هل سينجح "مخيم الجدعة" في العراق باحتواء التطرف؟ تقييم دور البرامج الأممية في إعادة تأهيل العائدين من "الهول"
عودة 148 عائلة إلى العراق
انفوبلس/..
في خطوة مثيرة للجدل، عادت 148 عائلة عراقية، غالبيتها من النساء والأطفال، من مخيم الهول السوري إلى مخيم الجدعة جنوبي الموصل، في خطوة تندرج ضمن مساعي الحكومة العراقية لإعادة تأهيل النازحين وإعادة دمجهم في المجتمع، في إطار برنامج أممي يهدف إلى تفكيك بؤر التطرف ومعالجة جذور الإرهاب.
ومع استمرار هذه العمليات، يتجدد التساؤل حول فعالية هذه البرامج، ومدى نجاحها في تحقيق الأهداف المأمولة على الصعيد الأمني والاجتماعي.
حيث عادت 148 عائلة عراقية إلى البلاد من مخيم الهول في سوريا، بحسب ما أعلنته مديرية الهجرة والمهجرين في محافظة نينوى، اليوم الأحد.
وذكر مدير فرع مديرية الهجرة والمهجرين في محافظة نينوى، خالد عبد الكريم، في حديث صحفي، إنه "تمت يوم أمس إعادة 148 عائلة عراقية مكونة من 578 عراقيا، من مخيم الهول السوري معظمهم من النساء والأطفال".
وأوضح، أن "العودة تحققت بعد إتمام عملية التدقيق الأمني وثبوت عدم تورط العائدين بقضايا في العراق أو كونهم مطلوبين أمنياً".
العائدين استقروا في مركز الأمل للدعم النفسي في (مخيم الجدعة) جنوبي الموصل وسيطبق عليهم برنامج خاص بإعادة التأهيل قبل عودتهم لديارهم
وأشار إلى أن "العائدين استقروا في مركز الأمل للدعم النفسي في (مخيم الجدعة) جنوبي الموصل وسيطبق عليهم برنامج خاص بإعادة التأهيل قبل عودتهم لديارهم".
وتُعد هذه الدفعة العشرين منذ بدء التنسيق بين الحكومة العراقية والإدارة الذاتية لإخراج اللاجئين العراقيين في المخيم، والثانية من نوعها منذ مطلع العام الجاري.
المخيم مكتظ بعوائل الإرهابيين
ويضم مخيم الهول، المكتظ بمحتجزي عائلات عصابات "داعش"، أكثر من 43 ألف شخص، من بينهم عراقيون وسوريون وأجانب ينتمون إلى 45 دولة على الأقل.
وتشكل النساء والأطفال غالبية سكان المخيم، بالإضافة إلى نحو ثلاثة آلاف رجل، معظمهم من العراقيين والسوريين، بينهم عوائل إرهابيي داعش وآخرون نازحون ولاجئون فروا من مناطق سيطرة العصابات الإرهابية سابقاً.
وكان مدير إعلام وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس قد ذكر في وقت سابق، أنه تم تجهيز وتدقيق بيانات 450 عائلة داخل المخيم، من العراقيين الذين "ثبتت نظافة سجلاتهم من أي جرائم"، بغرض نقلهم في الأيام المقبلة إلى مخيم الجدعة جنوب مدينة الموصل.
في المقابل، انتقد النائب الإيزيدي، محما خليل، عملية نقل وإجلاء قاطني مخيم الهول عبر قضاء سنجار ذي الأغلبية الإيزيدية، قائلا إن "الإيزيديين يشعرون بالإهانة وهم يرون الذين قاموا بسبي نسائهم وقتل إخوانهم وسرقة ممتلكاتهم وهم يُنقلون أمام أعينهم إلى مناطقهم".
وجبات سابقة
هذه الدفعة تُعد الثانية منذ بداية العام الجاري، والعشرين منذ بدء التنسيق بين الحكومة العراقية وما يسمى "الإدارة الذاتية" في شمال وشرق سوريا، لإخراج العائلات العراقية من المخيم.
