edition
إنفوبلاس
  • الرئيسي
  • كل الأخبار
    • سياسة
    • أمن
    • اقتصاد
    • رياضة
    • صحة
    • محليات
    • دوليات
    • منوعات
  • اقرأ
  • شاهد
  • انظر
  • انفوغراف
  • كاريكاتور
  • بودكاست
  • بلغتنا
  • من نحن
  1. الرئيسية
  2. الأخبار
  3. سياسة
  4. قوة خارج الضوء.. حين توقفت مصالح العيداني عند حسابات الشيخية

قوة خارج الضوء.. حين توقفت مصالح العيداني عند حسابات الشيخية

  • 17 كانون الأول
قوة خارج الضوء.. حين توقفت مصالح العيداني عند حسابات الشيخية

انفوبلس..

لم يكن التحالف الذي جمع محافظ البصرة أسعد العيداني بطائفة الشيخية مجرد تفاهم انتخابي عابر، بل شراكة سياسية صامتة أعادت رسم توازنات السلطة داخل المحافظة. هذا التحقيق يتتبع جذور الشيخية الفكرية والاجتماعية، وصعودها كفاعل سياسي، ثم يفكك مسار علاقتها بالعيداني: من التلاقي البراغماتي إلى الافتراق المحسوب، كاشفاً ما يعنيه ذلك لمستقبل الحكم المحلي في البصرة.

 

الشيخية في البصرة..

من الجذور العقدية إلى الحضور الاجتماعي المؤثر

حين يُذكر اسم الشيخية في البصرة، غالباً ما يُختزل الحديث في بُعدها السياسي الراهن أو في تمثيلها داخل المجالس المنتخبة، لكن هذا الاختزال يُغفل حقيقة أساسية مفادها إن الشيخية قبل أن تكون فاعلاً سياسياً، هي مدرسة فكرية شيعية ذات جذور عميقة، تحوّلت عبر الزمن إلى هوية اجتماعية متماسكة، ثم وجدت نفسها -بحكم التحولات الكبرى التي شهدها العراق- أمام اختبار السياسة بوصفها أداة بقاء وتأثير لا خياراً ترفياً.

 

تعود الشيخية، في أصلها العقدي، إلى الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي في أواخر القرن الثامن عشر، ثم إلى تلميذه السيد كاظم الرشتي. وقد تشكّلت أفكارها في سياق داخلي شيعي، لا خارجه، بوصفها قراءة خاصة لمباحث الإمامة والمعرفة الدينية والعلاقة بين الغيب والشهادة. ورغم ما أثارته هذه القراءة من نقاشات وجدالات داخل الوسط الحوزوي، فإن الشيخية لم تنفصل تاريخياً عن التشيّع الإمامي الاثني عشري، ولم تتخذ موقعاً صِدامياً مع المرجعيات الكبرى في النجف أو قم، بل حافظت على مسافة فكرية جعلتها أقرب إلى “الاختلاف الهادئ” منها إلى القطيعة.

  • الشيخ احمد الاحسائي والسيد كاظم الرشتي
    الشيخ احمد الاحسائي والسيد كاظم الرشتي

 

في النجف، نُظر إلى الشيخية بوصفها مدرسة ذات خصوصية فكرية، لا كحركة سياسية ولا كتيّار انشقاقي. وفي قم، ظل التعامل معها محكوماً بالمنطق ذاته: اختلاف في بعض المباني، دون إخراجها من الإطار العام للانتماء الشيعي. هذا التموضع التاريخي سمح للشيخية بالاستمرار، لكنه في الوقت نفسه أسّس لحالة من الانكفاء النسبي، حيث فضّلت الجماعة الحفاظ على خصوصيتها الاجتماعية والدينية بعيداً عن الاشتباك المباشر مع مراكز الثقل الحوزوي.

 

غير أن البصرة، بوصفها مدينة ذات طبيعة مختلفة، أعادت تشكيل الشيخية على نحو مغاير. فهنا، لم تبقِ الشيخية نفسها محصورة في الإطار الفكري، بل تحوّلت تدريجياً إلى هوية اجتماعية متجذّرة، مدعومة ببنية عشائرية واضحة، وعلى رأسها بني عامر. هذا الامتزاج بين العقيدة والعشيرة منح الشيخية في البصرة طابعاً مختلفاً عن حضورها في مناطق أخرى، حيث لم تعد مجرد أتّباع مدرسة فكرية، بل جماعة اجتماعية متماسكة ذات حضور في الشارع والمجتمع.

