البرلمان العراقي يصوّت على المدونة الشرعية للفقه الجعفري.. خطوة جديدة نحو تنظيم الأحوال الشخصية
تنظيم الزواج والطلاق والميراث
انفوبلس..
صوت مجلس النواب العراقي، يوم الأربعاء، على "المدونة الشرعية للفقه الجعفري"، خطوة اعتبرها نواب ومسؤولون تشريعيون استجابة مهمة لطلب المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف، وتعزيزاً للحرية الشخصية للمواطنين الشيعة في اختيار أحكام أحوالهم الشخصية وفق فقههم.
ووفق بيان للدائرة الإعلامية لمجلس النواب، فقد أُدرجت الفقرة الخاصة بالمدونة على جدول أعمال الجلسة، حيث صوّت عليها 167 نائباً، قبل أن ترفع رئاسة المجلس الجلسة مباشرة بعد التصويت. وأكد البيان أن المدونة أعدت بصياغة دقيقة من قبل ديوان الوقف الشيعي، لتكون مرجعية قانونية وفقهية متكاملة لمعالجة جميع القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية.
من جانبه، أوضح النائب مرتضى الساعدي في مؤتمر صحفي عقده بمبنى البرلمان، أن "المدونة تتضمن أكثر من 300 فقرة تشمل الزواج والطلاق والميراث والوصايا والنفقة والحضانة"، مضيفاً أن "هذه الخطوة جاءت استجابة لطلب المرجعية الدينية، وتهدف إلى توفير إطار قانوني متكامل ومتوازن للأسر العراقية".
أحكام شاملة ومعالجات دقيقة
النائب رائد المالكي: المدونة تعالج جميع جوانب الحياة الأسرية قبل الانفصال وبعده، بما يضمن حقوق الزوجين والأطفال، وتوفر حلولاً شرعية متكاملة وفق الفقه الإمامي الاثني عشري، دون أي تجاوز للضوابط الشرعية
وأكد عضو اللجنة القانونية النيابية، رائد المالكي، أن المدونة تمثل نقلة نوعية في التشريع العراقي للأحوال الشخصية، موضحاً أن "المواد القانونية في المدونة تجاوزت 337 مادة، في حين كان قانون الأحوال الشخصية السابق يحتوي على 94 مادة فقط، ما يعكس شمولية المعالجات وتنظيمها الدقيق لجميع الحالات العملية التي تواجهها الأسر".
وأضاف المالكي أن "المدونة تعالج جميع جوانب الحياة الأسرية قبل الانفصال وبعده، بما يضمن حقوق الزوجين والأطفال، وتوفر حلولاً شرعية متكاملة وفق الفقه الإمامي الاثني عشري، دون أي تجاوز للضوابط الشرعية".
وبشأن الحضانة، بيّن المالكي أن "المدونة نظمت الحضانة بشكل متوازن، حيث تُعطى الأم الحضانة خلال السنوات السبع الأولى، ثم تنتقل إلى الأب بعد ذلك، مع منح الطفل الحق في الاختيار عند بلوغه السن الشرعي، وفي حال وفاة الأب تنتقل الحضانة مباشرة إلى الأم، لتكون الأولوية لأم الطفل على أي أقارب آخرين". وأكد أن "المدونة تمنح القاضي سلطة تقديرية في بعض الحالات، خصوصاً فيما يتعلق بالمشاهدة وتحديد الأماكن والأوقات بما يخدم مصالح الأطفال والوالدين على حد سواء".
خطوة دستورية لتنظيم حرية الأفراد
ويأتي تصويت البرلمان على المدونة الشرعية للفقه الجعفري بعد تعديلات قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، والتي أقرها المجلس مطلع العام الجاري، حيث أتاح القانون للمواطنين المسلمين الشيعة الاحتكام إلى الفقه الجعفري في مسائل الزواج والطلاق والميراث والحضانة، بدلاً من الالتزام بالقانون الموحد.
وأشار المالكي إلى أن "التعديل جاء انسجاماً مع المادة 2 من الدستور، التي تمنع سن أي قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، والمادة 41 التي تكفل حرية الأفراد في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب معتقداتهم ومذاهبهم، كما يتيح القانون تنظيم هذه الحرية ضمن إطار قضائي موحد يضمن حماية الحقوق وتطبيق أحكام القانون بشكل عادل".
وتابع: "المدونة ليست مجرد نص قانوني، بل هي استجابة لمطالب دستورية واجتماعية واقعية، حيث يواجه المواطنون أحياناً تضارباً بين حكم القانون وحكم الشرع، لا سيما في مسائل تتعلق بالأعراض والحقوق الشخصية، ومن هنا جاءت الحاجة الماسة لتوفير إطار قانوني واضح ومنسجم مع المبادئ الشرعية".
الدور الاستشاري للمرجعية الدينية
وأكد خبراء القانون أن المدونة الشرعية للفقه الجعفري أعدت بعد دراسة دقيقة من قبل ديوان الوقف الشيعي، لتكون متناغمة مع التشريعات الوطنية ومتطلبات الواقع الاجتماعي، موضحين أن "هذه المدونة توفر حلولاً تفصيلية لكافة مسائل الأحوال الشخصية، بما يسهم في حماية الأسرة والمجتمع".
وقال المالكي إن "التعديلات القانونية الأخيرة ليست فقط استجابة لمبادئ الحرية الدستورية، بل تعالج أيضًا المشاكل الاجتماعية والقانونية التي كانت تواجه المواطنين تحت القانون الموحد السابق، ما يجعلها خطوة إصلاحية مهمة في مسار التشريع العراقي".
يُعد تصويت البرلمان على المدونة الشرعية للفقه الجعفري خطوة مهمة لتعزيز حرية المواطنين الشيعة في تحديد أحوالهم الشخصية وفق فقههم، وتنظيم العلاقة بين القانون والدين بطريقة متوازنة وعادلة.
كما أن المدونة توفر حلولاً عملية لمعظم القضايا الواقعية للأسر العراقية، بما في ذلك الزواج والطلاق والميراث والنفقة والحضانة، مما يعكس اهتمام البرلمان بالاستجابة للأحكام الشرعية وحماية الحقوق الفردية والاجتماعية في آن واحد.
بهذا التصويت، يثبت البرلمان العراقي التزامه بتطبيق الدستور وتنظيم الحريات الشخصية، ويؤكد أن التشريع يمكن أن يكون أداة لتقريب المسافة بين الواقع الاجتماعي والضوابط الشرعية، بما يخدم استقرار الأسرة والمجتمع العراقي.