edition
إنفوبلاس
  • الرئيسي
  • كل الأخبار
    • سياسة
    • أمن
    • اقتصاد
    • رياضة
    • صحة
    • محليات
    • دوليات
    • منوعات
  • اقرأ
  • شاهد
  • انظر
  • انفوغراف
  • كاريكاتور
  • بودكاست
  • بلغتنا
  • من نحن
  1. الرئيسية
  2. الأخبار
  3. سياسة
  4. المنافذ الحدودية الشمالية.. شريان عراقي نازف يؤذي بغداد ويُنعش "قچقچي" أربيل

المنافذ الحدودية الشمالية.. شريان عراقي نازف يؤذي بغداد ويُنعش "قچقچي" أربيل

  • 18 اب
المنافذ الحدودية الشمالية.. شريان عراقي نازف يؤذي بغداد ويُنعش "قچقچي" أربيل

انفوبلس..

يتصاعد الخلاف بين بغداد وأربيل حول إدارة المنافذ الحدودية وإيراداتها، وسط اتهامات بتهريب النفط والبضائع عبر معابر غير رسمية، ما يُحرم الخزينة الاتحادية مليارات الدولارات سنوياً، ويؤجج أزمة الثقة بين الطرفين في ظل غياب الشفافية وتعدد مراكز القرار.

 

هذا الملف يشكل منذ سنوات ساحة مفتوحة للخلافات السياسية والمالية بين بغداد وأربيل وسط تبادل التصريحات والكتب الرسمية، التي تظهر عدم الالتزام بالاتفاقات المالية والسياسية، وغياب الشفافية، واستمرار التهريب عبر المعابر شمالاً وعبر الموانئ جنوباً، والفشل المزمن في استحصال الإيرادات الجمركية.

 

في حزيران 2025، قال رئيس هيئة المنافذ الحدودية اللواء عمر الوائلي، إن “المادة 110 من الدستور منحت الحكومة الاتحادية صلاحيات حصرية، بينها رسم السياسة الاقتصادية والتجارية”، وان من غير المقبول “اخضاع المنافذ الاتحادية لإجراءات صارمة، بينما تفتح في كردستان معابر غير رسمية تدخل منها البضائع بلا رقابة حقيقية”.

 

الوائلي أبدى استياءه من عدم تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم 13 لسنة 2019، القاضي بربط منافذ إقليم كردستان بالمركز، مشيراً إلى أنه “بعد مرور ست سنوات من صدور القرار، لم يحرز أي تقدم يذكر، رغم الاجتماعات رفيعة المستوى والأوامر الديوانية”.

 

يكشف هذا التحقيق، اعتمادا على الوثائق والشهادات الرسمية العراقية، خريطة المنافذ الحدودية في إقليم كردستان، بما في ذلك المنافذ غير الرسمية التي تعمل خارج سلطة الحكومة الاتحادية، وطبيعة التعاملات التجارية التي تجري فيها، والايرادات التقديرية لها، في ظل عدم توفر البيانات الدقيقة نتيجة غياب التنسيق الأمني والرقابي بين بغداد واربيل.

 

بوابات كردستان نحو التهريب

أمام معضلة تزايد النفقات الحكومية وتراجع الايرادات المالية، نتيجة انخفاض اسعار النفط الى ما دون الـ70 دولارا وهو السعر المثبت في الموازنة العامة، تكافح الحكومة العراقية لضبط مواردها المالية وتحصيل إيراداتها الجمركية، سواء في موانئ ومعابر جنوب البلاد الذي عانى لسنوات من التحايل والتهرب الجمركي بوجود قوى نافذة تتحكم بها، او معابر شمال البلاد التي لا تخضع لسلطة بغداد، والتي يؤكد نواب كرد بأن ايراداتها المالية تتراجع في ظل تزايد عمليات التهريب.

 

يقول عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، معين الكاظمي، إن عشرات المنافذ غير الرسمية، تنشط داخل كردستان، بعيدا عن رقابة بغداد “هذه لا تمثل فقط خرقاً للنظام الجمركي العراقي، بل تؤشر إلى حالة من الانفصام في إدارة الاقتصاد بين المركز والإقليم”.

 

الكاظمي يؤكد أن تلك المنافذ “تستخدم في تهريب البضائع والممنوعات والنفط”. ويرى ان الإقليم ملزم بغلق المنافذ غير الرسمية وخطوط التهريب، واذا لم تستطع فعليه “تسليم إدارتها إلى بغداد من أجل السيطرة عليها”.

 

القصة لا تنتهي عند المنافذ غير الرسمية، فحتى تلك المعترف بها والمعروفة للحكومة الاتحادية، لا تسلم عائداتها إلى الحكومة، بحسب الكاظمي، الذي يضيف ان بغداد لا تعلم بدقة حجم ايرادات المنافذ الرسمية في كردستان “ولا يتم تسليمها لها، في مخالفة للقوانين والدستور”.

 

عدم تسليم الايرادات غير النفطية، والجزء الأكبر منها يتمثل بعائدات المعابر الحدودية، من قبل اربيل الى بغداد، وغياب الشفافية بشأنها، اضافة الى عدم تسليم كميات النفط المتفق عليها بين اربيل وبغداد وفق قانون الموازنة المعدل والبالغة 400 الف برميل نفط يوميا، أدت الى اتخاذ الحكومة الاتحادية قرارا في 8 أيار 2025 بوقف تمويل رواتب موظفي اقليم كردستان (974 مليار دينار شهريا) ما خلق أزمة معاشية حادة في كردستان، حيث لم يستلم نحو مليون 250 الف موظف رواتبهم.