  • صورة تاريخية لموكب أولاد عامر التابع للطائفة الشيخية
    صورة تاريخية لموكب أولاد عامر التابع للطائفة الشيخية

في هذا السياق، لعبت الشعائر الدينية، ولا سيما المواكب العاشورائية، دوراً محورياً في تثبيت هذا الحضور. لم تكن مواكب بني عامر مجرد طقوس دينية، بل تحوّلت إلى فضاء اجتماعي جامع، تُعاد فيه إنتاج الروابط الداخلية، وتُكرّس فيه الزعامة الاجتماعية، وتُرسل عبره رسائل ضمنية عن الحجم والتأثير. ومع مرور الوقت، أصبح هذا الحضور جزءاً من المشهد العام في البصرة، لا يمكن تجاهله أو القفز عليه.

 

ما ميّز الشيخية في البصرة أيضاً هو قدرتها على الحفاظ على انضباط داخلي نسبي. فالخلافات داخلها بقيت محدودة، والقرار غالباً ما كان يُتخذ ضمن دوائر ضيقة، ما منحها صفة “الكتلة النوعية”: ليست الأكبر عدداً، لكنها الأقدر على التحرك كجسم واحد عند الحاجة. وفي بيئة سياسية مضطربة، تُعد هذه الصفة مكسباً بحد ذاتها.

 

قبل 2003، لم تكن الشيخية معنية بالعمل السياسي المباشر. الدولة المركزية، وطبيعة النظام، لم تترك مجالاً فعلياً للمشاركة، كما أن الجماعة نفسها لم تكن ترى في السياسة مساراً يخدم أولوياتها. لكن التغيير الذي شهده العراق قلب المعادلة. فجأة، أصبحت السياسة هي اللغة الوحيدة القادرة على حماية المصالح، وضمان التمثيل، ومنع التهميش. ومع انفتاح المجال العام، وجدت الشيخية نفسها أمام سؤال لم يكن مطروحاً من قبل: هل تبقى جماعة اجتماعية صامتة، أم تتحول إلى فاعل سياسي منظم؟

 

الإجابة لم تأتِ دفعة واحدة، ولم تكن محل إجماع مطلق، لكنها تشكّلت تدريجياً، وخصوصاً في البصرة حيث تداخلت الاعتبارات الخدمية، والعشائرية، والدينية. فالمدينة التي تعاني من اختناقات خدمية مزمنة، ومن صراع نفوذ بين قوى متعددة، فرضت على الشيخية أن تعيد تعريف موقعها. لم يكن الدخول إلى السياسة تعبيراً عن طموح سلطوي، بقدر ما كان استجابة لواقع جديد لا يعترف بالحياد.

  • موكب أولاد عامر بين الحرمين عام 2022
    موكب أولاد عامر بين الحرمين عام 2022

هكذا، ومع مرور السنوات الأولى بعد 2003، بدأت الشيخية تنتقل من موقع المراقب إلى موقع الفاعل، دون أن تفقد طابعها المحافظ أو خطابها الهادئ. هذا الانتقال لم يكن مجرد خطوة تنظيمية، بل تحوّلاً في الوعي السياسي للجماعة، ومقدمة لسلسلة من التحالفات والخيارات التي ستضعها لاحقاً في قلب المشهد البصري، وتفتح الباب أمام واحدة من أكثر العلاقات السياسية إثارة للجدل: علاقتها بمحافظ البصرة أسعد العيداني.

 

من الجماعة إلى الفاعل السياسي..

الشيخية بعد 2003 وصعود عامر الفائز

لم يكن انتقال الشيخية إلى العمل السياسي قراراً آنياً ولا قفزة في المجهول، بل مساراً تدرّجياً فرضته تحولات ما بعد 2003، حين أُعيد تعريف الدولة، وأُعيد معها تعريف مفهوم “التمثيل”. في تلك اللحظة، لم تعد الجماعات الاجتماعية قادرة على الاكتفاء بالحضور الرمزي أو الديني، فالمعادلة الجديدة ربطت بين السياسة والخدمات، وبين المقاعد الانتخابية والقدرة على حماية المصالح المحلية. هنا، وجدت الشيخية نفسها أمام اختبار غير مسبوق: إما البقاء على الهامش، أو الدخول المنظم إلى ساحة لا ترحم المترددين.

 

في السنوات الأولى بعد التغيير، سادت داخل الشيخية حالة من الحذر. الذاكرة الجماعية كانت مثقلة بتجارب سابقة انتهت بخسائر أو سوء تقدير، كما أن البيئة السياسية في البصرة كانت شديدة السيولة، تتنازعها قوى حزبية كبيرة، وأخرى ناشئة، وثالثة مدعومة من مراكز نفوذ خارج المحافظة. هذا المشهد لم يكن مغرياً لجماعة اعتادت الانضباط والقرار الجماعي. ومع ذلك، فإن الواقع الخدمي المتدهور، وتزايد شكاوى القواعد الاجتماعية في مناطق نفوذ الشيخية، جعلا خيار العزوف مكلفاً.

