أغلبية الشيعة وحسابات الشركاء.. مستقبل التكليف الحكومي بين النصوص الدستورية والتحالفات.. تعرف على المسارات المحتملة
انفوبلس..
بعد إعلان الإطار التنسيقي مساء الإثنين 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 عن توقيع جميع قواه على اعتباره الكتلة النيابية الأكبر في مجلس النواب العراقي والمضيّ في ترشيح رئيس للوزراء للمرحلة المقبلة، تتجه الأنظار إلى المسارات الدستورية والسيناريوهات السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة.
في هذا التقرير نستعرض المادة 76 من الدستور وتفسير المحكمة الاتحادية لمفهوم “الكتلة الأكبر”، إضافة إلى الخيارات الدستورية المتاحة لتكليف المرشح لرئاسة الحكومة، إلى جانب قراءة سريعة لمواقف الكتل السياسية الأخرى وصولاً إلى أبرز السيناريوهات المتوقعة على ضوء الواقع السياسي الراهن.
المادة 76 من الدستور وتفسير “الكتلة الأكبر”
تنص المادة (76) من الدستور العراقي لعام 2005 على الآلية الدستورية لتشكيل مجلس الوزراء الجديد. فبعد انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب، يكلف رئيسُ الجمهورية مرشحَ الكتلةِ النيابيةِ الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخاب الرئيس. ويُمنح رئيس الوزراء المكلف مهلة 30 يوماً لإكمال تشكيل حكومته وعرضها على البرلمان لنيل الثقة. وإذا أخفق خلال هذه المهلة في تأليف الوزارة أو لم تحصل حكومته على ثقة البرلمان، يكلّف رئيسُ الجمهورية مرشحاً جديداً خلال خمسة عشر يوماً تالية بحسب أحكام المادة 76 ذاتها، بما يفتح الباب لسيناريو تكليف ثانٍ لتشكيل الحكومة. أما في حال تكرار الإخفاق، يمضي السياق الدستوري نحو حلّ مجلس النواب والدعوة لانتخابات مبكرة خلال 60 يوماً وفق المادة 76 (خامساً) من الدستور – وهو خيارٌ يُفترض تجنّبه عبر التوافقات السياسية.
لكن الجدل الرئيسي يدور حول تحديد من هي “الكتلة النيابية الأكثر عدداً” صاحبة حق الترشيح الأول لرئاسة الوزراء. فقد حسمت المحكمة الاتحادية العليا هذا المفهوم في تفسيرها الشهير عام 2010 (القرار 25 لسنة 2010) والمؤكَّد بقرار آخر عام 2014، حيث بيّنت أن تعبير “الكتلة النيابية الأكثر عدداً” الوارد في المادة 76 يعني إما الكتلة التي تكوّنت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة أو الكتلة التي تكوّنت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر وتحالفت في المجلس لتصبح هي الأكبر عدداً. وبعبارة أخرى، لا يشترط أن تكون الكتلة الأكبر هي القائمة الفائزة أولاً في الاقتراع، بل قد تتشكل عبر ائتلاف تحت قبة البرلمان يضم عدة قوائم إذا تمكنت من تحقيق أكثرية عددية. وقد جاء هذا التفسير على خلفية أزمة 2010 حين تساوت الاستحقاقات الانتخابية تقريباً بين قائمتي إياد علاوي ونوري المالكي، فحسمت المحكمة الموقف لصالح إمكانية تشكيل تحالفات ما بعد الانتخابات. وتعكس هذه الصياغة واقع النظام البرلماني التعددي في العراق وصعوبة حصول أي قائمة منفردة على الأغلبية المطلقة؛ إذ الكتلة الأكبر عملياً هي أي ائتلاف قادر على التفاوض مع حلفاء ليصبح الكتلة الأكبر عدداً وفق شرح الخبير القانوني حميد الصائغ. وبناء على ذلك، أتاح الدستور للقوى السياسية مجالاً واسعاً لترتيب تحالفاتها بعد ظهور نتائج الانتخابات بهدف تكوين الكتلة الأكبر التي يُعهد إليها تشكيل الحكومة.