 

وتقدر الحكومة الاتحادية، حجم العائدات غير النفطية بنحو 300 مليار دينار، يُفترض أن تسلم اربيل نصفها الى بغداد وفق قانون “الادارة المالية”، لكن اربيل أرسلت في الأشهر الاولى من العام 2025 مبالغ أقل بكثير، حيث حولت نحو 50 مليار دينار الى حساب وزارة المالية الاتحادية عن الايرادات غير النفطية لشهر نيسان، وحولت 48 مليار دينار عن ايرادات شهر آذار.

 

واتهمت وزارة المالية الاتحادية، مطلع أيار، حكومة الاقليم بعدم الالتزام بتسليم كامل إيراداتها غير النفطية “التي كان يفترض أن تبلغ 90 مليار دينار شهرياً”. وبيّنت رسالة موجهة الى مالية كردستان أن الإقليم سلّم في شهر كانون الثاني نحو 52 مليار دينار فقط، وفي شهري شباط وآذار أقل من 50 مليار دينار لكل شهر. وطالبت المالية الاتحادية، الإقليم بتحويل 50 مليار دينار إضافية من الإيرادات غير النفطية إلى بغداد.

 

عدم الالتزام ذلك، وفق النائب الكاظمي، أجبر وزارة المالية الاتحادية على وقف إرسال رواتب موظفي الإقليم لشهر ايار، إلى حين التزام أربيل بتسليم النفط والإيرادات غير النفطية، وعلى رأسها إيرادات المنافذ الحدودية والمطارات.

 

وكانت وزارة المالية الاتحادية قد بررت قرارها بإيقاف تمويل رواتب الإقليم وفق الموازنة الثلاثية “بتجاوزه النسبة المقررة في الموازنة الاتحادية -التي تبلغ 12.67% بمبلغ 13.547 تريليون دينار (10.23 مليارات دولار)- من إجمالي الصرف الفعلي، نتيجة امتناع حكومة كردستان عن تسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى خزينة الدولة الاتحادية”.

 

قبل أن تتم إعادة تمويل راتب أيار (975 مليار دينار)، إثر اتفاق مؤقت بين حكومتي بغداد وأربيل في 17 تموز على تسليم الأخيرة مبلغ 120 مليار دينار شهريا عن ايراداتها غير النفطية الى جانب تسليم 230 ألف برميل يوميا من إنتاج حقول كردستان إلى شركة تسويق النفط “سومو”.

 

بالعودة الى عقدة المنافذ التي تخضع لإدارة اقليم كردستان، يؤكد عضو مجلس النواب رائد المالكي، اتهامات نواب آخرين، بوجود “منافذ غير رسمية في الاقليم تستخدم لتهريب النفط والبضائع”، وان جهات في كردستان تستفيد من تلك “الثغرات” للحصول على عائدات لا تدخل في حسابات الحكومة الاتحادية.

 

ويشير النائب، إلى أن تلك المنافذ والطرق غير الرسمية “تستخدم لإدخال البضائع من إيران وتركيا دون ضرائب، كما تقوم بتمرير شحنات من النفط الخام عبر شاحنات باتجاه الخارج، بمعدل 175 ألف برميل يوميا”.

 

تلك الأرقام بحسب المالكي “موثقة من قبل هيئة المنافذ الحدودية”، وهي تمثل خسائر ضخمة تمنى بها الخزينة العراقية سنويا، قد تصل إلى 15 ترليون دينار.

 

ويحذر من أن استمرار ما يسميه بـ”الفوضى الجمركية” وعدم استحصال الايرادات بشكل رسمي، وتعدد مصادر القرار بشأن الإيرادات، أمر غير مقبول كونه يضر بالاقتصاد الوطني، ويزيد الضغط المعيشي على المواطنين.

 

ويعتقد عضو البرلمان بضرورة حسم الملف سياسيا، قائلا :”يجب فتح حوار صريح مع حكومة الإقليم، سياسة الدولة يجب أن تكون واحدة، لإيقاف التهريب واستنزاف الاقتصاد العراقي”.

 

مقابل تلك الاتهامات، ينفي مسؤولون في حكومة اقليم كردستان وجود معابر تُستحصل من خلالها ايرادات دون تسجيلها، مؤكدين ان القوائم التي يتم نشرها بأسماء معابر غير رسمية “غير صحيحة” وانه لا حركة تجارية فيها. دون نفي وجود حالات تهريب عبر الحدود كما في مختلف دول العالم “لكنها محدودة”، كما اشار الى ذلك عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي هوشيار زيباري.

 

وبشأن مبيعات النفط، لا تنفي حكومة كردستان حصول عمليات بيع للنفط المنتج (أو مشتقاته) من حقوله، بشكل محدود الى خارج البلاد، والى ايران بشكل خاص، من خلال الشركات المنتجة للنفط وتلك التي تقوم بعمليات تكرير النفط، وذلك لدفع مستحقات الشركات النفطية الاستثمارية العاملة في كردستان ولإنتاج الكهرباء وتغطية كلف شركات انتاج المشتقات للحاجة الداخلية.

