8 شباط.. المجزرة التي فتحت باب البعث وأغلقت باب الشيوعيين
انفوبلس/..
على أصوات الأَعِيرَة النارية، ومشاهد الدبابات؛ فاق البغداديون في 8 شباط / فبراير 1963، كان ذلك انقلاب البعث الأول، أو ما أُطلِق عليه بـ"ثورة رمضان"، أدى ذلك إلى الإطاحة بنظام حكم رئيس الوزراء "عبد الكريم قَاسم" وتولّي "عبد السلام عارف" رئاسة الجمهورية.
انتبه المستمعون لنشرة أخبار الساعة الثامنة من صباح الجمعة 8 شباط 1963 على تقطُّع في البث دام لحظات ليأتي صوت قبيح يلثغ بحرف الرّاء وهو يُعلن بدء الانقلاب مستخدماً مصطلح (الجماهير) بدلاً من (الشعب) المألوف في الخطابات الرسمية لثورة 14 تموز 1958.
*تكتيك بعثي
خرج الناس من أكواخهم وصرائفهم من خلف السدّة ليشاهدوا رتل الدبابات وعلى صدورها صور عبد الكريم قاسم، كان الرتل يُطوُّق منطقة خلف السدّة ويقطع الطرق عليها من الدخول إلى أحياء بغداد، الرصافة، من جانب باب الشيخ ومنطقة النهضة وشارع الكفاح، وكانت أحياء مناطق الكرخ مطوَّقة بأرتال أخرى، إذ جرى استخدام صور عبد الكريم قاسم لتضليل الجماهير التي ستُسانده.
هذا التكتيك (البعثي) يدل على أن الانقلابين حسبوا حساب الأحياء الفقيرة وأعدّوا لها العدّة بتكتيك الخُدعة وإن لم ينجح فبالرصاص والدبابات، وهو ما حصل في ظهيرة ذلك النهار حين طافت الجموع في شوارع بغداد متجهةً إلى وزارة الدفاع لنُصرة عبد الكريم قاسم.
-
دبابة في أحد شوارع بغداد
ولأن أعداد البعثيين في الجيش العراقي كانت قليلة وتقتصر على عدد قليل من الضباط، فقد وجدوا في العدد الكبير للضباط القوميين العرب في الجيش وسيلة لتنفيذ الانقلاب.
*انطلاق الانقلاب
بدأ "الانقلاب"، في الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة 8 شباط/ فبراير 1963، حين انطلقت ثلاث طائرات من قاعدة الحبّانية الجوية، الأولى: يقودها الملازم الأول منذر الونداوي لقصف مقر عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع. والثانية: يقودها الملازم فهد السعدون مهمّته حماية معسكر أبو غريب بعد سيطرة ضباط الانقلاب عليه. فيما يقود الثالثة الملازم واثق عبد الله رمضان لضرب مدرَج القوة الجوية في معسكر الرشيد، وتدمير ما يمكن تدميره من الطائرات الجاثمة في هذه القاعدة.
كانت علامة ساعة الصفر لتنفيذ الحركة، هي مشاهدة طائرة (الهنتر) الانكليزية التي يقودها الونداوي، وحينها تحرّكت دبابتان نحو مُرسِلات الإذاعة في أبو غريب وتمّت السيطرة عليها.
أذاع حازم جواد، القيادي في حزب البعث، البيان الأول للحركة، فيما قامت عناصر من الحرس القومي بالسيطرة على مركز شرطة المأمون في منطقة الكرخ، وتحرّكت بعض عناصر الحرس القومي إلى منازل المسؤولين، فتم قتل جلال الأوقاتي، قائد القوة الجوية، وتطويق منزل سعيد مطر أحد كوادر الحزب الشيوعي العراقي.
عناصر أخرى مسلّحة طوّقت قرية قرب ساحة النسور كان يسكنها أفراد الانضباط العسكري المؤيِّد لعبد الكريم قاسم، "وأخذوا يقتلونهم بشكل جماعي لإرهاب المواطنين هناك.. وهكذا بدا الانقلاب دمويًا"، وفق ما يروي الكاتب هادي حسين علوي.
لكن عبد الكريم قاسم تحصّن، مع ضباط أركانه وهم: عبد الكريم الجدة، طه الشيخ أحمد، عبد الرحمن عبد الستار، وسعدون المدفعي. فضلًا عن بعض القوات في وزارة الدفاع، وتم الاتفاق على تطبيق "خطة أمن بغداد"، لكنها لم تُنفَّذ.
