تأهب صدري غير معلن.. هل ينجح الصدر في استعادة موقعه وفرض أجندته عبر الانتخابات المقبلة؟
انفوبلس..
بعد أكثر من عام على انسحابه من المشهد السياسي، يستعد التيار الصدري، للعودة إلى العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق، حيث أكدت مصادر مقربة منه بدء تحضيرات واسعة للانتخابات، وسط توقعات بعودة رسمية قبل شهرين من موعدها، وسط ترقب سياسي لتحالفات جديدة قد تُعيد رسم المشهد العراقي. ورغم عدم صدور إعلان رسمي من زعيم التيار مقتدى الصدر، إلا أن المعطيات تشير إلى عودة مرتقبة ستترك تأثيراً كبيراً على مسار الانتخابات المقبلة.
قبل ثمانية أشهر على موعد الانتخابات البرلمانية السادسة منذ الغزو الأميركي عام 2003، أكدت مصادر سياسية مقربة من التيار الصدري (الذي أصبح اسمه التيار الوطني الشيعي) عزم الأخير العودة إلى العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات، وهو قرار اتخذه زعيم التيار مقتدى الصدر مع عدد من كبار مساعديه، باشروا فعلياً تهيئة دوائر وجهات معنية في التيار لهذه المهمة.
ومنذ أغسطس/آب 2022، يواصل مقتدى الصدر عُزلته التامة عن العمل السياسي مع تياره وذلك بعد أزمة سياسية خانقة أدخل فيها التيار نفسه والعملية السياسية برمتها بعد محاولته تشكيل حكومة بشكل منفرد وبمعزل عن بقية الأحزاب السياسية. وسحب الصدر نواب كتلته في البرلمان في يونيو/حزيران 2022، وتم تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.
وتحدثت ثلاث شخصيات صدرية في بغداد والنجف، أحدهم مسؤول بارز طلب عدم الإفصاح عن هويته، في تقارير صحفية، عن استعدادات التيار الصدري للدخول بالانتخابات وبقوة، وستعقب ذلك عودة تدريجية للمشهد السياسي من خلال نواب الكتلة الصدرية المستقلين، وإعادة تفعيل وفتح مكاتب التيار الصدري في مدن جنوب ووسط العراق وبغداد.
ووفقاً للمعلومات التي أدلت بها الشخصيات الثلاث، فإن توجيهات صدرت أخيراً من مكتب مقتدى الصدر الخاص في النجف، بشأن تهيئة الجهات المكلفة داخل التيار الصدري بالشأن الانتخابي في إعداد تصورات كاملة حول قانون الانتخابات الحالي والتعامل معه خلال الانتخابات.
وقال أحدهم، إن "الجهات المعنية بملف الانتخابات داخل التيار الصدري، عادت للعمل والاجتماع بشكل غير معلن لبحث الاستحقاق". فيما أكد آخر، أن "اجتماعات مختلفة عُقدت في بغداد، بين المسؤولين بالملف السياسي في التيار الصدري، لغرض ترتيب الأوراق للمرحلة المقبلة، فهناك نيّة بعودة التيار الصدري للمشهد بقوة، خصوصاً مع ارتفاع قواعده الشعبية بعد انسحابه من العمل السياسي، واعتقاده بفشل حكومة السوداني". وأشار إلى أن "التوجيهات التي صدرت لا تنص على العودة للعملية السياسية أو المشاركة بالانتخابات، بل البدء بالعمل على هدف حجز موقع الأغلبية بين القوى الشيعية الأخرى، لتسهيل مهمة تشكيل حكومة من قبل الصدريين"، متوقعاً أن تكون العودة للمشهد رسمياً قبل شهرين من الانتخابات كحد أقصى.