 

وهو ما يؤكده وزير المالية السابق في حكومة كردستان والمستشار الحالي لرئيس الحكومة، ريباز حملان، مبينا أن الايرادات المتحققة من تلك المبيعات تضمن استمرار عمل الشركات النفطية وادامة الانتاج في الحقول التزاماً بالعقود الموقعة مع تلك الشركات ولضرورة ادامة الحد الأدنى من الانتاج في تلك الحقول لكي لا تغلق بشكل كلي، الى جانب تغطية الحاجة المحلية من المشتقات.

 

وثائق: اختلافات ومشاكل معلقة

على الرغم من تباين الروايات وتضارب التصريحات بين بغداد وأربيل بشأن عدد المنافذ الحدودية في إقليم كردستان، وخريطة توزيعها الجغرافي وتصنيفها الرسمي، إلا أن وثائق صادرة من جهات اتحادية ورقابية تؤكد وجود منافذ غير رسمية.

 

وما يزيد المشهد تعقيدا أن وثائق تلك الجهات الاتحادية تظهر تباينا في المعلومات بشأن عدد المعابر غير الرسمية بل وحتى الرسمية، كما أنها لا تقدم ما يؤكد وجود حركة تجارية في تلك المنافذ او استخدامها للتهريب.

 

في وثيقة صادرة عن هيئة المنافذ الحدودية – دائرة العمليات والخطط، في 7 أيار 2023، تكشف الهيئة أن عدد المنافذ الحدودية غير الرسمية وغير المعترف بها من قبل الحكومة الاتحادية في إقليم كردستان تبلغ 20 منفذا، أما عدد المنافذ المعترف بها اتحاديا 6 فقط، وهي: منفذ إبراهيم الخليل (دهوك – مع تركيا)، منفذ حاج عمران (أربيل – مع إيران)، منفذ باشماخ (السليمانية – مع إيران)، منفذ برويزخان (السليمانية – مع إيران)، مطار أربيل الدولي، مطار السليمانية الدولي.

 

في المقابل، تشير الوثيقة إلى وجود 6 منافذ أخرى معترف بها من قبل حكومة إقليم كردستان فقط، دون اعتراف من بغداد، وهي: منفذ كيلي (السليمانية – مع إيران) منفذ سيران بن (السليمانية – مع إيران) منفذ طويلة (السليمانية – مع إيران) منفذ بشتة (السليمانية – مع إيران) منفذ سرزيري (دهوك) ومعبر سيمالكة – بيشخابور (دهوك – مع سوريا).

 

الهيئة أشارت في ملاحظتها إلى أن هذه المنافذ تفتقر لدراسة جدوى اقتصادية أو إدارية لفتحها رسميا، مما يضع علامات استفهام حول الغرض من استمرار تشغيلها، وطبيعة النشاطات التي تجري فيها.

 

وثائق أخرى صادرة عن ديوان الرقابة المالية الاتحادي في 24 نيسان 2025، أي بعد عامين من وثائق هيأة المنافذ، تكشف عن استمرار الوضع على ما كان عليه دون معالجات، وتظهر وجود تباين كبير بين معلومات حكومتي اربيل وبغداد.

 

تشير الوثائق إلى أن وزارة المالية والاقتصاد في الإقليم/ المديرية العامة للكمارك، أقرت بوجود 7 منافذ حدودية معترف بها من قبل بغداد (بفارق زيادة معبر واحد عن وثائق هيأة المنافذ وهو معبر سازان في حلبجة)، و5 منافذ غير معترف بها من قبل الحكومة الاتحادية، وبعض تلك المنافذ تختلف عن المنافذ الواردة في وثائق هيئة المنافذ، ما يظهر وجود خلل في تحديد المعابر غير الرسمية بما فيها المعترف بها من قبل حكومة كردستان، فعند الاقليم هي خمسة، وعند بغداد الرقم أعلى وهي في غالبها موجودة في السليمانية، بما يوحي بأن بعض معابر السليمانية التي فيها حركة تجارية، غير معترف بها رسميا لدى اربيل.

 

الوثائق الواردة من الإقليم تضمنت قائمة بالمنافذ السبعة المعترف بها اتحاديا، وهي: إبراهيم الخليل في محافظة دهوك، وحاج عمران في أربيل، باشماخ في السليمانية، و برويزخان في محافظة السليمانية كذلك، ومنفذ سازان في حلبجة ومطار أربيل الدولي، ومطار السليمانية الدولي.

 

أما المنافذ غير المعترف بها بحسب وثائق الكمارك الكردستانية، فكانت: منفذ زيد- زيت في أربيل، وسرزيري في محافظة دهوك، و كيلي في السليمانية، وسيران في السليمانية، ومنفذ بيشخابور في دهوك أيضا.

 

اللافت أن ديوان الرقابة ذكر أن هيئة المنافذ الحدودية الاتحادية كانت قد وثقت وجود 8 منافذ غير معترف بها من قبل بغداد، ما يشير إلى وجود 3 منافذ أخرى تعترف بها حكومة الإقليم ولم ترد ضمن وثائق الكمارك الكردية، وهي: (منفذ طويلة، منفذ بشتة، منفذ سيد كان – أشنوية).