وكان مصدر أمني في محافظة نينوى، أفاد في 9 كانون الثاني الجاري، بوصول 191 عائلة من عائلات عصابات داعش إلى مخيم الجدعة في ناحية القيارة جنوبي مدينة الموصل.
وقال المصدر، إن "العراق تسلم 191 عائلة من عائلات داعش ما يعادل 710 أفراد"، مبيناً أن "هذه العائلات تتألف من سكان محافظات نينوى، صلاح الدين، والأنبار، وتُعد هذه الدفعة جزءًا من الوجبة الثامنة عشرة من عمليات إعادة تأهيل العائلات".
وتأتي هذه الخطوة في إطار اتفاقية بين الحكومة العراقية وجماعات (قسد)، تهدف إلى إعادة المواطنين العراقيين من مخيم الهول السوري إلى العراق، حيث يتم نقلهم عبر منفذ ربيعة الحدودي، ثم يخضعون لتدقيق أمني في مخيم الجدعة قبل السماح لهم بالعودة إلى مناطقهم الأصلية.
يُذكر أن العراق قد استعاد في وقت سابق دفعات متعددة من العائلات العراقية من مخيم الهول، حيث تم نقل 706 أشخاص من 181 عائلة في تشرين الأول 2024، و185 عائلة في نيسان 2024، و173 عائلة في حزيران 2024، وذلك في إطار جهود الحكومة العراقية لإغلاق مخيم الهول والحد من التهديدات الأمنية عبر الحدود مع سوريا.
برنامج تفكيك "القنابل الموقوتة"
وكانت وزارة الهجرة والمهجرين، أعلنت في آب/2024، إطلاق مشروع المصالحة المجتمعية وإعادة دمج العراقيين العائدين من مخيم الهول، مؤكدة أن قدرة العراق على تفكيك مخيم الهول ستخدم جميع دول العالم.
وقال وكيل الوزارة كريم النوري، في مؤتمر إطلاق (مشروع المصالحة المجتمعية وإعادة إدماج العراقيين العائدين من مخيم الهول)، إن "مخيم الهول يشكل بؤرة خطرة وربما يكون أخطر من داعش الإرهابي، فعندما نتفرج عليهم من دون العمل على إعادة تأهيلهم ودمجهم بالمجتمع بالتأكيد سننتظر الأخطر على العراق والمنطقة والعالم".
وتابع، أن "العراق الدولة الأولى في العالم وبمساعدة الاتحاد الأوروبي والمنظمات الأممية، استطاع تفكيك (القنابل الموقوتة) كما يسميها البعض في مخيم الهول، من خلال لجان وُضعت، لإعادة بعضهم إلى مراكز التأهيل المجتمعي"، مستدركاً بالقول: "بالنتيجة الذين عادوا إلى مناطقهم، لم يسجل عليهم خرق أمني، ولاقوا ترحيباً من تلك المناطق، وهذه رسالة جيدة".
ولفت إلى، أن "مركز التأهيل المجتمعي في الجدعة، هو بمشاركة 11 منظمة دولية".
وأضاف النوري، أن "الدولة العراقية لا يمكنها أن تُحمّل الآخرين جريرة غيرهم، ولا تُبنى الدولة بالثأر، ونحن كدولة عندما بدأنا مع الجهات الساندة واجهنا الكثير من الضغوطات والصعوبات، منها ضغوطات سياسية، ولكن بدعم رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، تجاوزنا تلك الصعوبات، لأننا نفكر بالوطن".
وأشار إلى، أنه "لا يمكن اتهام البعض ممن سعوا إلى تفكيك المخيم بأي اتهامات، وبعد القرار العراقي بإعادة تأهيل ودمج العراقيين من مخيم الهول بالمجتمع، بدأت دول أوروبا وآسيا وأفريقيا بسحب الكثير منهم"، مبيناً أن "هنالك مواطنين من 80 دولة متواجدين في مخيم الهول جاؤوا من أجل مساندة داعش ".
