اليكتي والبارتي يتصارعان على رئاسة إقليم كردستان.. مَن سيظفر بها؟ وما خفايا المفاوضات؟
انفوبلس/ تقرير
لا تزال مفاوضات تشكيل حكومة إقليم كردستان تمر بمرحلة "معقدة" وذلك بسبب الخلافات "العميقة" بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، حيث يُصر "البارتي" على تشكيل حكومة مشابهة للحكومات السابقة، وهو ما يراه "اليكتي" محاولة لإعادة استنساخ التجارب الفاشلة، فمَن من سيظفر برئاسة الإقليم؟ وما هي السيناريوهات "المتوقعة"؟
ويسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على محافظتي أربيل ودهوك، والاتحاد الوطني على السليمانية وحلبجة، ولدى كل حزب قوات أمنية وعسكرية، ويتحكم بواردات المحافظتين الداخلية والمنافذ الحدودية، وهو صاحب القرار بهما.
ورغم اجتماع اللجان الفنية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني خمس مرات حتى الآن، لمناقشة تشكيل الكابينة العاشرة لحكومة إقليم كردستان، ما زال التمسك في المناصب يهيمن على الخلافات بين الحزبين.
وفي الانتخابات التي جرت بتاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر 2024، حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 39 مقعدًا، بينما حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على 23 مقعدًا من أصل 100 مقعد في برلمان الإقليم، وبما أن تشكيل الحكومة يتطلب أغلبية 51 مقعدًا، فإن أي حزب لا يستطيع تشكيلها منفردًا، ما يفرض تحالفات سياسية معقدة قد تؤخر تشكيل الحكومة لفترة أطول.
*ماذا تريد الأحزاب الحاكمة في كردستان؟
إذ قال القيادي الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي، "نحن الحزب الثاني في الإقليم، والديمقراطي يريد منصب رئاسة الحكومة، لذلك فمن حقنا الحصول على منصب رئاسة الإقليم كاستحقاق سياسي وانتخابي"، مبينا، "نحن لن نشارك في الحكومة من أجل المشاركة فقط، بل نريد أن نكون طرفًا فاعلًا يخدم الجمهور، ولا نقبل بأن تحتكر المناصب المهمة من قبل طرف سياسي واحد".
وطبقاً للنظام الداخلي لبرلمان الإقليم، يتعين على رئيس الإقليم دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدعُ الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج، فيما يترأس العضو الأكبر سناً جلسات البرلمان قبل انتخاب الرئيس الدائم بعد تأدية القسم الدستوري.
في المقابل، أكد عضو الحزب الديمقراطي ريبين سلام، "نحن نمتلك 42 مقعدًا مع المكونات، ويمكننا التحالف مع كتل أخرى لتشكيل الأغلبية المطلوبة (51 مقعدًا)، ولكننا نفضل مشاركة الاتحاد الوطني بسبب قاعدته الجماهيرية".
وأضاف: "لا يمكن القبول بأي مطالب غير منطقية، فهناك اتفاق سياسي قديم يقضي بأن يكون منصب رئاسة الإقليم من حصة الحزب الديمقراطي مقابل أن يكون منصب رئاسة الجمهورية من نصيب الاتحاد الوطني، وقد حصلوا بالفعل على رئاسة الجمهورية في بغداد رغم أنهم لا يشكلون الأغلبية الكردية في البرلمان العراقي".
وفقًا لمصدر سياسي بارز، فإن الحزب الديمقراطي رشح مسرور بارزاني، النائب الثاني لرئيس الحزب، لتولي رئاسة حكومة إقليم كردستان لدورة ثانية، وهو أمر وافق عليه الاتحاد الوطني الكردستاني لكنه اشترط في المقابل الحصول على منصب رئاسة الإقليم. على الرغم من أن منصب رئيس إقليم كردستان كان يُعتبر منصبًا شرفيًا في الماضي، فإن التعديلات الدستورية التي أُدخلت خلال السنوات الماضية منحت رئيس الإقليم صلاحيات واسعة، ما جعله منصبًا ذا ثقل سياسي وتنفيذي. وتشمل هذه الصلاحيات:
-تمثيل الإقليم دوليًا والتفاوض مع بغداد بشأن الملفات السياسية والاقتصادية.