 

الى جانب كل تلك الاختلافات بين بغداد واربيل بشأن المعابر المعترف بها في كردستان، ورد في وثائق ديوان الرقابة وجود 22 منفذا آخر غير معترف بها من قبل أربيل وبغداد على حد سواء، وهي تقع ضمن الأراضي التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان، من بينها “منفذ الوليد ومنفذ المحمودية” في محافظة نينوى (بإضافة منفذين في شمال نينوى على قائمة دائرة العمليات والخطط في هيئة المنافذ الحدودية التي ضمت 20 منفذاً).

 

ويذكر ديوان الرقابة المالية في ملاحظته أنه سبق التنبيه إلى هذه المنافذ في تقارير سابقة، دون أن تتخذ أية إجراءات رسمية لمعالجة وضعها.

 

مع ذلك، يشير ديوان الرقابة، إلى نوع من المرونة من طرف أربيل، إذ يورد كتاب صادر عن رئاسة مجلس وزراء إقليم كردستان في 1 آذار 2023 وموجه إلى مكتب رئيس مجلس الوزراء الاتحادي، أن حكومة الإقليم لا تمانع في تحويل بعض المنافذ غير الرسمية إلى منافذ معترف بها اتحادياً.

 

وعلى الرغم من أهمية حسم أوضاع المنافذ الرسمية وغير الرسمية في كردستان، كخطوة أساسية لتحديد ايراداتها وبالتالي المبالغ التي يفترض ان تسلمها حكومة اربيل الى حكومة بغداد شهرياً وفق قانون “الادارة المالية” الاتحادي، والتأثير الكبير لذلك في حسم الخلافات المتكررة بشأن صرف مستحقات اقليم كردستان من الموازنة الاتحادية، إلا أن أي تقدم لم يحصل طوال ثماني سنوات من الاجتماعات المشتركة والاعلانات المتكررة عن اتخاذ خطوات.

 

تتضمن وثيقة صادرة من مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، موجهة إلى قيادة العمليات المشتركة وهيأة المنافذ الحدودية، في 29 تشرين الأول 2023، أمراً بتشكيل لجنة برئاسة قيادة العمليات المشتركة، وعضوية ممثلين عن هيئة المنافذ، وهيئة الكمارك، وجهاز الأمن الوطني، وقوات الحدود، وممثل عن حكومة الإقليم، مهمتها “إجراء مسح وجرد شامل لكافة المنافذ والمعابر الرسمية وغير الرسمية الواقعة على الشريط الحدودي لإقليم كردستان مع الدول المجاورة”.

 

لكن لم تصدر لاحقا أية كتب رسمية او تصريحات، تؤكد حسم هذا الملف، سواء من قبل حكومة الاقليم او الحكومة الاتحادية.

 

ملاذ للهروب من الجمارك

على امتداد الشريط الحدودي الوعر في شمال العراق، تمر شاحنات محملة بالبضائع من دون أن تخضع لأي رقابة اتحادية، عبر منافذ غير خاضعة للسلطة المركزية، بحسب تحذيرات أطلقها الباحث في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي، الذي يرى في هذه المعابر غير الشرعية “ثغرات مفتوحة تقوض هيبة الدولة، وتسهل التهريب، وتهدر مليارات من الإيرادات العامة سنويا”.

 

الشيخلي يشير إلى وجود ستة منافذ رسمية معلنة -يفترض ان ايراداتها معروفة للدولة وتدخل موازنتها- لكن هناك في المقابل ثلاثة أضعاف ذلك الرقم خارج الحسابات تماما.

 

يقول: “تلك المنافذ غير الشرعية تستخدم لإدخال البضائع دون رقابة حكومية اتحادية، ما يضرب أسس المنافسة العادلة، ويتيح لتجار كثر التهرب من الرسوم الجمركية عبر دفع مبالغ أقل لجهات غير رسمية”.

 

وينبه الشيخلي الى صعوبة ايجاد حل، كون الأمر لا يتعلق بمجرد منافذ غير خاضعة لسيطرة الدولة تحصل فيها عمليات تهريب محدودة، بل الى منافذ بعضها تخضع لسيطرة قوى سياسية نافذة ومسلحة “ما يجعل تنفيذ أي إصلاح إداري شامل أمراً بالغ الصعوبة، ما لم يحصل توافق سياسي حقيقي وواسع”.

 

ويضيف: “الإيرادات الجمركية الاتحادية التي تم تحصيلها خلال شهر أيار مايو 2025 لم تتجاوز 274 مليار دينار (هي تقل عن 3 تريليونات سنويا) بينما يمكن أن تصل إلى 10 تريليونات سنوياً، لو تم ضبط المنافذ والحد من الفساد”.

 

هذا الواقع يؤكده الخبير الجمركي مصطفى الفرج، الذي يرى أن نجاح نظام الأتمتة الجمركية “الاكسيودا” ما زال منقوصا، فعلى الرغم من تطبيق النظام في معظم المنافذ الاتحادية، فإن “منافذ إقليم كردستان ما تزال خارج هذا الإطار، ما يدفع العديد من التجار من وسط وجنوب العراق إلى التوجه نحو منافذ كردستان، هربا من الرقابة والتعقيدات البيروقراطية”.

 

الفرج يشير إلى مشكلة رئيسية أخرى تقوض جهود الإصلاح تتمثل بـ “التفاوت في التعرفة الجمركية بين معابر الإقليم وباقي المحافظات”، والتي تصل في بعض البضائع الى الضعف.

 

وهذه عقدة جرت سلسلة اجتماعات بشأنها بين اربيل وبغداد منذ العام 2017، لكنها ما زالت غير محسومة، وهو ما يدفع الحكومة العراقية الى وضع نقاط جمركية في مناطق حدود سيطرتها مع الاقليم كشمال نينوى، تفرض “تعرفة مالية” اضافية على دخول المواد المستوردة الى باقي المحافظات العراقية.

 

وينبه الفرج إن استمرار هذه الفجوة يمثل “تهديدا مباشرا لأي إصلاح اقتصادي حقيقي”، مطالبا بضم جميع المنافذ إلى نظام جمركي موحد وإغلاق “غير الرسمي” منها بالكامل.

 

وبشأن فرص تعظيم الإيرادات، يوضح أن استكمال نظام الأتمتة، والربط الإلكتروني مع البنك المركزي، وتوحيد التصريح الجمركي يمكن أن يرفع الإيرادات التي بلغت في العام 2024 نحو 2 تريليون و131 مليار إلى 4 تريليون دينار سنوياً كحد أدنى.

 

ويخلص الى القول: “العراق بلد استيرادي بامتياز، ولا يعقل أن تستمر بعض المنافذ خارج سيطرة الدولة إلى هذا الحد، وان لا يتم استحصال ايراداتها كما يفترض، وبالتالي الإصلاح الجمركي لم يعد ترفا بل ضرورة وطنية عاجلة”.

 

21 تريليونا فاقد مالي

يرسم الخبير الاقتصادي منار العبيدي صورة أكثر قتامة عن حجم الفاقد المالي نتيجة الفوضى في القطاع الجمركي.

 

يقول إن “العراق خسر أكثر من 20 تريليون دينار عراقي (نحو 15 مليار دولار) خلال خمس سنوات فقط، بسبب فساد النظام الجمركي، والتحويلات المالية غير الخاضعة للرقابة في البلاد، الى جانب المنافذ غير الرسمية في كردستان”.

 

وتستند تقديرات العبيدي إلى بيانات البنك المركزي، التي تشير إلى أن إجمالي التحويلات للاستيراد بلغ 314 مليار دولار، في حين لم تحصل الدولة سوى على 6.4 مليار دولار كعوائد جمركية – ما يعادل 2% فقط من الإجمالي.

 

ويوضح: “لو كانت التعرفة الجمركية المطبقة 7% كما هو مفترض، لحققت الدولة نحو 29 تريليون دينار، لكن الفاقد الحقيقي بلغ أكثر من 21 تريليون دينار، وهو ما لا يمكن تفسيره بالإعفاءات فقط”.

 

ويشير إلى ثغرات خطيرة في النظام، منها تحويل مسارات الشحن نحو كردستان، حيث تجبى الرسوم محليا ولا تحول لبغداد، فضلاً عن انتشار “الاستيرادات الوهمية، وتزوير الفواتير، وتقليل قيمة الشحنات للتهرب من الرسوم”.

 

ويحذر العبيدي من تداعيات استمرار تلك الثغرات: “سيبقي العراق في حالة عجز دائم، ويفتح الباب لمزيد من هيمنة القوى المتنفذة على موارد الدولة”.

 

كردستان: منافذ بغداد غير قانونية

في مشهد يعكس عمق الأزمة بين بغداد وأربيل، اتهمت مديرية الجمارك بكردستان، في 4 حزيران 2025، هيئة المنافذ الحدودية العراقية بأنها “هيئة غير قانونية أُنشئت للتغطية على الفساد”.

 

البيان وصف انتقادات الهيئة للإقليم بأنها “تحركات سياسية تهدف إلى صرف الأنظار عن إخفاق مؤسسات الحكومة الفيدرالية”.

 

وأضاف البيان أن معابر كردستان “تعمل بنظام إدارة حديثة” وان حكومة الاقليم ملتزمة بـ”الشفافية والحوكمة الرشيدة” في إدارة منافذه، في حين يعاني باقي العراق من “فساد وسوء تنظيم” وان “الفساد المستشري في المؤسسات الفيدرالية بلغ مستويات خطيرة”، مؤكداً أن منافذ كردستان “تخضع لإدارة دقيقة تُعنى بجمع الإيرادات بشكل منظم”.

 

ووصف البيان، موقف هيئة المنافذ العراقية، بأنه هجوم إعلامي “لتضليل الرأي العام” واستهداف كردستان للتغطية على “أزمات داخلية تضرب مؤسسات الدولة المركزية”.

 

كما رد سامي جلال، مستشار وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان، على الانتقادات بشأن معابر الاقليم غير الرسمية، قائلاً: “هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، لا توجد معابر غير رسمية مفتوحة بين الإقليم والدول المجاورة، وقد أغلقنا 20 معبرا غير رسمي منذ عام 2007 بقرار من قيادة المنطقة الأولى لحرس الحدود العراقي”.

 

وأوضح جلال أن المنافذ الرسمية المعترف بها من قبل الطرفين تشمل (إبراهيم الخليل، حاج عمران، برويزخان، باشماخ، إلى جانب مطاري أربيل والسليمانية الدوليين).

