بين تأييد قضائي ورفض مؤسساتي.. هل تستمر سيطرة سيركو على أجواء العراق؟
إنفو بلس..
بعد عمل لجان التحقيق للكشف عن تفاصيل وحيثيات جريمة المطار اتجهت أصابع الاتهام إلى شركة "سيركو" البريطانية العاملة في مطار بغداد حيث تُتَّهم الشركة بتقديم معلومات مهمة للإدارة الأمريكية أدت إلى اغتيال قادة النصر في المطار.
وسيركو شركة تسيطر على أجواء العراق، وتفرض نفسها لاستملاك اموال وإيرادات شركة الملاحة الجوية العراقية، واستحصال رواتب لموظفيها تقدر بنحو 300 مليون دينار شهريا لكل موظف، بالمقابل فإن الشركة وموظفيها لا تفعل شيئا، وليست هناك أية حاجة لها في قسم المراقبة الجوية.
ورغم المخاطبات والتأكيدات واتفاق جميع الجهات المعنية على ذلك، إلا أنها مستمرة بتجديد عقدها منذ 10 أعوام، وتعمل للحصول على عقد طويل الأمد يمتد لـ15 عاما قادمة، وسط رضوخ الجهات العليا في العراق دون معرفة السر وراء ذلك.
ومن الجدير بالذكر، أن محكمة البداءة المختصة بالقضايا التجارية التابعة لمحكمة استئناف الكرخ ردّت -في مطلع العام الحالي- دعوى قضائية أقامتها الشركة العامة للنقل والملاحة الجوية ضد شركة سيركو والعقد المبرم معها، وأمرت باستمراره بوصفه مكتملا الأركان بحسب تعبير بيان المحكمة.
أسرار سيركو..
أجواء مافيوية تخيم على شركة الملاحة الجوية العراقية، في جبهة يمثل طرفها الأول موظفون عراقيون ممنوعون من الحديث، مقابل شركة "سيركو" البريطانية، ونفوذها "الغامض" الذي يجعل العراق وسلطاته وأجواءه رهن رغباتها المستمرة منذ عشرة أعوام وتأمل أن تحصل على عقد طويل الأمد تجني من خلاله مليارات الدولارات بوصفها "شريكاً" مع خزينة الدولة العراقية، وبلا مقابل، بل كل ما ستفعله الشركة هو وضع موظفيها في مكاتب لتتقاضى قرابة 16 مليون دولار سنويا، فضلا عن 70% من إيرادات العراق الملاحية أو قد تصل لـ100%، وبما يقارب الـ50 مليون دولار سنويا.
بدأت قصة سيركو في عام 2011، وبفعل نقص المراقبين الجويين العراقيين، وهم الأفراد المسؤولون عن مراقبة وتنظيم حركة الطائرات التي تهبط او تطير من العراق، أو تمر بأجوائه حتى، للتنقل بين الدول الأخرى، حيث تم توقيع عقد مع سيركو بمبلغ 57 مليون دولار لمدة عامين لتدريب 200 مراقب جوي عراقي، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق بالرغم من مرور 10 أعوام.
وتضاعفت المبالغ من 57 مليون دولار، لتحصل شركة سيركو منذ 2011 وحتى 2020، على قرابة 250 مليون دولار (ربع مليار دولار)، ولم تدرب سوى 70 مراقبا جويا فقط، ما يعني أن تدريب المراقب الجوي الواحد كلف الدولة العراقية اكثر من 3.5 مليون دولار (أكثر من 4 مليارات دينار عراقي)، في حين أن كلفة 6 ملايين دولار (كلفة تدريب مراقبين جويين اثنين فقط) كان من الممكن «تدريب 200 مراقب جوي بواسطتها في أرقى أكاديميات العالم»، هكذا يقول أحد المراقبين الجويين في شركة الملاحة الجوية.
وبحسب وثائق صادرة من ديوان الرقابة المالية لعام 2021، تؤكد عدم إتمام شركة سيركو لشروط العقد وعدم وجود خطة من قبل الشركة لتدريب المراقبين الجويين وعدد المتدربين او نوع الدورات التدريبية المراد إقامتها منذ 2011، وحتى 2020، وهو العام الذي انتهى فيه عقد سيركو رسميا، قبل تجديده في 2021.