-الإشراف على المؤسسات الأمنية والاستخباراتية، وهو أمر بالغ الأهمية في العلاقة بين الحزبين.
-التأثير على القرارات الاقتصادية، لا سيما فيما يتعلق بالنفط والغاز، وهما المصدران الرئيسيان لاقتصاد الإقليم.
يرى الحزب الديمقراطي أن منح الاتحاد الوطني هذا المنصب قد يمكنه من استخدامه كورقة ضغط ضد الحزب الديمقراطي، خصوصًا مع تصاعد الخلافات بين الطرفين حول إدارة الثروات، وتقاسم السلطات، والنفوذ الأمني في مناطق السليمانية وحلبجة.
حتى الآن، لم يتمكن برلمان كردستان من عقد جلساته بانتظام، حيث انعقدت جلسة وحيدة فقط برئاسة محمد سلمان، النائب عن حراك الجيل الجديد، لكنها رُفعت بسبب الإخلال بالنصاب القانوني. وعلى الرغم من الاجتماعات المستمرة بين اللجنة التفاوضية المشتركة للحزبين، لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حول توزيع المناصب السيادية، وهو ما يزيد من حالة الجمود السياسي.
ومن المقرر أن تعقد اللجنة التحضيرية من الحزبين، اجتماعا آخرا، الاسبوع الحالي، لغرض حسم مسودة تشكيل حكومة الإقليم، والاتفاق على عقد الجلسة الأولى لبرلمان كردستان، بحسب مصادر سياسية.
ورجح عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفاء محمد، في 13 شباط/فبراير الجاري، أن يتم إعلان تشكيل حكومة إقليم كردستان قبل بداية الشهر الثالث من العام الجاري.
الجدير بالذكر أن اللجان الفنية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني عقد في 4 شباط/فبراير الجاري، اجتماعا خامسا في قاعة سعد عبد الله بأربيل لمناقشة تشكيل الكابينة العاشرة لحكومة إقليم كردستان.
وشهد البرلمان بدورته السادسة انعقاد جلسته الأولى في مطلع كانون الأول/ديسمبر 2024، والتي تضمنت تأدية اليمين القانونية لأعضائه، وإبقاء الجلسة مفتوحة بسبب عدم حسم المناصب الرئيسة في الإقليم.
*ماذا عن الأحزاب الأخرى؟
وبحسب سياسيين، فإن واقع هذا الصراع بين الحزبين التقليديين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني يفتح الباب أمام تساؤلات حول الخيارات المتاحة في تجاوز سقف الشروط المتبادلة، واستقطاب قوى من ساحة المعارضة التي يفرض بعضها شروطاً تعجيزية، وآخر اتخذ قراراً قطعياً بعدم المشاركة في أية حكومة يشكلها الحزبان في ظل عقبات قانونية تفرض سقوفاً زمنية في حال إبقاء جلسة البرلمان مفتوحة لحين إبرام اتفاق سياسي.
ويقف سقف المطالب المرتفع لدى كل منهما عائقاً في طريق تشكيل حكومة شراكة، فكلاهما يخوض سباقاً لاستقطاب باقي القوى الفائزة وفي مقدمهما حراك "الجيل الجديد" ويحوز 15 مقعداً، يليه "الاتحاد الإسلامي" بسبعة مقاعد ثم حزب "الموقف الوطني" بأربعة مقاعد، و"جماعة العدل" بثلاثة مقاعد، ومقعدان لحزب "جبهة الشعب"، ومقعد لكل من حركة "التغيير" و"الحزب الاشتراكي".
ويشترط حزب بارزاني في تشكيل الحكومة الجديدة أن تكون وفق معيار "الاستحقاق الانتخابي" مع أهمية أن تكون "مؤسسات الإقليم موحدة"، في إشارة إلى الفجوة القائمة بين ادارته في أربيل مع نظيرتها في السليمانية بقيادة حزب طالباني، في حين يرفع الأخير شعار "تصحيح مسار الحكم" بهدف ما يعتبره إنهاء حال احتكار القرار من قبل الديمقراطي.
وبعد تأجيل دام أكثر من عامين، شهد الإقليم إجراء انتخابات برلمانية، غير أن نتائج هذه الانتخابات كشفت عن مشهد سياسي معقد، إذ لم يتمكن أي من الحزبين التقليديين، الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، من تحقيق الأغلبية المطلقة لتشكيل حكومة منفردة، ووضع هذا الأمر الحزبين أمام تحد جديد، إذ يجب عليهما التفاوض والتحالف مع قوى سياسية أخرى لتشكيل الحكومة المقبلة.
وسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصبي رئاسة الإقليم والحكومة، حيث ترأس نيجيرفان بارزاني رئاسة إقليم كردستان، وابن عمه وصهره مسرور بارزاني، منصب رئاسة حكومة الإقليم، فيما حصل الاتحاد الوطني في الدورة الأخيرة على منصب رئاسة البرلمان.
وبحسب حديث النائب السابق أحمد حمه، فان حكومة إقليم كردستان تعمد إطالة أمد المشاكل وبينها قضية رواتب الموظفين للتغطية على فسادها. وقال حمه إن "حكومة إقليم كردستان لا تريد حل مشكلة رواتب الموظفين لأن المشاكل التي يعاني منها المواطنين تغطي الجانب السلبي لها، وبسبب قيام الاتحاد الوطني برفع سقف مطالبه فقد يستغرق تشكيل حكومة الإقليم الجديدة وقتا أطول"، مبينا أنه "من المستبعد استطاعة الحكومة الحالية حل المشاكل سواء بين أربيل وبغداد أو المشاكل داخل الإقليم".
وأضاف أن "نفس الأشخاص والعقليات التي دارت الحكومات الحالية هي من ستدير الحكومة المستقبلية"، مبينا أن "الأزمة الاقتصادية أثرت على تكوين العائلات وهجرة العقول والشباب وأوقفت العجلة الاقتصادية والتنمية".
ويرى المحلل السياسي لطيف الشيخ أن أزمة تشكيل الحكومة قد تستمر لفترة طويلة بسبب تصلب مواقف الطرفين، حيث أشار إلى أن الاتحاد الوطني يراهن على موقف المعارضة من أجل تقوية موقفه التفاوضي.
يذكر أن إقليم كردستان شهد اعتصامات وتظاهرات احتجاجية في الأيام الماضية بسبب عدم صرف رواتب الموظفين منذ أشهر رغم إرسال بغداد دفعات مالية كبيرة لإربيل، في حين لا تزال المفاوضات بين الحزبين الرئيسين الديمقراطي والاتحاد الوطني مستمرة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة للإقليم.
وكان السياسي الكردي المستقل لطيف الشيخ، أكد سابقاً أن "تشكيل حكومة الإقليم سيطول، ففي كل مرة، كان اللاعب والمؤثر الإقليمي والدولي يتدخل بصورة كبيرة، وينجح في تقريب وجهات النظر، لكن تركيا، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، منشغلة بالأزمة السورية وتطوراتها، لذا فإن موضوع تسمية المناصب، وتشكيل حكومة الإقليم سيطول، وقد نحتاج إلى أكثر من 6 أشهر".
*ما السيناريوهات المحتملة؟
أمام هذه الأزمة، تبدو الخيارات محدودة:
1. التوصل إلى اتفاق سياسي بين الحزبين، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا، لكنه قد يستغرق أسابيع أو حتى أشهر.
2. استمرار الجمود السياسي، ما قد يؤدي إلى أزمة دستورية تعطل عمل الحكومة والبرلمان.
3. تحالف الحزب الديمقراطي مع قوى أخرى لتشكيل الأغلبية دون الاتحاد الوطني، وهو خيار ممكن لكنه قد يزيد من التوترات بين الطرفين.