يجدر الذكر أن العرف السياسي المستقر منذ عام 2005 يقضي بتوزيع المناصب السيادية وفق مبدأ استحقاق المكونات: رئاسة الوزراء من حصة المكوّن الشيعي، ورئاسة الجمهورية للمكوّن الكردي، ورئاسة مجلس النواب للمكوّن السُنّي.
وقد تجلّى هذا العرف في كل الدورات السابقة، حيث يتم اختيار “الرئاسات الثلاث” عادةً ضمن صفقة واحدة بالتوافق بين الكتل الكبرى الممثلة للمكونات. في ضوء ذلك، يمثل إعلان الإطار التنسيقي عن تشكيل الكتلة الأكبر خطوة محورية تسبق استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، الذي سيقوم فور انتخابه بتكليف مرشح الإطار لرئاسة الحكومة.
ومن الناحية الدستورية، يضع هذا الإعلان باقي القوى السياسية أمام أمر واقع دستوري يتمثل بأحقية الإطار التنسيقي – بوصفه ممثلاً لأكبر تجمع نيابي – في تقديم مرشح منصب رئيس الوزراء. وتأكيد الإطار على “ضرورة الالتزام بالمهل الدستورية” يوحي برغبة القوى الشيعية في تسريع إجراءات التكليف والتشكيل ضمن السقوف الزمنية المحددة لتفادي أي فراغ أو خرق دستوري.
معطيات المشهد السياسي بعد الانتخابات
أسفرت الانتخابات البرلمانية المبكرة (التي جرت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025) عن إعادة رسم خارطة التوازنات داخل مجلس النواب. فعلى الجانب الشيعي، تكرّس تفوق الإطار التنسيقي بجميع مكوناته في ظل غياب منافسة التيار الصدري. وحصدت قوائم الإطار مجتمعة ما يقدَّر بنحو 187 مقعداً من أصل 329، مما يمنحه أغلبية نسبية مريحة لخوض مفاوضات تشكيل الحكومة.
وبحسب الأرقام النهائية، حققت أحزاب الإطار مكاسب كبيرة مقارنة بالدورة الماضية – مثلاً حصدت كتلة “صادقون” التابعة لعصائب أهل الحق 27 مقعداً (مقابل 15 في 2021)، ونالت منظمة بدر 21 مقعداً (مقابل 16 سابقاً)، كما ارتفع تمثيل تحالف قوى الدولة (تيار الحكمة) إلى 18 مقعداً بعدما كان 4 فقط. أما ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي فحصل على نحو 29 مقعداً. هذه المعطيات تعني أن الإطار التنسيقي بات اللاعب المهيمن شيعياً دون منازع فعلي داخل البرلمان الجديد.
في المقابل، برز الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود بارزاني) كأكبر القوى الكردية بحصوله على 32 مقعداً نيابياً (27 عبر الدوائر العامة في إقليم كردستان + 5 مقاعد كوتا للأقليات حصدها بدعم الديمقراطي). وحلَّ الاتحاد الوطني الكردستاني ثانياً في الإقليم بنحو 17 مقعداً. وعلى الجانب السني، حافظ تحالف السيادة (بشقَّيه حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي وتحالف عزم بزعامة خميس الخنجر) على كتلة وازنة قوامها قرابة 40 مقعداً بالمجموع. وتشير النتائج إلى تقارب في الوزن البرلماني بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب تقدم السني، حيث حصل كل منهما على قرابة 28–29 مقعداً بحسب التقديرات الأولية، ما يجعلهما في مرتبة متقاربة تلي تحالف السوداني من حيث عدد المقاعد. ويؤكد هذا المشهد التعددي أنه لا يمكن لأي طرف تشكيل حكومة منفرداً، بل يتطلب الأمر بناء تحالفات عابرة للطوائف – وهي سمة لازمت العملية السياسية العراقية منذ 2005.