ويشير مراقب جوي رفض الكشف عن اسمه إلى أن الـ”250 مليون دولار (قرابة 300 مليار دينار) التي أُنفقت خلال الـ10 سنوات الماضية على شركة سيركو، لو أنفقنا نصفها فقط على الملاحة الجوية لتدريب الكوادر والبنى التحتية، سيكون ايرادنا اليومي 350 مليون دولار تذهب لميزانية الدولة عبر جذب الطائرات العالمية للمرور بأجوائنا، وبدلا من 450 دولار لكل طائرة كان من الممكن أن نستحصل 800 دولار لكل طائرة، حيث أن اتحاد النقل الجوي الدولي، (الاياتا) هي التي تحدد اسعار مرور الطائرات، وكان سعر مرور الطائرة الواحدة في اجواء العراق 350 دولارا على كل طائرة، ثم قامت (الاياتا) برفعه لـ100 دولار اضافي، وأصبح 450 دولارا للطائرة منذ سنتين، لكنها اشترطت استثمار هذه الـ100 دولار، في البنى التحتية لشركة الملاحة، لكي تقوم بدورها فيما بعد برفع الأجرة لـ800 دولار على كل طائرة”.
وتدفع كل طائرة تعبر الأجواء العراقية 450 دولارا للعراق كإيرادات لشركة الملاحة الجوية العراقية، في حين تمر قرابة 300 طائرة يوميا في سماء العراق، ما يعني أن مجموع ما يدخل العراق من هذه العملية نحو 135 الف دولار يوميا، وهي عملية مربحة، الأمر الذي يجعل هذه العملية هدفا لجهات سياسية بالاتفاق مع شركة «سيركو» البريطانية.
ويستشهد المراقب الجوي، بعدم الحاجة لشركة سيركو بأنه «من المفترض ان شركة سيركو وعبر تدريبها للكوادر العراقية طوال 10 سنوات، فأن كل الكوادر من المفترض اصبحت تمتلك شهادة دكتوراه في المراقبة الجوية ولا تحتاج الى المزيد من التدريب، فاستمرار التعاقد مع سيركو يعني إما أنها لم تدرب الكوادر جيدا طوال السنوات الماضية وهذا يجب فتح تحقيق به ضد الشركة والجهات السياسية المتعاقدة معها، وإما أن وجود الشركة لا يتعلق بالتدريب او الحاجة لها بل لاستنزاف الأموال العراقية فقط، وهذا بالضبط ما يحصل».
وطوال هذه السنوات، لا تفعل شركة «سيركو» شيئا سوى الجلوس بالمكاتب، فيما تتولى الكوادر العراقية مهام مراقبة الأجواء وإدخال الايرادات لخزينة الدولة، الأمر الذي دفع كوادر شركة الملاحة الجوية العراقية للاعتراض وتسجيل الشكاوى لإنهاء التعاقد مع هذه الشركة، التي كانت تأخذ 25 مليون دولار سنويا طوال السنوات الماضية، وبكوادر لاتتجاوز الـ20 شخصا أو أقل، مايعني أن كل موظف من موظفي «سيركو» يتقاضى اكثر من 100 مليون دينار شهريا دون أن يعملوا شيئا، في الوقت الذي يتقاضى فيه المراقب الجوي العراقي، الذي يدير هو العمل، مليون دينار عراقي فقط.
وبالرغم من تأكيد عدم حاجة شركة الملاحة الجوية العراقية بكافة أقسامها إلى أية شركة اجنبية، ومن ضمنها شركة “سيركو”، إلا أن الحكومة العراقية، وخلال 2021، قررت في شهر آب التعاقد مجددا مع شركة سيركو ولمدة عام كامل و”بأثر رجعي” من 1 كانون الثاني 2021، وعبر تكليف مدير عام العقود والتراخيص في وزارة النقل مؤيد حسن بإدارة شركة الملاحة الجوية، وهو التغيير الرابع لإدارة الشركة خلال فترة قصيرة، فقط لتمرير العقد.
حين انتهى عقد الشركة الأخير في 31 كانون الأول 2020، أصرّت الوحدات التابعة لشركة الملاحة الجوية وموظفوها على عدم الحاجة لتجديد التعاقد مع الشركة وتكليف الدولة أموالا طائلة بلا أية خدمة تذكر، استمرت المشاكل القانونية وتهديدات شركة سيركو حتى صوت مجلس الوزراء في 16 آب 2021 على تجديد العقد مع سيركو، وتم بالفعل وفي 14 تشرين الاول (اكتوبر) 2021، توقيع العقد من قبل مدير شركة الملاحة الجوية مؤيد حسن ياسين مع شركة سيركو وذلك بعد تغيير 5 مديرين عامين لشركة الملاحة الجوية لغرض إنجاز العقد مع سيركو، حيث يشغل مؤيد حسن منصب مدير عام دائرة العقود والتراخيص في وزارة النقل وتم تكليفه بإدارة شركة الملاحة الجوية، وهو الأمر الذي تفسره مصادر بأن تكليفه جاء لهدف واحد وهو لإتمام صفقة توقيع العقد مع سيركو.
