27 عاماً على معركة السيدية.. القصة الكاملة لتصفية حسين كامل وعائلته
إنفو بلس/..
سبعة وعشرون عاماً مضت على "معركة السيدية" التي وقعت في منطقة السيدية جنوب غربي العاصمة بغداد، بين حسين كامل وشقيقه صدام كامل ووالدهما من جهة، وعشيرتهم والقوات الحكومية التابعة لصدام حسين من جهة أخرى، وذلك في 23 شباط/ فبراير 1996.
كان حسين كامل حسن المجيد، وزير التصنيع العسكري العراقي في حكومة النظام السابق وصهر الرئيس صدام حسين (تزوج من رغد صدام حسين). وُلِد في قرية تل الذهب بمدينة تكريت في محافظة صلاح الدين.
-
صدام وأفراد عائلته (إلى يساره عدنان خيرالله)، وفي الصف الثاني (يمين) حسين كامل زوج ابنته رغد
تولى حسين كامل مناصب حساسة في العديد من الأجهزة الأمنية والعسكرية في العراق، يُنظر إليه بأنه باني قوات الحرس الجمهوري (لكن ليس مؤسسه)، كما يعتبر من القلائل الذي وثق بهم صدام حسين.
لكنه في عام 1995 ترك العراق مع زوجته رغد وأخيه صدام كامل وأُسرتيهما إلى الأردن وطلب اللجوء السياسي من ملك الأردن الملك حسين وأعلن انشقاقه عن النظام في العراق، وظل مقيماً في المملكة الأردنية إلى فبراير/ شباط 1996 بعد أن حصل على عفو من الرئيس صدام حسين بأن لا يمسّهم بسوء، إلا إنه وبعد عودتهم قامت عشيرته بعملية في 23 فبراير/ شباط 1996 أسمتها الصحف العراقية "الصولة الجهادية" أدت إلى مقتله مع أخيه صدام وشقيقته وأبيه كامل حسن.
*الانشقاق والهروب
اكتنف غموض كبير دوافع وأسباب مغادرة حسين كامل وشقيقه صدام صهري رئيس النظام العراقي البائد، وحقيقة الأسرار التي أفشاها قبل أكثر من ربع قرن، وتداعياتها على العراق.
فبعد أيام من مغادرتهما العراق ووصولهما إلى الأردن برفقة زوجتيهما، عقد حسين كامل مؤتمراً صحافياً في 12 أغسطس/ آب 1995 أعلن فيه بدء تحركاته لقلب نظام الحكم في بغداد، لتثير تلك التصريحات ضجة واسعة في وسائل الإعلام المحلي والعالمي.
-
التلفزيون الأردني أثناء الإعلان عن منح حسين كامل وشقيقه اللجوء السياسي عام 1995 (رويترز)
كان هروب حسين كامل إلى الأردن مفاجأة من العيار الثقيل للنظام العراقي ولعشيرة صدام حسين، وقد ذكرت بعض المصادر أن سبب هروبه إلى الأردن يعود إلى الخلافات الكبيرة بينه وبين عدي نجل صدام، وتخطيطه للإطاحة بصدام والاستيلاء على الحكم، ولأنه أدرك عدم مقدرته على الانقلاب على من الداخل ووقوف عدي ضد مخططاته لذا غادر حسين كامل العراق سعياً للحصول على دعم غربي لكنه فشل، إلا إنه أفشى خلال وجوده في الأردن جميع الأسرار الحساسة المتعلقة ببرامج التسليح العراقية.
ويؤكد هذه الحادثة ما ذكرته (حرير) ابنة حسين كامل والتي أكدت وجود خلاف بين والدها وكل من عدي وقصي وبعض أفراد العائلة، وبسبب خوف والدها على حياته فقد قرر الخروج من العراق إلى الأردن. بينما يرى آخرون أن خروج حسين كامل من العراق كان في ظاهره يتعلق بخلاف عائلي لكن جرى استغلال القضية سياسيا بشكل كبير ومن أطراف خارجية، ومما يدل على ذلك هو المؤتمر الصحفي الذي عقده حسين كامل في قصر رغدان بالعاصمة الأردنية عمان بعد 3 أيام فقط من وصوله.
