هذه قصته.. نظام الرعاية الاجتماعية في العراق، شروطه ومراحل تطوره وأبرز إخفاقاته وفضائحه
انفوبلس/..
تعرّض العراق إلى تحولات اجتماعية عديدة، خاصة في عقدي الثمانينيات والتسعينيات نتيجة آثار الحروب التي كان طرفاً بها، والحصار الاقتصادي، وتدنّي مستويات المعيشة وارتفاع معدلات الفقر والبطالـة، وتردّي الواقع الصحي، وانهيار المكاسب التنموية، حتى وصل البلد في نهاية عقد التسعينيات إلى حال مشابه لبلـدان أفريقيـا الواقعة جنـوب الـصحراء الكبرى، وبعض البلدان العربية التـي ليس لديها قاعدة الموارد الغنية التي يمتلكها العراق في معدلات الوفيات وحالات سوء التغذية لدى الأطفال، فدفعت الأوضاع الاقتصادية بدخول الأطفال إلى سوق العمل، لغرض تنويع مصادر دخل الأسرة، خصوصا بعد فقدان الأُسر لمُعيلها، نتيجة الحروب التي خاضها العراق، والأمراض.
وتسعى وزارة العمل والـشؤون الاجتماعية، من خلال برنامج شبكة الحماية الاجتماعية، لتحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية بهدف الحد من التوترات والانتكاسات التي تُعرّض البناء الاجتماعي لعدم الاستقرار، ولاتبـاع سياسـات تهدف لتخفيف وطأتها على الشرائح الفقيـرة وبعض الفئات المعرّضة لآثارها مثل الفقراء والعاطلين عن العمل والأيتام والمعوّقين والمسنّين، للتقليل من معدلات الفقر، حيث يقع الجزء الأكبر في تحقيق هذه الأهداف على عاتق الدولة، وصولاً إلى التنميـة الـشاملة.
مراحل التطور وأبرز الإخفاقات
ظهرت أولى أنشطة العمل الاجتماعي والحماية الاجتماعية في العراق عام 1921، حيث تم اعتماد الأنشطة التطوعية والتجمعات ذات السّمة الدينية، في تقديم خدمات رعاية الأيتام في بغداد والبصرة، مع أنشطة الميـتم الإسـلامي وجمعية مكافحة العلل الاجتماعية وجمعية حماية الأطفال وغيرها، وقد مرّ العمل الاجتماعي في العراق بمراحل متعـددة خلال المدة 1958-1970 على الرغم من التطورات التي حصلت في الاقتصاد العراقي حيث بدأت الحكومة العراقية بالحصول على 51 % من عائدات النفط، حققت للموازنة العامة مـوارد لتمويـل حركة التنمية، إلا إن العمل الاجتماعي ظلّت آفاقه محدودة، حيث التغيرات الاقتصادية لم تكن كافية لتمويل برامج الدعم، إضافة إلى ذلك فإن هذا العمل اتّسم بتشتّته بـين عـدّة وزارات وهـي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية و وزارة الداخلية والصحة.
وخلال تلك الفترة اشتدّت الصراعات الـسياسية في المجتمع العراقي، أثّرت بشكل مباشر في العملية التنموية، إلا إن ذلك لم يمنع من صدور قوانين ونُظم اجتماعية مهمة في مجالات الرعاية الاجتماعية وإصلاح الأحداث والتأهيـل المهنـي.
وتميّز عقد السبعينيات 1970-1980 بوفرة مالية كبيرة بسبب الاستقرار النسبي فـي نـواحي الحيـاة الاقتـصادية والاجتماعية والسياسية، والسيطرة على الثروة النفطية، بعد قرار تأميم شركات النفط العراقية، والارتفاعات المتتالية والسريعة والحادة في أسعار النفط بـين عامي 1973و1979 وهذا كان له الأثر في زيادة الخدمات العامة والاجتماعية، وتوسيع قاعدة توزيع الموارد لصالح الفئات محدودة الدخل والفقيرة في المجتمع العراقـي، وركـزت على الجانب الاجتماعي الذي شهد تطورا بنسبة نمو قُدّرت بنحو 8.5 % سنوياً خصوصا في قطـاع الصحة والتعليم، وارتفع نصيب الخدمات الاجتماعية من 690 مليون دينار عراقي فـي عـام 1976 ليبلغ نحو مليار دينار عراقي في عام 1980 بمعدل نمو سنوي بلغ نحو 10.4%.
وبعد زجّ العراق في أزمات إقليمية ودولية، وسياسة نظام البعث بإشعال حروب عبثية في الداخل والخارج وأبرزها الحرب مع الجمهورية الإسلامية في إيران، اسـتنزفت موارد الدولة التي توجه القسم الأعظم منها لتمويل نفقات الحرب، وعلى الـرغم مـن تراجـع العمـل الاجتماعي، إذ أُلغيت بعض المؤسسات الاجتماعية كالمؤسسة العامة للإصلاح الاجتماعي والمركـز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، فقد صدر قانون الرعاية الاجتماعية رقـم 126 لـسنة 1980 ليضمن حصول بعض الأُسر الفقيرة على راتب شهري لتلبية احتياجاتها الأساسـية، نتيجـة المعاناة والمصاعب التي واجهت شريحة واسعة في المجتمع العراقي، على الرغم من أن هذا الراتب لم يكن ليسد إلا جزءاً يسير من الاحتياجات الحياتية لتلك الأُسر، وفي حينها لم يؤخذ بنظر الاعتبـار عدد أفراد الآُسر المستفيدة.
