حميد الغزي والدرجات الخاصة نموذجا.. هل كان الصدر منسحب فعلاً من العملية السياسية؟.. تعرف على حقيقة الانسحاب وحجمه الحقيقي
انفوبلس..
فتح احتمال عودة الصدر إلى العملية السياسية ملفات متعلقة بانسحابه منها، فبدأت التساؤلات عن حقيقة وجدّية ذلك الانسحاب، خصوصاً مع بقاء العديد من الشخصيات الصدرية في السلطة التنفيذية على رأسها أمين عام مجلس الوزراء حميد الغزي، فضلا عن مئات الشخصيات من أصحاب الدرجات الخاصة.
توجيهات الصدر لأتباعه عند الانسحاب كانت شاملة لكل الصدريين ولم تسثنِ أحداً، ولكن مع استقالة نواب الكتلة الصدرية في عام 2022 وبقاء التيار متمسكاً بمنصب الأمين العام لمجلس الوزراء والذي يشغله حميد الغزي، وعدم تطرقه لمناصب الدرجات الخاصة، كشفت أن خطوة الانسحاب ليست جادة تماما، إنما حركة سياسية ضاغطة تهدف للحصول على مكتسبات سياسية مستقبلية، وفق مراقبين.
في عام 2021، هدد الصدر بالانسحاب من العملية السياسية ومقاطعة الانتخابات ووجه أتباعه بالانسحاب من الحكومة، وصدرت بالفعل استقالات شكلية للعديد من الشخصيات الصدري، استثنت حميد الغزي الذي سارع مكتبه لنفي شائعات استقالته من منصبه.
بوادر التغيير
وفي تشرين الثاني من عام 2022، كشفت مصادر مطلعة أن المضايقات بدأت تلاحق موظفين محسوبين على التيار الصدري رغم تجنب رئيس الحكومة محمد شياع السوداني كسب عداوة التيار.
وجرت هذه التغييرات ضمن الصراع الشديد على الدرجات الخاصة، وجرى الحديث عن «انتزاع مناصب بالقوة» عبر وسائل متعددة مرة بالتهديد ومرة بتحريك دعاوى قضائية، ومرة أخرى باستخدام السوشيال ميديا لمهاجمة المسؤولين.
وفي الفترة الأولى للحكومة جرى تحريك نحو 7 مفاصل مهمة ضمن عشرات المؤسسات والهيئات المستقلة التي يتوقع أن يبدأ الزحف نحوها تدريجياً.
ويؤكد الإطار التنسيقي الذي شكل الحكومة، بأن التيار الصدري كان قد أزاح باقي القوى الشيعية عن الدرجات الخاصة (التي تُقدر بأكثر من 10 آلاف درجة) في السنوات الثلاث الأخيرة، وسيطر على 60% من تلك المواقع مقابل 30% لدولة القانون و10% لباقي القوى السياسية.
ولم يُحدَّد مصير المديرين والوكلاء والمستشارين في الوزارات العراقية ممن ينتمون إلى التيار الصدري، الذي اختار عدم المشاركة في حكومة محمد شياع السوداني، لا سيما أن المعمول به في العراق يقضي بإجراء تغييرات كثيرة في الوزارات، بناءً على وجهات نظر وخطط الأحزاب التي تمسك بالوزارات.
فعند تكليف حكومة جديدة تُجرى تعديلات تشمل استبدال مديري مكاتب الوزراء والوكلاء والفرق الاستشارية، وتبادلها بين الأحزاب، ما فتح أبواب التساؤل عن إقصاء واستبدال المسؤولين الصدريين في حكومة السوداني، بدافع التناوب الحزبي على الوزارات أو بدافع الانتقام.
ويتواجد الصدريون في كل الدوائر والوزارات والمؤسسات الأمنية، في مناصب مهمة وأساسية، وهي التي تُعرف بـ"الدرجات الخاصة"، ويجرون تسهيلات للتيار الصدري في كل المجالات، بما فيها الحصول على الصفقات والدرجات الوظيفية وتوزيع الأرباح وغيرها، وهم الأكثر نفوذاً، بفعل تأثيرهم السياسي في الفترات الماضية.
عُقدة المناصب
وقالت مصادر سياسية قريبة من مكتب السوداني، إن "المسؤولين الصدريين يمثلون عقدة بالنسبة للأحزاب التي شاركت في حكومة السوداني، وفي الوقت نفسه لم تصدر عن (زعيم التيار مقتدى الصدر) أي أوامر بشأنهم، كما جرى الحال مع النواب الذين استقالوا بناءً على طلبه".
وأضافت المصادر، إن "الأحزاب، وتحديداً الشيعية منها، ترى أن مناصب المسؤولين الصدريين لا بد من تغييرها، باعتبار أن التيار الصدري غير مشارك في تشكيل الحكومة، واختار الركون إلى المعارضة، لكن قادة من الإطار التنسيقي، بينهم هادي العامري وعمار الحكيم، وجدوا أن أي حراك لاستبدالهم سيؤدي إلى استفزاز الصدر، وسيُفهم على أنه إقصاء يستدعي التدخل".