في هذا السياق، قال السياسي المُقرب من التيار الصدري، مجاشع التميمي، إن "عودة التيار الصدري إلى المشهد السياسي مرتبطة بإعلان رسمي من قبل زعيم التيار مقتدى الصدر. ولغاية الآن وعلى الرغم من كل البوادر والمؤشرات، وحتى المعلومات الخاصة التي تشير إلى عودة الصدريين للسياسة، لم يعلن الصدر عن أي خطوة بشأن ذلك". وأوضح، إن "الصدر حينما انسحب من المشهد السياسي وضع شروطاً للعودة، ولغاية الآن هذه الشروط تصطدم برفض من قبل العديد من القوى السياسية، ولم تتحقق لغاية الآن". وتوقع أن "الصدريين سيعودون خلال الشهرين المقبلين، لأن المرحلة الماضية شهدت خروقات وانتهاكات لقواعد النظام السياسي بسبب غياب الصدر، وكذلك هناك ضغط شعبي من غير القواعد الصدرية بأن يعود التيار للعمل السياسي، لضمان وجود توازن سياسي حقيقي".
من جهته، قال عبد الرحمن الجزائري، عضو ائتلاف دولة القانون، إن "المعطيات تؤكد نيّة التيار الصدري العودة إلى العملية السياسية قريباً وكذلك المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهذا أمر مرحب به ونحن ندعم ذلك، فالتيار ركن أساسي من أركان العملية السياسية في العراق، وغيابه أثّر على تلك العملية".
وبيّن الجزائري، إنه "بحسب بعض القيادات من التيار الصدري الصديقة لنا، أكدوا أن هناك نيّة في العودة السياسية، وكذلك المشاركة في الانتخابات، وغير مستبعد أن يكون هناك تحالف كبير يجمع كُلّاً من الصدريين وائتلاف دولة القانون في المرحلة المقبلة، فكل الخيارات ستكون مفتوحة ومتاحة بتحالفات ما قبل وبعد الانتخابات".
واعتبر أن "التيار الصدري بعودته الانتخابية سيكون منافساً كبيراً وقوياً لقوى الإطار التنسيقي في مناطق بغداد ومدن الوسط والجنوب، خصوصاً أن قواعد التيار ثابتة، لكن تبقى كل الخيارات مفتوحة بشأن شكل الحكومة المقبلة، فهذا يعتمد على حجم الكتل وتوجهاتها، لاسيما بعد التغيرات الأخيرة في عموم المنطقة، وما مقبل عليه العراق من أحداث بعد تلك التغييرات".
واختار الصدر، في 11 إبريل/نيسان الماضي، اسم "التيار الوطني الشيعي" لتياره في خطاب رسمي حمل توقيعه وختمه. وجاءت الخطوة بعد اعتزاله العملية السياسية في آب/أغسطس 2022، مع تأكيد عدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين"، بحسب وصفه.
إلى ذلك، أكد الباحث في الشأن السياسي نبيل العزاوي، أن جميع المعطيات والمؤشرات تشير إلى عودة قريبة للتيار الصدري إلى المشهد السياسي والانتخابي في العراق، وقال إن "الأحداث الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة مؤخراً قد تؤثر على العراق بشكل مباشر، مما يستدعي إيجاد خارطة سياسية جديدة لتحييد البلاد عن أي منزلقات محتملة".
وأضاف، أن "التيار الصدري، باعتباره أحد أكبر الكتل الشيعية وزناً وحجماً، يبدو مستعداً للعودة إلى العملية السياسية لتعويض التوازنات الغائبة وتقويم الأخطاء السابقة".
وأشار العزاوي إلى أن "عودة التيار الصدري قد تأتي مصحوبة بتحالفات جديدة، خاصة مع الكتل التي ستكسب أصواتاً كبيرة في الانتخابات المقبلة، مثل كتلة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني". ولفت إلى أن "هذه التحالفات قد ترسم ملامح تحالف كبير، ستظهر معالمه بشكل أوضح خلال الأشهر القليلة المقبلة".
وأكد الباحث السياسي أن عودة التيار الصدري شبه مؤكدة وفقاً للمعطيات والمؤشرات الحالية، مدعماً ذلك بمصادر قريبة من القرار الصدري في الحنانة.
فيما توقع مقرر مجلس النواب السابق، محمد عثمان، في وقت سابق، مشاركة قوية للتيار الصدري في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة نهاية عام 2025.
وقال عثمان، إن "كل المؤشرات تشير إلى أن موعد إجراء الانتخابات سيكون في كانون الأول المقبل، في ظل عدم وجود رغبة لدى القوى السياسية لتأجيلها".