ويقضي العقد بدفع 15.6 مليون دولار لشركة سيركو لمدة عام كامل وبأثر رجعي لعام 2021، ويتم التباحث خلال 3 اشهر مع الشركة لـ"تنظيم إطار العمل مع شركة سيركو بما يحفظ المال العام وتسيير حركة الملاحة الجوية"، حسبما تظهر وثيقة صادرة من مجلس الوزراء، والتي تظهر أيضا التباحث مع سيركو خلال هذه الأشهر الثلاثة على اتفاقية إطارية لمدة 15 عاما، الأمر الذي أثار حفيظة موظفي شركة الملاحة الجوية، حتى أدت إلى إقالة أحد المراقبين الجويين خلال العام 2021 بسبب رفضه وحديثه المستمر الرافض لهذا الاتفاق.
وبالعودة للاتفاقية الإطارية، ستقضي هذه الاتفاقية بأخذ سيركو 15.6 مليون دولار سنويا، فضلا عن 70% من إيرادات شركة الملاحة الجوية ولمدة 15 عاما، بل قد تصل إلى 100%، حيث أن شركة “سيركو” اذا ما تسنمت مهام إدارة الملاحة الجوية في العراق بالكامل فأنها ستفرض أموالا على الطائرات العراقية التابعة للخطوط الجوية فضلا عن طائرات الناقل الوطني شركة فلاي بغداد وغيرها، حالها كحال طائرات الدول الأخرى، في الوقت الذي لا تأخذ شركة الملاحة الجوية العراقية هذه الأموال من الطائرات العراقية وتقدم لها الخدمات مجانا، ما يعني أنها من المحتمل ستأخذ جميع الايرادات المتحققة لشركة الملاحة الجوية.
وعلى هذا الأساس، فأن شركة سيركو ستأخذ قرابة 50 مليون دولار سنويا، او نحو 740 مليون دولار خلال السنوات الـ15 القادمة في حال مرَّ التعاقد على اتفاقية الشراكة الإطارية لمدة 15 عاما، بل قد تتضاعف هذه الأموال إلى ضعفين وسط توقعات بأن يزداد عدد الطائرات المارة في الأجواء العراقية من 300 طائرة إلى اكثر من ألف طائرة يوميا خلال السنوات القادمة مع تزايد نشاط الحركة التجارية العالمية، حيث أن هذه الألف طائرة فيما اذا بقي سعر مرور الطائرة 450 دولارا للطائرة الواحدة، هذا يعني أن العراق سيدخل له يوميا 450 ألف دولار او نحو 165 مليون دولار سنويا، جميعها ستذهب لشركة “سيركو” ولن يتحصل العراق سوى على “فتات”.
ويمثل الشرط الجزائي الذي تطالب به سيركو في حال تم فسخ العقد معها، والبالغ 250 مليون دولار، مايعادل ما حصلت عليه من العراق طوال السنوات العشر الماضية، أو ايرادات 5 سنوات قادمة التي قد تحصل عليها في حال تم التعاقد معها عقد شراكة طويل الأمد.
ومازالت كوادر شركة الملاحة الجوية العراقية تتأمل أن يطّلع الرأي العام على القضية التي انحصرت بين احتمالين الأول ادعاء الحكومة العراقية بأنها “تخشى من الشرط الجزائي لذلك هي مضطرة لتوقيع العقد مع سيركو”، والذي من المحتمل ان يمر لفرض عقد إطاري لمدة 15 عاما كما استطاعت سيركو فرض العقود السابقة على الحكومات المتعاقبة، أما الاحتمال الاخر والذي تؤكده كوادر الملاحة العراقية بأن “العقد الذي تهدد سيركو به الحكومة غير مجزٍ ولايمكنها فعل شيء في المحاكم الدولية على أساسه، وإنما القضية تتعلق بجهات سياسية متنفذة تفرض على الدولة العراقية بالكامل توقيع العقد مع هذه الشركة”، ومازالت الأنفاس محبوسة وتأمل أن لايمضي انتصار شركة “سيركو” وحصولها على العقد طويل الأمد لمدة 15 عاما، لتحل المصيبة الاستنزافية لأموال العراق.
سيركو وحكومة السوداني..
بعد أن رحلت حكومة الكاظمي وجاءت حكومة السوداني بدأ العمل على هذا الملف بشكل جدي، حيث كانت الخطوة الأولى تتمثل بتغيير مدير عام شركة الملاحة الجوية سيئ الصيت مؤيد حسن، وإعادة المدير السابق -الرافض لتواجد سيركو- علي محسن هاشم استناداً إلى قرار مجلس الوزراء الذي يترأسه السوداني المرقم ٢٨٠ لسنة ٢٠٢٢ الذي تضمن إلغاء أوامر نقل تمت بموجب قرارات حكومة الكاظمي المنتهية الصلاحية.