سبب انشقاق حسين كامل هو نتيجة خلاف بينه وبين عدي نجل صدام حسين
ومما يؤكد رواية هروب حسين كامل ودوافعها أيضاً، هو ما ذكره الملك عبد الله الثاني في كتابه (فرصتنا الأخيرة)، إذ قال إن سبب انشقاق حسين كامل هو نتيجة خلاف بينه وبين عدي، وأن سبب الزيارة - المعلن تمويهاً - هو أن الشقيقين كامل كانا سيستقلان الطائرة من عمّان إلى بلغاريا في زيارة رسمية. فقد كان العراق آنذاك خاضعاً لعقوبات دولية فرضتها الأمم المتحدة ولذلك لم تكن تغادر مطار بغداد أي رحلات دولية.
*العودة والمقتل
فشل حسين كامل في الحصول على دعم غربي لتغيير نظام الحكم في العراق أو مساعدته في الانقلاب عليه بالرغم من محاولاته العديدة، فعرض عليه صدام حسين العفو رسمياً مقابل العودة، فعاد في 20 فبراير/ شباط 1996. شعر حسين وصدام كامل عند عودتهما إلى العراق بأن هناك شيئاً في الخفاء يُحاك ضدهما، فذهبا إلى منزل شقيقتهما بمنطقة السيدية في بغداد، في حين كانت عشيرتهما تعقد اجتماعات متواصلة، وصدرت الأوامر بالتحرك فوراً لقتل حسين كامل وشقيقه صدام كامل مساء 23 فبراير/ شباط عام 1996.
-
حسين كامل قتل بعد 3 أيام من عودته من الأردن إلى بغداد
بدأ التحشيد قرب المنزل الذي كان فيه حسين كامل من وقت المغرب واستمر حتى الساعة الرابعة فجراً، ثم بدأ الهجوم على المنزل في الثالثة فجراً واستمر 12 ساعة متواصلة ودارت معركة بين حسين كامل وإخوته ووالده من جهة، وبين مجموعة القوات الأمنية التي حاصرت المنزل الذي كان يسكنه في منطقة السيدية ببغداد، قُتل خلال المعركة شقيقا حسين كامل ووالده وجميع الأطفال والنساء الذين كانوا معه، وكان حسين كامل آخر من قُتل بعد مقاومة المهاجمين لساعات طويلة ونفاد ذخيرته.
*مذكرات محمد مهدي صالح
صواريخك لا قيمة لها إذا جاع شعب العراق
يتحدث محمد مهدي صالح الراوي، وزير التجارة العراقي في حكومة النظام البائد، في كتابه "درء المجاعة عن العراق – مذكراتي عن سنين الحصار 1990 – 2003" بصراحة لافتة عن الخلافات التي كانت عصفت بنظام حكم صدام، وجزء منها مرتبط بالفريق حسين كامل زوج ابنة الرئيس العراقي قبل انشقاقه على عمّه عام 1995، وينقل عن صدام قوله في أحد الاجتماعات لحسين كامل الذي كان رئيساً لهيئة التصنيع الحربي: "صواريخك لا قيمة لها إذا جاع شعب العراق".
ويوجه الراوي انتقادات لكشف هيئة التصنيع العسكري برئاسة حسين كامل عن إنتاجها إعلامياً والمبالغة فيه، قائلاً: "بدلاً من المنهج السرّي المعتمد من الدول المنتجة للأسلحة وعدم الاعتراف بالمحظور منها رغم إنتاجها لها، فإن المشرف على هيئة التصنيع العسكري وكوادره القيادية تبنّوا سياسة مغايرة، وذلك بالإعلان عن برامج وخطط ومنتجات التصنيع العسكري من دون التحسّب لردود الفعل الدولية، خصوصاً الولايات المتّحدة الأميركية وإسرائيل، حيث كان يتمّ الإعلان عن تلك البرامج قبل الوصول إلى الإنتاج الفعلي للأسلحة والمبالغة في الإعلان عنها وكشفها، خصوصاً السريّة منها أمام بعض الزائرين من الرؤساء والملوك. وكان الفعل الإعلامي الأوسع نطاقاً والأكثر ضرراً على التصنيع العسكري وعلى العراق هو إقامة معرض للصناعات العسكرية على أرض معرض بغداد الدولي التابع لوزارة التجارة، ودعوة وسائل الإعلام المحلّية والعربية والدولية، ودعوة سفراء الدول المقيمين والوفود لزيارة أجنحة المعرض والاطّلاع على المنتجات وعلى الخطط المستقبلية من خلال الشروحات التي كان يقدّمها ممثّلو هيئة التصنيع العسكري في أجنحة المعرض للزائرين".