 

وأضاف: “لدينا أيضا 6 منافذ معترف بها من قبل الإقليم فقط، وقد أجرينا مباحثات موسعة منذ سنوات مع الحكومة الاتحادية لتحويلها إلى منافذ رسمية مشتركة، لكننا لم نتلقَ ردا حتى الآن، رغم إرسال كتاب رسمي لأمانة مجلس الوزراء”.

 

وأشار إلى صدور قرار من مجلس الأمن الوزاري بفتح معبر كلشين الحدودي مع إيران، وتشكيل لجنة لهذا الغرض، لكنها لم تباشر أعمالها بعد.

 

ويكرر جمال تأكيده: “لا توجد منافذ غير رسمية خارج سلطة حكومة الإقليم إطلاقا، وما يجري الآن هو حرب اقتصادية تستهدف الإقليم، ومن أدواتها إضعاف الحركة التجارية في منافذ كردستان”.

 

ويربط جلال الاتهامات الحالية إلى تراكم سياسي، قائلاً: “هذه المواقف هي رد فعل على الاستفتاء الذي أجراه الإقليم (استفتاء الانفصال الذي اجري في العام 2017) وأحداث 16 أكتوبر (فرض القوى الأمنية والعسكرية للحكومة الاتحادية سيطرتها على كركوك بعدما كانت تدار من قبل البيشمركة) وفشل محاولات السيطرة العسكرية على كردستان، تبعها فرض سيطرات جمركية وتطبيق قرار 13 لتوحيد التعرفة الجمركية”.

 

وتابع: “مع بداية عمل التشكيلة الحكومية التاسعة للإقليم (في العام 2019) تصاعدت هذه الحرب الاقتصادية ضدنا، والمفاوضات مستمرة منذ عام 2017، وفي عام 2023 توصلنا إلى اتفاقات، لكن الطرف الاتحادي تراجع عنها فجأة، وأصر على فرض السيطرة الميدانية على المنافذ، خلافا للدستور”.

 

وأشار جلال إلى أن “الايرادات تسلم كاملة إلى الحكومة الاتحادية، وكل دينار يدخل خزينة الإقليم يتم إبلاغها به، عبر ميزان مراجعة شهري من وزارة المالية، يتضمن الإيرادات والنفقات كافة”، واعتبر أن “ادعاء عدم إرسال الإيرادات غير صحيح”.

 

لكن بعض تلك المعلومات تتقاطع مع ما تورده قوى المعارضة الكردية، كما مع تفاصيل الاتفاق بين بغداد واربيل الذي أقره مجلس الوزراء العراقي في 17 تموز 2025 والذي حسم مشكلة إعادة دفع رواتب موظفي كردستان، حيث وافق الاقليم على دفع 120 مليار دينار الى بغداد بعد ان كانت تُسلم أقل من 50 مليارا في الأشهر الأربع الأولى من العام.

 

يقول علي حمه صالح، النائب بالبرلمان الكردستاني عن حركة “الموقف”، إن العائدات غير النفطية للإقليم تتراجع، لأن هناك قوى حزبية على الأرض تستحصل بصورة غير رسمية مبالغ من التجار مقابل ادخال مواد مختلفة من غذائية ولحوم وسكائر ومشروبات، دون دفع الجمارك، عبر طرق تعرف في كردستان بـ”خطوط التنسيق”.

 

وبشأن العائدات غير النفطية، يقول صالح، في تصريحات متكررة، إن آلاف الشاحنات المحملة بالنفط ومشتقاته، تنقل بصورة علنية وعبر الطرق الرئيسية حمولاتها الى خارج الاقليم، مبينا أنه خلال 28 شهرا تم بيع 258 مليون برميل نفط، لكن دولارا واحدا من عائداتها لم تصل الى خزينة وزارة مالية الاقليم.

 

ويؤكد، إن “الطن الواحد من النفط المنتج في كردستان يباع بنحو 270 دولارا، أي أن سعر برميل النفط الواحد يباع بـ35 دولارا أو أقل بقليل، وبفارق 30 دولارا عن السعر العالمي”.

 

ويوجه صالح خطابات يومية الى الشارع الكردي، متسائلاً عن “مصير تلك الأموال” إذا لم تكن تصل الى مالية كرستان؟. ويقول: “إنها تنتهي الى جيوب الشركات الحزبية، فيما لا يحصل المواطن حتى على راتبه”.

 

في سياق متصل بمشكلة الفشل في استحصال الرسوم، أصدرت هيئة المنافذ الحدودية الاتحادية، في 6 حزيران 2025، توصيات تهدف لتعزيز الرقابة وتعظيم الإيرادات، عبر جباية الرسوم الفعلية، ومنع التلاعب، وتفعيل الحوكمة الإلكترونية، وتدقيق الفواتير وربطها بالجهات المالية والرقابية للكشف عن الشركات المشبوهة، مع إحالتها إلى مكتب مكافحة غسل الأموال.

 

كما شددت الهيئة على ضرورة تطبيق قرارات الحكومة الاتحادية على منافذ كردستان، لضمان توحيد الرسوم، وتفعيل خلايا استخبارية داخل المنافذ لرصد مظاهر الفساد.

