون".
الدرس الأهم – دقة المعلومة من فم المسؤول
تُعدّ تصريحات الوزيرة مثالاً واضحاً على أهمية التحقق من المعلومات قبل الإدلاء بها في منابر عامة، خصوصاً حين ترتبط بدول وسياسات أجنبية. فالمسؤول الحكومي لا يمثل رأياً شخصياً فحسب، بل يصوغ صورة الدولة أمام الرأي العام، وأي معلومة مغلوطة تتحول سريعاً إلى أزمة ثقة.
كما أن خلط الوزيرة بين المواقف التوصية والتشريعات الرسمية في هولندا وبريطانيا، وإطلاق مزاعم غير مثبتة عن موقع عالمي مثل IMDb، يعكس ضعف البنية البحثية داخل وزارة الاتصالات، وحاجتها إلى مراكز تحليل ورصد معلومات قبل إصدار أي مواقف إعلامية.
وبين الخلط والمغالطة، تقف وزيرة الاتصالات هيام الياسري أمام اختبار صعب في إدارة حقيبة حساسة تمسّ الفضاء الرقمي العراقي. فالمواطن اليوم لا يطالب فقط بخدمة إنترنت مستقرة أو أسعار مناسبة، بل أيضاً بسياسة رقمية شفافة ومسؤولة تحترم حقه في المعرفة دون تضليل أو تقييد.
ويبقى السؤال مطروحاً: هل تتجه الوزارة إلى إصلاح نهجها الاتصالي وتبني آلية تدقيق للمعلومات قبل التصريحات والقرارات؟، أم أن الجدل حول "حجب IMDb" سيكون مجرد فصل أول في سلسلة طويلة من سوء الفهم الرسمي في الفضاء الرقمي العراقي؟
