بين وعد الشفافية وهاجس التقييد.. العراق على أعتاب إقرار قانون "حق الحصول على المعلومة" اليوم
انفوبلس/ تقرير
بعد نحو عقدين من المطالبات المستمرة من الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، يقترب العراق أخيراً من إقرار قانون طال انتظاره، وهو قانون "حق الحصول على المعلومة"، الذي أُدرج على جدول أعمال مجلس النواب للتصويت في جلسة اليوم الأربعاء 17 أيلول/سبتمبر 2025.
ويُنظر إلى هذا القانون على أنه محطة مهمة في مسار تكريس الشفافية وتعزيز الديمقراطية، فضلاً عن كونه التزاماً دولياً طالما ضغطت من أجله منظمات حقوقية وهيئات تابعة للأمم المتحدة، خصوصاً في ظل المؤشرات السلبية التي سجلها العراق في مجالات حرية الصحافة وحقوق الإنسان والحوكمة الرشيدة.
لكن في المقابل، يرافق هذا التفاؤل حذر واسع النطاق، إذ يرى مراقبون ومرصدان حقوقيان أن بعض مواد القانون بصيغته الحالية قد تفرغه من جوهره، ليصبح أقرب إلى أداة لتقييد المعلومات بدلاً من ضمان الحصول عليها.
خلفية تاريخية ومطالب مستمرة
منذ سقوط النظام السابق عام 2003، ارتفعت أصوات الصحفيين والناشطين للمطالبة بقانون يُنظّم الحق في الحصول على المعلومة. ويعود السبب الرئيس إلى طبيعة البيئة السياسية التي وُصفت طيلة العقدين الماضيين بأنها مغلقة على الصحافة، حيث تعمد المؤسسات الرسمية إلى حجب المعلومات، أو الاكتفاء بإصدار بيانات مقتضبة لا تجيب عن الأسئلة الجوهرية.
ووفقاً لجمعية "الدفاع عن حرية الصحافة في العراق"، فإن أكثر من 333 انتهاكاً ضد الصحفيين سُجل خلال عام 2024 وحده، كثير منها متعلق بمحاولات الحصول على معلومات أو تغطية ملفات حساسة. كما تراجع العراق في مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى المرتبة 169 من أصل 180 دولة، وهو مؤشر يعكس حجم العراقيل التي تواجه العاملين في هذا القطاع.
من هنا، يرى ناشطون أن إقرار القانون سيكون بمثابة خطوة تاريخية، طالما طالبوا بها كمدخل أساسي لمكافحة الفساد وكشف الحقائق أمام الرأي العام.
ماذا يقول البرلمان؟
وفي هذا الصدد، يقول رئيس لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام في البرلمان، النائب فاروق حنا، إن "القانون سوف يتم تمريره (الأربعاء) في حال اكتمال النصاب القانوني داخل مجلس النواب، بناء على ما تحقق من توافقات".
ويشير حنا، إلى أن "التصويت عليه سيمثل مكسبا مهما للعراق، وسيعزز من مصداقيته أمام التزاماته الدولية والمواثيق التي وقع عليها، باعتبار أن الموضوع يرتبط بشكل مباشر بمبادئ الديمقراطية والشفافية والنزاهة".
ويوضح أن "اللجنة عملت على قانون حق الحصول على المعلومة منذ أكثر من عام، حيث كثّفت فيه مشاوراتها مع خبراء دوليين ومحليين، إلى جانب منظمات متعددة من المجتمع المدني وجهات أخرى، من أجل الوصول إلى صيغة قريبة قدر الإمكان من المعايير الدولية، مع التشديد على أن ذلك جرى دون تدخل أي جهة في شؤوننا".
ويجد رئيس لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام في البرلمان، أن "القانون المرتقب، في حال تمريره، سيكون من أفضل القوانين في منطقة الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا"، مؤكدا أن "النسخة الحالية ستنال رضا المنظمات والصحفيين والناشطين، لأن إعدادها لم يكن بمعزل عنهم، بل جرى بالتنسيق والتعاون المباشر معهم".
ويشدد حنا، على أن "اللجنة دعت منذ اليوم الأول لهذه العملية جميع الجهات المعنية، والتقت بها، ونظمت ورشا وفعاليات مشتركة لتطوير مشروع القانون وتقريبه أكثر من المعايير الدولية”. ولهذا، يعتقد أن "المجتمع المدني سيكون مرتاحا إلى حد كبير لإقراره".
وفي 18 تشرين الأول أكتوبر 2024 اتفقت لجنة الثقافة والسياحة والآثار والاعلام النيابية، مع ممثلين عن حملة تعديل مسودة قانون "حق الحصول على المعلومة"، على إجراء تعديلات جوهرية على المسودة قبل إقرارها، بما يدعم حرية الصحافة ويسهل عمل المؤسسات البحثية ويساهم في مكافحة الفساد وترسيخ الشفافية في مؤسسات الدولة.