 

بدأت الشيخية أولى خطواتها السياسية من بوابة المشاركة المحدودة، ثم تطورت هذه المشاركة إلى بناء إطار سياسي واضح، تُوّج بتأسيس تجمع العدالة والوحدة. هذا التجمع لم يُقدَّم كحزب عقائدي، ولا كواجهة دينية، بل ككيان سياسي يرفع شعارات عامة: العدالة في توزيع الخدمات، وحدة الموقف المحلي، وتمثيل المناطق المهمّشة. كان هذا الخيار محسوباً بعناية، لأنه جنّب الشيخية الدخول في سجالات أيديولوجية، وفتح لها باب التحالف مع قوى مختلفة من دون إثقالها بحمولة فكرية صدامية.

 

في هذا السياق، برز اسم عامر الفائز بوصفه الشخصية القادرة على تمثيل هذا التحول. الفائز لم يأتِ من خلفية دينية تقليدية، ولم يقدّم نفسه كناطق باسم المدرسة الشيخية بقدر ما قدّم نفسه كسياسي محلي يعرف تفاصيل البصرة، ويفهم طبيعة مجالسها، ويجيد لغة التفاوض. هذا التمايز كان جزءاً من قوته؛ فهو لم يُختزل في كونه “ممثل طائفة”، بل في كونه وسيطاً بين جماعة اجتماعية منظمة وبين النظام السياسي القائم.

  • صورة من عام 2010 في بدايات الظهور السياسي لعامر الفائز
    صورة من عام 2010 في بدايات الظهور السياسي لعامر الفائز

 

صعود عامر الفائز لم يكن منفصلاً عن بنية الشيخية نفسها. فالكتلة التي تقف خلفه كانت منضبطة، واضحة المطالب، وقادرة على تحويل الدعم الاجتماعي إلى أصوات انتخابية فعلية، الأمر الذي جعل الفائز نائباً في 4 دورات انتخابية.

 

في الانتخابات، لم تكن أصوات الشيخية مشتتة، بل ذهبت في اتجاه واحد، وهو ما جعلها محل اهتمام القوى الأكبر، التي كثيراً ما تعاني من تفتت قواعدها. هنا، بدأت الشيخية تُقرأ سياسياً بوصفها “رقماً مضموناً”، لا كتلة قابلة للاختراق.

 

خطاب الفائز، كما عكسته تصريحاته ومداخلاته الإعلامية، اتسم بالهدوء والابتعاد عن الاستقطاب. لم يدخل في معارك مفتوحة مع قوى شيعية أخرى، ولم يطرح نفسه بديلاً عنها، بل ركّز على القضايا الخدمية والرقابية، مقدّماً نفسه كجزء من المشهد لا كخصم له. هذا الأسلوب أكسبه قبولاً داخل مجالس المحافظة، وسمح له بالتحرك في مساحات رمادية لا يستطيع آخرون دخولها.

 

لكن هذا الصعود لم يكن خالياً من التحديات. داخل الشيخية نفسها، كانت هناك نقاشات حول حدود الانخراط السياسي، ومخاوف من أن يؤدي التورط العميق في التحالفات إلى تآكل الهوية أو فقدان الاستقلالية. هذه الهواجس لم تصل إلى حد الانقسام، لكنها ظلت حاضرة، وشكّلت لاحقاً أحد مفاتيح فهم السلوك السياسي للجماعة.

 

مع مرور الوقت، تحوّل تجمع العدالة والوحدة إلى لاعب معروف في البصرة. لم يكن صاحب الأغلبية، لكنه كان حاضراً في لحظات الحسم. هذا الحضور جعل من عامر الفائز رقماً صعباً في معادلة تشكيل التحالفات، وفتح أمامه قنوات تواصل مع شخصيات تنفيذية تبحث عن شراكات مستقرة. في هذا المناخ، بدأت ملامح التقاطع مع أسعد العيداني بالظهور، لا بوصفه تحالفاً عقائدياً، بل كتلاقٍ بين حاجتين سياسيتين: جماعة تريد ضمان تأثيرها، ومحافظ يبحث عن سند منضبط.

 

وبهذا الشكل، وقبل أن يُعلَن أي اتفاق، كانت الأرضية قد تهيأت لتحالف سيغيّر توازنات البصرة. الشيخية، التي خرجت تدريجياً من عباءة الجماعة الصامتة، أصبحت فاعلاً سياسياً منظماً، وعامر الفائز تحوّل من ممثل اجتماعي إلى مهندس تفاهمات. 