مواقف الكتل الأخرى
مع إعلان الإطار التنسيقي عن الكتلة الأكبر، اتجهت الأنظار إلى مواقف بقية القوى وكيف ستتعامل مع واقع استحواذ الإطار على زمام المبادرة. الحزب الديمقراطي الكردستاني سارع إلى الانخراط في مشاورات مبكرة لتنسيق الموقف الكردي قبل التوجه إلى بغداد. فقد أجرى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني زيارة إلى أربيل عقب الانتخابات والتقى بقيادات الديمقراطي الكردستاني لبحث تشكيل الحكومة. ويرى مراقبون أن نتائج الانتخابات أوجدت “خارطة كردية جديدة” تستدعي تفاهمات بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني قبل الدخول في تحالفات بغداد. فكلما ظهر الأكراد منقسمين بين الحزبين الرئيسيين، انعكس ذلك سلباً على حجم مكاسبهم في بغداد، خصوصاً في الملفات السيادية. وعليه، يبرز ملف رئاسة الجمهورية كاختبار لوحدة الصف الكردي.
ويرى مراقبون أنه لا بد من اتفاق واضح بين الديمقراطي والاتحاد حول تقاسم المناصب قبل الجلسة الأولى للبرلمان، لأن أي تباعد سيُضعف الموقف الكردي في الدفاع عن هذا الموقع (رئاسة الجمهورية). وتزداد حساسية الموقف مع تصاعد مطالب سنّية غير مسبوقة بالحصول على منصب رئيس الجمهورية هذه المرة. فبعض القيادات السنية طرحت علناً أحقيتها برئاسة الجمهورية لأول مرة منذ 2003 في ظل امتلاكها كتلة نيابية كبيرة، وهو ما يضع الحزبين الكرديين أمام تحدّي تفويت هذه الفرصة على منافسيهم عبر الإسراع في حسم مرشح توافقي كردي.
وإذا اتحد الأكراد خلف مرشح واحد قوي، فمن المستبعد نجاح أي مسعى سني لانتزاع المنصب الكردي التاريخي، أما انقسامهم فقد يغري حلفاء عرب بدعم المرشح السني كعامل توازن في السلطة.
بالنسبة للقوى السنية، فهي تبدو في موقع تفاوضي مريح نسبياً بعد أن حافظت على كتلتها السابقة. وقد اتخذ تحالف السيادة خطوات استباقية لضمان حضوره في ترتيبات الحكومة المقبلة. فغداة الانتخابات، زار رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي (رئيس البرلمان السابق) زعيمَ ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في بغداد، وتبادل الطرفان التهاني بنجاح العملية الانتخابية. وصدر بيان مشترك يدعو إلى الإسراع في تشكيل حكومة قادرة على تلبية مطالب المواطن وتحقيق تطلعاته.
هذا التقارب بين الحلبوسي والمالكي يؤشر إلى استعداد المكوّن السني للانخراط بتحالف مع الإطار التنسيقي مقابل ضمان حصته في السلطة. ومن المرجح أن يتمسك تحالف السيادة بإعادة تولي رئاسة مجلس النواب (حيث يُتوقع أن يسعى الحلبوسي لولاية جديدة كرئيس للبرلمان)، فضلاً عن المطالبة بحزمة مكاسب خدمية وتنموية للمناطق السنية في إطار البرنامج الحكومي المقبل. كذلك قد يستخدم القادة السنة ورقة دعم مرشح رئاسة الجمهورية كورقة ضغط لتحسين شروط مشاركتهم في الائتلاف الحاكم، سواء حصلوا على المنصب أم على بدائل تعويضية في مناصب عليا أخرى. بالمجمل، يبدي التحالف السني حرصاً على قيام حكومة مستقرة وشاملة سريعاً، وقد أكد قياديوه أنهم “سيحترمون السياقات الدستورية في تكليف الكتلة الأكبر” مع التشديد على الشراكة والتوازن بين المكونات.