من جهة أخرى، شهدت بعض مناطق العاصمة مواجهات بين مؤيدي قاسم وقوات ضباط حركة 8 شباط، وظهرت إذاعة سريَّة تُبث من الكويت ومن خلال سفينة التجسّس (ليبرتي) أسماء وعناوين إقامة الشيوعيين ليتم إعدامهم، وفي الساعات الأولى للانقلاب صدر البيان رقم (13) باسم الحاكم العسكري العام رشيد مصلح، وتبيَّن لاحقاً أن صالح مهدي عماش هو كاتبه.
-
جنود عراقيون قرب دبابتهم في بغداد
وجاء في البيان: "نظراً لقيام الشيوعيين العملاء شركاء عبد الكريم قاسم في جرائمه محاولات بائسة لأحداث البلبلة.. فعليه يُخوّل أمر القطعات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي بإبادة كل من يتصدى للإخلال بالأمن".
*قيادة الانقلاب
قاد الحركة حزب البعث، وعلى رأسه رفيق قاسم السابق، عبد السلام محمد عارف، الذي تولى الحكم فيما بعد حتى عام 1966، حيث تولى الحكم أخوه عبد الرحمن عارف، والذي أُطيح به بانقلاب آخر في 17 تموز/ يوليو 1968 قاده حزب البعث أيضًا بالتنسيق مع بعض العناصر غير البعثية، بقيادة أحمد حسن البكر الذي أصبح رئيساً جديداً للبلاد.
*الهدف والدول المتورطة
كان الهدف الأول والأخير هو الحزب الشيوعي العراقي ولكن المخطَّط لا يكتمل قبل إسقاط حكومة عبد الكريم قاسم، وبكل الوسائل الممكنة وبمساعدة الدول العربية المُجاورة: سوريا، الأردن، الكويت، إيران الشاهنشاهية. والدور الأكبر لمصر عبد الناصر. كانت المدفعية تقصف وزارة الدفاع من جهة الكرخ، يقود الكتيبة طاهر يحيى، وكانت الطائرات مجهولة الهوية (بشهادة محمد حسنين هيكل) تقصف وزارة الدفاع والجماهير التي طافت شارع الرشيد وطوّقت الوزارة تأييداً لعبد الكريم قاسم.
اعترف علي صالح السعدي - أحد القيادات التأريخية الأولى لحزب البعث - بالقطار الأمريكي، واعترف الملك حسين في مقابلته مع محمد حسنين هيكل بدور كبير للمخابرات الأمريكية في انقلاب شباط.
*إعدام عبد الكريم
سيطر ضبّاط الحركة على مبنى وزارة الدفاع في اليوم التالي، وفق تضارب بين روايتين، تقول الأولى إن عبد الكريم قاسم توقف عن القتال وفق اتفاق مع عارف يقضي بتقديمه لمحاكمة عادلة، وأخرى تقول إن قاسم قد استسلم.
-
اعدام عبد الكريم قاسم واثنين من ضباطه
أُعدِم عبد الكريم قاسم وضبّاطه بعد ظهيرة يوم 9 شباط من ذلك العام، رمياً بالرصاص في مبنى الإذاعة في العاصمة بغداد، ليظل من أكثر الشخصيات التي حكمت العراق إثارةً للجدل، يراه مريدوه "زعيماً عادلاً"، فيما تُوجَّه إليه اتهامات بالمسؤولية عن "جريمة" تصفية العائلة المالكة، بعد "ثورة" 14 تموز/ يوليو 1958، والتي مكّنت قاسم من الحكم.
*خلاصة
لم يتمكن انقلاب شباط من إصلاح الأوضاع في العراق، لأن الصراعات سرعان ما اشتدّت بين القوميين والبعثيين على السلطة، وبدأ "الحرس القومي"، الذي منحه البعث إطاراً قانونياً وسلّحه وزاد من أعداده بعد الانقلاب، بالتدخّل في شؤون الحكم والسيطرة على مفاصله، وقمع المدنيين وتنفيذ عمليات القتل والتغييب والاعتقالات القسرية.
كان القتل والاغتيال سلوكاً ومنهجاً وبرنامج عمل عند البعثيين، وواصلوا هذا المنهج في كل خطوة من خطوات الانقلاب، وسادت هذه اللغة الدموية بين صفوفهم على شكل تصفيات جماعية وشملوا القريب والبعيد بالتصفية والقتل إلى نهاية حكمهم الأسود يوم 9/4/2003 ،وما بعد تحرير العراق منهم واصلوا العمل بالجرائم الدموية مع فرق النقشبندية والقاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى.