حصر التحقيقات بيد القضاء.. مطالبات تتعالى ومقترحات تتوالى لتعديل قانون أصول المحاكمات
انفوبلس/..
في الوقت الذي يشهد فيه العراق تحولات قضائية وتشريعية متسارعة، تبرز دعوات حقوقية وقانونية ملحّة لتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، خصوصًا في ما يتعلق بمرحلة التحقيق الابتدائي. إذ لا تزال مراكز الشرطة، في كثير من القضايا، تمارس دورًا تحقيقياً يُفترض أن يكون حصرًا بيد القضاة أو المحققين القضائيين المختصين.
هذا الواقع يُثير مخاوف جدّية من تعرّض حقوق المتهمين للانتهاك، ويدفع باتجاه إصلاح قانوني يضمن عدالة التحقيق وشفافيته، ويحصره ضمن السلطة القضائية حصراً، بعيدًا عن أي تأثيرات أمنية أو سياسية محتملة.
*إعفاء الداخلية
وأصدرت الحكومة العراقية توجيهات رسمية للأجهزة الأمنية تتضمن إلزام مراكز الشرطة وكافة دوائر التحقيق بتوثيق الإجراءات المتخذة بحق المتهمين عبر كاميرات فيديو مرتبطة بمديري التشكيلات والجهات الرقابية المختصة، وذلك في محاولة للحد من الانتهاكات وضمان مراقبة دقيقة لسير التحقيقات.
وشملت التوجيهات الجديدة وزارتي الداخلية والدفاع وجهازي الأمن الوطني والمخابرات، بهدف خلق بيئة أكثر التزاما بالقانون وحقوق الإنسان داخل غرف التوقيف.
في هذا الصدد، يقول المحامي فؤاد العايدي، "هل يعتبر هذا حلاً لأزمة التحقيق في مراكز الشرطة؟ بالتأكيد لا. مبيناً أن الحل الوحيد والذي من شأنه أن يقلل من حالات العنف ضد المتهمين هو إعفاء وزارة الداخلية من مهمة التحقيق وهذا لا يتم إلا عن طريق تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية وإلغاء المادة 50 منه والتي أعطت الحق من باب الاستثناء لضباط الشرطة بالتحقيق مع المتهمين".
وأضاف: "قانون أصول المحاكمات شُرِّع في عام 1971 وأعتقد في ذلك الوقت لم نكن نمتلك العدد الكافي من المحققين فأعطى المشرّع استثناءً لضباط الشرطة بالقيام بالتحقيق. هذه الإجازة الاستثنائية بقيت ليومنا هذا وتم التعامل معها على أنها أصل فأغلب مراكز الشرطة تقوم بمهمة التحقيق".
وتابع: "لا يمكن للشخص المسؤول عن الاعتقال أن يكون نفسه القائم بالتحقيق، وأقصد هنا الجهة بالكامل وليس الأشخاص بعينهم لأن هذه الحالة تولّد مشاكل كثيرة ترافق عملية الاعتقال فربما العملية تكون متعبة للضباط والمنتسبين او تتكرر لمرات متعددة حتى يتم الاعتقال أو ربما يسهرون ليالي في مراقبة متهم ما وهذا يولّد ردات فعل سلبية تجاه المتهم".
وأكمل، "الكتاب أدناه ممكن الالتفاف عليه بسهولة الكثير من المتهمين يتم تعذيبهم وعند توجيه الأسئلة لهم من قبل القاضي أو وكلائهم عن تعرضهم للتعذيب ينكرون بسبب الوعيد الذي يتلقونه من بعض الضباط، أماكن التعذيب مختلفة عن مكاتب التحقيق، لكي تكون العملية أكثر عدالة ولتوفير ضمانات المتهم القانونية وتكون الإجراءات القضائية أكثر اطمئناناً للناس لابد من إعفاء الداخلية من مهام التحقيق".
وأتم العايدي، بالقول: "على الحكومة أن تكون جادة أكثر باقتراحها لمشروع قانون تعدل قانون أصول المحاكمات الجزائية وإلغاء الاستثناءات التي أباحت لضباط الشرطة القيام بالتحقيق وإرساله للبرلمان".
*ماذا يتضمن المقترح النيابي؟
ويتضمن المقترح النيابي، تعديل المواد المتعلقة بصلاحيات الضباط في التحقيق الابتدائي وإلغاء دورهم المباشر في استجواب المتهمين، ونقل هذا النوع من المهام إلى محققين قضائيين يتبعون مجلس القضاء الأعلى، وذلك في إطار السعي إلى الحد من الانتهاكات التي كان آخرها حادثة وفاة المهندس بشير خالد، داخل زنزاته.
ويقول عضو اللجنة القانونية النيابية، عارف الحمامي، إن “هذا التوجه يمثل دعما لمسار العدالة، ويعزز من نزاهة الإجراءات التحقيقية المتخذة”، مبينا أن “نقل التحقيق الابتدائي من مراكز الشرطة إلى محققين تابعين للقضاء لا يتعارض مع القوانين النافذة، بل يعد إجراء قانونيا يمكن المضي به بعد تنسيق مشترك بين وزارة الداخلية والسلطة القضائية لضمان تطبيقه بصورة سليمة ومنضبطة”.
