الرياض تخرج بقمة "مخزية" دون مخرجات.. كيف حوّلت السعودية لقاء حل الأزمة إلى منصة للتآمر؟
انفوبلس/ تقارير
قمة دون مخرجات ولا حتى بيان ختامي، كان هدفها حل أزمة التهجير في القطّاع المدمر لكنها تحوّلت إلى منصة للاتهام والتآمر، حيث الرياض وقمتها المصغرة "المخزية" التي عُقدت يوم أمس وجوبهت بانتقادات لاذعة، فماذا جاء بها؟ ولماذا امتنع العراق عن الحضور؟
لقاء "أَخوي" دون مخرجات!
انتهت القمة العربية المصغرة التي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض، بعد ظهر أمس الجمعة، لبحث الموقف العربي إزاء مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة والاستيلاء عليه، ومناقشة الخطط المطروحة على الطاولة، وعلى رأسها الخطة المصرية، بصفتها الأقرب والأجهز، بحسب التقارير الإعلامية والمصادر التي تطرقت إليها.
وعلى عكس المعمول به، خرجت القمة بلا بيان رسمي، فيما اكتفت وكالة الأنباء السعودية (واس) بخبر مقتضب أشارت فيه إلى أن هذا اللقاء، الذي وصفته بـ”الأخوي”، جاء بناءً على دعوة من ولي العهد محمد بن سلمان، بمشاركة كلٍّ من ملك الأردن عبدالله الثاني بن الحسين، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، وأمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، وولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة، وسط غياب العراق عن الحضور".
لم يتناسب اللقاء، بحسب مخرجاته المُعلنة، مع ما رُوّج له قبل أيام، إذ كان يُعول عليه في وضع النقاط على الحروف بشأن المقترح العربي البديل لمخطط الرئيس الأمريكي العنصري، وأن يقدم رؤية عربية خالصة ومكتملة تنتصر للمبادئ الراسخة إزاء القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
ويبدو أن الحسم قد أُجِّل لقمة القاهرة، التي كان يُفترض انعقادها في 28 من هذا الشهر، قبل تأجيلها إلى الرابع من الشهر المقبل نظرًا لأسباب لوجستية، بحسب الجامعة العربية.
مؤامرة سياسية وليست قمة لحل الأزمة
بحسب وسائل إعلام عربية، تحولت قمة الرياض التي كان من المفترض أن تكون منصة لحل الأزمة الفلسطينية إلى لقاء أخوي ودّي، يخفي وراء مظهره الرسمي مؤامرة سياسية تهدف إلى تحميل حركة حماس مسؤولية فشل الدول العربية في مواجهة التحديات الإقليمية والإسرائيلية.
فكما ذكرنا، جمعت العاصمة السعودية الرياض قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر في لقاء دعا إليه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لبحث موقفهم من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنقل سكان قطاع غزة إلى دول مثل مصر والأردن، إلا أن اللقاء كان يفتقر إلى الوجوه الفلسطينية الحقيقية، مما يعكس انسحاب الفلسطينيين من مائدة الحوار.
وبدا منذ البداية أن اللقاء لم يكن سوى تمهيد لقمة عربية طارئة مقررة في مصر في 4 مارس، حيث قال مصدر سعودي مسؤول إن الاجتماع اليومي هو “لقاء أخوي غير رسمي” داخل جدول أعمال القمة المقبلة.
إلا أن ما يُخفي وراء هذا التصريح الرسمي هو محاولة ممنهجة من قبل الحكام العرب لإقصاء حماس، التي طالما اعتُبرت من قبلهم العائق الوحيد في تحقيق وحدة الصف الفلسطيني أمام التحديات الإقليمية، وتحويل النقاش عن القضية الفلسطينية إلى مسألة تحمل كامل مسؤولية المقاومة على عاتقها.
قمة لتهميش المقاومة
التناقض في هذه القمة تجلى حين غاب حضور ممثلي الفلسطينيين سواء من السلطة الوطنية أو من الفصائل المختلفة، مما أثار تساؤلات عن مدى صدقية الموقف العربي الحقيقي تجاه القضية الفلسطينية.
فكيف يمكن تناول مستقبل الفلسطينيين بدون صوتهم الحقيقي؟ فهو يُعدّ أمرًا غير مفهوم وغير مسبوق، وكأنه خطوة تبريرية لعدم دعوة الجانب الفلسطيني إلى مائدة الحوار، مما يُفضي إلى تحميله مسؤولية فشل الموقف العربي.