سيناريوهات التكليف وتشكيل الحكومة
إن إعلان الإطار التنسيقي عن تشكيل الكتلة النيابية الأكبر يعزز احتمالية سيناريو تشكيل حكومة بقيادته وفق قاعدة الأغلبية النيابية الشيعية.
فبمجرد مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية للانتخابات (بعد حسم جميع الطعون القانونية)، سيدعو رئيس الجمهورية الجديد البرلمان للانعقاد خلال 15 يوماً. ومن المتوقع أن تُعقد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد مطلع يناير/كانون الثاني 2026، يتم فيها انتخاب رئيس المجلس ونائبيه بالأغلبية المطلقة للحاضرين (50%+1). يلي ذلك انتخاب رئيس الجمهورية الجديد خلال مدة أقصاها 30 يوماً من الجلسة الأولى، ويتطلب الفوز بمنصب الرئيس أغلبية خاصة (ثلثي أعضاء المجلس في الجولة الأولى) قد تستدعي جولات تصويت متعددة أو تفاهمات عريضة بين الكتل. وبما أن القوى الكردية لم تحسم بعد مرشحاً موحداً للرئاسة، فقد يشهد هذا المنصب تنافساً محتدماً بين مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني ومرشح الاتحاد الوطني (وربما مرشح مدعوم سني إذا استفحلت الخلافات الكردية). على أن جميع المؤشرات تفيد بوجود اتصالات مبكرة لتجنب الفراغ، بل إن مصادر في الإطار التنسيقي كشفت عن أمل القوى الشيعية في “التوصل إلى اتفاق شامل يضم رئيساً للوزراء ورئيساً للبرلمان ورئيساً للجمهورية قبل انعقاد البرلمان الجديد” في كانون الثاني/يناير. ومثل هذا الاتفاق المسبق (إن تحقق) سيجعل الجلسة الأولى تمر سلسة بتوزيع الرئاسات الثلاث “بسلة واحدة” كما جرت العادة.
في حال انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهل الدستورية، سيقوم فوراً بتكليف مرشح الكتلة الأكبر، أي الإطار التنسيقي، بتشكيل مجلس الوزراء الجديد. ووفق السياق الحالي، يُرجّح أن يكون المرشح هو محمد شياع السوداني نفسه لولاية ثانية، خصوصاً بعدما تصدّر تحالفه النتائج وكسب دعماً محلياً وإقليمياً ودولياً ملموساً خلال ولايته الأولى. وقد كشف الإطار عن تشكيل لجنة قيادية لمقابلة المرشحين لمنصب رئيس الوزراء ووضع معايير اختيار مهنية ووطنية، قاصداً بذلك ضمنياً تقييم خيار التجديد للسوداني مقابل خيارات أخرى. وتشير التسريبات إلى وجود نحو 15 مرشحاً مطروحاً داخل الإطار لرئاسة الحكومة القادمة، أبرزهم السوداني ورئيس جهاز المخابرات حميد الشطري. لكن حظوظ السوداني تبدو هي الأوفر وفق معطيات الكواليس، كونه يحظى بتأييد محلي وإقليمي ودولي واضح، ما لم يطرأ متغير يدفعه للعزوف أو يدفع الإطار لاستبداله. وقد نقلت مصادر من داخل الإطار أن رئيس الوزراء القادم سيقدَّم من داخل الإطار التنسيقي وليس من خارجه، في رسالة تهدف لقطع الطريق على أي حديث عن مرشح تسوية مستقل أو محسوب على طرف خارج البيت الشيعي.