وذكرت المصادر، إن "السوداني أرضى جميع الأحزاب في الوزارات والمناصب، ويرى أن هناك حاجة لإبقاء المسؤولين الصدريين لمنع أي صِدام مع التيار الصدري".
تغييرات الحكومة الجديدة
وفي أول جلسة لمجلس الوزراء العراقي، أصدر السوداني عدة توجيهات، أبرزها اختيار مديري مكاتب الوزراء من كوادر الوزارة حصراً.
ووجّه، في بيان صدر عن مكتبه عقب انتهاء الجلسة، بأن "تتم إجراءات عملية التسليم والاستلام ونقل المهام واستلام المسؤولية في الوزارات بهدوء وبشكل أصولي، والابتعاد عن اتخاذ القرارات المتسرعة، وإصدار أوامر تغييرات وتعديلات في الوزارة. أيضاً الابتعاد عن ممارسات الإلغاء والإقصاء، والأخذ بعين الاعتبار أن كل الموجودين هم موظفون في الدولة العراقية".
كما أوعز بأن "يجري اختيار مديري مكاتب الوزراء من كوادر الوزارة حصراً، وعدم الاستعانة بمدير مكتب من أي جهة سياسية، فالوزارات تزخر بالموظفين من ذوي الخبرة والنزاهة، المؤهلين لتولي هذه المهام".
وبين، أن "هذه الخطوة ستكون بمثابة رسالة اطمئنان للوزارة نفسها وموظفيها بأن الوزير مهني، ويبحث عن الأكثر جدارة وخبرة والأكفأ لتكليفه بتولي هذا الموقع". هذا الحديث فُسِّر على أنه رسالة تطمين إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بشأن بقاء منتدبيه في الوزارات.
رأي صدري
من جهته، بيَّن العضو البارز في التيار الصدري عصام حسين، أن "هناك نظاماً إدارياً في العراق لا بد أن يستمر، خصوصاً بعدما انتهى السجال السياسي بتشكيل حكومة محمد شياع السوداني، وامتناع التيار الصدري عن الاشتراك بها، وتصدّر الإطار التنسيقي الواجهة ليكون مسؤولاً عن نتائج هذه الحكومة".
ولفت، إلى أن "إدارة الدولة تخضع لنظام إداري، وليس من حق الإطار التنسيقي أن يقصي موظفيه إلا في حالات الفساد أو الفشل، أما إذا حدث ذلك بدافع الانتقام فإن هذا سيؤثر على عمل الدولة، وهناك الكثير من الخبرات الصدرية في الحكومة العراقية ودوائر الدولة".
وأشار إلى، أن "هناك كفاءات كبيرة في الدولة العراقية، من الممكن أن يواصلوا إنجاح مؤسساتهم، وإذا أبعدهم السوداني فإنه سيفشل، لأن فكرة تطهير الدولة من الصدريين لا تعني نجاح الخصوم، بل هو استفزاز غير منطقي، لكن ما نعرفه عن السوداني هو أنه لا يؤمن بالإقصاء ولا يريد الصِدام، وهو يسعى للنجاح".
وأوضح، أن "التيار الصدري ليس ضد السوداني، وهو لا يبحث عن إفشال حكومته، لأننا ننتظر إصلاحات حقيقية، ولن يكون التيار الصدري إلا مسانداً للسوداني في حال نجاحه".
غياب النوايا الانتقامية
بدوره، رأى المحلل السياسي كتاب الميزان أن "حكومة السوداني والإطار والكتل الداعمة لها، لن ينهجوا سياسة الانتقام من شخصيات التيار الصدري في المؤسسات الحكومية. ويبدو أن حكومة السوداني متجهة للتهدئة ومحاولة إرضاء الشارع بالعمل والخدمات نوعاً ما في مناطق الوسط والجنوب، لسحب البساط من التيار الصدري ومحاولة خلخلة الوضع لدى جماهيره عبر توفير البديل الشيعي للتيار".
واعتبر الميزان، أنه "سيتم التعامل مع المسؤولين الصدريين عبر إبقائهم في المناصب منعاً لاستفزازهم. أما أي اتجاه للإطاحة بالمسؤولين الصدريين فسيؤدي إلى غضب كل تنظيمات الصدر".
وعن صمت زعيم التيار الصدري، قال الميزان، إن "غياب الموقف الصدري الصريح إلى حد الآن، يعني أن هناك تفاهماً خفياً بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، وعلى أساسه تم تحديد إجراء الانتخابات المبكرة في مدة لا تتجاوز السنة الواحدة، وهو المطلب الأصيل لدى التيار الصدري".