ويضيف الحمامي، إن “مجلس النواب لا يواجه أية إشكالات تشريعية بشأن هذا التعديل ولا يعترض عليه من حيث المبدأ”.
*تقديم المقترح
عضو اللجنة القانونية النائب محمد جاسم الخفاجي، قدم مقترحاً بشأن تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية وفي حال طُبق التعديل، فسيكون التحقيق مقتصراً على القضاة والمحققين القضائيين فقط، وليس في مراكز الشرطة.
من جهته كتب النائب ضياء الحسناوي، على فيسبوك، " ندعم بقوة مقترح تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971".
وأشار بالقول: "في إطار سعينا المستمر لحماية حقوق المواطنين وضمان العدالة، نعلن دعمنا الكامل لمقترح تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي تقدم به زميلنا النائب الدكتور محمد جاسم الخفاجي، والمحال إلى اللجنة القانونية النيابية لغرض دراسته وإدراجه ضمن جدول الأعمال في أقرب جلسة ممكنة".
وأكد، إن "هذا التعديل يأتي لمعالجة الكثير من المشكلات الخطيرة والمتراكمة التي تمس حقوق الناس وحرياتهم، وهو خطوة مهمة على طريق الإصلاح القانوني وتعزيز ثقة المواطن بالقضاء ومؤسسات الدولة".
*ضرورة ملحّة
بدوره، يقول الخبير القانوني صفاء اللامي، إن “تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية بات ضرورة ملحة للحد من الانتهاكات المتكررة التي ترافق التحقيقات داخل مراكز الشرطة”.
ويؤكد اللامي، إن “الاعترافات المنتزعة بالإكراه ما تزال تمثل تحديا أمام نزاهة الإجراءات القضائية، رغم أن الدستور العراقي في مادته الـ37 يجرم التعذيب، إلى جانب وجود نصوص صريحة في قانون العقوبات مثل المادة 333، فضلا عن التزامات العراق الدولية التي لم تجد طريقها إلى التطبيق العملي بشكل فعلي على الأرض”.
ويتابع، إن “ضعف آليات إثبات التعذيب داخل المحاكم يمثل عقبة أساسية في طريق محاسبة المتورطين، خصوصا في ظل صعوبة الحصول على أدلة أو شهادات من داخل المؤسسات الأمنية نفسها”، موضحا أن “القضايا التي ترفع ضد عناصر أمنية، نادرا ما تفضي إلى إدانات واضحة، في ظل غياب إجراءات فاعلة لحماية الضحايا أو الشهود، إلى جانب غياب قانون متكامل لجبر الضرر أو تعويض المتضررين من ضحايا الانتهاكات”.
وهزّت الأوساط العراقية مؤخرا واقعة وفاة المهندس الشاب بشير خالد لطيف، الذي فارق الحياة في 7 نيسان أبريل الجاري، بعد تعرضه لتعذيب قاس -وفق اتهامات نيابية- أثناء احتجازه في أحد مراكز الشرطة ببغداد.
وأثارت الحادثة موجة غضب شعبية واسعة، خاصة بعد تداول مقاطع فيديو تظهر تعرضه للاعتداء داخل مركز شرطة حطين، ما دفع العديد من الجهات الحقوقية والمدنية للمطالبة بتحقيق عاجل وشفاف، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، في أعقاب ذلك، وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة تحقيق عليا للكشف عن ملابسات الحادثة، فيما أعلنت وزارة الداخلية عن سلسلة من الإجراءات.
*الخبرة ضرورية
من جانبه، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، طالب اليساري، أن “من الضروري دعم المسار الجديد من خلال بناء محققين مؤهلين يمتلكون الخبرة والمعرفة في التعامل مع المتهمين وفق الأطر القانونية السليمة”.
ويلفت اليساري، إلى أن “تطبيق هذا التوجه يتطلب استعدادا عمليا يتجاوز النصوص”، مبينا أن “البنى التحتية اللازمة ما تزال بحاجة إلى تطوير حقيقي، سواء من حيث توفير الكاميرات في مختلف الأماكن والمواقع، أو أدوات جمع الأدلة وإجراءات التوثيق المرئي، فضلا عن تحديث آليات الرقابة والمحاسبة لضمان الالتزام الكامل بالقانون”.
ومنذ سنوات، تتوالى التقارير الصادرة عن منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، لتسلط الضوء على استمرار ظاهرة التعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز التوقيف والسجون العراقية، مشيرة إلى أن هذه الانتهاكات لا تزال تمارس في بعض المرافق الأمنية بشكل ممنهج أو بتواطؤ إداري، الأمر الذي يثير تساؤلات مستمرة بشأن التزام العراق بتعهداته الدولية، ومدى قدرة السلطات على فرض رقابة فعالة على آليات الاعتقال والتحقيق.


