كردستان.. تاريخ طويل من انتهاك القانون وتهميش أساسيات الديموقراطية
انفوبلس..
في ظل الأنظمة الديكتاتورية وحكومات العوائل، تكون مؤسسات الدولة (وعلى رأسها التشريعية) عبارة عن واجهة لادعاء الديموقراطية أمام المجتمع الدولي من جهة، وشعوب تلك الحكومات من جهة أخرى، وهذا ما نراه جلياً عند مراقبة برلمان إقليم كردستان شمالي العراق.
يعكس برلمان الإقليم بشكل واضح حجم سيطرة ونفوذ العائلتين الكرديتين الرئيسيتين في الشمال، وهما عائلة بارزاني وعائلة طالباني، وبالرغم من وجود خلافات كبيرة وتاريخية بين العائلتين إلا إنهما متفقتان على تقسيم أراضي وواردات ومقدّرات الإقليم بينهما ومحاربة جميع أشكال الديموقراطية الحقيقية، الأمر الذي تقوم به عائلة برزاني المُسيطرة على حكومة الإقليم بأكمل وجه.
يمرّ البرلمان الكردي اليوم بأزمة سياسية وصلت أوراقها إلى طاولة المحكمة الاتحادية في بغداد، حيث انتهى عمره التشريعي في العاشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، فقام بتمديد ولايته التشريعية حتى نهاية عام 2023، خلال تصويت شهد جملة اعتراضات وفوضى. وقال في بيان إن التمديد خطوة "لقطع الطريق على حدوث فراغ قانوني وتمثيل مبدأ استمرارية المؤسسات الدستورية في إقليم كردستان العراق".
وجاء التمديد نتيجة خلاف بين الحزبين الكبيرين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، على كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية، لكن خلف الكواليس، يُعد هذا جزءاً من "خلاف سياسي أكبر بين الطرفين"، بحسب شيفان فاضل، الباحث في معهد ستوكهولم للسلام.
وقال فاضل إن "كل القضايا في العراق مترابطة، في العديد من المواقف تنعكس الخلافات على المستوى الاتحادي وعلى المستوى المحلي أيضا".
وأضاف إن "غياب التعاون والتوافق بين الحزبين على المستوى الاتحادي (في بغداد)، أدى بشكل متزايد إلى غياب التعاون والتوافق على مستوى حكومة الإقليم في الوقت نفسه". ومدّد برلمان الإقليم أكثر من مرة في السنوات الماضية مدّة ولايته، على خلفية خصومات سياسية داخلية، كان ذروتها تقاتل داخلي في التسعينيات، بين عائلتي بارزاني وطالباني.
وفي كلمة أمام مجلس الأمن بوقت سابق، حذّرت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جنين بلاسخارت من "التداعيات السياسية التي تنجم عن عدم إجراء انتخابات برلمانية لإقليم كردستان في وقتها المناسب، وعدم التعامل مع توقعات الجمهور بشكل صحيح، وإهمال المبادئ الديمقراطية الأساسية". معتبرةً أنها "ستكون باهظة الثمن".
وأضافت أن "احتكار السلطة يولّد عدم الاستقرار، وهذا ينطبق على العراق ككل وعلى إقليم كردستان بشكل خاص".
وبعد قرار التمديد، قدّم 12 نائباً في برلمان الإقليم استقالاتهم احتجاجاً على تمديد ولاية البرلمان لمدة عام آخر، معتبرين أنه قرار غير شرعي وغير قانوني.
وينتمي النواب المستقيلون إلى ثلاث كتل، وهم 7 نواب لكتلة جماعة العدل الكردستانية، و4 نواب من كتلة حركة التغيير، إضافة إلى نائب مستقل من كتلة الجيل الجديد.
وبهذا وصل عدد المستقيلين إلى 17 نائباً من مجموع 111 نائباً للبرلمان بعد استقالة 4 نواب من كتلة الاتحاد الإسلامي، إضافة إلى نائبة مستقلة أخرى.
ولا يُعد هذا الخرق الوحيد للقوانين والديموقراطية في كردستان خلال الأعوام الأخيرة، ففي عام 2015 دخلت مسألة رئاسة كردستان العراق مرحلة صعبة بعد أن قام الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الإقليم آنذاك مسعود البارزاني بطرد رئيس البرلمان يوسف محمد من منصبه، وطرد وزراء حركة التغيير من الحكومة المحلية، وهو ما غيّر من حسابات الأحزاب الكردية التي كانت تناضل من أجل تغيير النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني.