ويضيف: "لقد صادف أن رافقت بعض المسؤولين ومنهم نائب رئيس الجمهورية طه ياسين رمضان، واستمعت إلى شروحاتهم المبالغ فيها. وكان هذا الإجراء بحدّ ذاته يمثل عنصر استفزاز وتحريض للإدارة الأميركية وإسرائيل اللتين كانتا تتابعان كلّ خطوة لها أثّر في تهديد أمن إسرائيل".
ويتحدث عن قصة انشقاق حسين كامل وفراره إلى الأردن، فيقول: "كنت أقود السيارة كعادتي في زياراتي داخل العراق إلى المحافظات لمتابعة أنشطة وزارة التجارة، وكذلك في زياراتي إلى الأردن وسوريا في فترة الحصار لمنع الطيران المدني العراقي والدولي للوصول من وإلى العراق. كان بجانبي وزير الزراعة خالد عبد المنعم رشيد، الصديق الشخصي للرئيس الراحل، حينما تم إذاعة خبر هروب حسين كامل في أخبار الساعة السادسة مساءً، وكنا قد اقتربنا من جسر سامراء، قلت له: لنعد إلى بغداد وأنت الصديق الشخصي للرئيس لصعوبة الموقف. أجاب بأن الموضوع عائلي بينه وبين عدي لا حاجة للعودة. واستمر سيرنا باتجاه مدينة الموصل، واجتمعنا في اليوم الثاني لوصولنا مع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة الذي تولى قبل شهرين مهمة رئاسة اللجنة الزراعية التي أصبحت اللجنة العليا لمتابعة موضوع الحصاد والتسويق الذي كان السبب في تكليفه بالمهمة المذكورة. عرضت في الاجتماع مقترح العودة إلى بغداد، خصوصاً السيد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة الشخص الثاني المسؤول، واستمر عملنا الروتيني حتى بعد إعلان حسين كامل إسقاط النظام في المؤتمر الصحافي ليكون هو رئيساً للبلاد".
ويوضح: "الأكيد أن النزاع بين عدي وحسين بلغ أشده، كما أن حسين كامل كان أقوى من عدي الذي ليس له حظوة عند والده، في حين أصبح حسين كامل فعلياً الشخص الثاني في الدولة. ومعظم القرارات التي اتخذها صدام حسين قبل الحصار وبعده كانت له مشاركة فيها من خلال قربه ولقاءاته اليومية العائلية. وكان أقوى من نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت إبراهيم، ونائب رئيس الجمهورية طه ياسين رمضان، وكلاهما كان يحذر منه، ويتوددان إليه، ولا يرفضان له طلباً... لم يكن هروب حسين كامل ناجماً في تقديري عن الصراع القائم بينه وبين عدي فقط، حيث كان كما ذكرت له سلطة وموقع أكبر بكثير من عدي الذي كان يشغل منصباً رياضياً كرئيس للجنة الأولمبية ورئيس مجلس إدارة جريدة وقناة تلفزيون (الشباب)، وليس له تأثير في قرارات الدولة كما كان يتمتع به حسين كامل، وكان يخضع لمراقبة شديدة من والده. وأحد الأسباب فقدانه الأمل في أن يشغل منصب رئيس الوزراء الذي كان يتطلع للوصول إليه".