 

أسعد العيداني والتحالف الصامت..

حين التقت براغماتية السلطة مع حسابات الشيخية

لم يكن صعود أسعد العيداني إلى موقع محافظ البصرة نتاج لحظة سياسية عابرة، بل حصيلة مسار تراكمي جمع بين خبرة إدارية، وحضور ميداني، وقدرة على قراءة المزاج المحلي. غير أن هذا الصعود، على الرغم من صلابته التنفيذية، كان يفتقر في لحظات حاسمة إلى غطاء سياسي منضبط داخل مجلس المحافظة، في بيئة تتسم بتعدد الكتل، وتضارب المصالح، وسرعة التحولات. هنا تحديداً بدأت الحاجة إلى حليف من نوع مختلف، لا ينافس على الواجهة، ولا يبتز في لحظة القرار.

 

العيداني، الذي خبر مجالس المحافظات وتقلباتها، أدرك باكراً أن القوة التنفيذية وحدها لا تكفي للاستمرار. فالمحافظ في البصرة لا يواجه تحديات الخدمات فقط، بل شبكة معقدة من التوازنات الحزبية والعشائرية، وضغوطاً من قوى شيعية متنافسة تسعى إلى تثبيت نفوذها المحلي. وفي هذا السياق، لم يكن البحث عن “تحالف كبير” هو الخيار الأمثل، لأن التحالفات الواسعة غالباً ما تتحول إلى عبء، وتفتح شهية الشركاء للمطالبة بحصص ونفوذ.

 

من هنا، بدت الشيخية، بتركيبتها الخاصة، خياراً مثالياً. فهي جماعة منظمة، منضبطة، لا تملك طموحاً لقيادة المشهد التنفيذي، لكنها تمتلك قدرة حقيقية على التأثير الانتخابي داخل مناطق محددة. الأهم من ذلك، أنها لا تتحرك بمنطق التصعيد الإعلامي، ولا تميل إلى قلب الطاولة عند أول خلاف. هذه الصفات جعلتها، في حسابات العيداني، شريكاً آمناً.

  • جامع السيد علي الموسوي الكبير التابع للشيخية في البصرة
    جامع السيد علي الموسوي الكبير التابع للشيخية في البصرة

 

التحالف بين الطرفين لم يُعلن في مؤتمر صحفي، ولم يُوقَّع في وثيقة رسمية. كان أقرب إلى تفاهم غير مكتوب، قوامه تبادل المصالح الواضح: دعم سياسي وانتخابي مقابل شراكة في القرار المحلي، وتمثيل داخل مجلس المحافظة، وضمان عدم تهميش مناطق نفوذ الشيخية في الخطط الخدمية. هذا النوع من التحالفات، الشائع في السياسة المحلية العراقية، غالباً ما يكون أكثر متانة من الاتفاقات المعلنة، لأنه يقوم على الوقائع لا على الشعارات.

 

في الانتخابات المحلية، ظهر أثر هذا التفاهم بوضوح. الأصوات التي ذهبت باتجاه الكتلة الداعمة للعيداني لم تكن عشوائية، بل منضبطة إلى حد كبير. لم تكن الشيخية الكتلة الأكبر عدداً، لكنها لعبت دور “الرافعة” التي رجّحت كفة التحالف، ومنحت العيداني أفضلية واضحة داخل مجلس المحافظة. هذا الدعم لم يقتصر على صناديق الاقتراع، بل امتد إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، حيث ساهم في تثبيت موقع المحافظ، ومنحه مساحة أوسع لإدارة الملفات التنفيذية من دون معارضة شرسة.

 

من جانبها، لم تدخل الشيخية هذا التحالف بدافع الولاء الشخصي للعيداني، بل بمنطق المكسب السياسي المتوازن. وجودها داخل تحالف حاكم منحها قدرة على إيصال مطالب جمهورها، وحماية تمثيلها داخل المجلس، والمشاركة في رسم أولويات المحافظة. كما أن التحالف مع شخصية تنفيذية قوية مثل العيداني وفّر لها مظلة استقرار في مشهد سياسي متقلب، حيث غالباً ما تدفع الكتل الصغيرة ثمن صراعات الكبار.

 

خلال هذه المرحلة، اتسم الخطاب الإعلامي للطرفين بالحذر. لم نسمع تمجيداً مفرطاً، ولا إعلاناً صريحاً عن تحالف استراتيجي طويل الأمد. كانت اللغة المستخدمة أقرب إلى “التعاون المؤسسي” و”العمل المشترك لخدمة البصرة”. هذا الغموض المقصود سمح للطرفين بالحفاظ على هامش مناورة، وأبقى باب التراجع مفتوحاً في حال تغيّرت الظروف.