وفي ذات السياق، تبرز تساؤلات حول مقترح القاهرة، الذي يتضمن تشكيل لجنة فلسطينية لحكم قطاع غزة دون مشاركة حماس، بالإضافة إلى المضي قدمًا نحو حل الدولتين.
فالمقترح لا يعد إلا محاولة لتفريغ حماس من أي دور سياسي وإداري في القطاع، مما يدعم الرؤية التي تروج لها بعض الدول العربية بأن الحركة الفلسطينية الكبرى هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن استمرار الأزمة.
مسرحية سياسية
بحسب المراقبين، لم تكن قمة الرياض سوى مسرحية سياسية تخفي وراءها تحالفات سرية تستهدف تضليل الرأي العام وإلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية.
إذ تتجه الحكومات العربية إلى تحميل حماس مسؤولية كل إخفاق في مواجهة إسرائيل، رغم أن هناك جهات عربية عدة تقصر في الضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها، خاصة فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية المتفق عليها.
في الواقع، يتضح من الأحاديث المتداولة أن اللقاء لم يكن إلا جلسة قهوة وعشاء بدلاً من قمة رسمية تتضمن مقترحات عملية.
وفي ظل هذا السياق، تنسج التحالفات الخفية بين بعض الحكام العرب لتعزيز موقفهم السياسي، عبر اتخاذ خطوات تدريجية تهدف إلى عزلة حماس، التي تُعدّ رمزًا للمقاومة الفلسطينية، وتحويلها إلى كبش فداء تُحمّل مسؤولية الانقسامات الداخلية والجهود العربية الضائعة.
ومن المؤكد أن الخطاب العربي الذي يبرز التماهي مع المشروع المصري الجديد ليس إلا وسيلة لتبرير الخطوات التي تُتخذ ضد المقاومة. فبدلاً من دعم الجهود الوطنية الموحدة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، يلجأ الحكام إلى التآمر على حماس، متهمين إياها بأنها العائق الأساسي في طريق تحقيق الحل الشامل لقضية غزة.
سبب غياب العراق عن القمة
أما عن سبب عدم حضور العراق القمة، فقد أكد المراقب السياسي هيثم الخزعلي، اليوم السبت، أن غياب العراق عن هذه القمة المصغرة يعود إلى أنه ليس معنيًا بمقترح تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول أخرى.
وقال الخزعلي في تصريح صحفي تابعته شبكة انفوبلس، إن "العراق سبق وأعلن عن موقفه الثابت برفض أي خطة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة إلى أي دولة أخرى".
وأضاف، أن "المؤتمر المصغر في الرياض كان مخصصًا للدول المعنية بهذه القضية، مثل الأردن ومصر والسعودية، وهي الدول التي ناقشت هذه الخطط، كما أشار إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأكد أن "العراق لم تتم دعوته لحضور القمة المصغرة بسبب موقفه الواضح والثابت الرافض لمقترح التهجير".
خيانة عربية
يقول مراقبون سياسيون عن القمة، إن ما حدث فيها لا يمثل سوى مرحلة أخرى في سلسلة من الخيانات العربية التي طالما أدت إلى تفكيك الصف الفلسطيني، وهو أمر يفسره العديد من المحللين السياسيين بأن الحكام العرب يسعون من خلال مثل هذه اللقاءات إلى تحميل المسؤولية عن الأزمة بالكامل لحماس، في حين أنهم هم من يقفون وراء الإخفاق في رسم استراتيجية موحدة وفعّالة لمواجهة التحديات الإسرائيلية.
فبينما يظل الشعب الفلسطيني يعاني من التهجير والاحتلال والاستيطان، تتباين مواقف الدول العربية التي لم تعد تُظهر استعدادًا حقيقيًا للوقوف إلى جانب المقاومة، بل تسعى إلى تقديم نفسها كجهة مفاوضة فقط في إطار مبادرات مُسبقة الصنع.
وفي هذا السياق، يُعتبر مقترح إعادة إعمار غزة الذي يُناقش اليوم ليس إلا تمهيدًا لتحميل حماس مسؤولية الفشل العربي في مواجهة إسرائيل، وهو ما قد يُثقل كاهل الحركة ويدفعها نحو مزيد من العزلة السياسية.