من جهته، يؤكد الكاتب والصحفي سامان نوح، أن "المجتمع الدولي يطالب منذ سنوات الحكومة العراقية بضرورة تشريع قانون يكفل حق الحصول على المعلومة، باعتباره إحدى الركائز الأساسية لمكافحة الفساد وتحقيق الشفافية، والحكومة ربما تبدي رغبة في تمرير هذا القانون، غير أن الإشكالية تكمن في طبيعة النص الذي سيجري اعتماده".
ويضيف نوح، أن "المسودة الأولى التي قُدمت كانت سيئة جدا، إذ تضمنت بنودا تحد من حق الحصول على المعلومة، وجاءت أقرب إلى أن تكون قانونا للتقييد، بدلا من أن تكون أداة لضمان حرية الوصول إليها”، لكنه يستدرك بالقول إن "لجنة الثقافة البرلمانية أجرت تعديلات جوهرية على هذه المسودة، والنتيجة النهائية التي وصلت إلى مجلس النواب للتصويت تمثل صيغة جيدة، وإذا أُقرت كما هي، فستُعد مكسبا مهما للصحفيين والمواطنين على حد سواء، بل وستشكل نجاحا لبرلمان لم يتمكن خلال دورته الحالية من تحقيق إنجازات تُذكر، لتكون بمثابة نقطة مضيئة في مساحات الفشل البرلماني".
وينوه إلى أن "المسودة الحالية التي جرى التوافق عليها جاءت ثمرة عمل استمر أكثر من عامين، بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني، وهو ما يجعلها مشروعا جيدا يتوافق إلى حد كبير مع المعايير الدولية”، مشيرا إلى أن "معظم الصحفيين والمنظمات التي شاركت في هذا الجهد راضية عنها، شريطة أن يتم التصويت عليها كما هي، من دون أي تغييرات تفرغها من مضمونها".
ويحذر الكاتب والصحفي، في الوقت ذاته، من "التخلي عن هذه المسودة أو إدخال تعديلات عليها، ما قد يضعف متانتها ويمس حق المواطنين والصحفيين في الوصول إلى المعلومة”، مشددا في الوقت ذاته، على أن “أي محاولة لتمرير نسخة مشوهة أو ضعيفة ستواجه رفضا واسعا من المجتمع الصحفي، كما أن ذلك سيضع النواب أمام مسؤولية تاريخية جسيمة، ويضيف إلى سجل البرلمان نقطة فشل جديدة تُضاف إلى مواضع الفشل الكثيرة التي حصلت في الدورة الحالية".
وبعد غياب طويل عن جدول الأعمال تخللته مناقشات مستفيضة، وضع مجلس النواب مشروع قانون حق الحصول على المعلومة ضمن جدول أعمال جلسة يوم الأربعاء 17 أيلول سبتمبر الجاري، وسط توقعات بإقرار القانون في حال اكتمال النصاب.
ومنذ شباط فبراير الماضي، أعلنت لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام النيابية رفع قانون حق الحصول على المعلومة إلى رئاسة البرلمان من أجل إدراجه على جدول الأعمال والتصويت عليه من قبل السادة النواب، مؤكدة أن القانون مرّ بمراحل كثيرة وعقدت من أجله الكثير من ورشات العمل وجلسات الاستماع، فضلا عن دراسات ونقاشات مستفيضة داخل اللجنة، إلى أن وصل إلى مرحلة النضوج، ليتوافق مع الدستور والمواثيق الدولية وأيضا يرضي جميع الأطراف.
إلى ذلك، يرى رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة، محمد رحيم الربيعي، أن "إدراج مجلس النواب لقانون حق الحصول على المعلومة في جلسة الأربعاء المقبلة ضمن جدول أعماله يمثل خطوة بالغة الأهمية”، متوقعا أن “يتم التصويت عليه في هذا التوقيت الحرج والمهم جدا".
ويوضح الربيعي، أن "أهمية هذه الخطوة تكمن في أن العراق يخضع حاليا لتقييم خاص يتعلق بالفصل الثاني من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وأن تحويل هذا القانون من مجرد مشروع إلى قانون مُشرّع ونافذ سيُعد طفرة نوعية للعراق في هذا المجال".
ويشير إلى أن "إقرار القانون سيفتح للعراق آفاقا أوسع للالتزام بمعايير الشفافية والحوكمة الرشيدة داخل العديد من مؤسسات الدولة، كما سيوفر له فرصة أكبر للحصول على عضويات جديدة في أطر التعاون الدولي، الأمر الذي يعزز من حضور العراق والتزامه بالمنظومة العالمية لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة".