 

غير أن هذا التحالف الصامت، على متانته الظاهرية، كان يحمل في داخله بذور توتر مؤجل. فالعيداني، بوصفه رأس السلطة التنفيذية، كان يتحرك بمنطق الإنجاز السريع وترتيب الأولويات وفق حساباته الخاصة، في حين كانت الشيخية، عبر ممثليها في المجلس، تسعى إلى تثبيت دورها الرقابي وعدم الذوبان الكامل داخل الكتلة الحاكمة. هذا التباين لم يظهر إلى العلن في البداية، لكنه بدأ يتسلل إلى تفاصيل العمل اليومي داخل المجلس.

 

مع مرور الوقت، بدأ السؤال يطرح نفسه داخل أوساط الشيخية: هل ما تحقق من مكاسب يوازي حجم الدعم المقدم؟ وهل الشراكة مع العيداني تحافظ على التوازن المطلوب، أم أنها تميل تدريجياً لصالح السلطة التنفيذية؟ في المقابل، بدأ العيداني يشعر بأن الكتلة التي وفرت له الاستقرار قد تتحول، إن تشددت في مطالبها، إلى عامل إرباك داخل المجلس.

 

وعلى هذا النحو، من دون إعلان أزمة، ومن دون قطيعة، بدأت العلاقة تدخل مرحلة جديدة. مرحلة لم تعد فيها المصالح متطابقة تماماً، ولم يعد فيها التحالف أمراً مسلّماً به. 

 

من الشراكة إلى التآكل..

كيف بدأ التحالف يفقد تماسكه من الداخل

لم يكن تفكك العلاقة بين أسعد العيداني والشيخية حدثاً مفاجئاً، ولا قراراً اتُّخذ في ليلة سياسية عاصفة، بل نتيجة مسار بطيء من التآكل، بدأ من التفاصيل الصغيرة قبل أن يظهر على شكل مواقف سياسية محسوبة. ففي التحالفات المحلية، لا تسقط الشراكات الكبرى بضربة واحدة، بل تتآكل حين تتغيّر التوقعات، وتختل معادلة الأخذ والعطاء، ويبدأ كل طرف بإعادة قراءة موقعه داخل العلاقة.

 

أولى مؤشرات هذا التآكل ظهرت داخل مجلس محافظة البصرة. ممثلو الشيخية، الذين دخلوا التحالف على قاعدة الشراكة لا التبعية، بدأوا يشعرون بأن دورهم يتراجع من شريك فاعل إلى داعم صامت. القرارات الأساسية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالمشاريع الخدمية الكبرى، باتت تُتخذ في دوائر ضيقة، فيما حُصرت مشاركة بعض أعضاء المجلس في أدوار إجرائية لا تعكس وزنهم السياسي ولا حجم جمهورهم. هذه الملاحظة لم تُطرح في الإعلام، لكنها كانت محور نقاشات داخلية متكررة.

 

في المقابل، كان العيداني ينظر إلى المشهد من زاوية مختلفة. فالمحافظ، الذي يتحمل ضغط الشارع ووسائل الإعلام، كان يرى أن تعدد الأصوات داخل التحالف قد يعطّل سرعة الإنجاز أو تحقيق المكاسب، وأن الإدارة التنفيذية تحتاج أحياناً إلى حسم لا يحتمل التردد. هذا الاختلاف في زاوية النظر خلق فجوة صامتة بين منطق السلطة التنفيذية ومنطق الشراكة السياسية، فجوة لم تُدار مبكراً، فبدأت تتسع تدريجياً.

 

العامل الرقابي لعب دوراً مركزياً في تعميق هذا التباعد. ممثلو الشيخية، وخصوصاً أولئك الذين تسلّموا مواقع في لجان المجلس، وجدوا أنفسهم أمام معادلة صعبة: كيف يمارسون دورهم الرقابي من دون أن يُفسَّر ذلك كاستهداف للمحافظ الذي يتحالفون معه؟ ومع تزايد الشكاوى من قواعدهم الاجتماعية حول تلكؤ بعض المشاريع أو غموض أولويات الإنفاق، بات الصمت خياراً مكلفاً. هنا، بدأ الخطاب داخل أروقة المجلس يتغيّر، وإن بقي بعيداً عن المنابر الإعلامية.

 

في هذه المرحلة، لم تكن المشكلة في مشروع بعينه أو قرار محدد، بل في شعور عام بأن التحالف لم يعد يحقق الغاية التي شُكّل من أجلها. الشيخية لم تدخل السياسة لتكون مجرد رقم إضافي، والعيداني لم يبحث عن حلفاء ليواجه بهم معارضة داخلية. حين بدأ كل طرف يشعر بأن الطرف الآخر يعيد تعريف قواعد اللعبة، أصبح التآكل أمراً لا مفر منه.