ومع بداية عقد التسعينيات والحصار، شهدت الدولة صعوبات اتسمت بآثارهـا السلبية على جانب العمل الاجتماعي، وتراجع عائدات النفط، وارتفاع معدلات التضخم، ازداد عدد الأُسر التي تعاني من الفقـر وزاد عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، وأصبح الضمان الصحي والاجتماعي مجرد تسمية بلا أثر، لذلك فقد سجّل برنامج الرعاية الاجتماعية للأُسر تراجعاً خلال تلك الفترة.
الفئات المشمولة بنظام الرعاية الاجتماعية
وحددت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية شروط التسجيل على الرعاية الاجتماعية بفئات معينة، وهي ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة تقديم ما يؤيد شموله بقانون ذوي الاعاقة رقم (38 لسنة 2013، والأرامل والمطلقات وأبنائهن إن وجدوا في حضانتهن، وزوجة المفقود، والمهجورة، والفتاة البالغة غير المتزوجة دون (35) سنة فاقدة الأبوين، والعزباء غير المتزوجة من بلغت 35 سنة ودون 55 سنة، إضافة إلى العاجز بسبب المرض، وعاجز الشيخوخة من بلغ (60) سنة من العمر للرجال و(55) سنة من العمر للنساء.
وشملت أيضا فئة الأيتام الفاقدين لكلا الوالدين أو الأب، وأسرة النزيل أو المودع الذي اكتسب الدرجة القطعية ومدة الحكم تزيد عن سنة واحدة، والمستفيدين من دور الدولة الإيوائية، والأحداث المحكومين، والطلبة المتزوجين المستمرين بالدراسة لغاية الدراسة الإعدادية، وفئة الأُسر معدومة الدخل.
إخفاقات وفضائح
عانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، من قلّة التخصيصات المالية التي تحول دون شمول عدد أكبر من المواطنين برواتب الرعايا الاجتماعية، حيث هنالك أكثر من 1.4 مليون عائلة تتلقى إعانات نقدية شهرياً من ضمن نظام الرعاية الاجتماعية، فيما أنهت الوزارة إجراءات البحث الخاصة بـ300 عائلة أخرى، بالإضافة إلى 97 ألف أسرة أخرى شُملت في البحث من دون أن تدخل النظام، ومرّت سنوات منذ ذلك الحين، إلا إنّ الإعانات المالية لم تصل إليها لعدم توافر التخصيصات اللازمة.
وتضمّن ملف الرعاية الاجتماعية في العراق ملفات فساد كبيرة، إذ كُشف عن إضافة أسماء الآلاف من عوائل الموظفين الحكوميين للحصول على الإعانات الشهرية، فيما أشارت رئيس هيئة الحماية الاجتماعية السابق في وزارة العمل، سناء الموسوي، إلى أن الهيئة أرسلت قائمة ببيانات 343 ألفاً و977 شخصاً إلى الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط لغرض إخضاعها إلى معايير خط الفقر، داعية إلى الإبلاغ عن أي حالة مشبوهة للمساومة على ذلك، وسيجري اتخاذ الإجراءات القانونية وإحالة المبتزّين والمستغلّين إلى الجهات القانونية.
وتعاني العوائل المدرجة ضمن قوائم الوزارة، من عدم الحصول على دفعات إعانة منتظمة، كما أن المبالغ التي تُصرف لها لا تكفي إلا اليسير جداً من احتياجاتهم، على الرغم من أن الكثير منهم من ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة.
تخصيصات الرعاية الاجتماعية في الموازنة
يُذكر أن موازنة عام 2021 تضمنت تخفيض تخصيصات الرعاية الاجتماعية ونقلها إلى أبواب صرف أخرى، ما تسبب بحرمان نحو 200 ألف عائلة من رواتب الرعاية، حيث أثّر ذلك على عدم التوسّع في الشبكة وشمول عدد أكبر من المواطنين، حيث بلغ حجم الأموال التي تم استقطاعها خلال موازنة 2021 أكثر من تريليون و800 مليار دينار عراقي، حيث إن حجم الاموال المخصصة سابقا كانت 5 تريليونات و700 مليار دينار.
فيما تضمن قانون الموازنة العامة للعام 2023 تخصيص 7 تريليونات دينار لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لشمول مليون أسرة جديدة برواتب الإعانة الاجتماعية، وزيادة رواتب المستفيدين من الحماية الاجتماعية، لتكون أفضل من السابق.
وكان وزير العمل والشؤون الاجتماعية، أحمد الأسدي، قد أشار في تشرين الثاني 2022 إلى تسجيل أكثر من مليون ونصف المليون أسرة على الاستمارة الالكترونية في قاعدة الفقر.