ويتابع رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة، أن "تقييم العراق بعد تشريع قانون الحق في الحصول على المعلومات سيكون إيجابيا على مؤشرات الفساد، إذا ترافق ذلك مع تنفيذ فعلي يمكّن الصحافة والمجتمع المدني من الوصول للمعلومات الحكومية، وعندها سيظهر الأثر في تحسن درجة العراق في مؤشر مدركات الفساد، وارتفاع تصنيفه في مؤشرات الحوكمة العالمية، أما إذا كان القانون شكليا بلا تطبيق، فلن يكون هناك أثر جوهري على هذه المؤشرات".
وكان مجلس الوزراء قد أقر في 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مشروع قانون حق الحصول على المعلومة وأحاله إلى مجلس النواب لتشريعه، فيما قام البرلمان بالقراءة الأولى للمشروع في 14 شباط/ فبراير 2024، وقام بالقراءة الثانية في 3 آب/ أغسطس العام الماضي.
وأثارت تلك المسودة جدلا كبيرا في الأوساط الصحفية، حيث أعلنت على إثرها 14 منظمة ومؤسسة دولية، في أيلول سبتمبر من العام الماضي، انضمامها إلى نحو 600 صحفي وكاتب وباحث ومدون وناشط عراقي، بينهم مسؤولون في وسائل إعلام ومؤسسات ومنظمات غير حكومية، لحملة تواقيع تطالب البرلمان بإجراء تعديلات جوهرية على مشروع القانون بما يضمن تقليل القيود إلى حدها الأدنى، الأمر الذي لاقى تأييدا من لجنة الإعلام النيابية.
لكن اليوم الأربعاء، حذر مرصدان حقوقيان في العراق، من ثغرات وصفوها بـ"المقلقة" في مشروع قانون حق الحصول على المعلومة، الذي يستعد البرلمان للتصويت عليه خلال جلسة اليوم، مشيرين إلى غياب الشفافية في إعداده وما يحيط به من أجواء مريبة.
وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان في بيان، إن "الصيغة الحالية لمشروع القانون، رغم أهميته المبدئية، تتضمن مواد قد تفرغ الحق من مضمونه إذا أُقرت دون مراجعة جادة". وأوضح أن تعريف "المعلومة" في المسودة جاء ضيقاً يقتصر على وثائق محددة، ما يقصي أشكالاً أخرى مثل المراسلات الإلكترونية أو التوصيات الداخلية.
كما أشار إلى الاستثناءات الواسعة التي تسمح بحجب معلومات تتعلق بالدفاع والأمن والسياسة الخارجية والمناقصات دون معايير دقيقة، إضافة إلى ضعف آليات الطعن وعدم وضوح العقوبات التي قد تُستخدم ضد الصحفيين والناشطين. وأكد المرصد أن صياغة القانون لم تُبنَ على مشاورات واسعة مع المجتمع المدني أو نقابات الصحفيين والأكاديميين، محذراً من فقدانه الشرعية المجتمعية إذا مرّر بصيغته الحالية.
وفي السياق ذاته، حذّر مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية من "سلوك تمرير القوانين خلسة"، على غرار محاولة تمرير قانون حق التظاهر، مبيناً أن البرلمان يخفي النسخة المعدة للتصويت ويعتمد فقط على نسخة القراءة الأولى في شباط 2024، دون أن تُظهر القراءة الثانية في آب الماضي أي تغييرات جوهرية.
وأشار المركز إلى أن أبرز ملاحظاته على القانون تشمل حجب نحو 13 نوعاً من المعلومات بينها عقود المناقصات، ومنح الموظفين صلاحيات تقديرية لرفض الكشف عن معلومات حساسة، فضلاً عن فرض عقوبات بالحبس والغرامة بحق من يكشف معلومات مصنفة "ممنوعة"، وهو ما قد يحول دون كشف ملفات فساد أو مخالفات اقتصادية.
ودعا المركز لجنتي الثقافة وحقوق الإنسان النيابيتين إلى ضمان صياغة قانونية سليمة تتيح حرية الوصول إلى المعلومة، مع توفير نسخة واضحة من المشروع للرأي العام قبل الشروع بالتصويت عليه.
وبين التفاؤل والحذر، يقف العراق على أعتاب محطة مفصلية في تاريخه الحديث. فإقرار قانون حق الحصول على المعلومة قد يُعد إنجازاً طال انتظاره، لكنه في الوقت ذاته قد يتحول إلى خيبة أمل إذا ما مرّ بصيغة تُفرغه من مضمونه.
والمعادلة اليوم واضحة: إما أن يكون القانون أداة للشفافية وكشف الفساد، أو يصبح مجرد نص شكلي يُضاف إلى رفوف التشريعات غير المطبقة.
وبين هذين الخيارين، ينتظر الصحفيون والناشطون ما ستسفر عنه جلسة البرلمان، آملين أن يسجل العراق نقطة مضيئة نادرة في مساحات الفشل الكثيرة.


