105 أعوام على انتفاضة النجف.. مهدت لثورة العشرين وأسست لمفهوم المقاومة ورفض الاحتلال
انفوبلس/..
تمر في هذا الشهر الذكرى السنوية الخامسة بعد المائة للثورة الكبرى التي قام بها سكان محافظة النجف الأشرف في العراق ضد الوجود البريطاني آنذاك، لتضع الأساس لمفهوم المقاومة ورفض الاحتلال كما أن من أهم ميزاتها يتمثل في التمهيد لثورة العشرين.
ثورة أو انتفاضة النجف (25 جمادى الآخرة 1336هـ / 19 مارس 1918م) هي ثورة شعبية وتحرك مسلح قام به سكان مدينة النجف العراقية ضد البريطانيون أثناء احتلالهم للعراق.
تعد هذه الانتفاضة الأولى من نوعها ضد الوجود البريطاني في العراق، وكذلك أول ثورة مفتوحة على الحركات الاستعمارية التي نشأت بعد انتهاء حكم الدولة العثمانية في الشرق الأوسط ومن أوائل الثورات العربية مطلع القرن العشرين بعد الثورة العربية الكبرى عام 1916.
استمرت الانتفاضة لأربعة أيام دامية في بادئ الأمر، مال الانتصار فيها للثوار النجفيون، لكن بعدها في الأيام الأخرى أرسل الحاكم البريطاني على النجف والشامية فرانسيس بلفور بعد أن علم بهذه الأحداث قوة من الجيش البريطاني في العراق متكونة من 3000-5000 جندي لإخمادها، ولما وصلوا إلى النجف فرضوا حصاراً عليها لتحل مجاعة وأزمة اقتصادية كبيرة داخل المدينة أرهقت الثورة حتى تمكن البريطانيون من احتلالها بالكامل وإنهاء الحركة المسلحة هناك في 4 أبريل/ نيسان من العام نفسه بعد قصف عنيف بالمدافع على المدينة وألقوا القبض على عدد من القادة الثائرين، وأكثر ممن شارك في هذه الانتفاضة ساهموا أيضاً في ثورة أخرى كبيرة على الإنجليز عام 1920 عرفت بثورة العشرين.
*اغتيال مارشال
بطريقة محكمة جرى اغتيال معاون الحاكم السياسي البريطاني في النجف
باشرت جمعية النهضة الإسلامية بتنظيم عملها وكونت قيادة عليا أغلبها من العراقيين، شكلت الجمعية جناحا مسلحًا اهتم بالأعمال العسكرية ضد الوجود البريطاني وانضم إلى الجناح العسكري بعض الأشخاص الذين كانوا مهيئين للصدام المسلح ومنهم (نجم البقال) الذي شكل خلايا لا تعرف الواحدة بالأخرى، وقرر نجم البقال اغتيال النقيب (وليم دبليو أم مارشال) معاون الحاكم السياسي البريطاني في النجف في 19 مارس 1918 وتمت العملية بطريقة محكمة وقتل الضابط البريطاني مع طبيب ايرلندي وشخص ثالث وأستشهد العديد من أفراد القوة المهاجمة وجرح البعض منها.
*انطلاق الانتفاضة
في صباح 19 مارس/آذار عام 1918 دخل عدد من النجفيين بقيادة الحاج نجم البقال متنكرين بزي شبانة الشرطة العربية التي يعمل بها البريطانيون، إلى قلعة النجف حيث قتلوا النقيب دبليو إم مارشال، الذي كان يتمركز في المدينة منذ 1 فبراير/شباط 1918، تم طردهم بعد ذلك من القلعة من قبل أفراد من الحرس، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين من قبل أعضاء جمعية النهضة الإسلامية، التمرد الأولي كان بقيادة شيخ النجف أبو كلل، كما دعم الانتفاضة كاظم صبي شيخ محلة البراق وسعد بن حاج راضي شيخ محلة المشراق وشيخ عطية أبو كلل شيخ محلة العمارة، وفقط شيخ محلة الحويش مهدي السيد سلمان، عارض الانتفاضة، بسبب تنافسه الشخصي مع نجم البقال، رد النقيب البريطاني فرانسيس بلفور، المتمركز في الكوفة، بإخلاء نصف رجال الشرطة، بينما لجأ النصف الآخر إلى منزل السيد المهدي سلمان، قدم المنتفضون مجموعة من المطالب إلى البريطانيين، معربين عن رغبتهم في حكم أنفسهم دون تدخل بريطاني. وعلى اثر مقتل الضابط البريطاني حضر اللفتانت (بلفور) إلى المدينة وطالب بتسليم الأشخاص الذين قتلوا الضابط البريطاني، ولكن أهل المدينة أقنعوه بأنهم ليسوا من أهالي النجف، فعاد.
