مشروع قانون رعاية الأحداث بجداول جلسات البرلمان.. ماذا تعرف عنه وما أبرز التعديلات الجديدة؟
انفوبلس/ تقرير
يستعد مجلس النواب لاستقبال أحد أبرز مشاريعه التشريعية على مدى السنوات الأخيرة، وهو مشروع قانون رعاية الأحداث، الذي يمثل نقطة تحول جوهرية في منظومة العدالة الاجتماعية والقانونية في البلاد.
وبينما يعتزم البرلمان عقد ثلاث جلسات متتالية لمناقشة والتصويت على حزمة من القوانين، تظل الأنظار شاخصة نحو هذا القانون الذي يهدف إلى نقلة نوعية في التعامل مع فئة الأحداث، بعيداً عن النهج العقابي التقليدي نحو مسار إصلاحي وتربوي.
ومن المقرر أن يشهد مجلس النواب، بدءاً من غدٍ الاثنين، ثلاث جلسات متتالية لقراءة ومناقشة والتصويت على 19 قانوناً، أبرزها حقوق الأقليات، حماية التنوع، الصحة النفسية، السجناء السياسيين، ورعاية الأحداث، في وقت تلقي بظلالها قضية "عدم تحقيق النصاب القانوني" التي عطلت عدة جلسات سابقة.
ووفق جدول الأعمال الذي نشرته الدائرة الإعلامية لمجلس النواب، فإن جلسة غدٍ الاثنين، ستشهد مناقشة حزمة من التشريعات ذات البعد الإنساني والاجتماعي، يأتي في مقدمتها مشروع قانون "رعاية الأحداث" الذي سيعرض للقراءة الأولى، إلى جانب المضي بالقراءة الثانية لمقترح قانون "تنظيم حقوق الأقليات"، فضلاً عن التصويت على مقترحات تعديل لقوانين "وزارة التربية" و"أسس تعادل الشهادات"، ومناقشة قانون "كلية طيران الجيش".
ويتضمن جدول أعمال جلستي الثلاثاء والأربعاء، التصويت ومناقشة 13 قانوناً، من بينها: مؤسسة السجناء السياسيين، تنظيم الطاقة المتجددة، رعاية القاصرين، الصحة النفسية، الخدمة الجامعية، وغيرها من القوانين.
قانون "رعاية الأحداث"
وينتظر أن يشكل مشروع قانون "رعاية الأحداث" نقلة نوعية في التعامل مع قضايا هذه الشريحة، عبر اعتماد النهج الإصلاحي والتربوي بدلاً من العقوبات التقليدية، بما يضمن إعادة دمجهم في المجتمع وتحويلهم إلى عناصر منتجة.
نائب رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، النائب حسين عرب، أشار إلى أن جلسة مجلس النواب المقررة غداً الاثنين ستشهد القراءة الأولى لمشروع قانون رعاية الأحداث، مشدداً على أن "هذا القانون يمثل خطوة جوهرية نحو إصلاح فئة الأحداث وتأهيلهم للاندماج السليم في المجتمع".
وقال عرب إن "القانون يركز على الجانب الإصلاحي والتربوي أكثر من الجانب العقابي، إذ يمنح الأحداث فرصة لإعادة بناء حياتهم بعيداً عن مسار الانحراف، من خلال برامج تأهيلية وتعليمية وإرشادية، فضلاً عن إشراك الأسرة ومنظمات المجتمع المدني في عملية الإصلاح".
وأضاف، أن "تشريع القانون يأتي في سياق الحاجة الملحة لتطوير منظومة الرعاية الاجتماعية والقانونية للأحداث، لاسيما أن العراق ما يزال يواجه تحديات في هذا الملف، من بينها قصور البنى التحتية للمؤسسات الإصلاحية، وضعف البرامج التعليمية والتأهيلية داخل مراكز الرعاية، إلى جانب قلة التنسيق بين الجهات التنفيذية والمنظمات الإنسانية المتخصصة".
