العراق بين التحفظ والرفض.. المالكي يحذر من "الفتنة الكبرى" والحكومة ترفض تهنئة النظام السوري الجديد
انفوبلس/..
تشهد المنطقة تطورات متسارعة تُلقي بظلالها على المشهد السياسي والأمني، إذ تواصل الأحداث في سوريا إثارة الجدل والتوترات، ليس فقط داخل حدودها، بل في المحيط الإقليمي أيضاً.
ومع تصاعد التحولات في دمشق، أطلق زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، تحذيرًا من "فتنة كبرى" قد تمتد آثارها إلى العراق والمنطقة، في إشارة إلى تداعيات المتغيرات التي تشهدها الساحة السورية.
وفي هذا السياق، يتباين الموقف العراقي بين الحذر الدبلوماسي والتفاعل الأمني، وسط غموض يكتنف المشهد السوري بعد إعلان زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، نفسه رئيسًا للمرحلة الانتقالية. وبينما تترقب بغداد مجريات الأحداث بحذر، يبقى السؤال الأهم: كيف ستنعكس هذه التطورات على الأمن الإقليمي والاستقرار الداخلي للعراق؟
المالكي يحذر من "الفتنة الكبرى"
المالكي: هناك من يريد أن يكرر التجربة السورية في العراق، لكن العراق بلد مستقر وديمقراطي لكن لدينا ثغرات واختراقات في مجتمعنا يجب أن ننتبه إليها
وشدد زعيم إئتلاف دولة القانون نوري المالكي، أمس الأحد، على ضرورة الوقوف أمام ما وصفها بـ"الفتنة الكبرى" في سوريا، فيما استخدم عبارات محشّدة، قال إنها تصدر من "أتباع أهل البيت" في سوريا تنتظر مساندة شيعة العراق والحشد الشعبي لهم.
وقال المالكي، في كلمة خلال المؤتمر التأسيسي لمجلس عشائر كربلاء المقدسة، إنه "في سوريا تم استهداف أتباع أهل البيت ويومياً نشاهد مقاطع فيديو عن مجازر تطالهم"، مشيرا إلى أن "الإخوان في سوريا يبعثون فيديوهات يستنجدون أين شيعة العراق والحشد الشعبي وإيران وأين العشائر؟".
وأضاف، إنهم "لم يسفكوا الدماء فحسب بل اعتدوا حتى على الأعراض". متسائلا: "أليست هذه فتنة كبرى إن لم نقف أمامها ستعمّ هذه الفتنة حتى العراق".
وأكد، إن "هناك من يريد أن يكرر التجربة السورية في العراق، لكن العراق بلد مستقر وديمقراطي لكن لدينا ثغرات واختراقات في مجتمعنا يجب أن ننتبه إليها". مشيرا إلى أن "الطائفيين والبعثيين بدأوا يتحركون في غفلة من الأجهزة الأمنية، لكن ما دمنا موجودين والسلاح بيدنا فسيندمون".
الإدارة السورية الجديدة
تباينت المواقف السياسية حول تولي السرع سدّة الحكم في سوريا،إذ تبارى الزعماء السنة في العراق على إعلان التأييد بالمتغير السوري، على عكس القوى الشيعية تمامًا التي أبدت تحفظًا على الأحداث التي تمر بها سوريا
وترأس قائد الإدارة السورية الجديدة، أمير جبهة النصرة السابق وزعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) في 29 كانون الثاني يناير الجاري، بقصر الشعب في دمشق اجتماعا موسعا للفصائل العسكرية والثورية، تقرر فيه أن يتولى الشرع رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية وإلغاء العمل بدستور سنة 2012، فضلا عن حل مجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنية التابعة لنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
وتباينت المواقف السياسية حول تولي السرع سدّة الحكم في سوريا،إذ تبارى الزعماء السنة في العراق على إعلان التأييد بالمتغير السوري، على عكس القوى الشيعية تمامًا التي أبدت تحفظًا على الأحداث التي تمر بها سوريا.
الجدير بالذكر أن مدير جهاز المخابرات حميد الشطري الذي تولّى قيادة جهاز المخابرات، قد ترأس في 26 ديسمبر كانون الأول 2024، وفدًا عراقيًا أمنيًا إلى سوريا، حيثُ التقى الشرع في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، وبحث معه جملة ملفات مشتركة في طليعتها ملفات الأمن في الحدود العراقية السورية وتداعيات سقوط نظام الأسد.
وأعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في 22 كانون الأول ديسمبر 2024، أن حكومته بادرت بإجراء اتصالات وزيارات مع الدول الشقيقة، وأطلقت مبادرة لإرساء الأمن في سوريا، وقدمت ورقة عراقية في مؤتمر العقبة بالأردن بشأن سوريا، وحظيت بترحيب جميع الأشقاء.
بغداد لم ترسل وفدا لدمشق
مع استمرار تعقيدات المشهد السوري، يجد العراق نفسه في موقف حساس يتطلب تحقيق توازن بين مصالحه الوطنية والتطورات السياسية الإقليمية. فعلى الرغم من أن بغداد ودمشق تجمعهما علاقات تاريخية ومصالح حيوية مشتركة، إلا أن العراق يتعامل بحذر مع التحولات الأخيرة في سوريا، لا سيما بعد إعلان أبو محمد الجولاني (الشرع) نفسه رئيسًا مؤقتًا.
وبينما تراقب بغداد التطورات عن كثب، يظل موقفها الرسمي متريثًا، ما يعكس استراتيجية قائمة على الحذر الدبلوماسي وعدم التسرع في اتخاذ قرارات قد تؤثر على أمنه القومي واستقراره الإقليمي.
ورغم التفاعل العربي مع الأوضاع في سوريا، والوفود العربية المتكررة التي زارت دمشق، فإن العراق لم ينخرط في أي منها، وظلت بغداد تنظر بعين التوجس والقلق إلى ما حصل.
وبعد اختيار الجولاني رئيسًا لسوريا، لم تصدر بغداد أي تهنئة رسمية أو ترحيب بهذا التطور السياسي، على عكس العديد من الدول المحيطة.
وكشف قيادي في الإطار التنسيقي، عن الأسباب التي دفعت الحكومة العراقية إلى عدم تقديم التهنئة لأبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) بعد إعلان تسلمه رئاسة سوريا.
وأوضح القيادي في الإطار، محمود الحياني، أن بغداد امتنعت عن التهنئة بسبب وجود "ملاحظات وإشكاليات" على الشرع وبعض الشخصيات في حكومته، مشيرًا إلى أن بعضهم متورط في قضايا إرهابية داخل العراق، وكان لهم دور في دعم الجماعات المسلحة التي استهدفت البلاد خلال السنوات الماضية.
وأكد الحياني أن العراق لا يعارض تغيير النظام في سوريا، لكنه يتحفظ على بعض الشخصيات في القيادة الجديدة. كما شدد على أن عدم تقديم التهنئة لا يعني قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، بل إن التواصل مستمر، خصوصًا في الملفات الأمنية، لضمان تأمين الحدود العراقية-السورية ومنع أي تهديدات إرهابية خلال المرحلة المقبلة.
المشهد السياسي بدمشق غير واضح
ومنذ إعلان أبو محمد الجولاني نفسه رئيسًا مؤقتًا لسوريا، لم تقدم بغداد تهنئة رسمية، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول أسباب هذا التريث، وبحسب ما صرح به عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، مختار الموسوي، فإن العراق يعتمد سياسة التروي قبل الاعتراف بأي حكومة جديدة في سوريا، وذلك لعدة أسباب.
وبحسب الموسوي، فإن "المشهد السياسي في دمشق لا يزال غير واضح، فالأحداث التي شهدتها سوريا منذ الثامن من كانون الأول الماضي تؤكد أن البلاد تمر بمرحلة شائكة مليئة بالتحديات الداخلية والصراعات على السلطة، كما أن هناك مخاوف عراقية من استمرار وجود الجماعات المتطرفة المدرجة على قوائم الإرهاب الدولي، مما قد يهدد الأمن الإقليمي بشكل عام".
ويثير موقف القيادة الجديدة في دمشق تجاه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) العديد من التساؤلات، إذ تسيطر هذه القوات على نحو ربع مساحة سوريا، ولم يتضح بعد كيف ستتعامل القيادة الجديدة مع هذا الملف الحساس. فالعراق، الذي يتشارك الحدود مع المناطق التي تسيطر عليها قسد، لديه مخاوف من أي اضطرابات قد تؤثر على استقراره الأمني.
العراق يسعى لحماية حدوده
وكانت الحدود العراقية-السورية شهدت في السابق تسلل الجماعات الارهابية وعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات، وهو ملف بالغ الحساسية بالنسبة لبغداد التي تسعى للحفاظ على استقرارها الداخلي.
ويسعى العراق إلى تحصين حدوده مع سوريا وتعزيز التعاون الأمني مع الدول المجاورة، في خطوة تهدف إلى منع أي تهديدات من الجماعات الارهابية عبر الحدود، مع التأكيد على أهمية دعم الأمن الداخلي العراقي في هذه المرحلة الحساسة.