*حصار النجف
فرضت القوات البريطانية في 23 آذار 1918 حصاراً على المدينة واستعد الأهالي لذلك، وكانت بداية في الصدام بين سكان النجف والقوات الإنجليزية التي ردت بأوامر من الجنرال مارشال قائد القوات البريطانية بضرب المدينة وتشديد الحصار عليها وعدم فك الحصار إلا بعد تنفيذ الشروط القاسية التي تتمثل بتسليم بعض الأشخاص الذين يتزعمون الثورة وتسليم الأسلحة. وبعد أكثر من أربعين يوما من الحصار والقصف واشتراك الطائرات بقصف المدينة استطاعت بريطانيا ومن خلال عملائها التعرف على الذين قاموا بالعملية وألقت القبض على قائد المجموعة وحكم بالإعدام مع قسم من المنفذين وسجن البعض وهجر العديد من الثوار إلى خارج العراق.
*شروط فك الحصار
وضع البريطانيون عدة شروط لفك الحصار عن النجف لكن النجفيون رفضوها جملة وتفصيلاً
قدم البريطانيون عدة مطالب لفك الحصار في 9 أبريل/نيسان عام 1918م حيث نشرت جريدة العرب الناطقة بلسان حكومة الإمبراطورية البريطانية، في عددها 84، خطاب القائد العام البريطاني المتقدّم ذكره ليطّلع الرأي العام في العراق عليه، كما أمر القائد العام بنشر الشروط التي وضعت على مدينة النجف في مؤتمر عقد بمدينة الكوفة، وهذا نصّها:
"عند الغدر بحياة المرحوم القبطان مارشال الحاكم السياسي في النجف الأشرف، أبلغت الحكومة البريطانية الفخيمة شروطها الموضوعة على النجف الأشرف في مجلس عقد في اليوم الثاني و العشرين من شهر مارت سنة 1918 المطابق للثامن من جمادى الثانية، حضرة وحضرات العلماء الأعلام و الشيوخ المخلصون، هاكم بنود الشروط:
أوّلا: تسليم القتلة، و من اشترك معهم بالفتنة، تسليما بلا شرط و لا قيد.
ثانيا: غرامة ألف تفگة (بندقية) ، و خمسين ألف روبية، يجمعها الشيوخ المخلصون من محلاّت البلدة التي كانت لها يد في الفتنة.
ثالثا: تسليم مئة شخص من المحلاّت الثائرة إلى الحكومة البريطانية لسوقهم من النجف الأشرف بصفة أسرى حرب".
*النجف ترفض
رفض النجفيون الشروط التي وضعت من قبل البريطانيين بشكل تام، دفع ذلك القوات البريطانية إلى اقتحام النجف في 4 مايو/ايار 1918. تم قصف المدينة أثناء الاقتحام بمئات من قذائف المدفعيات وصواريخ الطائرات بدءاً من الهجوم على سور النجف ومرتفع الحويش الواقع خلف السور مروراً بقصفهم على محلة العمارة حتى السيطرة على مرقد الإمام علي (ع) الذي يشكل نواة المدينة لتقع المدينة في الكامل تحت استعمارهم في نهاية المطاف.
أن ثورة النجف قد كانت أول ثورة في العراق على البريطانيين، فعلى الرغم من قصر عمرها الا انها تُعتبر حدثاً مهماً من الناحية السياسية والاجتماعية، فهي تعطينا صورة حية من صور المجتمع العراقي في تلك المرحلة.
وتم إلقاء القبض على 11 من كبار قادة الانتفاضة الذين شاركوا باغتيال المارشال البريطاني وضرب مقرات بريطانية في العراق وإعدامهم في خان صغير بمدينة الكوفة القريبة من النجف، إضافة إلى نفي حوالي مائة شخص أو أكثر إلى الهند لمدة سبع سنوات ودفع أهل النجف غرامة للقادة البريطانيون بالقوة.
*تمهيد لثورة العشرين
تلك الإجراءات البريطانية التعسفية والظالمة غرست الغضب في نفوس النجفيون خاصة وأهل العراق عامة، فقد ثار العراقيون جميعهم مرة أخرى ضد الإنجليز عام 1920 بثورة كبرى والتي تعد من أهم أحداث تاريخ العراق الحديث.