وأشار عرب، إلى أن "مشروع القانون الجديد سيسهم في سدِّ الثغرات الموجودة في التشريعات السابقة، التي لم تعد قادرة على مجاراة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي شهدها البلد خلال السنوات الأخيرة"، مبيناً أن "إدراجه على جدول أعمال الجلسة المقبلة يعكس جدية البرلمان في إعادة النظر بالقوانين ذات الصلة بالعدالة الاجتماعية وحماية الفئات الهشة".
ولفت، إلى أن "اللجنة ستعمل على إغناء مشروع القانون بالمقترحات والتعديلات اللازمة بالتعاون مع بقية اللجان النيابية والجهات المعنية، لضمان صياغة نصٍّ تشريعي رصين يوفر بيئة مناسبة لإعادة دمج الأحداث في المجتمع ويمنع تحولهم إلى حالات سلبية أو تهديدات مستقبلية للأمن المجتمعي".
وأكد عرب، أن "نجاح القانون سيمثل نقطة تحول مهمة في التعامل مع ملف الأحداث، من خلال تمكين هذه الشريحة من أن تكون عناصر منتجة وفاعلة في المجتمع"، مشيراً إلى أن "إقراره سيعزز مكانة العراق في الالتزام بالمعايير الدولية الخاصة بحقوق الطفل ورعاية الأحداث".
في 15 نيسان/ أبريل 2025، صادق مجلس الوزراء على مشروعي قانوني رعاية الأحداث والتعديل الأول لقانون رعاية القاصرين (78 لسنة 1980)، بعد أن دققهما مجلس الدولة، ليُحال الملف لاحقاً إلى مجلس النواب استناداً إلى أحكام الدستور.
وتعود جذور هذه الخطوة إلى تموز/ يوليو 2023، حين أعلن وزير العدل خالد شواني المصادقة على مسودة مشروع قانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة 1983 وإحالته إلى مجلس الدولة للتدقيق، في سياق إصلاحات شاملة تقودها الوزارة بالتعاون مع منظمة اليونيسف.
وقال شواني آنذاك، إن الوزارة عملت على إعداد المشروع الجديد بما ينسجم مع الدستور ويلتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الأطفال والأحداث، مؤكداً أن الهدف هو مواءمة التشريعات العراقية مع معايير حقوق الإنسان وتوفير بيئة أكثر عدلاً وإنصافاً لهذه الشريحة. وأعرب الوزير عن تقديره لليونيسف على دورها الداعم في تنفيذ البرامج المشتركة المتعلقة بتأهيل الأحداث وإعادة دمجهم في المجتمع.
من جانبها، جددت مديرة مكتب اليونيسف في العراق، شيما سان غوبتا، التزام المنظمة بالتعاون مع وزارة العدل، مشيرة إلى وجود خطة ورؤية عمل مشتركة لتطوير المشاريع المستقبلية في هذا المجال.
وكانت وزارة العدل قد أوضحت في تصريحات سابقة، أن مشروع القانون الجديد سيحل محل التشريع القائم منذ عام 1983، والذي لم يعد ملائماً للتحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها العراق. وأشار المتحدث باسم الوزارة كامل أمين، إلى أن دخول العراق في اتفاقيات دولية، مثل اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية سيداو، إضافة إلى التغيرات في طبيعة الجرائم المرتكبة من قبل الأحداث، جعل من الضروري صياغة قانون عصري أكثر استجابة للواقع.
وكشف أمين عن بعض التعديلات الجوهرية التي سيتضمنها القانون الجديد، أبرزها:
-رفع سن المسؤولية الجزائية إلى 11 عاماً بدلاً من 9 أعوام في القانون السابق.
-استبدال المصطلحات ذات الطابع الوصمي، إذ جرى استبدال كلمة "مشرد" بعبارة "فاقد الرعاية الأسرية".
-إعادة هيكلة المؤسسات المعنية، حيث سيتم نقل ارتباط دائرة إصلاح الأحداث من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى وزارة العدل.