مع ذلك، لا يخلو المشهد من تعقيدات قد تؤخر أو تعيد خلط الأوراق في مسار التكليف. فهناك تنافس داخلي حاد داخل الإطار التنسيقي ذاته برز للسطح بين جناح رئيس الوزراء الحالي السوداني الساعي لولاية ثانية، وبين جناح رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون. المالكي، صاحب الـ29 مقعداً، لا يزال لاعباً ذا نفوذ ويطمح حسب مراقبين إلى دور أكبر ربما عبر ترشيح بديل مقرب منه لرئاسة الحكومة. وقد ألمح الباحثون إلى أن مشهد ما بعد انتخابات 2021 قد يتكرر لجهة إطالة مفاوضات تسمية رئيس الوزراء نتيجة صراع الأجنحة داخل الإطار. ورجّح خبراء أن “سيناريو التأخير لفترة طويلة وارد بقوة، خاصة بعد أن أظهرت أرقام النتائج تقارباً كبيراً بين المتنافسين داخل البيت الشيعي”. أضف إلى ذلك عامل التدخلات الخارجية في اختيار رئيس الحكومة – وهو عامل تقليدي في السياسة العراقية.
ورغم وجود مؤشرات عديدة تدل على سلاسة بتشكيل حكومة 2025، تبقى عدة تحديات ماثلة في طريق الحكومة الجديدة حتى ضمن سيناريو التوافق الإيجابي. فالتنافس الشخصي داخل الإطار على مواقع النفوذ قد يُلقي بظلاله على توزيع الحقائب الوزارية وطبيعة البرنامج الحكومي، مما يستدعي إدارة حذرة لتوازنات القوى بين مكونات الإطار. كما أن المطالب المرتفعة من الحلفاء الكرد والسنة – سواءً فيما يتعلق بالمناصب أو بالسياسات – قد تضع الحكومة المقبلة أمام اختبار تلبية الاستحقاقات التي وُعدت بها هذه الأطراف. فعلى سبيل المثال، سيطالب الحزب الديمقراطي الكردستاني على الأرجح بضمانات حول حصة الإقليم المالية وقانون النفط والغاز المستعصي، وربما بالسعي لمنصب سيادي، إن تخلى عن مطلبه التقليدي بمنصب الرئيس لصالح شريكه الاتحاد الوطني.
إن نجاح الإطار في اجتياز هذه الاختبارات عبر برنامج حكومي واقعي وإصلاحي سيحدد مدى صلابة التحالف الحاكم القادم. وفي حال الإخفاق أو ظهور بوادر تنصل من الالتزامات، قد نشهد تجدد التجاذبات السياسية بعد تشكيل الحكومة بفترة وجيزة، وربما تشق بعض الأطراف طريق المعارضة المبكرة من داخل التحالف نفسه.
وبالمحصلة، يقف العراق اليوم أمام منعطف جديد تتداخل فيه مقتضيات الدستور مع تعقيدات الواقع السياسي.
فالمادة 76 رسمت خارطة طريق واضحة نظرياً لتشكيل الحكومة عبر تكليف الكتلة الأكبر ثم منح الثقة خلال مدد زمنية محددة، بيد أن التطبيق العملي يبقى رهن التوافقات بين القوى الفائزة وقدرتها على حل معضلات تقاسم السلطة. إعلان الإطار التنسيقي نفسه الكتلة الأكبر وضعه في موقع المسؤولية الأولى عن تشكيل الحكومة المقبلة، مما يعني أن الكرة الآن في ملعب البيت الشيعي لترجمة هذا التفويض إلى حكومة فعالة.
وبينما يلوح في الأفق أمل تشكيل الحكومة سريعاً “دون تأخير” كما عبّر قادة الإطار، فإن تجارب السنوات الماضية تدعو إلى الحذر.
فرصة الإطار التنسيقي هذه المرة كبيرة لتشكيل حكومة مستقرّة كونه لا يواجه منافساً شيعياً على الكتلة الأكبر، لكن نجاحه مشروط بقدرته على استيعاب الشركاء وطمأنة الشارع بأن الحكومة الجديدة ستكون عند مستوى التحديات. وفي انتظار انعقاد البرلمان ومراسم التكليف الدستوري، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة على التسويات الممكنة، في ظل مراقبة محلية ودولية لصيقة لمجريات تشكيل ثالث حكومة عراقية منذ احتجاجات تشرين 2019، أملاً في أن تأتي نتيجة العملية السياسية هذه المرة ملبية لتطلعات العراقيين نحو الاستقرار والإصلاح.