وأكد النوري، أن "قدرة العراق على تفكيك مخيم الهول سيخدم العراق والعالم".
يذكر أن مشروع المصالحة المجتمعية وإعادة دمج العراقيين العائدين من مخيم الهول أُطلق من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبالتعاون مع وزارة الهجرة والمهجرين، وبدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة سيدا.
ما هو "الهول"؟
الهول، هو مخيم يقع في محافظة الحسكة، شمال سوريا، ويُعرف بأنه أحد أكبر المخيمات، إذ يحتضن حوالي 48 ألف نازح من 42 جنسية مختلفة، من بينهم أفراد عائلات مسلّحي تنظيم “داعش” الإرهابي العراقيين والسوريين والأجانب.
وكان الآلاف من عناصر داعش نُقلوا إلى مخيم الهول، بعد أن هُزم في سوريا في آذار مارس 2019، وإنهاء سيطرته على مساحات كبيرة من الأراضي العراقية والسورية.
ويعود تاريخ إنشاء مخيم الهول، إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث أُسس من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على مشارف بلدة الهول بالتنسيق مع الحكومة السورية، ونزح إليه ما يزيد عن 15 ألف لاجئ عراقي وفلسطيني، هاجر الكثيرون منهم إلى مختلف أرجاء العالم بمساعدة الأمم المتحدة، خاصة بعد أحداث عام 1991 عندما استباح الطاغية صدام الكويت، وقادت ضده الولايات المتحدة حرباً عبر تحالف دولي.
ويضم مخيم الهول الذي يخضع لحراسة مشددة وتشرف عليه قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حوالي 48 ألف شخص بعد أن كانوا 73 ألفاً، حيث إن غالبية نزلاء المخيم من نساء وأطفال داعش، مما يعزز المخاوف من ولادة جيل إرهابي جديد.
تهديد لأمن البلاد
نقلهم إلى الداخل العراقي، وتحديداً إلى مخيم الجدعة جنوب نينوى، قد يزيد من التهديدات الأمنية ويشكل تحدياً كبيراً للأمن والاستقرار
وحذر عضو تحالف الفتح محمود الحياني، في وقت سابق، من خطورة حدوث عمليات تهريب من مخيم الهول، واصفاً إياها بالقنبلة الموقوتة التي تهدد أمن البلاد.
وقال الحياني في تصريح تابعته “انفوبلس”، إن “أكثر من ثلاثين ألف عائلة من أصول عراقية، أغلبهم نساء وشباب وأطفال من الموصل والأنبار وصلاح الدين والمناطق التابعة لها، يعيشون في مخيم الهول”. منوها، أن “نقلهم إلى الداخل العراقي، وتحديداً إلى مخيم الجدعة جنوب نينوى، قد يزيد من التهديدات الأمنية ويشكل تحدياً كبيراً للأمن والاستقرار”.
وأشار إلى "احتمالية حدوث عمليات تهريب من المخيم بدلاً من الهروب، مما يزيد القلق بشأن تسهيل هذه العمليات من الداخل، وهو ما يشكل خطراً كبيراً على العراق والمنطقة”، لافتا الى أن” العراق يعي خطورة هذا المخيم ويعمل على إحباط أي محاولات للتسلل أو اختراق الحدود".
من جانبه، أكد عضو ائتلاف دولة القانون إبراهيم السكيني، في 27 آب أغسطس الماضي، أن مخيم الهول يمثل خطراً داهماً على العراق، مبينا أن “هناك تقصير من قبل الحكومة فيما يخص حسم ملف هذا المخيم الذي يضم إرهابيين ولن نقبل بفرض آراء أو ضغوط على العراق بشأن عودة هذه الأُسر للعراق، حيث إن هذا المخيم قنبلة موقوتة وبقاءه سيفجّر الوضع".