وأكد أن هذه الخطوات تعكس توجهاً حكومياً جاداً لتعزيز حقوق الطفل وتحقيق إصلاحات قانونية تتماشى مع الالتزامات الدولية للعراق، معرباً عن أمله بأن تتم إجازة القانون الجديد خلال العام الجاري، لما يمثله من أهمية بالغة في حماية الفئات الهشة داخل المجتمع.
أبرز مواد قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983:
تعريف "التشرد" و"انحراف السلوك"
يحدد القانون في مادته 24 الحالات التي يعتبر فيها الصغير أو الحدث "مشرداً"، ومنها:
-التسول في الأماكن العامة.
-ممارسة مهن متجولة قد تعرضه للانحراف قبل سن الخامسة عشرة.
-عدم وجود محل إقامة معين أو اتخاذ الأماكن العامة مأوى له.
-عدم وجود وسيلة مشروعة للعيش أو ولي أو مُربٍّ.
أما انحراف السلوك، فتعتبره المادة 25 قائماً إذا قام الصغير أو الحدث بأعمال في أماكن الدعارة أو القمار، أو إذا خالط المشردين أو من اشتهر عنهم سوء السلوك، أو إذا كان عاصياً لسلطة وليه.
آليات التعامل القضائي
عند العثور على الصغير أو الحدث في إحدى هذه الحالات، يحيله قاضي التحقيق إلى محكمة الأحداث، التي تصدر قرارها النهائي بناءً على تقرير مكتب دراسة الشخصية. ويمنح القانون المحكمة عدة خيارات تشمل:
-تسليم الصغير أو الحدث إلى وليه أو قريب له بتعهد مالي لضمان حسن تربيته وسلوكه.
-إيداعه في دور الدولة المخصصة لهذا الغرض إذا لم يوجد ولي أو في حال الإخلال بالتعهد.
-إيداعه في معاهد صحية أو اجتماعية إذا كان مصاباً بتخلف عقلي.
مسؤولية الأولياء
يفرض القانون عقوبات على الأولياء في حالة إهمالهم أو دفعهم للأحداث نحو الانحراف. فالمادة 29 تنص على غرامة مالية على كل ولي أهمل رعاية الصغير أو الحدث بشكل أدى إلى تشرد أو انحراف سلوكه. وتتضاعف هذه العقوبة إذا أدى الإهمال إلى ارتكاب الحدث جناية أو جنحة عمدية.
أما المادة 30 فتنص على عقوبة بالحبس أو الغرامة لكل ولي دفع الحدث أو الصغير إلى التشرد أو انحراف السلوك.
من هو الولي؟
يجيب القانون نفسه على هذا التساؤل في المادة 3، حيث يوضح أن الولي هو: "الأب والأم أو أي شخص ضُمّ إليه صغير أو حدث أو عُهد إليه بتربية أحدهما بقرار من المحكمة".
كما يحدد القانون الأعمار المعتبرة قانونياً:
-صغيراً: من لم يُتم التاسعة من عمره.
-حدثاً: من أتم التاسعة ولم يتم الثامنة عشرة.
-فتى: من أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة.
-صبياً: من أتم التاسعة ولم يتم الخامسة عشرة.
والخلاصة، فإن مشروع قانون رعاية الأحداث ليس مجرد نص تشريعي جديد، بل يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة العراق على بناء منظومة عدالة اجتماعية وإنسانية متكاملة. القانون يستجيب للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويتناغم مع الالتزامات الدولية للعراق.
لكن نجاحه يتوقف على تخصيص موارد مالية كافية، وتدريب الكوادر المختصة، وتفعيل دور المجتمع المدني، مراقبة التنفيذ بشكل شفاف.
وحاليا تمثل لحظة فاصلة يمكن أن تحدد مستقبل آلاف الأطفال والأحداث في العراق، وتجعل من العدالة الترميمية واقعاً ملموساً، أو تترك الملف رهينة النصوص المؤجلة.