وأثر فشل الأحزاب الكردية الخمسة (الديموقراطي الكردستاني، التغيير، الاتحاد الوطني الكردستاني، الاتحاد الإسلامي، الجماعة الإسلامية) بعد تسعة اجتماعات من التوصل لحل مسألة منصب الرئاسة بعد انتهاء ولاية بارزاني يوم 19 أغسطس/ آب في ذلك العام، شهدت مدينة السليمانية مظاهرات احتجاجية نجمَ عنها حرق مكاتب لحزب البارزاني ومقتل عدد من أعضائه ومن المتظاهرين.
وحمّل المتظاهرون الحزب الديموقراطي الكردستاني مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية في الإقليم، وعدم دفع رواتب موظفي القطاع العام لأكثر من ثلاثة أشهر.
وطالب حينها الحزب الديموقراطي الكردستاني بتمديد ولاية البارزاني لعامين إضافيين، بينما طالبت الأحزاب الأخرى الأربعة (التغيير، الاتحاد الوطني، الاتحاد الإسلامي، الجماعة الإسلامية) بتغيير النظام السياسي من رئاسي لبرلماني، وتقليص صلاحيات الرئيس وعدم التمديد له.
النائب في برلمان الإقليم من حركة التغيير بيستون فائق قال إن "ما قام به الحزب الديموقراطي مخالف لجميع المبادئ القانونية" وحتى الآن "لم نتخذ قرار مغادرة الحكومة، ولكن كان قرارا غير متوقع من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني".
وفي تصريح آخر وصف سعدي أحمد بيرة القيادي بالاتحاد الوطني الكردستاني الوضعية بـ"الحرجة" بعد الخطوة التي اتخذها الحزب الديمقراطي الكردستاني. وأضاف أنه "من المبكر أن نعلن عن موقف معين تجاه الوضع، ولكن نحن الآن في اجتماع لاتخاذ القرار المناسب، ونتمنّى ألا تؤدي المسألة إلى القطيعة بين الأحزاب الكردستانية".
يرى المراقبون أن إقليم كردستان العراق لم يستطِع حتى الآن بناء مؤسسات قانونية قوية، بعيدة عن سلطة الأحزاب السياسية، لحماية الشرعية بالإقليم.
ويقول السياسي الكردي المستقل والنائب السابق بمجلس النواب العراقي محمود عثمان إن "إقليم كردستان يُدار من قبل الأحزاب، ولا وجود لمؤسسات قانونية حقيقية، لهذا فإن الصراعات الحزبية تؤثر على الوضع، مع أن هذه الأحزاب دخلت في حكومة مؤتلِفة، ولكن دائما كانت هناك خلافات فيما بينها ولم ينجحوا في إدارة الإقليم".
ويشدّد عثمان أنه لا حلّ أمام الأحزاب السياسية سوى بالحوار. وأضاف أنه "لا يوجد أمامهم طريق سوى التحاور، ولهذا نأمل أن يعملوا على بدء حوار جِدّي بينهم، وأرجو ألا ينتظروا الجهات الأجنبية لتأتي لتجد لهم حلولا للوضع".
المحكمة الاتحادية العليا في بغداد، نشرت في نهاية العام الماضي قراراً بشأن دعوى مُقامة ضد شرعية برلمان كردستان بعد التمديد لنفسه، متضمنا الطلب من قبل الرئیس السابق لبرلمان كردستان بإيقاف عمله وفق أمر ولائي لحين البت بالدعوى.
وردّت المحكمة في نص القرار بطلب إيقاف عمل رئاسة البرلمان لحين صدور القرار النهائي للمحكمة بشأن الدعوى المُقامة بشأن عدم دستورية تمديد مجلس النواب عمله.
وبرّرت المحكمة رفضها إصدار الأمر الولائي بأن الأمر ليس مستعجلاً ويتم تفسيره على أنه قرار أولي في الموضوع الأساسي وهو عدم دستورية قانون تمديد ولاية برلمان كردستان المطعون فيه من قبل النائب السابق لمجلس النواب والرئیس السابق لبرلمان كردستان يوسف محمد صادق.
فيما أجّلت، بجلستها المنعقدة أمس الثلاثاء 7/2/2023، البت بعدم دستورية تمديد عمل برلمان إقليم كردستان إلى 15 آذار المقبل.