 

الفساد وتعدد مراكز القرار

على الرغم من الخطوات الحكومية لتعزيز الرقابة الحدودية وتوحيد الإجراءات على المنافذ، تبقى المشكلة الجوهرية تتمثل في غياب السيطرة الحكومية الكاملة على بعض المنافذ، نتيجة نفوذ قوى حزبية واستغلالها لتحقيق ارباح كبيرة.

 

ووفقاً لعضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، كاظم الشمري، تخضع بعض المنافذ لنفوذ قوى سياسية داخل مجلس النواب وخارجه، ما يعرقل أي مسار إصلاحي جاد، في ظل تضارب المصالح وتعدد مراكز القرار.

 

ويوضح، أن الاصلاح يتطلب اتخاذ سلسلة خطوات “أولها القضاء على ظاهرة المنافذ غير الرسمية، وتمكين الدولة من بسط سلطتها عليها”، وهذا يحتاج الى ارادة وطنية.

 

ويخلص الى القول، إن “الفساد المستشري حالياً يجعل الإيرادات المتحققة من المنافذ لا تتجاوز 3% من الموازنة العامة الاتحادية، مقارنة بما يمكن ان تحققه وهو 20% إذا ما تم ضبطها بالكامل”.

 

مشكلة العائدات المهدورة للمعابر، لا ترتبط بإقليم كردستان فقط، كما يؤكد نواب وباحثون، بل بباقي مناطق البلاد، خاصة في موانئ ومنافذ البصرة جنوباً، حيث تسيطر قوى حزبية على بعض مفاصل ادارتها، وتحقق مبالغ كبيرة من عمليات تلاعب وتهريب.

 

فقد كشفت وثيقة صادرة من شركة تسويق النفط الحكومية “سومو” بتاريخ 27 تموز 2025 عن رصد “أنشطة مشبوهة لناقلات نفط تعمل داخل المياه الإقليمية العراقية، تتضمن تزييف بيانات نظام تحديد الهوية الآلي (AIS Spoofing) وعمليات نقل نفط غير مصرح بها”.

 

وحذرت الشركة من استخدام “تقنيات متقدمة للتلاعب ببيانات نظام تحديد الهوية الآلي بهدف إخفاء المواقع الحقيقية لناقلات النفط أو تغيير مساراتها، بالإضافة إلى تأخير الإفصاح عن معلومات الشحنات وجهاتها”، مشيرة الى احتمالية ارتكاب ممارسات غير قانونية، منها التلاعب بأنظمة التتبع وعمليات نقل غير مصرح بها تعرف باسم “التحويلات المظلمة” (Dark Ship-to-Ship Transfers) التي تتم في عرض البحر.

 

ووفق متخصصين، مثل الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، فإن ما أشارت إليه “سومو”، ربما يرتبط بعمليات تهريب للنفط الأسود من العراق إلى الإمارات، ومن خلال منح وكالات لجهات معينة (مثل المصانع الانشائية المحلية) لشراء تلك المواد بالسعر الرسمي المدعوم، لتعود وتبيعها الى شركات ثانوية تنقلها عبر الصهاريج الى موانئ عراقية ومن ثم عبر الناقلات إلى ميناء جبل علي في الإمارات.

 

يؤكد باحثون، أن تلك الأموال المهدورة والمقدرة بعشرات تريليونات الدنانير سنوياً، والتي لا تدخل موازنة الدولة، لا تساهم في خطط البناء والتنمية الوطنية، لكنها تُضخم قدرات قوى سياسية وتساهم في بناء “إمبراطورياتها المالية” على حساب الشعب.

 

يمثل ملف المنافذ الحدودية بين بغداد وأربيل واحداً من أعقد الملفات العالقة منذ 2003، إذ يختصر طبيعة العلاقة المرتبكة بين المركز والإقليم، التي تتراوح بين الشراكة الدستورية والنزاع على الصلاحيات والإيرادات. فالحدود في شمال العراق ليست مجرد بوابات تجارية، بل منافذ سياسية ومالية بامتياز، تعكس موازين القوى الداخلية والخارجية.

 

من الناحية الدستورية، تستند بغداد إلى المادة (110) التي تمنحها الصلاحيات الحصرية في رسم السياسة الاقتصادية والتجارية، بما يعني أن السيطرة على المنافذ الحدودية يجب أن تكون اتحادية. لكن الواقع العملي أفرز نموذجاً مغايراً، حيث أدار الإقليم منافذه بمعزل عن بغداد، واعتبرها جزءاً من سلطته الإدارية والاقتصادية، ما خلق ازدواجية واضحة في التعرفة الجمركية وفي آليات الجباية.

 

هذا الوضع أنتج خسائر مالية ضخمة. تقديرات حكومية وبرلمانية تشير إلى أن ما لا يقل عن 15 تريليون دينار تضيع سنوياً نتيجة التهريب والفاقد الجمركي، فيما تذهب تقارير خبراء اقتصاديين إلى أن العراق خسر أكثر من 20 تريليون دينار خلال خمس سنوات فقط بسبب الفوضى في النظام الجمركي والتحويلات غير الخاضعة للرقابة. هذه الأرقام تكشف أن المشكلة ليست في منافذ كردستان وحدها، بل في منظومة فساد أوسع تشمل الجنوب أيضاً، لكنها تتفاقم شمالاً بسبب غياب التنسيق بين الطرفين.