وأضاف، إن "مشاركة التيار الصدري في الانتخابات القادمة، بحسب ما نرصده من إشارات، قد تصل إلى 70%، إلا أن القرار النهائي يبقى بيد زعيم التيار، السيد مقتدى الصدر، الذي سيحسم الموقف في نهاية المطاف".
وأوضح عثمان، إن "نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ستتأثر بعدة عوامل، من بينها تقليل تأثير المال السياسي، ووضع ضوابط للحد من الأموال التي تصرفها بعض الجهات المتنفذة، إلى جانب توفير تطمينات تضمن عدم الضغط على الناخبين ومنحهم حرية التصويت، هذه العوامل ستساهم في زيادة المشاركة من مختلف الشرائح".
وأشار إلى أنه "حتى الآن، لا توجد رغبة واضحة لدى أغلب الكتل السياسية لتغيير قانون الانتخابات، ومن المتوقع أن تستمر العملية الانتخابية وفق نظام الدائرة الواحدة الذي تم اعتماده في انتخابات مجالس المحافظات".
وأكد عثمان، إن "كل التوقعات تشير إلى أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني سيكون على رأس تكتل انتخابي مهم، وسيشكل رقمًا صعبًا في معادلة انتخابات 2025. وربما يحقق نتائج إيجابية تعزز من فرصه في المرحلة المقبلة".
وختم قائلاً: "رغم أن الأجواء المحيطة بالانتخابات ستؤثر على نسب التصويت، إلا أن الانتخابات ماضية في موعدها المحدد بشهر كانون الأول المقبل، ما لم يحدث أي طارئ أو اتفاق قد يؤدي إلى تأجيلها. لكن حتى هذه اللحظة، لا توجد مؤشرات على ذلك".
هذا وكشف عضو مجلس النواب مضر الكروي، أيضا عن وجود عامل واحد يؤثر على موعد إجراء الانتخابات البرلمانية خلال عام 2025، وقال إن "موعد إجراء الانتخابات سيكون بنهاية العام الجاري وفق القراءات المعتمدة، لكن يبقى أمر تأجيلها مطروحًا، خاصة إذا ما حصل اتفاق سياسي".
وأوضح، إن "هناك حراكًا بشأن تغيير قانون الانتخابات، وبالتالي إذا ما تم التوافق على هذه النقطة، قد تذهب القوى السياسية إلى تأجيل الانتخابات لبعض الوقت أو السعي لإجرائها في موعدها المحدد".
وأشار إلى أنه "لا توجد أزمة مالية حقيقية في العراق، لكن في ظل تطمينات وزارة المالية في لقائها يوم أمس مع اللجنة المالية النيابية، فإن ملف الرواتب مؤمن بالكامل من خلال تأكيدات الوزيرة وكافة المؤسسات المالية".
وأضاف الكروي، إن "الأوضاع الأمنية والمالية بشكل عام لا تؤثر على تحديد موعد الانتخابات، لأن العراق مر بتجارب سابقة كانت فيها الأوضاع الأمنية معقدة جدًا وكان هناك تهديدات إرهابية، ومع ذلك تم إجراء عدة دورات انتخابية في تلك الظروف، ولم تؤثر الأزمات الأمنية أو المالية على إجراء الانتخابات".
وأكمل قائلًا: "ما يؤجل الانتخابات هو مدى التوافق السياسي ومدى إمكانية المفوضية على إجراء الانتخابات في الموعد المحدد، وبالتالي هذا الأمر سيظل رهن الأشهر المقبلة التي ستحدد بشكل حاسم موعد إجراء الانتخابات النيابية المقبلة".
واختتم: "الانتخابات المقبلة مهمة جدًا، لأنها قد تجلب تغييرات كبيرة في المشهد العراقي، خاصة مع وجود قوى فشلت في أداء واجباتها، بالإضافة إلى تحالفات جديدة، وبالتالي نحن أمام مشهد سياسي متغير مع مرور الوقت، لكن في كل الأحوال، قد يتم تحديد موعد ثابت للانتخابات بعد منتصف 2025".