لجنة النقل والاتصالات النيابية، طالبت في بيان لها صدر بتاريخ 21/2/2023، بـ"بضرورة تطوير نظام المراقبة الجوية لتوفير افضل خدمة مقدمة من قبل الشركة، والكشف عن الملابسات القانونية التي تخص شركة سيركو البريطانية التي كانت متعاقدة مع شركة الملاحة الجوية العراقية والمنتهي عقدها في نهاية 2021 والتبعات القانونية لهذا العقد الذي كلّف الدولة العراقية اكثر من 299 مليار دينار عراقي"، بحسب البيان.
كما وجه النائب داوود العيدان سؤالاً برلمانيا لكل من الحكومة وسلطة الطيران المدني والشركة العامة لخدمات الملاحة الجوية مطالباً فيه بالكشف عن السند القانوني لتواجد شركة سيركو في العراق على الرغم من وجود الكثير من مؤشرات الفساد والمخالفات القانونية.
سيركو وجريمة المطار..
المتحدث باسم الحراك الشعبي محمد الصحاف في تصريح له قال، إن "هناك شكاً في ضلوع شركة سيركو للملاحة الجوية بتورطها في جريمة اغتيال قادة النصر".
وأضاف الصحاف، أن "الحراك مستعد لتقديم ما لديه من معلومات إلى القضاء العراقي وجهاز الادعاء العام عن الشركات الأجنبية والأفراد والشخصيات المتورطة بحادثة المطار".
وأشار إلى أن "تلك الجريمة الجبانة تمت بعلم رئيس جهاز المخابرات السابق مصطفى الكاظمي ومدير العمليات ضياء الموسوي وعدد من الضباط الآخرين"، مبينا أن "دعاوى قضائية ستلاحق شركة سيركو البريطانية للملاحة الجوية بتهم عديدة من بينها الاشتراك بحادثة مطار بغداد الدولي".
وفي عام 2020 أصدرنائب الأمين العام لحركة النجباء نصر الشمري، بيانا رفض فيه تجديد عقد شركة سيركو وذكر أن "في العراق كوادر وطنية مدرَّبة وذات كفاءة وجاهزة للعمل، ولسنا بحاجة للأجنبي"، مضيفا أن "مسألة التجديد تعتبر شرعنة لاحتلال بريطاني طويل الأمد، وهذا ما لن نسمح به بحزم".
عضو اللجنة الأمنية السابقة النائب السابق كريم عليوي، أوضح أن اللجنة دعت الحكومة الى ايقاف عمل الشركة البريطانية العاملة في مطار بغداد الدولي (سيركو) بعد حادثة استشهاد قادة النصر الا انه تم تجاهل طلبها, مبينا ان التحقيقات الأولية اثبتت تورط الشركة بجريمة المطار .
وقال عليوي : ان ".تجديد عمل شركة سيركو البريطانية في مطار بغداد الدولي امر خطير لكون الشركة لها يد في عملية المطار التي أدت الى استشهاد قادة النصر ورفاقهما".
وأضاف ان "اللجنة الأمنية السابقة دعت الحكومة الى ايقاف عمل الشركة البريطانية العاملة في مطار بغداد الدولي بعد حادثة استشهاد قادة النصر، الا ان الحكومة السابقة وحكومة الكاظمي تجاهلت الدعوة".
وأوضح عليوي ان "التحقيقات الأولية اثبتت تورط الشركة بعملية المطارمع جهاز الاستخبارات الأمريكي”، مشيرا الى أن “تجديد عقد الشركة سوف يعرض الشخصيات الى تهديد واستهداف مستقبلا".
من جانبه حذر الخبير الأمني، هيثم الخزعلي، من التعاقد مرة أخرى مع شركة سيركو البريطانية لمنحها السيطرة على سماء واجواء العراق، لافتا الى أن الحكومة يجب أن لا تسمح باستمرار عمل هذه الشركة خصوصا بعد جريمة اغتيال قادة النصر.
وقال الخزعلي، إن “العقد مع شركة سيركو البريطانية المسيطرة على الأجواء يمثل سلب لسيادة العراق ولا يمكن أن نقع بهذا الخطأ الكبير خصوصا بعد جريمة اغتيال قادة النصر في مقتربات مطار بغداد”.
وأضاف، إن "تكرار الخطأ يجب أن لا يتكرر من حيث السماح باختطاف أجواء العراق وسمائه ورهنها لصالح شركة بريطانية سمحت بحدوث جريمة المطار".
وبين، إن "الحكومة المقبلة لابد لها أن تقوم بإجراء تعاقدات لرفد العراق بمنظومات دفاع جوي متطورة، لبسط السيطرة على الأجواء والبر والبحر، وإلا فإن التعاقد من جديد مع الشركة المذكورة يمثل خرقا كبيرا للدستور وسيادة العراق ما يوجب محاسبة الحكومة على هكذا تعاقد".