من جهته، أشار عضو الإطار التنسيقي والنائب محمد الصيهود إلى أن "حكومة السوداني ليست انتقامية تجاه أي جهة. فإلى جانب التيار الصدري هناك جهات أخرى لم تشارك في الحكومة، مثل تيار (الحكمة) بزعامة عمار الحكيم، ولديه موظفون ومديرون ومناصب مهمة في الحكومة والوزارات، ولا توجد خطة لإقصاء أي طرف أو جهة سياسية".
وأكد الصيهود، أن "الاستحقاقات الانتخابية والحزبية لا يمكن تسميتها محاصصة، لأن هذه حقوق حزبية لا بد من التعامل معها بأمانة، وهذا ما نص عليه الدستور. بالتالي فإن تناوب الأحزاب على المناصب أمر طبيعي، وإلا فكيف يمكن إدارة الدولة من دون وجود أحزاب متنافسة؟".
وحتى منتصف عام 2023 الماضي أقالت الحكومة واستبدلت مواقع نحو 60 مديراً عاماً كوجبة أولى فيما رجحت مصادر أن يصل العدد النهائي الى ضعفي ما تم الإعلان عنه.
إرباك سياسي
وأثارت هذه التغييرات اعتراضات من احزاب سياسية بسبب آلية استبدال المسؤولين التي تعتمد على أن البديل من نفس الحزب الذي يسيطر على الوزارة او المؤسسة الحكومية.
كما أحدثت إرباكا في الوزارات والهيئات التي كانت تابعة لوزراء ومسؤولين من التيار الصدري المنسحب من العملية السياسية.
بالمقابل تقول الراوية الرسمية، إن عملية التغيير اعتمدت على لجان متخصصة من أكاديميين اضافة الى موظفين من مكتب رئيس الحكومة.
وشملت عملية تقييم المديرين أكثر من 400 مدير في الوزارات فقط.
وبحسب موازنة 2023، فإن أعداد الموظفين في فئة المدير العام تصل الى أكثر من 5 آلاف موظف ورواتبهم نحو 400 مليار دينار سنوياً.
وأفادت مصادر سياسية، أن عملية استبدال المديرين العامين ستكون وفق سياسة المحاصصة المتبعة في توزيع الوزراء.
وتتابع المصادر: سيكون المدير العام المستبدل من نفس الحزب الذي يسيطر على الوزارة او الهيئة الحكومية (في الحكومة الحالية) وهو ما قد يثير اعتراضات باستهداف سياسي لحزب دون آخر.
أما المشكلة الأكثر تعقيدا بحسب المصادر فهي إنه في الوزارات التي كانت ضمن حصة التيار الصدري في الحكومات السابقة ومازالت تضم كوادر من التيار.
وسبق أن كشفت أوساط شيعية أن عملية استبدال ما يُعرف بـ الدرجات الخاصة سيكون فيها تمدد على حصة الاحزاب التي خرجت من العملية السياسية، في إشارة الى التيار الصدري.
وبحسب تأكيد بعض الاطراف الشيعية، أن التيار الصدري كان قد سيطر على 60% من تلك الدرجات خلال حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي السابقتين.
وبهذا كان التيار قد أزاح دولة القانون بزعامة نوري المالكي عن هرم الوظائف المهمة التي كان يقبض على أكثر من 70% منها خلال فترتي حكومة المالكي الاولى والثانية (من 2006-2014) لكنه تراجع بعد ذلك الى 30%.
تجريف المناصب
وفي أواخر العام الماضي، رأى المحلل السياسي رافد العطواني، أن مناصب التيار الصدري في المؤسسات الحكومية تتعرض الى ما أسماه التجريف، فيما أشار الى إقصاء أكثر من ستين منصباً حتى الآن.
وقال العطواني، إن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لم يُعطِ أي منصب للصدريين بل تعرضت مناصبهم الى عملية تجريف وهناك أكثر من ستين منصباً بمستوى وكلاء ومديرين عامين ينتمون الى التيار الصدري تم إقصاؤهم وتوزيعها على قوى الاطار التنسيقي"، لافتا إلى أن "النية هي الإجهاز على ما تبقى من المناصب، لا سيما في ظل وجود اثنين من المحافظين التابعين للتيار الصدري".
وأضاف، إن "محاولة الإجهاز على كل المناصب للتيار الصدري في مؤسسات الدولة، تتبناها أغلب قوى الاطار، لا سيما وأن الاخير يملك الكثير من الشخصيات التي تبحث عن المناصب".
العطواني أشار أيضا إلى أن "زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ينظر الى قانون الانتخابات الجديد بأنه يخالف رأي المرجعية ولا يحقق العدالة الاجتماعية في توزيع اصوات الناخبين بشكل عادل"، مضيفا، أن "القوى الكلاسيكية المتهمة بالفساد تحاول من خلال القانون استمرار هيمنتها".