 

انعكاسات هذا الخلاف ليست اقتصادية فقط، بل اجتماعية وسياسية أيضاً. ففي أيار الماضي أوقفت الحكومة الاتحادية إرسال رواتب موظفي الإقليم، البالغة نحو 975 مليار دينار شهرياً، بسبب عدم التزام أربيل بتسليم إيرادات النفط والمعابر، ما أدى إلى أزمة معاشية خانقة طالت أكثر من مليون موظف. ثم جرى التوصل إلى اتفاق مؤقت يقضي بتسليم 120 مليار دينار شهرياً من الإيرادات غير النفطية، و230 ألف برميل نفط يومياً لشركة "سومو". هذا الاتفاق المؤقت يعكس هشاشة الحلول، وأنها غالباً ما تبقى رهينة للتجاذبات السياسية.

 

من جانب آخر، تعكس الوثائق الرسمية تضارباً خطيراً بشأن عدد المنافذ الرسمية وغير الرسمية، ما بين إحصاءات بغداد وأربيل. ففي حين تتحدث هيئة المنافذ عن 20 منفذاً غير رسمي، تعترف أربيل بخمسة فقط، وتظهر وثائق ديوان الرقابة المالية أرقاماً مختلفة. هذا التضارب يفضح غياب قاعدة بيانات موحدة، ويؤشر إلى أن بعض المنافذ تخضع لإدارة قوى حزبية نافذة تتعامل مع العوائد كإيرادات خاصة.

 

الأكثر خطورة أن بعض المنافذ تحولت إلى بوابات للتهريب المنظم للنفط الخام بمعدل يقترب من 175 ألف برميل يومياً، وفق شهادات نواب، إضافة إلى إدخال بضائع من دون رقابة أو رسوم جمركية، ما يضرب الاقتصاد الوطني ويشجع على نشوء "اقتصاد موازٍ" خارج سيطرة الدولة. هذه الفوضى تقوض المنافسة العادلة، وتدفع تجاراً كثر في الوسط والجنوب إلى استخدام منافذ الإقليم للتهرب من الرسوم والرقابة.

 

في المقابل، تنفي حكومة الإقليم وجود منافذ غير رسمية نشطة، وتؤكد أن جميع الإيرادات تُسجل وتدار وفق أنظمة حديثة، بل وتتهم بغداد بالفساد وسوء التنظيم، معتبرة أن استهدافها اقتصادي بالأساس. لكن قوى معارضة كردية تكشف عن واقع مغاير، مؤكدة وجود "خطوط تنسيق" حزبية تستحصل الأموال بعيداً عن الخزينة الرسمية.

 

الحقيقة أن الملف تجاوز البعد الإداري ليغدو قضية سياسية كبرى مرتبطة بتاريخ من عدم الثقة بين الطرفين، منذ أحداث استفتاء الانفصال عام 2017 وسيطرة بغداد على كركوك. ومنذ ذلك الحين، باتت المنافذ الحدودية ورقة ضغط متبادلة تُستخدم في المفاوضات حول النفط والميزانية ورواتب الموظفين.

 

الحل، وفق مراقبين، يكمن في إعادة هيكلة النظام الجمركي عبر توحيد التعرفة الجمركية، وضم جميع المنافذ إلى نظام الأتمتة الجمركية وربطها إلكترونياً بالبنك المركزي، إلى جانب إنهاء ظاهرة "المنافذ الحزبية" غير الرسمية. لكن هذا الحل يظل رهيناً للتوافق السياسي الذي يبدو بعيد المنال، في ظل تضارب المصالح وتعدد مراكز القرار.

 

في النهاية، يبرز سؤال جوهري: هل يمكن للعراق أن يبني اقتصاداً مستقراً وموازنة متوازنة في ظل استمرار نزيف الإيرادات عند بواباته الحدودية؟ المؤشرات الحالية تقول إن غياب الحسم سيُبقي الخزينة خاسرة بمليارات الدولارات سنوياً، فيما يدفع المواطن - سواء في بغداد أو أربيل - ثمن صراع سياسي مفتوح لم يُحسم منذ عقدين.

أخبار مشابهة

جميع
توسع الوجود الأميركي في أربيل يشعل النقاش حول الأبعاد الخفية للمجمع الجديد

توسع الوجود الأميركي في أربيل يشعل النقاش حول الأبعاد الخفية للمجمع الجديد

  • 4 كانون الأول
تشظّي الهوية الكردية.. من خسائر الانتخابات إلى انتفاضة الهركية.. كيف انهارت الطاعة السياسية التقليدية في كردستان؟

تشظّي الهوية الكردية.. من خسائر الانتخابات إلى انتفاضة الهركية.. كيف انهارت الطاعة...

  • 4 كانون الأول
صفقة فرض الهيمنة.. كيف تتعارض عودة إكسون موبيل مع المصلحة الوطنية؟.. تحولات عميقة تحدث لأول مرة منذ 2003

صفقة فرض الهيمنة.. كيف تتعارض عودة إكسون موبيل مع المصلحة الوطنية؟.. تحولات عميقة تحدث...

  • 4 كانون الأول

شبكة عراقية اعلامية

  • الرئيسية
  • مقالات
  • فيديو
  • كاريكاتور
  • إنفوغراف
  • سياسة الخصوصية

جميع الحقوق محفوطة