 

الانسحاب، مع ذلك، لم يكن الخيار الأول. جرت محاولات لاحتواء التوتر عبر قنوات غير معلنة، شملت لقاءات واتصالات، ومساعي لإعادة ضبط العلاقة. غير أن هذه المحاولات اصطدمت بواقع سياسي متغيّر: توازنات المجلس لم تعد كما كانت، وقوى أخرى بدأت تلوّح بإمكانية لعب دور أكبر، ما شجّع الشيخية على التفكير بخيارات بديلة أقل كلفة على استقلاليتها.

 

مع إعلان عدد من ممثلي الشيخية خروجهم من كتلة العيداني، بدا المشهد وكأنه انقلاب سياسي، لكنه في الحقيقة كان تتويجاً لمسار طويل. الخطاب الذي رافق هذا الخروج كان لافتاً في هدوئه: لا اتهامات مباشرة، ولا تشكيك بنوايا المحافظ، بل تركيز على “تفعيل الدور الرقابي” و”تحرير القرار النيابي” و”عدم استهدافها لأي موقع تنفيذي”. هذه اللغة لم تكن عفوية، بل تعكس حرص الشيخية على عدم تحويل الخلاف السياسي إلى خصومة مع العيداني، أو إلى مواجهة مفتوحة قد ترتد سلباً على جمهورها.

 

دور عامر الفائز في هذه اللحظة كان حاسماً. فهو لم يقد الانسحاب بوصفه إعلان قطيعة، بل بوصفه إعادة تموضع. رسالته كانت واضحة، تُرسل رسالة مفادها إن التحالف مع العيداني لم يعد يخدم الهدف الذي دخلوا من أجله، لكن الجسور لم تُحرق. هذا الموقف الوسطي منح الشيخية هامش حركة أوسع، وأبقى باب العودة أو التفاهم المستقبلي مفتوحاً، في حال تغيّرت المعطيات.

 

في الوقت ذاته، وجد العيداني نفسه أمام واقع جديد. خسارة دعم كتلة منضبطة، حتى لو لم تكن الأكبر عدداً، تعني الدخول في مرحلة أكثر تعقيداً من إدارة المجلس. فالتحالفات البديلة غالباً ما تكون أقل استقراراً، وأكثر عرضة للابتزاز السياسي. ومع ذلك، لم يُبدِ المحافظ أي رد فعل، ما يعكس إدراكه لطبيعة الخلاف، ومحاولته احتواء آثاره من دون تصعيد.

 

وانتقلت العلاقة من شراكة قائمة على التفاهم الصامت إلى حالة افتراق محسوب، لم تُرفع فيها رايات الخصومة، لكنها حملت في طياتها دلالات عميقة على هشاشة التحالفات المحلية حين تتغيّر موازين القوة. 

 

ما بعد الافتراق..

العيداني والشيخية والبصرة أمام مرحلة إعادة التموضع

مع خروج الشيخية من التحالف الذي كان يقوده أسعد العيداني، دخل المشهد السياسي في البصرة مرحلة مختلفة، لا يمكن توصيفها بوصفها أزمة مكتملة الأركان، ولا استقراراً كما كان سابقاً. الافتراق، الذي جرى بهدوء محسوب، ترك آثاراً تراكمية بدأت تظهر تدريجياً في طريقة إدارة مجلس المحافظة، وفي طبيعة التحالفات التي تحكم قراراته. لم يكن السؤال المطروح هو “من انتصر؟”، بل “من خسر أكثر، ومن بات أمام خيارات أصعب؟”.

 

بالنسبة إلى العيداني، فإن الخسارة لم تكن عددية بقدر ما كانت نوعية. فقدان دعم الشيخية يعني فقدان كتلة منضبطة، واضحة الموقف، لا تغيّر بوصلتها بسهولة. صحيح أن المحافظ استطاع الحفاظ على موقعه، ولم يواجه تهديداً فورياً بإقصائه، إلا أن غياب هذا النوع من الحلفاء سيدفعه إلى الاعتماد على تحالفات أوسع، لكنها أقل تماسكاً. هذه التحالفات، وإن وفّرت له الغطاء اللازم للاستمرار، فإنها تجعله أكثر عرضة للضغوط المتبادلة، وأقل قدرة على فرض إيقاعه الخاص في المجلس.

 

سياسياً، بات العيداني مطالباً بإدارة توازنات أكثر تعقيداً. فالشركاء الجدد قد لا يشبهون الشيخية في انضباطهم، ولا في قدرتهم على الالتزام بتفاهمات طويلة الأمد. وهذا ما يفرض على المحافظ أسلوباً مختلفاً في القيادة، يقوم على التنازل أحياناً، وعلى المساومة المستمرة، بدلاً من الحسم الذي ميّز فترته السابقة. في هذا المعنى، يمكن القول إن الافتراق لم يُضعف موقع العيداني فوراً، لكنه جعله أكثر كلفة في الإدارة.

 

أما الشيخية، فقد خرجت من التحالف وهي تحمل مكسباً أساسياً يتمثل في استعادة استقلالية قرارها السياسي. الانسحاب منح ممثليها مساحة أوسع لممارسة الدور الرقابي، ورفع الصوت في القضايا التي تهم جمهورهم، من دون حسابات التحالف الحاكم. هذا التحول عزّز صورتهم ككتلة لا تساوم على دورها مقابل البقاء داخل السلطة، وهي رسالة لها صدى إيجابي داخل قواعدهم الاجتماعية.

  • وثيقة تشكيل كتلة جديدة في مجلس محافظة البصرة تضم 3 شيخية منشقين عن تحالف العيداني
    وثيقة تشكيل كتلة جديدة في مجلس محافظة البصرة تضم 3 شيخية منشقين عن تحالف العيداني

 

لكن هذا المكسب لم يخلُ من مخاطر. فالخروج من تحالف يقوده المحافظ يضع الشيخية أمام اختبار جديد: القدرة على الحفاظ على تأثيرها من خارج السلطة التنفيذية. فالسياسة المحلية لا ترحم الكتل التي تكتفي بالموقف الأخلاقي من دون ترجمة عملية. وإذا لم تنجح الشيخية في بناء شراكات جديدة، أو في تحويل دورها الرقابي إلى إنجازات ملموسة، فقد تجد نفسها أمام خطر التهميش التدريجي، مهما كانت قوة حضورها الاجتماعي.

 

في هذا السياق، يبرز دور عامر الفائز مرة أخرى، لا بوصفه قائد مواجهة، بل كمدير مرحلة انتقالية. مهمته لم تعد تقتصر على تمثيل الشيخية، بل على إعادة تعريف موقعها داخل الخريطة السياسية للبصرة. هل ستختار التموضع كقوة رقابية مستقلة؟ أم ستبحث عن تحالف بديل بشروط أكثر توازناً؟ الإجابة عن هذا السؤال ستحدد مستقبلها السياسي في السنوات المقبلة.

 

أما على مستوى البصرة ككل، فإن هذه التجربة تكشف عن طبيعة الحكم المحلي في العراق، حيث لا تقوم التحالفات على برامج طويلة الأمد بقدر ما تقوم على توازنات آنية. العلاقة بين العيداني والشيخية لم تنهَر بسبب صدام أيديولوجي، بل بسبب اختلاف في إدارة المصالح وتقدير الأدوار.

وهذا ما يجعلها نموذجاً لفهم كيف تتشكل السلطة المحلية، وكيف تتفكك حين تتغير الحسابات.

 

الأهم من ذلك، أن ما جرى يسلّط الضوء على دور الجماعات الاجتماعية المنظمة في السياسة المحلية. الشيخية، بحضورها النوعي، أثبتت أن التأثير لا يُقاس دائماً بعدد المقاعد، بل بقدرة الكتلة على التحرك كوحدة واحدة. والعيداني، من جهته، قدّم مثالاً على المحافظ الذي يدرك أهمية هذه الكتل، لكنه يواجه حدود الشراكة معها حين تتعارض مع منطق الإدارة التنفيذية.

 

في المحصلة، لا يمكن النظر إلى هذا الافتراق بوصفه نهاية علاقة، بقدر ما هو إعادة ترتيب للمواقع. السياسة في البصرة، كما في باقي العراق، لا تعرف القطيعة الدائمة، بل تعرف فترات تقارب وتباعد تحكمها الظروف. ما بين العيداني والشيخية، انتهت مرحلة وبدأت أخرى، مرحلة ستُختبر فيها قدرة كل طرف على التكيف مع واقع أكثر تعقيداً، وأقل قابلية للثبات، مع توقعات كبيرة ببداية النهاية لحقبة هيمنة العيداني في عاصمة العراق الاقتصادية.

 

أُفول بطيء..

كيف دخل نجم العيداني مرحلة الخفوت؟

وحول هذه الرؤية، فإن خفوت نجم أسعد العيداني لم يبدأ بقرار إقالة أو هزيمة انتخابية صريحة، بل بسلسلة مؤشرات متراكمة كشفت أن الرجل الذي حكم البصرة بقبضة تنفيذية وغطاء سياسي متماسك، بات يتحرك في مساحة أضيق، وبأدوات أقل فاعلية. في السياسة المحلية، لا يُقاس انتهاء المرحلة بسقوط المنصب فقط، بل بتآكل القدرة على ضبط الإيقاع، وهذا ما بدأ يلوح بوضوح في تجربة العيداني خلال العامين الأخيرين.

 

أول هذه المؤشرات ظهر في العلاقة مع مجلس المحافظة. فالعيداني الذي اعتاد تمرير قراراته بسلاسة نسبية، بات يواجه نقاشات أطول، واعتراضات أكثر جرأة، وميلاً متزايداً لدى بعض الأعضاء لاستخدام أدوات الرقابة بوصفها أوراق ضغط سياسية. هذه التحولات لم تصل إلى حد تعطيل الإدارة، لكنها كشفت أن هيبة “المحافظ القوي” لم تعد كافية وحدها لضمان الانسيابية السابقة.

 

وثاني المؤشرات تمثل في تغيّر طبيعة التحالفات التي تحيط به. فبعد أن كان يعتمد على كتل منضبطة وقادرة على الالتزام بتفاهمات طويلة الأمد، وجد نفسه مضطراً للاعتماد على تحالفات هشة، قائمة على التوازن اللحظي لا على الشراكة المستقرة. هذا التحول لم يكن خياراً بقدر ما كان اضطراراً، وفرض عليه نمطاً جديداً من الإدارة يقوم على المساومة المستمرة، لا الحسم الذي ميّز بداياته.

 

أما على مستوى الشارع، فقد بدأت صورة العيداني تشهد تآكلاً تدريجياً. فالمشاريع التي شكّلت رصيداً له في سنواته الأولى لم تعد كافية لتجديد الثقة، في ظل تصاعد التوقعات الشعبية، وتراكم الإخفاقات الخدمية التي لا يمكن لأي إدارة محلية تجاوزها بالكامل. ومع غياب حليف اجتماعي منضبط بحجم الشيخية، تراجعت قدرة العيداني على امتصاص الغضب المحلي أو إعادة توجيه النقاش العام لصالحه.

 

سياسياً، تبدو فترة العيداني اليوم أقرب إلى مرحلة “إدارة الخروج” منها إلى مرحلة التوسع. فالحسابات الانتخابية المقبلة لا تعمل لمصلحته بالزخم ذاته، وخصومه باتوا أكثر تنظيماً، وأقل تردداً في الاستثمار على فكرة أن مرحلة الرجل شارفت على نهايتها. في السياسة، يكفي أن تنتشر هذه القناعة حتى تبدأ بالتحقق ذاتياً، إذ تتبدل مواقع المترددين، ويعيد الحلفاء حساباتهم، وتتحول المسافة النفسية إلى واقع عملي.

 

الأهم من ذلك، أن العيداني لم يعد يمثل بالنسبة لكثير من القوى المحلية خيار المستقبل، بل خيار الاستمرار المؤقت. وهذا الفارق جوهري. فالسياسي الذي يُنظر إليه بوصفه “مرحلة منتهية” يفقد تدريجياً القدرة على فرض شروطه، حتى لو بقي في موقعه الرسمي. هكذا، من دون صدامات كبرى أو نهايات دراماتيكية، دخل العيداني المرحلة النهائية من عمره السياسي: مرحلة الأفول البطيء، حيث تتقدم الوقائع على الخطاب، وتكتب التحولات نهاياتها بهدوء يشبه تماماً الطريقة التي حكم بها البصرة لسنوات.

أخبار مشابهة

جميع
استبدال النواب الفائزين في الدورة السادسة.. انفوبلس تفصّل السيناريوهات القانونية الكاملة

استبدال النواب الفائزين في الدورة السادسة.. انفوبلس تفصّل السيناريوهات القانونية الكاملة

  • 15 كانون الأول
بعد المصادقة على نتائج الانتخابات.. متى تنعقد الجلسة الأولى للبرلمان؟ وماذا ستقرر؟

بعد المصادقة على نتائج الانتخابات.. متى تنعقد الجلسة الأولى للبرلمان؟ وماذا ستقرر؟

  • 14 كانون الأول
كرسي رئاسة البرلمان على طاولة الانقسام السني.. هل تؤجل الخلافات الاتفاق داخل البيت السياسي؟

كرسي رئاسة البرلمان على طاولة الانقسام السني.. هل تؤجل الخلافات الاتفاق داخل البيت...

  • 14 كانون الأول

شبكة عراقية اعلامية

  • الرئيسية
  • مقالات
  • فيديو
  • كاريكاتور
  • إنفوغراف
  • سياسة الخصوصية

جميع الحقوق محفوطة